"حفتر" في الأردن.. هل تنجح مساعي قائد الجيش في عودة استقرار ليبيا؟
الثلاثاء 14/أبريل/2015 - 12:23 م
طباعة

على الرغم من الصراعات التي ما زالت دائرة في الأراضي الليبية، وتوالي الاتهامات للأطراف المتنازعة بعضها لبعض، فإن معظم القيادات الحالية في ليبيا غير حريصة على مصلحة البلاد، فكل من الأطراف المتنازعة يبحث عن مصالحه الشخصية التي تقوده إلى الهدف الذي يسعى من أجله.
الاحتفال بالانتصار قبل تحقيقه

رغم تفاقم الأوضاع يوما عن الآخر، فإن القائد العام للقوات المسلحة الليبية اللواء خليفة حفتر، الذي عينته الحكومة المعترف بها دوليا قائدًا عاما للجيش الليبي، غير مدرك خطورة الأوضاع التي طالت بلاده، وراح يتوجه إلى هنا وهناك بحجة أن البلاد التي يزورها ستقف بجانب جيشه وتدعمه بالسلاح، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه في الوقت الحالي؛ حيث إن مجلس الأمن رفض من قبل رفع حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، وحينذاك قالت الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا: إن حظر السلاح يضر بقدراتها الدفاعية في مواجهة انتشار تنظيم "الدولة الإسلامية، وحث القرار لجنة العقوبات على ليبيا التابعة للأمم المتحدة أن تدرس على وجه السرعة طلب الحكومة الليبية باستثناء بعض الأسلحة من الحظر.
وفي استقبال حافل، يوحي بانتصار ليبيا، التقي العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، أمس الاثنين 13 أبريل 2015، القائد العام للقوات المسلحة الليبية، الفريق أول الركن خليفة حفتر، والوفد المرافق له ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية القائد العام للجيش الملكي الأردني، الفريق أول مشغل الزبن، وجدد الملك عبدالله، خلال هذا اللقاء التأكيد على وقوف ودعم الأردن لليبيين في معركتهم ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة التي تهدد أكثر من أي وقت مضى استقرار وأمن ليبيا ومستقبل شعبها، وبحث الطرفان طرق وآليات دعم القوات المسلحة الليبية بالتدريب والاستشارات العسكرية، وسبل تطوير التنسيق والتواصل المباشر بين القيادات العسكرية في البلدين، وكذلك مناقشة وضع جرحى الجيش الوطني الليبي، كما تناول اللقاء الوضع في المنطقة العربية واتفاقية الدفاع العربي المشترك، ودعم عملية الحزم التي تخوضها القوات العربية المشتركة لنصرة الشرعية باليمن.
وذكرت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" أن اللقاء تناول استعراض الأوضاع في ليبيا وسبل التعامل معها، إضافة إلى الجهود المبذولة لمواجهة خطر الإرهاب.
وأفادت الوكالة بأن اللقاء تطرق أيضا إلى علاقات التعاون بين البلدين، خصوصاً في المجالات العسكرية، مشيرة إلى أن العاهل الأردني أكد حرص بلاده الدائم على الوقوف إلى جانب ليبيا في مسعاها لاستعادة أمنها واستقرارها، والتصدي للتنظيمات الإرهابية التي تستهدف وحدة شعبها وسلامة أراضيها.
جدل حول زيارة حفتر للأردن

في هذا الصدد أثارت تلك الزيارة جدلا واسعا وسط تباين آراء ما بين مؤيد ومعارض، بشأن ما تردد حول أن الجنرال الليبي سيطلب من عمان إعادة هيكلة الجيش التابع للحكومة المنبثقة عن البرلمان المنحل في طبرق، وتدريب قوات موالية له على الأرض الأردنية.
يسعى حفتر إلى موافقة عمان على إعادة هيكلة الجيش التابع للحكومة المعترف بها دوليا بقياد عبدالله الثني المتواجدة في طبرق، عن البرلمان المنحل بالكامل، وأن تقدم له دعما لوجستيا واستخباراتيا لدعم معاركه المتواصلة في ليبيا.
ويرى خبراء أن مساعي حفتر يصعب تحقيقها في ظل انشغال المملكة بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وعلى الحوثيين في اليمن، فضلا عن مساعيها لتدريب قوات عراقية وأخرى تتبع المعارضة السورية.
زيارة مبشرة

