"جمال بنعمر".. جماعات الإسلام السياسي تطيح به من اليمن
الخميس 16/أبريل/2015 - 01:07 م
طباعة

تأتي استقالة أو إقالة المبعوث الأممي جمال بن عمر، والذي عينه الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، في منصبه في أغسطس 2012، لتضع نهاية لمسيرة فاشلة للمبعوث الأممي في اليمن، والتي انتهت إلى حرب وسيطرة ميليشيات مسلحة على مقاليد الأمور بدولة اليمن.
ويرى بعض المراقبين أن "بن عمر" طلب منه ترك مهمته، خاصة وأن قرار مجلس الأمن الأخير تجاوز كل ما قام به مبعوث المنظمة الدولية ذاتها في اليمن، منذ سهل سيطرة الحوثيين وعلي عبد الله صالح ونجله على البلاد في انقلاب على شرعية الرئيس اليمني هادي.
في المغرب

ولد جمال بن عمر بقرية الناظور سنة 1957م، وانتقل لمتابعة دراسته الثانوية بالحمامة البيضاء تطوان، ولم يُنه المرحلة الثانوية بالمدينة الشمالية الساحرة كما كان مقرر له.
وجمال بن عمر كان عضواً في جبهة "إلى الأمام" والمرتبطة بجبهة "البوليساريو" والتي تسعى إلى انفصال الصحراء المغربية عن المملكة المغربية، وخاضت حربا أهلية مع النظام المغربي.
واعتقل بنعمر على إثر الانتماء لجبهة "إلى الأمام" وسجن بمعتقل "درب مولاي الشريف" بالحي المحمدي بالبيضاء سنة 1976م، بتهمة نشاطه وتعاطفه مع قوى ورموز اليسار، وخاصة منظمة "إلى الأمام".
وحكم علي بنعمر بالسجن 12 عاماً، أمضى منها 7 سنوات، ومن ثم أفرج عنه بموجب عفو ملكي صدر عن الملك المغربي الحسن الثاني 1983م ليعود إلى السجن مرة أخرى بعد عام فقط من الإفراج عنه.
ومن نفس السجن بدأ مشواره العلمي الذي سمح له أن يمارسه, فمن داخل زنازين سجن القنيطرة حصل على شهادة الباكالوريا، وبعدها شهادة الإجازة في الحقوق.
لم يكتف بذلك، بل شرع في تحضير رسالة ماجيستير في الحقوق عن طريق المراسلة بإحدى الجامعات الفرنسية، وكانت هي البوابة التي فتحت له طريقا لمغادرة المغرب والتوجه صوب الأمم المتحدة.
عمل في السودان، وأفغانستان.. كان جمال بنعمر من أبرز مسئولي بعثة الأمم المتحدة إلى العراق بعد الغزو الأمريكي البريطاني الإيراني في العام 2003م.
مسيرته في اليمن
المتابع لسير أداء بنعمر في اليمن ومنذ الأيام الأولى وحتى اللحظة يدرك تماماً حقيقة المهام التي كلف بها من قبل الإدارة الأمريكية بغطاء أممي والرامية إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات قائمة على أساس مذهبي وطائفي "بحسب مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز عام 2013م تحت عنوان الدول الخمس التي ستصبح أربع عشرة دولة وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وبما أن اليمن تمكن من تجاوز مرحلة الحوار الوطني الشامل والذي نتج عنه عدد من المخرجات التي لا تتوافق مع المهمة التي أرسل على ضوئها بنعمر، فقد سارع هذا الرجل إلى الالتفاف على ما توصل إليه اليمنيين ومعاقبة الأطراف التي حاولت إجهاض مشروعه، وذلك عبر عدد من الممارسات المشبوهة كما يقول كثير من المراقبين.
قام بنعمر بوساطة لإنجاز اتفاق نقل السلطة في نوفمبر 2011، وإنجاح المؤتمر الحوار الوطني الشامل في يناير 2014 بعد عشرة أشهر من المشاورات، كما لعب دور الوسيط في اتفاقية السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014. ومؤخرا ترأس السيد بنعمر ويسر مفاوضات سياسية شاملة لأكثر من شهرين من أجل إعادة الانتقالية إلى مسارها. ولكن فشل في ذلك وأدى إلى صراع عسكري في اليمن.
بنعمر والحوثيين

