سوريا.. معركة اليرموك "داعش" على أبواب دمشق
الأحد 05/أبريل/2015 - 01:52 م
طباعة

تمكن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من السيطرة على ما يقرب من 90% من مخيم اليرموك جنوبي دمشق، فيما تدور الاشتباكات بمنطقة المخيم القديم الفاصلة بين شارعي اليرموك وفلسطين.
أهمية مخيم اليرموك

ويضم مخيم اليرموك أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، حيث تجاوز عدد سكانه الـ 140 ألف نسمة، بما فيهم لاجئون فلسطينيون ومواطنون سوريون، ويقع في ريف العاصمة دمشق من الجهة الجنوبية، ويبعد عن قلبها بنحو 8 كيلومترات فقط.
وبقيت أعين جميع الفصائل المسلحة مشدودة نحو المخيم، الذي يعتبر الأقرب إلى مدخل العاصمة من الجهة الجنوبية، ومن يسيطر عليه يستطيع أن يشن هجمات على إحياء، مثل الزاهرة والميدان، وهو ما تحلم به جبهة «النصرة» فرع تنظيم القاعدة، والجيش الحر، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" التي ما زالت تراهن عن معركة قرب دمشق؛ ما شجعها على إفشال جميع محاولات الهدن وتحييد المخيم عن الصراع.
لذلك تعتبر السيطرة على مخيم اليرموك أحد أهم المكاسب للاقتراب خطوة إلى قلب العاصمة السورية دمشق، عبر أحيائها الجنوبية "الميدان" و"الزاهرة".
ومنذ انطلاق الأحداث في سوريا في عام 2011 شكلت عدة فصائل فلسطينية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في المخيم لجانا شعبية لإدارته، إلا أنه سرعان ما انتقلت السيطرة إلى أيدي عناصر من تنظيمات إسلامية متشددة، مثل "جبهة النصرة" وغيرها، التي اشتبكت مع القوات السورية وعناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة الموالية للنظام في المخيم؛ الأمر الذي أدى إلى نزوح الآلاف من سكانه، ومقتل المئات نتيجة للقصف والحصار والجوع.
أبرز فصائل المخيم

هناك العديد من الفصائل داخل المخيم سواء فصائل فلسطينية، أو فصائل سورية مسلحة معارضة للنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو عناصر موالية لجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وتنظيم الدولة الإسلامية.
وتقدر أعداد المسلحين في المخيم من «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة و«كتائب ابن تيمية» بما يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل بحسب مصادر ميدانية معارضة، وهم في الغالبية ينتمون إلى ذات المنطقة في جنوب دمشق، حيث تدين «ابن تيمية» بالولاء إلى «النصرة»، فيما تعتبر «أكناف بيت المقدس» الذراع العسكري لحركة «حماس» أحد اهم الفصائل الفلسطينية، والتي كان لها اليد الطولى في المخيم قبل 2011، وتفاهم وتتعاون بشكل أو بآخر مع الجماعات والفصائل السورية المسلحة المعارضة.
وتشكلت «أكناف بيت المقدس» من عناصر غالبيتها فلسطينية كانت تنتمي لفصائل مختلفة، لكن أكثرهم كانوا من حركة حماس الذين دعموا "الثورة السورية"، وهناك خلال فصائل جيش الإسلام ولواء الإسلام وأبابيل حوران، بالإضافة إلى احتشاد مقاتلين من «اللجان الشعبية»، التابعة لفصيلي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة» و«فتح الانتفاضة» في أطراف اليرموك الشمالية، بانتظار قرار الدخول إلى المخيم لمجابهة تقدّم «داعش» و«النصرة».
وكان خريطة التحالفات في المخيم، خلال العام الماضي لثلاث قوى رئيسية تهيم وتسيطر على اليرموك، وهي جبهة النصرة، وداعش، وأكناف بيت المقدس، إلى جانب تنظيمات سورية صغيرة مثل أحرار الشام وصقور الجولان.
وفي شهر أغسطس من العام الماضي اتفقت حركة حماس الفلسطينية وجبهة النصرة وطردتا "داعش" من المخيم، وبقي التحالف بين الطرفين قوياً حتى الأسبوع الماضي، حين عقد "داعش" اتفاقاً غير معلن مع النصرة، سهّلت على إثره الأخيرة دخول عناصر التنظيم إلى المخيم من جهة الحجر الأسود يوم الثلاثاء، لتندلع الاشتباكات.
وشهد المخيم العديد من الاشتباكات حيث فشلت جميع الاتفاقيات لتوقيع هدنة في مخيم اليرموك، والتي فاق عددها 15 اتفاقاً، أبرزها ما تم توقيعه في شباط العام 2014، وسقط بعد يومين على خلفية إعادة تمركز «النصرة» في نقاط وسط المخيم، ومعها كل من «كتائب ابن تيمية» و«أكناف بيت المقدس». ومنذ ذلك الحين تبسط هذه الفصائل سيطرتها على جزء من المخيم يتصل بكل من الحجر الأسود وشارع من حي التضامن، فيما تسيطر «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة» على مدخله لجهة حي الزاهرة وشارع نسرين في التضامن.
هجوم "داعش"

