أحزان الآلام تقتل أفراح العيد الكبير لمسيحيي الشرق
الثلاثاء 07/أبريل/2015 - 05:01 م
طباعة

بأي حال عدت يا عيد؟ هذا هو لسان مسيحيي العراق وسوريا والأقباط العالقين بليبيا وهم يستقبلون هذه الأيام الاحتفالات المسيحية بأسبوع الآلام وأعياد القيامة
في ظل قتل وتهجير وتخريب للكنائس والأديرة؛ الأمر الذي وصفه بابا الفاتيكان بقوله: إن شهداء المسيحيين الآن أكثر من شهداء العصور الأولى؛ الأمر الذي عبر عن مقال الكاردينا تيموثي دولان رئيس أساقفة نيويورك، والذي نشرته الـ "سي إن إن"، وجاء فيه:
يصلي أكثر من ملياري مسيحي هذه الأيام في كل أنحاء العالم، متذكرين صلب وقيامة السيد المسيح. ففي ضوء المذبحة المأساوية التي لحقت بطلاب الجامعة المسيحيين في كينيا الخميس الماضي، والتهديد المستمر ضد المسيحيين في الدول الأخرى، نحن نطلب من مسيحيي العالم الصلاة، وتذكر ليس آلام صلب المسيح فقط، ولكن ما يعانيه المسيحيون في العالم من معاناة مثل قطع الرأس، والرجم بالحجارة، والاستعباد القسري، والاعتداء الجنسي، والاتجار بالبشر، والتحرش، والقصف، ونزوح مئات الآلاف من المسيحيين من ديارهم، وغيرها من المآسي، ليس لأي سبب سوى دينهم وإيمانهم، والذي جعلهم هدفا للمتطرفين الإسلاميين.
هذه المعاناة التي أدت إلى تدمير حياة الآلاف في دول مثل العراق وسوريا وليبيا وباكستان والهند ومصر وكينيا ونيجيريا.
الأمان فقط

في يونيو 2012، قال المطران العراقي شليمون وردوني في مؤتمر للأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأمريكية: "نرجو منكم المساعدة. نحن لا نريد غير السلام، والأمن، والحرية. أتضرع إليكم، نحن لا نريد مزيداً من الموت، ولا مزيداً من الانفجارات، ولا مزيداً من الظلم". ففي هذه الأيام معظم كنائس العراق محاطة بجدران إسمنتية لإيقاف الهجمات المترقبة.
وتصاعدت وتيرة هذه الأزمة بشكل كبير في الصيف الماضي عندما اجتاحت "داعش" بسرعة البرق محافظة نينوي في العراق، واستولت على مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة في البلاد. تلك المدينة التي كانت حتى عام 2014 وطناً مزدهراً للمسيحيين من الذين سكنوا فيها منذ عدة قرون قبل الإسلام.
وبالرغم من هذه المآسي المتكررة بحق المسيحيين، إلا أن العالم لم يستجيب ولم يرفع صوته ضدها والآن، الذي كان لا يمكن تصوره قد حدث، فقد تم تفريغ سهل نينوي العراقي من سكانه المسيحيين والذي عاشوا فيه منذ آلاف السنوات.
وضع كارثي
في 27 مارس الماضي، قال البطريرك الكلداني الكاثوليكي لويس رافائيل ساكو أمام مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، في إشارة إلى وضع المسيحيين في العراق: "إنه وضع كارثي". وهو على حق.
الاضطهاد
منذ القرن الأول الميلادي لم تواجه كنيسة الشرق مثل هذا الاضطهاد. فالمسيحية في الشرق والتي بنيت على أيدي الرسل الأوائل نفسهم منذ 2000 عام، في بلاد الرافدين بين دجلة والفرات، أصبحت اليوم آثاراً ورماداً، فاللاجئون يعيشون في وضع مُزْرٍ، وفي ظروف يرثى لها بدون سكن أو كنائس، ولا أمل في العودة إلى المنطقة حتى بعد أن تستقر.
