تونس.. بين فكي ارهاب "داعش" وانهيار الاقتصاد
الإثنين 23/مارس/2015 - 09:31 م
طباعة


متحف باردو
حتى صباح الأربعاء 18 مارس كانت الأعلام التونسية ترتفع أعلى البنايات والشوارع والميادين، اقترابا بالاحتفال باليوم الوطني للاستقلال عن فرنسا "20 مارس 1956"، ومن يتجول في مختلف الشوارع يلاحظ تواجد الأعلام التونسية بكثرة، ولافتات التذكير بالاحتفال باليوم الوطني. وميدان القصبة مهد الثورة التونسية بالقرب من مقر الحكومة يتواجد الأمن بدرجة أقل، وحركة السياح الأجانب والعرب تتزايد في البازارات والأسواق التي تشتهر بها منطقة السوق وزيارات مسجد الزيتونة لا تتوقف، مع تنامى لآمال بشأن موسم سياحي يعوض ما فات من أزمات وركود.
اصطدم المجتمع التونسي بل والعربي بمذبحة جديدة أطلق عليها البعض "مذبحة باردو"، نتيجة قيام مسلحين باقتحام متحف باردو الأثري في محاولة للتسلل إلى مقر مجلس البرلمان المجاور، وما ترتب عليه من مقتل 8 أفراد، ثم احتجاز عدد من الرهائن الأجانب، ما أدى إلى تدخل قوات الشرطة التونسية لمنع الإرهابيين من تنفيذ جريمتهم، وإطلاق النار عليهم، وهو ما أسفر في النهاية عن مقتل عدد من الرهائن والمسلحين، ليصبح العدد الإجمالي 23 قتيلاً.

الجنود ينتشرون حول المتحف
منذ هذه اللحظة وحدث استنفار شامل ليس في العاصمة التونسية بل في مختلف المدن التونسية، وتركز عدد من أفراد الشرطة أمام مقر الحكومة وكذلك ميدان القصبة وشارع الحبيب بورقيبة، وازدحمت اطرق المؤدية إلى وسط العاصمة، وعلى الجانب الآخر شوهدت عربات للجيش في الطريق الذي يربط ساحة باردو ومطار قرطاج، وانعكست هذه الخطوات على القوات المسئولة بتأمين مطار قرطاج، وتفتيش الركاب المشدد بشكل لا يقل عن المطارات الأوروبية.
من جانبه سارع الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية بالحديث عن استهداف متعمد للاقتصاد التونسي، وأن مثل هذه الجرائم تسعي لزعزعة استقرار الدولة التونسية، خاصة بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، متوعدا بحزمة من القرارات والإجراءات لمواجهة مخططات الإرهاب.
من جانبه اعترف رئيس الجمهورية التونسي الباجي قائد السبسي بوجود "خلل" أمني أدى إلى سهولة القيام بالاعتداء على متحف باردو، مشيرًا إلى أن الشرطة والمخابرات لم ينسقا تماما من أجل فرض الأمن" في المتحف.

السبسي
وشدد السبسي على أن هناك 3 إرهابيين قاموا بالعملية، واحد لا يزال بحالة فرار وتجري ملاحقته.
وسائل الاعلام التونسية من جانبها ركزت على تضامن الدول العربية والأجنبية مع الشعب التونسي في محنته، وكان هناك اهتمام خاص باتصال الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تم تسليط الضوء على هذه المكالمة لما تحمله من تضامن وتعزية، خاصة في ظل الحرب التي تشنها مصر على الإرهاب في سيناء وكثير من المحافظات.
وحتى الآن لا تزال ردود الفعل الغاضبة مستمرة بشأن العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو الأثري في تونس، مع تبني تنظيم داعش هذه العملية، في الوقت الذي يرى فيه الخبراء أن هذه العملية استهدفت400 سائح من رحلات بحرية وعواقب وخيمة على السياحة التونسية، خاصة أن هذه العملية جاءت مع بدء الموسم السياحي التونسي، وقبل يومين من الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني.

