العراق يتجه نحو حرب أهلية نظرا لتراجع الدعم الأمريكي والحرب السورية

الإثنين 09/يونيو/2014 - 02:31 م
طباعة العراق يتجه نحو حرب
 
أفاد الفريق الركن محمد الغرواي قائد عمليات نينوي بالسماح لأئمة وخطباء جوامع الموصل بتوجيه المواطنين بحمل السلاح للتصدي للمسلحين، ومساندة القوات الأمنية بعدما قامت الجماعات المسلحة بهجوم واسع في الأحياء الشمالية والغربية من مدينة الموصل منذ فجر يوم الجمعة الماضية، وتستمر حتى اليوم الاثنين التاسع من يونيو؛ مما قد ينذر بحرب أهلية.
يرى الباحث جوزف ساسون (أستاذ جامعة جورج تاون، ومؤلف كتاب حزب البعث لصدام حسين)- أن السبب المباشر في تدهور الأوضاع في العراق يرجع إلي تخلي الإدارة الأمريكية عن دعم العراق في مواجهة الإرهاب، واستعرض خلال دراسة قام بنشرها مؤخراً مستقبل الطائفية في العراق في ظل توقف الدعم الأمريكي. 
ويري ساسون أن الأحداث الصاخبة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط هي ما أدت إلى تراجع العراق بالنسبة إلى أولويات الإدارة الأمريكية ولا تبدو الأحداث الحالية مبرراً منطقياً لتوقف هذا الدعم، خاصة مع تزايد حدة العنف، ومقتل الآلاف من المدنيين وارتفاع أعداد الجرحى منذ بداية هذا العام خاصة مع وضوح الرؤية التي تؤكد أن نوري المالكي يقود البلاد الى نمط جديد من الحكم الاستبدادي.

أوباما والمالكي
أوباما والمالكي
ويأتي تراجع العراق إلى أسفل سلم الاهتمامات الرئيسة بالنسبة للإدارة الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب القضايا التي طرأت على المنطقة، ومن بينها الحرب الدائرة في سوريا، وعزل جماعة الإخوان المسلمين سياسياً في مصر، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات الإسرائيليةـ الفلسطينية؛ مما أدى الى تراجع العراق ليكون في أسفل قائمة أولويات الرئيس باراك أوباما. 
وهو خطأ كبير تقع فيه الإدارة الأمريكية خاصة وأن العراق رقماً مهما في المعادلة التي تشمل هذه +القضايا الثلاث الملتهبة، بخاصة القضيتين الأوليين، وبينما تحاول الإدارة قراءة ما ينتوي الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، يمكن للعراق أن يكون محور مهما في بناء جسر لتحسين علاقات الغرب مع إيران، على الرغم من أن لدى رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، علاقات متينة مع إيران، كما أن هناك نفوذا إيرانيا قويا على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العراق، ومن الخطأ أن نفكر في العراق على أنه مجرد بَيْدَق بيد إيران.
بينما تجري جميع هذه الأحداث المأساوية في المنطقة، يستمر الوضع الأمني في العراق بالتدهور فمنذ بداية عام 2013 ، قتل حوالي  4000 شخص وجرح  أكثر من 10000، معظمهم من المدنيين ، في حوادث العنف عبر العراق وتعتبر الأرقام السابقة هي أعلى مستويات العنف منذ عام 2008 ، ما يثير المخاوف من تجدد الصراع الطائفي بين السنة والشيعة. 
يأتي ذلك مع الفشل الذريع للأجهزة الامنية العراقية والحكومية في وقف إراقة الدماء، الأمر الذي يعيد إلي ذاكرتنا الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 2005 و 2007 . 
وفي الوقت نفسه، فإن صادرات العراق من النفط يصيبها الركود في مقابل توقعات متفائلة بالوصول إلى نحو 3.5 ملايين برميل يوميا، مع إنتاج العراق من النفط الخام بمعدل 2.9 ملايين برميل يومياً، على غرار العام الماضي. 
وبينما يجثم العراق على أكثر من 140 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، فإن ثروة البلاد لا يتم توزيعها بشكل صحيح، ولا تزال البنية التحتية في حالة بائسة؛ فالفساد منتشر في جميع قطاعات الاقتصاد العراقي، وقد فشلت كل المحاولات للحد من انتشاره؛ لأن هناك تساهلاً إزاء قسم كبير من الفساد، فالعراق لم يتطور أبدا في الدينامو الاقتصادي الذي كانت الولايات المتحدة تأمل به في أعقاب الغزو عام 2003. 
في هذه الأثناء، يواصل الأكراد تطوير حقولهم النفطية، مستفيدين من الفوضى السائدة في المنطقة وعدم وجود أي مفاوضات بناءة مع بغداد، وبتعزيز علاقاتهم مع الأتراك ودعم إخوتهم الكرد في سوريا ( وفتح حدودهم أمام الآلاف من اللاجئين الأكراد )؛ مما يعطي كردستان يداً قوية في اللعبة السياسية والاقتصادية الإقليمية.
وهناك أكثر من مجرد إشارة تدل على أن رئيس الوزراء نوري المالكي يعمل على نقل العراق إلى نظام جديد من الحكم الاستبدادي، ففي أواخر شهر أغسطس، مهدت أعلى محكمة في العراق الطريق أمام المالكي لترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات، من خلال الإعلان عن أن قانوناً كان صدر سابقاً في البرلمان لمنع استمرار هيمنة المالكي هو قانون غير دستوري. 

