سبعة أسباب وراء رفض باكستان المشاركة في "عاصفة الحزم"
الخميس 16/أبريل/2015 - 01:51 م
طباعة

رغم تأكيد أحمد العسيري الناطق الرسمي باسم عمليات (عاصفة الحزم) التي تقودها المملكة العربية السعودية، ودول عربية لعودة الشرعية في اليمن، أن قرار البرلمان الباكستاني بحياد بلاده تجاه الأزمة في اليمن، لن يؤثر على عمليات التحالف، إلا أن القرار بلا شك كان صادماً للعديد من الدول التي كانت تعول بشكل كبير على القوات الباكستانية في الحرب البرية التي تنتوي قوات (عاصفة الحزم) إطلاقها.
وبينما لم تسجل أي تقارير إعلامية أن الحكومة الباكستانية أعلنت في الأساس المشاركة في عمليات (عاصة الحزم) التي تقتصر حالياً على الطلعات الجوية، لفت مراقبون إلى أن قرار البرلمان الباكستاني غير ملزم للحكومة دستورياً.
ولعل معرفة القاهرة بالقرار الباكستاني هو ما جعلها تلجأ إلى إعلان تشكيل لجنة عسكرية (مصرية- سعودية) لبحث الإعداد لمناورة عسكرية استراتيجية كبرى على الأراضي السعودية بمشاركة خليجية، حيث أجرى وزير الدفاع المصري الفريق أول صدقي صبحي خلال الأسبوع الماضي جولات مكوكية شملت العاصمة الباكستانية (أديس أبابا) والسعودية (الرياض) لبحث مواقف تلك الدول ورؤيتها لتطورات الأوضاع.

البرلمان الباكستاني صوت الجمعة الماضية 10 أبريل 2015 على رفض المشاركة في "عاصمة الحزم"، ردا على طلب سعودي للانضمام إلى الحلف، وهو ما سبب بلا شك خيبة أمل كبيرة في الأوساط السعودية، خاصة أن المملكة العربية كانت تدعم بشكل كبير الجيش الباكستاني بغية جعله أحد الأوراق التي تستغلها المملكة إذا تطلب الأمر كذلك، في مواجهة الغريم الشيعي الأبرز للمملكة طهران.
مشروع القانون الذي تم التصويت عليه تضمن ما يلي "يُعبر برلمان باكستان عن قلقه الشديد لتدهور الوضع الأمني والإنساني في اليمن وتداعيات ذلك على السلام والاستقرار في المنطقة، ويود أن تلتزم باكستان بالحيادية في الصراع في اليمن؛ حتى تتمكن من لعب دور دبلوماسي وقائي لإنهاء الأزمة، ونعرب عن دعمنا الكامل للمملكة العربية السعودية، وفي حال انتهاك سلامة أراضيها أو وجود أي تهديد للحرمين الشريفين فإن باكستان ستقف كتفا بكتف مع السعودية وشعبها".
وربط مراقبون بين قرار البرلمان الباكستاني والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى إسلام آباد في 8 أبريل الجاري، الذي وصف في مؤتمر مشترك مع نظيره الباكستاني الوضع في اليمن بالمتفجر، محذرا من مخاطر عواقب الأزمة اليمنية على المنطقة كلها، داعياً إلى التخلي عن أي تدخل خارجي في الشئون اليمنية.

اللافت أن وسائل الإعلام السعودية منذ القرار الباكستاني شنت هجوماً على القيادة الباكستانية، وقالت إنه لا بد من التمييز بين الحكام الباكستانيين والشعب، فالجيش الباكستاني كان جزءاً من الجيش البريطاني في حربه ضد الخلافة العثمانية 1914-1918، في وقت كانت النخب الشعبية والدينية، تشكل حركة "الخلافة" تأييداً للخلافة، ومن قبلها الدعم المالي السخي الباكستاني لإقامة خط الحجاز الحديدي وغيرها من المشاركات الشعبية التي تعكس تباين الحاكم مع المحكوم.
إلا أنه لا بد من التأكيد على أن قاعدة المصالح هي ما تتحكم في تصرفات ومواقف الدول، بغض النظر عن الاعتبارات المذهبية والطائفية الضيقة، خاصة أن تقارير إعلامية تشير إلى أن إيران نجحت بقوة في صناعة تكوين وسائل إعلامية بإمكانها توجيه الرأي العام الباكستاني.
أسباب وراء عدم مشاركة باكستان في (عاصة الحزم)