وارتبط جمال بنعمر بعلاقات وثيقة مع جماعات الإسلام السياسي"الإخوان- الحوثيين" في اليمن، وهو ما أدى إلى حالة الصراع التي وصلت إليها اليمن الآن.
ففي إحاطته للأمم المتحدة التي قدمها بتاريخ 25 أبريل 2014م يقول ما نصه: "لقد أُبلغت للتو أن أنصار الله قد قبلوا بمبادرة الرئيس هادي ووافقوا على الانخراط في العملية السياسية بهدف تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني".
هذه الإحاطة الملفقة في اللحظة التي كانت ميليشيات الحوثي تواصل تقدمها داخل محافظة عمران باتجاه عاصمة المحافظة كما ذكر في إحاطته للأمم المتحدة والمقدمة بتاريخ 22 يوليو 2014م إبان هجوم ميليشيات الحوثي على اللواء 310 مدرع المتمركز بعمران، فيورد إحاطة غريبة بقولة بأن ما يجري "حرب بين جماعة الحوثي وجماعات مسلحة غير حكومية"، مع إدراك الجميع بأن الجيش كان في قلب الحدث وكان هناك إسناد شعبي من داخل محافظة عمران نفسها.
ولقد كان هناك عدد من التقرير المغلوطة التي قدمها حول حقيقة الجهات المعرقلة للعملية السياسية في اليمن والتي استبسل الرجل في تسليط الأضواء على فئة معينة دون غيرها من القوى المعرقلة على أرض الواقع، وكان يكتفي بالتلميح دون التصريح وهو ما كان يجعل الجميع في حالة إرباك شديد وجدل حول تفسير ما يقول وما يريد أن يصل إليه، وهو ما انعكس سلباً على بيانات وقرارات مجلس الأمن والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
بنعمر والإخوان

كما كان لجمال بن عمر علاقات غريبة مع قيادات جماعة الإخوان في اليمن، وهناك تسريبات صوتية لـ"بن عمر" مع أبرز قيادات الإخوان حميد الأحمر، يوضح قوة العلاقة بين بنعمر وجماعة الإخوان في اليمن، وأن قيادات الإخوان كانت تسعى دائما إلى الاستماع إلى نصائح المبعوث الأممي.
واتهم المبعوث الأممي إخوان اليمن بالانبطاح لأنصار عبدالملك الحوثي خلال جلسات المفاوضات التي قادها بنعمر بنفسه وقت توقيف الرئيس عبدربه منصور هادي، واحتجازه في قصر الرئاسة من قبل ميليشيا الحوثي، وبمجرد خروجهم من القاعة يقولون للشباب إنهم ضد التفاوض وضد جمال بنعمر وضد كل شيء. بصورة تبدي حالة نفاق واضحة.
خلال الاتصال الهاتفي، يسأل الأحمر بنعمر عن عدد من الأمور والمواقف الدولية من الوضع في اليمن، وفي مقدمتها سؤال حول رؤيته لما بعد إغلاق السفارات، والموقف الأمريكي تحديدا، وهل من الممكن أن تتخذ أمريكا إجراءات جادة في اليمن فيرد بن عمر: «مشكلة الأمريكان أنهم تعرضوا لمضايقات، لا أظن أنها كانت بقرار من قيادة المجموعة، المشكلة أن المجموعات جاءت بقرارات لا أحد يتحكم فيها، وهم أطلقوا ٨٥ طلقة على سيارة كان فيها أمريكيون.. هذه الواقعة أثرت عليهم، إضافة إلى بعض المناوشات الأخرى، ويضيف بنعمر أنه رغم وجود مشروع قرار إلا أنه لا إجراءات سيجري اتخاذها من قبل أمريكا».
اتهم القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمين" محمد حطان، بنعمر بالانحياز إلى الحوثيين، قائلا: "ويبدو لي (وهذا استنتاج شخصي)، أن جمال بنعمر اتفق مع عبدالملك الحوثي زعيم المتمردين على قبول الرئيس عبدربه منصور هادي رئيسا لمجلس الرئاسة وليس رئيسا لليمن. لأن بنعمر يحرص على أن يمسك العصا من المنتصف".
ووصف القيادي الإصلاحي، في تصريح نشره موقع الأهالي بيان بنعمر، بالشديد، فيما وصفته وسائل الإعلام المحلية بالناري.
وأكد قحطان أن "تصريحاته لصحيفة عكاظ السعودية لا تتعارض مع توضيحات المبعوث بنعمر"، وأنها "لا تناقض بين تصريحاتي وتوضيحات بنعمر، رغم ما فيها من (الشدة)، بل يصبان في مجرى واحد".
مما دعا بنعمر إلى إصدار بيان ينفي فيه ما نشرته وسائل إعلام خليجية ويمنية تصريحات لقيادي حزبي محمد قحطان مشارك في المفاوضات الجارية، والتي تحدث فيها عن اتفاق مزعوم بين جمال بنعمر مع زعيم الحوثيين حول صيغة ما، لإنشاء مجلس رئاسي.
المؤتمر الشعبي

