تقارب طالبان والشيعة.. هل تنجح "داعش" في توحيد الفرقاء في أفغانستان؟
الثلاثاء 24/مارس/2015 - 03:18 م
طباعة

فيما يبدو أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أفغانستان سيؤدي إلى وجود نوع من التقارب بين السُّنَّة والشيعة، خاصة من قبل حركة طالبان المتشددة، وتقدم في المصالحة والمفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية.
أفغانستان تعترف

بدأ تنظيم "داعش" يتنامى خلال الأشهر الأخيرة في مناطق مختلفة من أفغانستان؛ إذ يسود اعتقاد حول انضمام عدد من مقاتلي تنظيم القاعدة بأفغانستان إليه، وأقرت حكومة كابول للمرة الأولى، وبشكل رسمي، وجود تنظيم "داعش" على أراضيها، وقال الرئيس الأفغاني، محمد أشرف عبد الغني: إن التنظيم المسلح المسمى بـ"داعش" يرى أن أفغانستان موطئ قدم استراتيجي بالنسبة له، موضحًا أن "داعش" تسعى في أفغانستان لشن حرب في الشرق الأوسط، على نطاق واسع وإقامة دولة الخلافة.
وأوضح عبد الغني، في تصريحات له أوردتها وكالة أنباء "كاما" الأفغانية: "أن هناك أدلة كافية لإثبات أن تنظيم "داعش" يقوم بدراسة الوضع في أفغانستان لتكون موطئ قدم استراتيجي لهم، ولكن لدينا ما يكفي من الأدلة على أنهم كانوا يستهدفون أفغانستان وفقا لرؤيتهم، التي تتمحور حول جعلها دولة مركزية لهم"، مضيفًا أنه لحسن الحظ أنهم قاموا بمنع "داعش" من اتخاذ أي تصرف ضدهم.
وأشار عبد الغني إلى أن التنظيم المتطرف يعتقد أن الحرب النهائية التي سيتم حسمها في سوريا، ستكون على أيدي قوة من أفغانستان.
وقال مسئول البعثة الأممية في أفغانستان "نيكولاس هيسوم": "إن تنظيم الدولة الإسلامية لم يرسخ وجوده في البلاد، ولكن البعثة الأممية قلقة من احتمال أن يمنح فرصة لمتشددين معزولين بالانضمام إليه”. وقال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة "فلاديمير سافرونكوف": "إن موسكو قلقة بشأن تصاعد التهديد "الإرهابي" في أفغانستان وتوسع التنظيم جغرافيًّا".
وبدا تنظيم داعش، الذي بايعه القيادي الطالباني الملا عبدالرءوف في يناير 2015 وطالب أتباعه بمبايعته، يجتذب مقاتلين من طالبان، ويفرض وجوده على مناطق مختلفة في البلاد.
وبعد مقتل الملا عبدالرءوف في غارة جوية بطائرة من دون طيار، لم يتوقف تنظيم "داعش" عن تأسيس نفسه في أفغانستان مستوليا ليس فقط على المناطق التي يسيطر عليها مسلحون من طالبان، بل أيضا على مناطق سيطرة الحكومة، حتى أصبح لاعباً رئيسياً في تجارة الأفيون، وهي التجارة الأكثر ربحاً في أفغانستان.
وسيطرة داعش على معاقل طالبان باتت تتضح في عدة مناطق مثل هلمند؛ حيث تم استبدال راية طالبان البيضاء براية التنظيم السوداء.
وهذا تمدد يقرع أجراس الخطر، فتوغل داعش في آسيا سيكون له تداعيات خطيرة، ولا سيما إن تمكن من الوصول إلى باكستان، وفق مراقبين.
طالبان والشيعة

أدى ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في أفغانستان، إلى حالة من التقارب بين حركة طالبان المعروفة بعدائها للشيعة وبين الأقلية الشيعية لأول مرة في تاريخ أفغانستان.
إذ التقى العشائر "الشيعية" مع قادة حركة طالبان "السنية" في مدينة "غزنة" واتخذوا قرار مكافحة تنظيم داعش سويا.
وعشيرة الهزارة أقلية شيعية قتلوا بالآلاف أثناء فترة حكم حركة طالبان السنية المتشددة في التسعينيات، إلا أنهم لجئوا لخصمهم القديم سعياً للحماية مما يعتبرونه تهديداً أكبر: الملثمون الذين ينشطون في المنطقة ويطلقون على أنفسهم "داعش" في إشارة إلى متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال عبدالخالق يعقوبي أحد المشايخ، الذين حضروا الاجتماع الذي عقد في إقليم غزنة الشرقي: إن قادة طالبان وافقوا على مساعدتهم.
طالبان والحوار