العراق يتجه نحو حرب
وطوال فترة ولايته التي امتدت سبع سنوات كرئيس للوزراء، "نفذ المالكي إستراتيجية (فرِّق تسد) التي قام بواسطتها بإقصاء أي قيادة سنية ذات مصداقية" والأدلة تتزايد على أن المالكي مستمر في "محاولاته لتركيز السلطة في يديه وأيدي حلفائه".
ويتسبب التدهور الحالي في إشعال الصراع الطائفي حيث المئات من المدنيين الأبرياء هم الهدف من الهجمات الإرهابية اليوميةـ ومعظمها يتم تنفيذها بكفاءة من قبل تنظيم القاعدة الذي استعاد نشاطهـ إلى جانب نمط جديد من الاستبداد والفساد السائد، كلها أمور لا تبشر بالخير بالنسبة للبلد أو للسياسة الأمريكية في المنطقة.

ليس هناك شك في أن الحرب الأهلية في سوريا قد أثرت سلباً على العلاقات الطائفية في العراق، إذ تشير جميع التقارير إلى أن تنظيم القاعدة يتعزز ويقوى وينجح في تجنيد الجهاديين من كلا البلدين، وهو ما انعكس بزيادة خطيرة في التفجيرات الانتحارية ضد الأهداف المدنية الشيعية وأدى بالفعل إلى إعادة تسليح الميليشيات الشيعية رداً على ذلك. 
وهناك تقارير عن الشيعة العراقيين بأنهم يتطوعون للقتال لصالح نظام بشار الأسد داخل سوريا، وبأن السنة العراقيين يسافرون إلى سوريا للقتال لصالح المعارضة، وقد فشلت الإدارة الأمريكية في ممارسة ضغوط كافية على العراق لمنع نقل الأسلحة والرجال (ومعظمهم من إيران) إلى سوريا. 
كما رفضت الحكومة العراقية، مراراً وتكراراً، طلب الولايات المتحدة وضع حد لرحلات الشحن الإيرانية إلى سوريا والتي تحمل أطنانا من الأسلحة، وتصر على القول بأن هذه الطائرات تحمل مساعدات إنسانية فقط وما يثير الاهتمام والفضول، هو أنه بعد عقود من الجفاء الشديد بين فصيليْ حزب البعث في العراق وسوريا، تطور مثلث جديد مؤلف من إيران، سوريا والعراق، مما فاقم الانقسامات المذهبية القديمة في العراق.
وتكررت محاولات وزير الخارجية جون كيري لإقناع القيادة العراقية خلال زيارته لبغداد في مارس عام 2013 بوقف السماح بتحويل الأسلحة والمقاتلين من إيران الى سوريا عبر العراق كون دعم العراق مهما لسوريا سياسياً، عسكرياً، مالياً، واقتصاديا على وجه الخصوص، نظراً للعقوبات الشديدة المفروضة على نظام الأسد. 
وتجدر الإشارة إلى أن زيارة كيري جاءت بعد أربع سنوات لم يزر فيها وزير الخارجية الأمريكية العراق، وهي حقيقة تشير في حد ذاتها إلى مدى تحويل الإدارة الأمريكية بؤرة تركيزها عن العراق بمجرد أن غادرت القوات الأمريكية العراق في نهاية عام 2011 في الواقع، لقد تركزت معظم الزيارات التي يقوم بها الدبلوماسيون والساسة الأمريكيون منذ نهاية عام 2011 حول الوضع في سوريا، ويفترض التأكيد مجددا على التزام الولايات المتحدة بأمن العراق.
