الأزهر وعدم امتلاك رؤية واضحة لمواجهة التطرف وتجديد الخطاب الديني
الأربعاء 08/أبريل/2015 - 03:38 م
طباعة

في إطار محاولات مؤسسة الأزهر لمواجهة الفكر المتطرف وتلبية لدعوة الرئيس السيسي التي دوما ما يطلقها في كل حوار صحفي أو إعلامي بتجديد الخطاب الديني- ليس فقط بل مناداته بثورة دينية- عقد مكتب هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف اجتماعًا مطولًا، أمس الثلاثاء 7 أبريل 2015، برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اتخذ فيه مجموعة من القرارات المهمة، التي تُسهم بقوَّة في تجديد الفكر الإسلامي.
وتمثَّلت أبرز قرارات مكتب الهيئة في إطلاق مسابقة عالميَّة للفكر الإسلامي باسم الأزهر الشريف، يُستكتب فيها الباحثون والعلماء من كل مكان في أهم القضايا، التي تهم الأمة الإسلامية، وكذلك البدء في إجراءات إصدار سلسلةٍ من الكتب، التي تهتمُّ بالفكر الإسلامي يكون العدد الأول منها في مطلع شهر شعبان المُقبِل.
وتُركِّز هذه السلسلة على جوانب التجديد في الفكر الإسلامي في مجالاته المتنوعة وفقًا للضوابط الشرعية المعتبرة، وكذلك تصحيح المفاهيم المغلوطة.
كما قرَّر مكتب الهيئة في اجتماعه أيضًا البدء في الإعداد لندوة علمية مُوسَّعة الأسبوع المقبل، تتناول قضية التجديد ومجالاته وضوابطه، وذلك في إطار جهود الأزهر الشريف لمواجهة التيارات المتطرِّفة والأفكار الهدَّامة ونشر علوم الدين، وفق المنهج الوسطي الصحيح.
ومن اللافت للنظر أن تلك الخطوات التي يتخذها الأزهر لمواجهة ما يسمى بالأفكار الهدامة أو الفكر المتطرف لا ترتقي لمستوى الحدث، أو طموح الشعب والحكومة في مواجهة الإرهاب، أو تلك الأفكار التي يسميها هدامة، والتي لا بد أن تكون أكثر فعالية على أرض الواقع، فليس بمسابقة علمية أو عقد ندوة أو مؤتمر نستطيع مواجهة هذا الفكر الذي ينتشر كالنار في الهشيم، بل تتم المواجهة عبر مجموعة من الآليات المهمة، والتي ترتبط بأكثر من مؤسسة من مؤسسات الدولة؛ حيث يتم التنسيق بين مؤسسة الأزهر الشريف وباقي مؤسسات الدولة التي لها علاقة مباشرة بتشكيل الوعي الجمعي، مثل وزارة التعليم والشباب والثقافة، وكذلك الإعلام، ليس هذا فقط، بل لا بد من التنسيق بين مؤسسة الأزهر وتنظيمات المجتمع المدني في هذا الإطار، خصوصا تلك المنظمات المهتمة بالفكر والثقافة، على أن تتم فاعليات مباشرة مع الجمهور وعلى المدى الطويل، ومن بين أهم الأليات التي يجب تنفيذها بشكل ملح وسريع في نفس الوقت.
آليات المواجهة

لقد قدمنا هنا من قبل بعض الخطوات والاليات التي تساعدنا على مواجهة الإرهاب بعيدا عن الخطاب الإنشائي الذي تقدمه المؤسسات الدينية ومؤتمراتها، وتتضمن هذه النقاط:
1- العزوف عن استخدام العنف المضاد المتمثل في عنف الدولة لمواجهة أحداث العنف السياسي؛ لأن هذا الأسلوب أثبت فشله، وزاد من تغذية الكراهية بين الدولة والشعب وعمق الهوة بين القمة والقاعدة، وآخر مشاريع التنمية والتطوير؛ لذلك ينصح باعتماد أسلوب الحوار والمجادلة والإدماج والتشريك الفعلي في اتخاذ القرار والشورى الشعبية عن طريق الاستفتاء النزيه.
2- الأخذ بأسلوب التعددية السياسية والفكرية كقاعدة للمشاركة في تسيير شئون المجتمع مع احترام قيم الجدارة والكفاءة في تحمل المسئوليات؛ وذلك بأن تحاول الأنظمة تقوية شرعيتها من خلال احترامها لقدرات مواطنيها على الفعل والتفكير، ونبذ النزاعات الانفصالية والقطرية والطائفية والمذهبية التي تؤدي إلى التناحر.
3- ضرورة التخلي عن السلفية الفكرية والأصولية الأيديولوجية؛ لكونها عقيدة تغذي الصراع والتقاتل بالتقليل من أهمية المؤثرات الخارجية في الحياة السياسية الداخلية، والتركيز على الدور المركزي الذي تلعبه المؤثرات الداخلية، والتشجيع على صناعة القرار، من خلال إرادة وطنية.
كما ينبغي التركيز على خلق بديل حضاري يستمد مشروعيته من قدرته على تجسيد مصالح الأغلبية لا بالقول والادعاء بل بالفعل والعزيمة والعمل الصالح الذي يضعه الناس بأيديهم كرد فعل طبيعي بالتحديات التي تواجهها وتمس وجودها القومي وكيانها الثقافي.
4- تشجيع نظم التربية التي تساعد الإنسان على تكييف مظاهر العدوانية؛ لأن التربية تلعب دورًا حاسمًا في حل هذه النزاعات، وذلك بتسهيل ظهور مواقف مبنية على التفهم العفوي تستبدل الصراع من أجل النفوذ وارادة الهيمنة بقواعد سلمية لفرض الذات، مثل الرهان واللعب والمنافسة، إنه يمكن وضع هذه العدوانية الجماعية في خدمة الحياة بدلا عن وضعها في خدمة الموت، ويتم ذلك من خلال ضبط هذه القوى المتميزة تحويلًا وتصعيدا؛ وذلك بتوجيه قسم منها ضد العالم الخارجي، والقسم الآخر ضد نفسه.
5- لا بد من تغيير النظام الثقافي تغييرًا جذريا وتفكيك الثقافة التي تحاصرنا، بإفساح المجال أمام طبقة ناشئة غير مستعدة فكريا لتعبر عن القيم التي تحملها، كما ينبغي أن تفسح الثقافة الرسمية المجال للثقافة الشعبية في نظامها الهيكلي، وينبغي أن يكون النقد الأساسي موجها ضد الثقافة السائدة، وأن يدور بالأساس حول المجتمع الاستهلاكي والثقافة الاستعراضية التي تعيد إنتاج الوضع السائد، وذلك بتحديد وتجديد الأهداف الإنسانية للفعل البشري.