وهؤلاء المسيحيون، سواء كانوا من الكاثوليك أو الأرثوذكس أو البروتستانت، هم متحدون بشراكتهم بإيمانهم المسيحي، وكما عبر عنه البابا فرانسيس "بشراكة الدم"، مع الاعتراف بأن المسيحية تشهد المزيد من الاستشهاد والمعاناة اليوم مما كانت عليه في القرن الأول، وهذه ليست أزمة مبالغ فيها أو مفتعلة.
تحطيم المسيحية

قالت مديرة مركز هدسون للحرية الدينية نينا شيا: "إن المسيحية في الشرق الأوسط تُحطم قطعة قطعة".
كما أننا ضد ما يقال بأن هذا الشر من قبل المتعصبين الدينيين هو انعكاس لتصرف غالبية المسلمين، الحقيقة أن المسلمين هم الضحية الأكبر لهؤلاء المتطرفين.
وبالرغم من أن المسيحية تواجه تهديداً للانقراض في عدة مناطق من العراق وسوريا، وأنها تواجه تهديداً متزايداً في دول مثل نيجيريا، ولكننا نتضامن مع الكلمات التي ألقاها ملك الأردن عبدالله الثاني في الخريف الماضي في الأمم المتحدة، حيث قال: "إن المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من [الشرق الأوسط] في ماضيه وحاضره ومستقبله".
ولكن عندما يكتب التاريخ عن هذه المرحلة، هل سنكون قادرين على القول إننا جربنا كل شيء في وسعنا لوقف هذه المحاولة للقضاء على 2000 عام من المسيحية من الشرق الأوسط، هل استنفذنا كل إمكانياتنا لوقف هذا التهديد قبل أن ينتشر إلى دول أخرى؟
المسيحيون في هذه الدول بحاجة ماسة إلى حبنا ودعمنا بشكل لم يسبق له مثيل، وهم بحاجة أيضاً إلى الأمن والحماية من العالم بشكل سريع.
وبمناسبة عيد الفصح نستذكر كلمات مسيحي قطع رأسه بسبب إيمانه. وهذا الرجل اعتنق المسيحية على الطريق إلى دمشق، وغير اسمه من شاول إلى بولس. ففي رسالة إلى مسيحيين يضطهدون في مكان آخر، وفي وقت آخر كتب: "صلوا لكي نسلم من الشر والأشرار".
أبشع الجرائم

ولعل الرسالة التي أرسلتها اللجنة المنظمة لمنظمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومستقبل الإيزيديين والمسيحيين في العراق لحكومة كردستان توضح الوضع المأساوي الكبير الذي يعيش فيها المسيحيون في ظل استقبال عيدهم الكبير وجاء بالرسالة.
تحية احترام وتقدير
بداية نهديكم أطيب تحياتنا وأمنياتنا الصادقة بموفور الصحة والسلامة والأمان لشعبنا العراقي والكردستاني، متمنين تحقيق الأماني في بناء كردستان لتكون واحة للتعايش السلمي وقبول الآخر، وفي الوقت ذاته نشد على أياديكم في ردع القوى الظلامية المتمثلة بتنظيم "داعش" الإرهابي، والمتحالفين معه من قوى تكفيرية وبعثية فاشية، وأن ما يفرحنا ونحن نعيش هذه الأيام من أعياد نوروز واكيتو (خاصة بالإيزيديين)، وقيامة المسيح (خاصة بالمسيحيين)، تلك الانتصارات التي يحققها أبناء كردستان من قوات البيشمركة الأبطال المجربين، والذين يقدمون الدماء من أجل كردستان حرة، إلا أن ما يحز بالنفس بعدم إنصاف الشعب الكلداني السرياني الآشوري المسيحي وهو يمر في أصعب وأدق مرحله في وجوده على أرض أجداده، بل هو قاب قوسين أو أدنى، واسمحوا لنا أن نكرر بما تقدمنا به من رسائل مكتوبة لرئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق في المسائل التي نؤكد لكم بأنها- من وجهة نظرنا- تؤثر سلبا على التعايش السلمي بين القوميات والإثنيات التي تعيش بإقليم كردستان العراق، إذا لم يتم معالجتها بالحكمة الضرورية والتي نوجز أهمها فيما يلي:
أولا: اقترف تنظيم داعش الإرهابي أبشع الجرائم بحق الأقليات في الموصل وسنجار وسهل نينوي.. جرائم إبادة جماعية؛ حيث تم سبي وخطف بنات وأبناء الإيزيديين والمسيحيين والشبك الشيعة والتركمان. وإذ نحيي الجهود المبذولة من جانب حكومة إقليم كردستان في سعيها الحثيث؛ من أجل تقديم المجرمين من تنظيم داعش الإرهابي للمحاكم العراقية والدولية؛ لما اقترفوه من جرائم فظيعة والعمل على رد الاعتبار للضحايا وإعادة المخطوفات والمخطوفين إلى ذويهم، نلاحظ أن عملها من خلال اللجنة العليا للجينوسايد المشكلة لمجلس الوزراء وممثلية حكومة كردستان في الاتحاد الأوربي/ بروكسل مقتصر على بنات شعبنا من الإيزيديات الكورد الذين نعتبر قضيتهم من أولويات عملنا وتحركنا الدءوب، سواء أكان في داخل العراق من خلال زياراتنا للمراجع الشيعية، أم من خلال عقد مؤتمر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومستقبل الايزيديين والمسيحيين في العراق، الذي انعقد في آربيل للفترة 8 و9 فبراير /2015، وكذلك بالنسبة لموقفنا في المؤتمر الذي انعقد في جنيف للفترة 17 و18 لمتابعة مقررات وتوصيات مؤتمر آربيل. إننا في الوقت الذي نقف مع ضحايا وسبايا الإيزيديات وأهاليهم؛ بسبب ما تعرضوا لهم من جرائم بشعة وإبادة جماعية وتطهير عرقي وثقافي. ولكننا نلاحظ بأن ممثل حكومتكم الموقرة في الخارج، وكذلك اللجان المشكلة من جانب الحكومة لا تبدي الاهتمام الضروري بما أصاب ويصيب المسيحيين والشبك الشيعة من عمليات خطف وسبي، ونعتقد أنكم مطالبون أيضاً كحكومة كردستانية بالدفاع عن مواطنات ومواطني مسيحيي شعب كردستان، على وفق المادة 5 من مسودة دستور إقليم كردستان، والتي تشير إلى أن شعب إقليم كردستان يتكون من الكرد والتركمان والعرب والشعب الكلداني السرياني الآشوري والأرمن … إلخ.
ولنا الثقة بأنكم تتفقون معنا بشأن هذه المادة من مسودة الدستور.
إننا، ومن خلال الرسالة الموجهة لحكومتكم الموقرة، نود أن نؤكد لكم بأن عدداً من النساء المسيحيات قد اختطفن من جانب قوى الشر والظلام تجاوز الثلاثين امرأة، في حين بلغ عدد الرجال المخطوفين بحدود العشرين. ويمكننا تقديم أسماء المختطفات والمختطفين لكم ولأي جهة مختصة بهذا الشأن. كما أن لدينا من وثائق وشهادات تؤكد بوجود مختطفات مسيحيات بعد سقوط الموصل وسنجار وسهل نينوي؛ لذا نطالبكم في العمل على السعي بالمطالبة بهم أيضا أسوة ببنات شعبنا من الإيزيديات والتنسيق بهذا الخصوص لرد الاعتبار للضحايا من أي كل المكومات.
ثانيا: نؤكد لكم بشأن ما جاء في الرسالة الموجهة لحكومتكم الموقرة من قبل الأمانة العامة لمنظمة أصدقاء برطلة لمناهضة التغيير الديموغرافي لمناطق المسيحيين في العراق في 14 / نوفمبر/2014 بخصوص الحفاظ على القرى والبلدات المحررة في سهل نينوي من التجاوزات، وعمليات السلب والنهب التي تخدش التعايش السلمي بين أبناء شعب كردستان العراق، ونحن على ثقة تامة بتفهمكم، إذ أن طروحاتنا تنطلق من إيماننا الراسخ بعمق العلاقة التي نطمح أن تكون صورة بهية ونموذجية في المنطقة، وأن لا تصبح بعض التصرفات والانتهاكات والخروقات هنا، وهناك أساس يتعكز عليه من لا يريد خيرا لما وصلت إليه تجربة كردستان العراق الفريدة من نوعها في الشرق الأوسط .