الدولي للدراسات السياسية بإيطاليا: التدخل في اليمن غير كاف للاستقرار السياسي

الأربعاء 08/أبريل/2015 - 01:58 م
طباعة  الدولي للدراسات
 
يرى الخبير الإيطالي ماتيو كولومبو والباحث في المعهد الدولي للدراسات السياسية بإيطاليا أن القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بالتدخل في اليمن يمثل حدثًا ذا أهمية كبرى على التوازنات داخل الشرق الأوسط. بحيث إن هذه العملية العسكرية تتميز بعاملين أساسيين من شأنهما ترسيم بداية مرحلة جديدة للديناميكيات بين دول المنطقة.
ويتجسد أول هذين العاملين في قدرة الرياض ـ ودون أي ضغوط من الولايات المتحدة ـ على تشكيل تحالف يضم جميع دول الخليج العربي، باستثناء سلطنة عمان، بالإضافة إلى مصر، والأردن، والمغرب، والسودان. ليتجلى هذا النجاح الدبلوماسي في: إما الثقل الاقتصادي، وإما الاستراتيجي للمملكة، وإما في قدرتها على إقناع حلفائها أن هذه العملية العسكرية هي الرد الحازم على محاولات إيران زيادة تأثيرها في المنطقة، من خلال دعمها للميليشيات الشيعية. والواقع أن من وجهة نظر الرياض، فإن تقدّم الحوثيين في اليمن (وهم اتحاد قبلي، وحركة ثورية شيعية، تسيطر الآن)- على الأقل- على ٩ محافظات من ٢١ محافظة يمنية) ـ قد يمثل انتصارًا لطهران في خِضم الصراع الشرق أوسطى بين الدول ذات الزعامة السنية وبين الجمهورية الإسلامية التي تقاتل أيضًا في لبنان وسوريا والعراق.
أما العامل الثاني، فيتمثل في أن الممالك الرئيسية في شبه الجزيرة العربية قد قررت التدخل في بلد ليس عضوًا بمجلس التعاون الخليجي، الذي يتكون من البحرين، والمملكة العربية السعودية، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والكويت. وعلى هذا الأساس، فقد شكلت غارات التحالف على الميليشيات الحوثية تغييرًا عميقًا بالنسبة لاستراتيجية هذه البلدان في سوريا وليبيا؛ حيث إن دول الخليج كانت قد قدمت دعمًا مميزًا لصالح الجماعات المسلحة الحاضرة بالفعل في المنطقة.
 الدولي للدراسات
ويؤكد الباحث على أن العوامل التي دفعت الرياض كذلك للتدخل مباشرةً في اليمن هو استيلاء الميليشيات الشيعية على مدينة "تعز"؛ لما لها من أهمية استراتيجية في هذه المنطقة المواجهة لمضيق باب المندب؛ حيث تمر من "عنق الزجاجة" هذا ما يقرب من ٣.٨ ملايين برميل من البترول يوميًا، وتمتلك السعودية الحصة الكبرى منها؛ لذلك ترى الرياض أن تَقدُّم الحوثيين من الممكن أن يسمح لطهران بممارسة نوع من السيطرة على أهم معْبَرَيْنِ لصادراتها البترولية، وهما مضيق هرمز، وباب المندب. ومن ثم فإن ذلك يمثل تهديدًا خطيرًا للمصالح الاقتصادية السعودية، وكذلك سلاحًا قويًا للابتزاز في يد الجانب الإيراني. فضلاً عن أن تقوية شوكة الحوثيين تهدد بزعزعة استقرار المناطق السعودية الواقعة على الحدود مع اليمن، التي يعيش فيها جزء من السكان السعوديين من أتباع المذهب الشيعي.