الهجوم المفاجئ لتنظيم "داعش" على مخيم اليرموك لم تعرف دوافعه بعد، وإن كانت الترجيحات تشير إلى تخطيط مسبق، كما يقول بعض المتابعين.
فعناصر التنظيم كانوا حتى قبل نهاية العام الماضي منتشرين في ببيلا ويلدا والتضامن، لكن كتائب المعارضة في تلك المناطق طردتهم من مناطقها بعد اشتباكات بين الطرفين.
وتقول بعض المصادر: إن التنظيم تم إحلاله خلال هذه الفترة بعناصر جدد من المناطق المجاورة خاصة "السبينة وحجيرة والبويضة".
ومع إحكام «داعش» قبضته نسبياً على مخيم اليرموك، فإن أبناء المناطق المجاورة سيحبسون أنفاسهم في الأيام القليلة المقبلة ترقباً لمصير ما سيجري.
ففي المحصلة بات عناصر «الدولة الإسلامية» على مقربة من مناطقهم، سواء تلك التي هادنت، مثل ببيلا، أو التي بقيت تحت سيطرة المسلحين مثل القدم والعسالي. ولدى «النصرة» و«داعش» قائمة حسابات طويلة لتصفيتها مع كتائب هذه البلدات، بعد أن أصبحت أكبر القوى المسلحة في الجنوب الدمشقي بعد عملهما المشترك، وبالتالي فإن احتمال الانتقام من المجموعات التي عملت على طرد الجبهة من بيت سحم وإضعافها في باقي المناطق بات أكبر من أي وقت مضى، فيما ستقف «أحرار الشام» في الغالب موقف الحياد على غرار ما فعلت في شمال سوريا.
ويضاف إلى ذلك أن تحكم القوتين معاً سيعني تغييراً في المعادلات الميدانية، وخطراً واسعاً يستهدف دمشق، سيكون عنوانه «داعش» لا «النصرة»، التي تؤكد المعلومات الميدانية تسليمها مقراتها الأمنية إلى «الدولة الإسلامية».
توحد الفصائل

فيما أعلنت ميليشيات فلسطينية مدعومة من الجيش العربي السوري ما أسمتها معركة تحرير مخيم اليرموك من تنظيمي "الدولة" و"النصرة".
وقال أمين سر "تحالف فصائل القوى الفلسطينية" خالد عبد المجيد في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": إنه "بعد استمرار الاشتباكات واحتدام المعارك بين تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" من جهة، و"أكناف بيت المقدس" من جهة أخرى، وإلحاق الأضرار الكبيرة بالمواطنين، تدخلت فصائل التحالف الفلسطيني المشكلة من الجبهة الشعبية، القيادة العامة وجبهة النضال الشعبي وحركة فتح الانتفاضة، بمساندة عناصر الجيش العربي السوري والدفاع الوطني، وقامت بدورها بالدفاع عن أهلها في مواجهة "داعش"، واستطاعت التقدم من عدة محاور".
وبحسب عبد المجيد، وصلت القوات السورية والتشكيلات العسكرية للفصائل الفلسطينية إلى جامع "الرجولة" وساحة "الطربوش"، وإن التقدم نفذ من أهم شارعين في المخيم، "فلسطين" و"اليرموك".
وأوضح المسئول الفلسطيني، أن المعارك مستمرة، "لإجبار داعش على الانسحاب خلفًا إلى المنطقة الجنوبية الشرقية"، وذلك بعد إعلانه السيطرة على 80% من مساحة المخيم.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني: الوضع في المخيم بـ "الخطير جداً". لافتا إلى أن "من يقاتل داعش في المخيم الآن، هم ما تبقّى من أكناف بيت المقدس، الذين رفضوا مبايعة التنظيم، بالإضافة إلى الحراك الشعبي الفلسطيني، والقيادة العامة وفتح الانتفاضة، الذين يقاتلون مع أكناف بيت المقدس ضد داعش".
من جهته أعلن "إسلام علوش" الناطق باسم "جيش الإسلام"، في حسابه على "تويتر"، عن تشكيل غرفة عمليات "القضاء على داعش"، والمؤلفة من جيش الإسلام وأبابيل حوران وشام الرسول، وإعلان استنفار القوات استنفارًا كاملًا، داعيًا كل الفصائل العاملة في جنوب العاصمة للانضمام لفك الحصار عن المخيم، قائلًا: "إنه لا وقت للحياد الآن".
وتحدث "علوش" عن تقدم القوات من أطراف المخيم والحجر الأسود وشارع عروبة وشارع الزين ومن جهة التضامن، وعن تراجع واضح لتنظيم الدولة، حسب قوله.
وأكد استمرار مساندة "أكناف بيت المقدس" التي تقاتل تنظيم "الدولة" وقوات الأسد في آن واحد، لافتًا إلى شح الذخيرة لدى المقاتلين.
حماس على الحياد