ونتيجة لدعم بن عمر لجماعات الإسلام السياسي، طالب أحمد الزهيري عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، في نوفمبر 2014، الأمم المتحدة، بإعادة النظر في مبعوثها إلى اليمن جمال بنعمر والتدقيق في تقاريره التي لا تخدم التسوية السياسية في البلد، بل تزيف الحقائق على مجلس الأمن وتحرضه لاستهداف مكونات وأشخاص محددين ومحاولة فرض عقوبات عليهم لغرض في نفس "بن عمر".
وقال عضو المؤتمر الشعبي العام، إنه "حان الوقت لأن يقول المؤتمر الشعبي العام لبنعمر كفى عبثاً بحاضر ومستقبل اليمن، كفى تهديدات وضغوطات، حان الوقت لمصارحته بأنه غير محايد وغير مهني، وأنه أصبح منحازاً وطرفاًِ من أطراف الصراع".
وأضاف "إن بن عمر جاء لينفذ أجندة محددة مكلفاً بها، فهو لم يكن يوماً محايداً ولا وسيطاً نزيهاً في مهمته، وإنما منحاز حد الخصومة مع المؤتمر ورئيس المؤتمر".. وإنه وراء معظم المشاكل في اليمن ويجيد تخريب أي اتفاق بين الأطراف السياسية اليمنية، ويتقاعس جداً إذا اتضح له أن المشترك يعرقل أو يماطل في إنجاح التسوية السياسية، بينما نجده يرعد ويزبد إذا تعلق الأمر بالمؤتمر الشعبي العام وكأنه جاء ليترصد ويتربص بالمؤتمر لا غير. على حد قوله.
وأكد أن المؤتمر الشعبي وقياداته تحملوا كثيراً ما لا يحتمل من هذا المبعوث، وتعاملوا معه بكل صدق وإخلاص وحسن ظن كمبعوث أممي، ولكن لا فائدة مع رجل جاء مبرمجاً على شيء معين ولا يؤمن بالحيادية ولا بالمهنية.
لماذا خرج بنعمر؟

ويرى بعض المراقبين أن بن عمر طلب منه ترك مهمته، خاصة وأن قرار مجلس الأمن الأخير تجاوز كل ما قام به مبعوث المنظمة الدولية ذاتها في اليمن منذ سهل سيطرة الحوثيين وعلي عبد الله صالح ونجله على البلاد في انقلابه على هادي.
وتكررت الاتهامات للمبعوث الدولي بأنه "منحاز" لطرف في الأزمة اليمنية رغم قوله علنا دائما "أن جهوده تستند إلى المبادرة الخليجية"، إذ كانت كل جولات المفاوضات بمثابة "شرعنة" للانقلابيين.
وكانت الدول الخليجية أبدت اعتراضها على انحياز بن عمر، وأبلغت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بذلك في اجتماعات القمة العربية بشرم الشيخ نهاية الشهر الماضي.
واعتمدت الدول الخليجية في اعتراضها على النتائج العملية لما يقوم به المبعوث الدولي من مساواة بين الانقلاب والشرعية، وليس فقط تعزيز هيمنة الحوثيين، بل ما تردد حينها من "وعد من بن عمر لأحمد علي عبد الله صالح ليقود البلاد".
وكان مجلس الأمن الدولي، وبموجب القرار رقم 2216، أدرج اسمي أحمد علي صالح وعبد الملك الحوثي على القوائم السوداء، وفرض حظر على تزويد جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، والتي تسيطر على معظم اليمن بالسلاح. أما علي عبد الله صالح نفسه فاسمه مدرج على القائمة بقرار سابق أكده القرار الجديد.
ومن المنتظر أن يصدر إعلان قريب من الأمين العام للأمم المتحدة خلال اليومين المقبلين (الخميس أو الجمعة)، يحدد فيه مصير البعثة الأممية التي يقودها بن عمر منذ سنوات، بعد التشاور مع الأطراف المعنية. ويتردد اسم دبلوماسي موريتاني قد يشغل المنصب ويقود مهمة المنظمة الدولية في اليمن.