إن ترك العراق يتابع مساره الحالي واندفاعه في حرب أهلية أخرى سيكون أمراً كارثياً: وسوف يستمر الصراع الطائفي والمذهبي بالتدهور، ما يضمن أن تكون للمتطرفين الإسلاميين اليد العليا، ويؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يفرض على العديد من الشباب مغادرة البلاد للحصول على المزيد من الفرص الآمنة، والبنية التحتية الأفضل في مكان آخر.
وبدأت بالفعل هجرة الأدمغة في عام 2003 واكتسبت زخماً خلال الحرب الأهلية 2005-2007 مما حرم البلاد من العديد من المهنيين، وأدت إلى إفقار أجهزتها المدنية.

العراق يتجه نحو حرب
 ومن المرجح أن تستمر هذه الهجرة؛ نظراً لانعدام الأمن وانتشار الفساد إلى جانب وجود اللامبالاة العامة من جانب الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أننا قد لا نشهد حربا أهلية طائفية قياسا بعام 2005، فإن بإمكان الوضع الأمني المتدهور، أن يحرم البلاد من أي استثمارات جدية، وهذه الزيادة في العنف الطائفي تمهد الطريق، بالتأكيد، لمزيد من التسلط وضمان استمرار المالكي وزمرته الداخلية كمسيطرين على البلاد، وبالرغم من أن البعض دعا المالكي للرحيل، لكن هذا ليس حلاً واقعياً في هذه المرحلة: فالمالكي راسخ جداً وينبغي لأصحاب الجهد المبذول التركيز على وضع حد لهذه المذابح المدنية من خلال إشراك جميع الأطراف.
هناك خيوط تربط جميع هذه القضايا في المنطقة  فالعراق ضعيف، ويفتقر إلى الأمن والازدهار؛ مما يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمات؛ ونظراً إلى الأحداث الأخيرة في مصر، تعتبر الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى حليف مستقر وموثوق به، ديمقراطي، ومزدهر.
 وينبغي للولايات المتحدة أن تتحاور مع الدول المجاورة للعراق في محاولة جادة للحد من العنف على الأقل. إن علاقات العراق مع غيره من دول الخليج العربي دونها معوقات بسبب الموقف السياسي الذي يستبعد أي تعاون اقتصادي جدي، ولا يمكن لعلاقات الولايات المتحدة مع العراق أن تستند، وببساطة، إلى مبيعات الأسلحة و"المشاورات" من وقت لآخر، من دون صنع أي تأثير جدي، حيث لا يزال بإمكان الولايات المتحدة- ويجب عليها- فرض المزيد من الضغوط على المالكي؛ من أجل لعب دور بناء في المنطقة، ومنع العراق من الانزلاق إلى نوع جديد من النظام الاستبدادي.

شارك