اتجاه عشائر الشيعة إلى التوافق مع حركة طالبان السنية يؤكد على تغير السياسة لدى قادة الحركة، ليكون أكثر براجماتية في التعامل مع الأقليات بالبلاد؛ من أجل مواجهة خطر "داعش" الذي يهدد الحركة نفسها، كما يمهد إلى إنجاح الحوار بين حكومة الرئيس أشرف غني والحركة، في ظل صراع استمر لأكثر من عقد كامل.
في الماضي، رفضت حركة طالبان إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية، رغم أنها أعربت عن استعداداتها للحوار مع السلطات الأمريكية؛ كونها "القوة الحقيقية" في أفغانستان.
والآن تبذل كل من كابول وإسلام آباد وبكين الجهد، لإقناع حركة "طالبان" بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية. ويبدو أن هذه الجهود نجحت إلى حد ما؛ إذ أعلنت الحكومة الأفغانية على لسان أكثر من مسئول فيها، أن المفاوضات مع "طالبان" وشيكة، وقال الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله: إن الحوار البناء هو الحل الأخير والأنسب لحلحلة المعضلة الأمنية، وإن المفاوضات مع "طالبان" ستبدأ قريباً. فيما أعلن الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، بعد مشاورات مع القيادة السياسية والقبلية الأفغانية، أن الجهود المبذولة لحل الأزمة الأمنية مثمرة، وستأتي نتائجها قريباً، لكنه شدّد على أن لا مساومة على سيادة أفغانستان ووحدة أراضيها.
ورغم نفيها صحة التقارير الإعلامية التي أفادت بأن الحركة تتفاوض مع واشنطن، من خلال مكتبها في الدوحة، لمحت "طالبان" إلى التفاوض مع الحكومة الأفغانية، عبر تأكيدها أنها ترغب في إيجاد حل سلمي للمعضلة الأمنية، دون الإدلاء بأية تفاصيل.
طالبان تحارب "داعش"

ولأن ظهور "داعش" في أفغانستان يشكل تهديدا حقيقيا لوجود حركة طالبان، ويضعف موقفها في ظل انضمام عدد من أعضاء الحركة إلى تنظيم "داعش"؛ مما يضع مستقبل الحركة على المحك، فكان التوافق مع الأقلية الشيعية والسعي إلى إنجاح المصالحة مع حكومة الرئيس أشرف غني، والدخول في حرب لمواجهة تنظيم "داعش".
وفي نهاية يناير الماضي اعتقلت حركة طالبان الأفغانية زعيم جماعة "داعش" في أفغانستان المدعو الملا عبد الرءوف كاظم، والذي يقوم بتجنيد المسلحين إلى العراق مع 45 شخصا من مؤيديه في منطقة كاجاكي بإقليم هلمند جنوب أفغانستان.
وقال موقع "باجهوك" الأفغاني: إن "عبد الرءوف كاظم ومؤيديه ينتظرون حكم طالبان عليهم، بعد أن وجهت إليهم الحركة هناك تهمة التورط بأنشطة معادية لما يسمى بإمارة أفغانستان الإسلامية".
وكان عبد الرءوف كاظم يقاتل إلى جانب طالبان في السابق، وأعلن لاحقا مبايعته لجماعة "داعش"، وقام بتجميع الناس قسرا في منطقة كاجاكي، وقال لهم: إن زعيم طالبان المدعو الملا عمر لم يعد موجودا، وإن عليهم أن يدعموه الآن.
وكان زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي وصف زعيم طالبان الملا عمر بأنه "معتوه"، ولا يستحق أي مصداقية روحية أو سياسية، وأن جماعته (داعش) حققت في عامين ما لم تحققه طالبان في 10 سنوات.
المشهد الأفغاني

يبدو أن ظهور "داعش" في أفغانستان سيكون بردا وسلاما على البلاد التي تشهد صراعا منذ عشرات السنين، ففي ظل التوافق لأول مرة بين عشائر الشيعة الأفغان وحركة طالبان، بالتوازي مع وجود مفاوضات لإنجاح الحوار وإقرار السلم في البلاد، والجهود التي يبذلها الرئيس أشرف غني أحمد زاي، بمشاورته مع القيادة السياسية والقبلية الأفغانية، لمناقشة أبعاد المصالحة الوطنية الأفغانية- تؤكد على أن الفرقاء في أفغانستان يسعون إلى التوحد؛ من أجل مواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية.. فهل ستنجح "داعش" في توحيد الفرقاء الأفغان؟