فيما يرى آخرون أن الأردن سيقدم قائمة طويلة من الخدمات لحليفه الليبي، تتمثل في تقديم برامج تدريبية لمجموعات من القوات التابعة له، دون التورط في تقديم مساعدات عسكرية، أو المشاركة في القتال على الأرض الليبية.
وكان عبد الله الثني رئيس الحكومة المعترف بها دوليا قام بزيارة إلى الأردن في مارس الماضي؛ حيث طلب من الحكومة الأردنية المشاركة في هيكلة وتدريب الجيش الليبي التابع لحكومته.
وأحدثت الزيارة التي قام بها حفتر صدى واسعا وبالأخص الصحفيين والنقاد ما بين مؤيد ومعارض، وهاجم الكاتب في صحيفة الرأي ركان السعايدة، زيارة حفتر والحفاوة الأردنية التي استقبل بها، قائلا: ليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها حفتر عمان، لكنها الأولى التي يتم الإعلان عنها بشكل رسمي، وهي بالتأكيد لا تخدم المصالح الأردنية العليا.
وأضاف أن الزيارة تجعل من الأردن طرفا في الصراع الليبي الحاصل اليوم، وتدفع المملكة لتكون متهمة بدعم جهة معينة داخل الساحة الليبية.
وقال: "كان من الممكن تجنب مثل هذا الاتهام، وعدم التورط في ساحة ملتبسة وغير مستقرة، لا سيما أن الأطراف المتصارعة تمتلك أجندات متضاربة". وزاد: "الأصل أن تلعب عمّان دور الوسيط إذا سمح لها بذلك، أو أن تلتزم الحياد؛ حتى لا تتحول إلى طرف في الأزمة والصراع".
ويرى السعايدة أن الانحياز الأردني لحفتر يكون له كلفة باهظة على مستوى العلاقات المستقبلية مع ليبيا، فالأردن لا يمتلك حتى الآن أي تقديرات دقيقة عن مستقبل هذا البلد، وما إذا كان سيحكم وفق تسوية ما.
فيما يرى المستشار السياسي مجيد عصفور أن دعم زيارة حفتر فيه خطوة بالاتجاه الصحيح، قائلا: "الأردن ينظر إلى حفتر باعتباره ممثلا للشرعية في ليبيا، فقد جرى تعيينه من قبل حكومة انتخبها البرلمان المعترف به دوليا وإقليميا وعربيا، وهو برلمان يحاول جاهدا إعادة النظام والحياة إلى مختلف المدن الليبية".
وأضاف أن الحكومة الأردنية تريد إنهاء الاقتتال على الساحة الليبية، ومن الطبيعي أن تقدم خبراتها الفنية والتدريبية والعسكرية للقوات الشرعية هناك، وستبذل كل ما بوسعها لهذه الغاية.
فيما يرى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية محمد أبو رمان، أن السياسة الأردنية واضحة ومعلنة في كل الدول العربية التي تعيش اضطرابات وصراعات خصوصا في ليبيا، "فهي تدعم خليفة حفتر ضد الجماعات الإسلامية الأخرى سواء القاعدة أو داعش أو السلفية الجهادية أو حتى جماعة الإخوان المسلمين". وعلى حد قوله: "ما زال الأردن يعمل ضمن أجندة المعسكر العربي المحافظ والمعلن؛ لذلك نجده يدعم حفتر في ليبيا والسيسي في مصر".
الحوار في الجزائر

في سياق مواز استضافت الجزائر أمس الاثنين الجولة الثانية من الحوار الليبي بمشاركة أكثر من عشرين شخصية سياسية من قادة أحزاب ومستقلين، وذلك لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية وسبل وقف العنف، ووسط تفاؤل أممي أعرب عنه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون بقوله: "نحن قريبون جدا من الحل السياسي".
وإلى جانب ليون ترأس جلسة الافتتاح عبد القادر مساهل نائب وزير الخارجية الجزائري المكلف بالشئون المغاربية والإفريقية، حيث دعا في كلمته كل الأطراف إلى تغليب المصلحة العليا للشعب الليبي، وأن يكونوا في مستوى التضحيات الجسام التي قدمها الشعب، وأن يوحدوا جهودهم ويخلصوا النية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وتابع: "أناشد الأشقاء في ليبيا وضع حد للاقتتال ووقف إطلاق النار، كما دعا إليه مجلس الأمن"، معتبرا أن عدو ليبيا هو الإرهاب وعدم الاستقرار والفوضى، وهي أمور ينبغي التصدي لها بالتوحد، بحسب قوله.
وانتهت الجولة الأولى من الحوار يوم 10 مارس الماضي ببيان سمي "إعلان الجزائر"، حيث تضمن 11 نقطة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار والتمسك بحل سياسي للأزمة، يبدأ بتشكيل حكومة توافقية من الكفاءات وترتيبات أمنية تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار وانسحاب التشكيلات المسلحة من كافة المدن الليبية ووضع جدول زمني لجمع السلاح.
وتقود الأمم المتحدة متمثلة في رئيس بعثتها ليون منذ سبتمبر الماضي جهودا لحل الأزمة الليبية، إذ عقدت جولة الحوار الأولى في مدينة غدامس غربي ليبيا، ثم تلتها جولة أخرى في مدينة جنيف السويسرية، قبل أن تجلس الأطراف في مدينة الصخيرات المغربية الشهر الماضي، وينتظر أن تعقد جولة أخرى في الصخيرات منتصف الشهر الجاري.
ترحيب الدول الأوروبية بالحوار