6- إن اجتثاث الإرهاب يمر عبر التقليل من الضغوط الاجتماعية والسياسية والأطماع الاستعمارية التوسعية والاستيطانية؛ حتى لا تثار حركات التمرد أو الاعتراض، فتاريخ البشر يحدثنا عن تحركات عديدة أشعلها تفاقم البؤس الجسدي والظلم الاجتماعي والتدخل الأجنبي، مثل الأوضاع التي تمس الإنسان في كرامته وتعتدي على مقدساته وشرفه، والتي هي أكثر انفجارية وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأحوال الشخصية.
من هنا لا بد من تمكين الشعوب من حرية تقرير مصيرها وإعطائها الاستقلال واحترام سيادتها الكاملة على أراضيها، والكف عن التدخل السافر في شئونها الداخلية، والاعتراف بحق وخصوصية ثقافتها.
7- لا بد من إعادة تعريف السياسة لتصبح ناتجة عن حصيلة العلاقات القائمة بين من يمارسون السلطة ومن يطيعونها ولتكن السلطة قائمة على الاقناع وليس على الاكراه، هذا لا يعني أن الإقناع وحده يكفي إلا أنه جوهري، فالضغط للأسف ضروري، ولكنه قد يؤدي إلى الاستبداد؛ لهذا يمكن أن ننظر إلى المقاومة السلمية الثقافية التي يبديها شعب بأسره على أنها في الغالب سلاح حاسم لإيقاف عجلة العنف الأعمى.
لذلك لا بد من إعادة بناء ثقافة سياسية جديدة تقوم على الديمقراطية وتعمل على تحديد السلطات، ولا تفرض سيطرة سياسية على المجتمع المدني؛ لأن " السلطة السياسية لا تمارس حيال أشياء لا حياة فيها بل حيال بشر يجب أولا وقبل كل شيء إقناعهم."
8- المطلوب اليوم بالمعنى الدقيق للكلمة التفكير بحرية حتى تنشأ ثقافة فلسفية جديدة تعيد تأصيل العلاقة العتيقة بين النظرية والممارسة، وذلك بهدف تحرير النظرية من الممارسات المخجلة والمشوهة وتحرير الممارسة من النظريات المسقطة ومعوقات المذهبية، حتى لا يقع تضليل الممارسة والهيمنة عليها من طرف النظرية، وحتى لا يقع تمييع النظرية وجعلها تنقلب على نفسها.
9- مراجعة المناهج التعليمية عموما، والأزهرية على وجه الخصوص، وتنقيحها وحذف ما فيها من مواد تحض على التطرف والإرهاب وعدم قبول الآخر.
10- تطبيق مواد الدستور المتعلقة بعدم إنشاء أحزاب على أسس دينية، وأيضا عدم عمل تلك الجماعات التي تسمي نفسها إسلامية بالسياسة.
11- تجديد الخطاب الديني على أن لا يكون مقصورًا على هؤلاء الذين يتبعون المناهج القديمة في الأزهر وخلافه، بل يكون حوار امجتمعي حول الأطروحات التي يقدمها الباحثون في مجال الدراسات الإسلامية.
12- عدم إغفال الحل الأمني؛ شريطة أن يكون في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان.
13- الاهتمام بالمناطق الفقيرة والأشد فقرًا ومحاولة تطويرها ونشر التعليم بها، وتبني مفهوم التنمية الشاملة حيث إنه لا توجد تنمية دون تعليم وقبول الآخر.
14- مراجعة المواد الإعلامية والفضائيات التي تتبنى خطابا طائفيا بدرجة من الدرجات، ووضع ميثاق شرف إعلامي احترافي بعيدًا عن المزايدات في العداء للآخر أيا كان هذا الآخر.
15- يوجد الكثير من المراكز البحثية التي تعمل على ملف الإرهاب والحركات الإسلامية في مصر، سواء أكان على المستوى الأمني أو المستوى الفكري، فيجب التنسيق بين هذه المراكز من ناحية ومن ناحية أخرى التنسيق بينها وبين الدولة لتبادل وجهات النظر في حال المواجهة.
بهذه الآليات نبتعد كل البعد عن المواجهة الصوتية والتي نرددها في الوسائل الإعلامية المختلفة، سواء كانت قنوات فضائية أو منابر للمساجد أو مؤتمرات، فلابد من الحلول العملية والمواجهة من الجذور ليس فقط مواجهة من يحمل السلاح بل أيضا مواجهة من يبث هذا الفكر الإرهابي والمتطرف في المناهج التعليمية وعبر الوسائل الإعلامية المختلفة.