وفي موقف مخالف لمساعي الفصائل الفلسطينية لمواجهة تنظيم "داعش" طالبت حركة حماس بحقن الدماء في المخيم، دون مطالبها بمحاربة ومواجهة تنظيم الدولة الذي يسطر على أهم مقر للاجئين الفلسطينيين بالخارج.
ودعا إسماعيل هنية- نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في بيان أصدره مكتبه- كافة الجهات المعنيّة إلى العمل على "حقن فوري للدماء في مخيم اليرموك"، ووقف الاقتتال.
وفي ذات السياق، دعا عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق، جميع المسلحين في مخيم اليرموك، وقف الاقتتال فورا، وحقن دماء الفلسطينيين، وتجنيب الأهالي المحاصرين في المخيم مزيدًا من الألم والمعاناة من الجوع والعطش والمرض والقصف والقتل.
وحذّر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، من تدهور الوضع قائلاً "إذا أحكم داعش سيطرته على المخيم، فسيحوّله إلى ساحة قتال وجبهة أمامية للصدام مع النظام". وعزا المجدلاني التطورات الخطرة الحالية في مخيم اليرموك إلى "التغييرات الإقليمية والمحلية الأخيرة، التي غيرت خريطة التحالفات داخل المخيم".
الجيش السوري

وسعت قوات الجيش السوري من خلال دعم الفصائل الفلسطينية للعمل على التقدم بمخيم اليرموك الذي تحاصره بإحكام منذ أكثر من عامين، وخاصة من جهة شارع فلسطين، واحتلت هناك بعض الأبنية.
وأذاعت قناة الميادين، أن مقاتلي كل من أكناف بيت المقدس والقيادة العامة (التابعة لأحمد جبريل) وفتح الانتفاضة وجبهة النضال الشعبي، قد توحدوا للمشاركة في معركة تحرير المخيم من تنظيم الدولة.
وتحدثت الأنباء عن تعزيزات كبيرة لقوات الجيش السوري والقوى الموالية له على مدخل المخيم؛ وسلم عشرات المسلحين من الأكناف، أنفسهم للجبهة الشعبية (القيادة العامة في المخيم)، بعد محاصرتهم من تنظيم "داعش".
وأعلن القوات المسلحة السورية الاستنفار الكامل في صفوف قوات الدفاع الوطني من أجل اقتحام المخيم في أي وقت؛ نظرا للأهمية الاستراتيجية بالنسبة لخطة الدفاع عن العاصمة السورية دمشق، والسيطرة علي المخيم تهدد الأمن في العاصمة.
اليرموك الآن

يسعى "داعش" للسيطرة على مخيم اليرموك؛ لأنه يقربه خطوة كبيرة من العاصمة دمشق والتي فشلت الفصائل المسلحة المعارضة والجماعات المسلحة الأخرى كجبهة النصرة في فرض كلمتها علي المخيم، ويعتبر استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على المخيم الخطوة الأكثر خطورة على أمن دمشق؛ لأن اليرموك يعتبر أقرب نقطة للعاصمة السورية.. فهل يستطيع النظام السوري اقتحام المخيم وطرد "داعش" وباقي الفصائل المسلحة الأخرى، أم أن تنظيم الدولة سيفرض كلمته في اليرموك ويقترب خطوة من العاصمة؟