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم أن مصر ستستضيف قريبا اجتماعا يضم زعماء القبائل الليبية في إطار جهود الحوار الليبي، لافتة إلى أن البعثة "على تواصل مع القيادات العسكرية والأمنية وقادة الجماعات المسلحة".
من جانب آخر دعا وزراء خارجية دول أوروبية والولايات المتحدة إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار في ليبيا، معربين عن ترحيبهم بالحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة بين الفرقاء الليبيين في الجزائر والمغرب.
وحذر بيان صادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا من أن المزيد من التأخير في إبرام اتفاق سياسي "سيعزز انقسام المجتمع الليبي فقط، وسيشجع أولئك الذين يبحثون عن فوائد من النزاع المتواصل".
وقال البيان الذي وزعته الخارجية الأمريكية أول أمس الأحد 12 أبريل 2015: "ندعو بقوة جميع الأطراف إلى الحوار للتفاوض بحسن نية؛ من أجل إبرام اتفاق نهائي بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية وتهيئة الظروف لوقف غير مشروط لإطلاق النار. يمكن لليبيا الانتقال إلى مستقبل أكثر أمنا واستقرارا ونجاحا فقط من خلال حل وسط".
وأعرب وزراء الدول الست في بيانهم عن قلق المجتمع الدولي من تنامي تهديد الإرهاب، داعين أطراف النزاع إلى محاربته، ومشيرين إلى استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم الكامل لحكومة الوحدة في مواجهة التحديات.
تهديدات مجلس الأمن

في الوقت الذي تنتشر فيه التنظيمات الإرهابية كذلك تباطؤ القيادات في الإسراع لحل الأزمة، هدد مجلس الأمن الدولي مثيري الاضطرابات بليبيا بعقوبات، داعيا إلى الاتفاق على حكومة وحدة وطنية؛ من أجل الخروج من الأزمة.
وحض مجلس الأمن الدولي أمس الاثنين المشاركين في المفاوضات حول ليبيا على "الاتفاق على حكومة وحدة وطنية من أجل إنهاء الأزمة"، وهدد بفرض عقوبات على مثيري الاضطرابات.
وفي بيان تَبَنَّوه بالإجماع، أحاط أعضاء مجلس الأمن الـ15 علما بالحوار الذي أجري أمس في العاصمة الجزائرية، وقالوا إنهم "ينتظرون بفارغ الصبر الجولة المقبلة من الحوار الليبي المقررة في المغرب في 15 أبريل".
وأعربوا عن "قلقهم الشديد حيال استمرار العنف" في ليبيا، وطلبوا من جميع المتحاربين وضع حد للأعمال العدائية.
وذكروا في هذا المجال بأن مجلس الأمن "مستعد لفرض عقوبات على الذين يهددون السلام والاستقرار والأمن في ليبيا، أو الذين يقفون عقبة أمام المرحلة الانتقالية" في البلاد.
المشهد الليبي

يوضح المشهد أن جميع المساعي التي يقوم بها عدد من القيادات الليبية للحصول على دعم مسلح من الأطراف الخارجية، غير مثمر في الوقت الحالي؛ نظرًا لما تشهده عدة بلاد أخرى من انتشار التنظيمات الإرهابية، وبالأخص تنظيم "داعش"، الذي تشنه عدة دول لمحاربة الأخير؛ الأمر الذي يضع الأطراف المتنازعة أمام الرضوخ للحوار، والخروج بنتيجة تطبق على أرض الواقع.