ألامن فى استنفار
ومع انتشار المظاهرات التضامنية مع ضحايا باردو، دعت تونس لمظاهرة حاشدة الأحد المقبل، وهو ما كشفت عنه وزيرة السياحة سلمى اللومي الرقيق التي أكدت أن رئاسة الجمهورية وبالتنسيق مع الحكومة والبرلمان يدعون لتنظيم مسيرة ضخمة بالعاصمة يدعى إليها قادة العالم بأسره تنديدا بالعملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت متحف باردو، خاصة أن هذه الجريمة التي تمس الاقتصاد التونسي في الصميم وتضرب السياحة التي تسهم بـ7% في الناتج الداخلي الخام لن تزيد الحكومة الحالية إلا إصرارًا على مزيد من العمل من أجل دعم أمن البلاد واستقرارها والخروج بها إلى بر الأمان وفق تعبيرها.
عدد من الخبراء الأمنيين يرون أن هذه العملية تستهدف السياحة التونسية المتضررة جرّاء ما يطلق عليها بـ"ثورة الياسمين"، خاصة مع تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية برحيل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وأن الاقتصاد التونسي يعانى من كبوة كبيرة والحكومة الجديدة تبحث الحصول على عدد من القروض من أجل تحقيق عدد من المشروعات التي تحقق التنمية، في الوقت الذي اعتبر فيه البعض الآخر أن التقصير الأمني هو سبب هذه المذبحة، وأنه ليس من المنطقي أن يدخل المسلحون إلى ساحة المتحف من المدخل الخاص به، وعدم توفير إجراءات أمنية للحفاظ على حياة السائحين والمواطنين التوانسة.
وتقوم السلطات التونسية حاليا بعمل استجواب لعدد من العناصر المشتبه فيهم، كما طلبت فرنسا إيفاد محققين وأعوان شرطة فرنسيين مختصين في مجال الارهاب للمشاركة في التحقيقات، خشية تواجد عناصر من ضمن المشتبه فيهم يقومون بالتحضير لعمليات إرهابية في أوروبا وخاصة فرنسا أو إيطاليا

الشرطة تواجه الارهاب
خبراء توانسة يرون أن هذه المذبحة ستكون لها تداعيات كارثية على السياحة التونسية التي تراجعت في الفترة الأخيرة، وانه ليس صدفة استهداف الاقتصاد الوطني في فترة الحجوزات لموسم الصيف الذي كانت وزارة السياحة تراهن عليه لإنعاش الاقتصاد وتجاوز الصعوبات، لكن بعد هذه العملية الاجرامية الغادرة يبدو ان إنقاذ موسم 2015 اصبح شبه مستحيل بعد سقوط 22 سائحا من جنسيات أوروبية وآسيوية بما سيترتب عن ذلك من صدى إعلامي سلبي في العالم، في الوقت الذى يري فيه البعض أن هذه الجريمة تمثل تطورًا نوعيًا في أساليب الإرهابيين، وهي رسالة واضحة للتونسيين بأن القادم أخطر فخلايا القتل انتشرت في كل جهات البلاد مستفيدة من حالة الإرباك الأمني وغياب الإرادة السياسية في القضاء على الإرهاب الذي يهدد حياة التونسيين وسلامة البلاد وسيادة الدولة، وما رفض تمرير قانون مكافحة الاٍرهاب الا دليل على غياب هذه الإرادة والتواطؤ السياسي مع الإرهابيين خلال حكم الترويكا.
المناقشات الإعلامية في القنوات التونسية تشير إلى أن استهداف متحف باردو برمزيته الثقافية والسياحية وبالقرب من مجلس نواب الشعب سيكون بداية لاستهداف المدارس والمعاهد والكليات والمراكز التجارية الكبرى ما لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة.

حيث يعتبر متحف باردو رمزا ثقافيا وسياحيا، يزخر بمجموعات أثرية نادرة وثمينة، افتتح المتحف في مايو 1888 تحت مسمى متحف العلوي، وكان في الماضي مقرا لبدايات العهد الحسيني، وتم تغيير اسمه عام 1956 واتخذ قسم منه مقرًا للبرلمان التونسي.
ومنذ وقوع الحادث، والعاصمة التونسية تشهد مزيد من الإجراءات الأمنية لمنع وقوع مزيد من الجرائم، وفرضت قوات الأمن كردونا حول مقر المتحف واغلاقه على أن يتم افتتاحه مجددا الثلاثاء القادم 24 مارس ، وكذلك إجراءات أمنية مكثفة أمام مستشفى شارل نيكول والتي يتواجد فيها عدد كبير من المصابين، مع توافد مسئولي الدولة والسفراء الأجانب للاطمئنان على الضحايا.