ويصل الباحث إلى أن قدرة الرياض على تشكيل هذا التحالف الواسع لوضع نهاية لتلك التوترات التي قسّمت الجانب السني، وظهورها كزعيم للتحالف الذي يتعارض مع إيران ـ يمثلان نجاحًا استراتيجيًا ودبلوماسيًا كبيرًا حققته المملكة. ومن بين الحكومات التي تدعم التدخل ضد الحوثيين هناك في الواقع حكومتا تركيا وقطر اللتان اتبعتا نهجًا سياسيًا خارجيًا لم يتلاءم دائمًا مع نهج المملكة ؛ لتنطلق بذلك هذه الوحدة للمعسكر السني من جديد في قمة جامعة الدول العربية الأخيرة التي انعقدت في شرم الشيخ في الفترة من ٢٧ إلى ٢٩ مارس الماضي، والتي تم فيها إقرار تشكيل وحدة عسكرية مشتركة من الدول العربية للتعامل مع مثل هذه المواقف المتأزمة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أكدت قمة شرم الشيخ على مركزية التحالف بين مصر والسعودية داخل الديناميكيات الإقليمية. إذ تتواجد أربع بارجات عسكرية مصرية على مضيق "باب المندب" تحمل مهمة السيطرة على هذا الجانب من البحر. غير أن هذه المبادرات قد تمثل مخاطر عدة؛ والسبب في ذلك يرجع إلى أن التحالف ليس لديه قوات مدربة للسيطرة على هذه المناطق الجبلية من شمال اليمن، التي يستطيع فيها المقاتلون الحوثيون تنظيم عمليات عسكرية ضد جنود البلاد العربية.
وإذا ما تعددت الشكوك على المستوى العسكري، فإنها ليست أقل تعقيدًا على نظيره السياسي والدبلوماسي؛ بحيث إن البلدان التي تعارض ميليشيات الثوار تفتقد الاستراتيجية المشتركة حول مستقبل اليمن. كما أن الرئيس "عبد ربه منصور هادي"، الذي شارك في القمة العربية في "شرم الشيخ"، أظهر عدم قدرته في الحصول على اعتراف سياسي كامل من قِبل النخبة ومن قِبل القبائل اليمنية، ومن قِبل الأجهزة العسكرية التي لا تزال على صلة بالرئيس السابق، "علي عبد الله صالح".
 الدولي للدراسات
وعلى المستوى الإقليمي، من الممكن أن تتضاعف الأزمة اليمنية من الخصام السعودي الإيراني؛ لتؤثر بذلك على ما هدفت إليه طهران خلال الأشهر الأخيرة بإمكانية ظهورها على المستوى الدولي كقوة تسهم في استقرار المنطقة. ولكن العملية العسكرية التي تقودها السعودية تخاطر بإجبار الجمهورية الإسلامية على تغيير سياستها الخارجية. ومن ثم فقد تحمل هذه الخيارات تداعيات خطيرة حتى فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، الذي بدا في الأسابيع الأخيرة وكأنه وصل إلى مرحلة حاسمة.
أما على الصعيد الداخلي فقد تُحدث الأزمة اليمنية انقسامًا فعليًا للبلاد إلى منطقتين، وفوضى عارمة، وانفجار للعنف الطائفي. 
ومن ثم، فقد يخاطر هذا المشهد بتدعيم الجماعات الجهادية الحاضرة في هذه الأراضي، خاصةً تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش" في شبه الجزيرة العربية. مع العلم بأن التنظيم الذي أسسه "بن لادن" حاضر منذ العديد من السنين في المناطق الجنوبية الغربية لليمن، ومن الممكن أن يعتمد على بعض المعاقل الموجودة في قلب البلاد. في الوقت ذاته، فبالرغم من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" قد نشط منذ أشهر قليلة فقط في اليمن، فإنه من الممكن أن يستفيد من ضعف الدولة المركزية، ليتجلى أمام السكان المحليين السنيين كالمدافع عن مصالحهم، مستعينًا بتغذية الشعور المعادي للجانب الشيعي.
وحتى اللحظة، يهدف التحالف، الذي تقوده السعودية إلى القضاء على تقدم الميليشيات الشيعية من خلال الغارات الجوية، غير أن ذلك لن يكفي لبسط الاستقرار السياسي في البلاد... إن تَعقُّد الوضع في اليمن يدعو إلى ضرورة طرح استراتيجية دبلوماسية أكثر اتساعًا، مع الوضع في الاعتبار افتراض أن أي حوار حول مستقبل هذا البلد لا يمكن فيه استبعاد الحوثيين والجماعات الداعمة لهم. وعلى العكس، فمن الممكن أن يتسبب التدخل الخارجي في زيادة الانقسامات بين طوائف ومناطق البلاد؛ الأمر الذي يجعل أي اتفاق مشترك حول مستقبل اليمن أكثر تعقيدًا.

شارك