إلى ذلك، وفي الوقت الذي قال فيه مراقبون: إن المملكة العربية السعودية كانت تسعى خلال الأعوام الماضية إلى اعتبار باكستان أنها في قلب استراتيجية واسعة النطاق ومتعددة الأهداف للتصدي لـ "الخطر الإيراني في المنطقة، خاصة أن قرار المواجهة مع إيران اتخذ وعبرت عنه المملكة إعلاميا أكثر من مناسبة"، وهو السبب بلا شك في قرار السعودية بالتحرك لدعم باكستان التي تنظر إليها كمنافس إقليمي محتمل للإيرانيين.
ما عزز ذلك الاتجاه السعودي أن الرياض تعتبر باكستان السنية هي القوة النووية الإسلامية الوحيدة، التي يمكن أن توفر رادعا حاسما لإيران في أي مواجهات مستقبلية محتملة، إلا أن أسباب عدة ربما كانت وراء القرار الباكستاني في رفض المشاركة في (عاصفة الحزم)، بينها:
1 – أن باكستان هي ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم بتعداد بلغ عام 2014 نحو 180 مليون نسمة، منهم 10 % من المسلمين الشيعة، وهذا قد يكون أول الأسباب التي دفعت البرلمان لرفض الانضمام إلى الحملة العسكرية، خاصة أن أطراف إقليمية أعربت عن مخاوفها من أن تشعل الحرب التي تقودها السعودية حربا طائفية؛ لأنها بقيادة أقوى "دولة سنية" ضد الحوثيين المنتمين للطائفية الزيدية الشيعية.
2- لا يمكن تجاهل ارتباط باكستان بعلاقات تاريخية مع جارتها إيران، القوة "الشيعية" في المنطقة، ناهيك عن اشتراكهما بحدود تمتد لمئات الكيلومترات مع أنه بدا في الآونة الأخيرة بأن "السلام البارد" هو المناخ العام الذي يسود العلاقة بين الجارتين، وأنهما غير قادرتين على العمل سوية لمكافحة الجماعات المتطرفة التي تنفذ هجمات ضد إيران انطلاقا من الأراضي الباكستانية.
3 – قال مراقبون: إن التاريخ شهد الكثير من المواقف الحيادية لباكستان خلال فترة الصراعات بين (السنة والشيعة) فباكستان التي كانت الجزء الأهم في الامبراطورية المغولية تميزت بالوقوف على الحياد في الصراع (الصفوي ـ العباسي)، ثم (الصفوي ـ العثماني).

– هناك علاقات تاريخية قوية بين باكستان وإيران في العصر الحديث، فمع نشوء باكستان كان الرئيس إسكندر ميرزا يحكم باكستان في مطلع الخمسينيات، ونظراً لمذهبه الشيعي فقد طلب أن يدفن في إيران، وهو ما عكس العلاقة حتى لمن هم في قمة الحكم مع إيران وحتى ما بعد الموت.
5- الحرص الباكستاني منذ اليوم الأول على التوجه نحو جنوب آسيا، وانضمامها إلى الأحلاف التي تخص منطقة جنوب آسيا كان تعزيزاً لتوجه الابتعاد عن المنطقة العربية وابتعاداً نفسياً وجيوسياسياً عن هموم المنطقة العربية.
6- وقوف باكستان إلى جانب القضايا العربية كان لأسبابها الخاصة، وليس كموقف يتسق مع العقلية والجيوبولتيك الباكستاني الذي حكمها لعقود، وهذه الأسباب إما لأنه يتسق مع الموقف والسياسة الأمريكية كما هو الحال في أحداث الأردن 1970، أو في حرب الخليج 1991، ولكن بدا التباين بوضوح في الثورة السورية حين أبقت على السفارة السورية بإسلام آباد، والتزمت الخط الإيراني في المواقف تجاه الثورة السورية.
7 – طهران استثمرت خلال السنوات الماضية وبقوة في الإعلام والنخب الثقافية، ومن لم توقعه إيران بخطابها الطائفي الشيعي، أوقعته بخطابها الأقلوي الداعي إلى حماية الأقليات، وعليه فقد غزت طهران بشكل قوي الإعلام الباكستاني، وتمكنت من السيطرة عليه بشكل غير مسبوق، وهو ما قد يهدد الدولة الباكستانية.
مساعي لإقناع باكستان بالتراجع

بعد القرار الباكستاني تتواصل الجهود الهادفة إلى تغيير موقفها المشاركة في عملية "عاصفة الحزم"، إذ قام وزير الأوقاف السعودي عبدالله آل الشيخ بزيارة مفاجئة إلى باكستان يرى مراقبون أنها لبحث الملف، وفيما رجح متابعون أن بوادر أزمة سياسية بدأت تتشكل بين الطرفين، أكد آخرون أن العلاقات الخليجية الباكستانية أعمق وأمتن من ذلك، خاصة مع السعودية.
الرد الباكستاني على تصريحات وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش والتي انتقد فيها بشدة قرار البرلمان الباكستاني، لم يكن أقلّ حدة، إذ اتهم وزير الداخلية الباكستاني الإمارات بتوجيه تهديدات لبلاده، معتبرا تلك التصريحات إهانة لباكستان وشعبها، إلا أن مراقبين قللوا من أهمية هذا الأمر.

شبكة "بلومبيرج" الأمريكية، قالت: إن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف سعى لتهدئة التوتر مع حلفائه الخليجيين بعد رفض البرلمان الباكستاني الانضمام إلى عمليات (عاصفة الحزم) في اليمن، وهو ما تسبب في انقسام مع شركاء إسلام أباد التجاريين، الذين يزودون باكستان بمعظم ما تحتاجه من مواد بترولية، في إشارة إلى (السعودية والإمارات) اللذين يزودان باكستان بكل احتياجاتها تقريبًا من البترول، وذلك وفقًا لمسئول في وزارة البترول الباكستانية رفض الإفصاح عن هويته.
وتناولت الشبكة حديث شريف خلال كلمة نقلها التليفزيون الباكستاني أمس، عن أن باكستان لا تتخلى عن أصدقائها وشركائها الاستراتيجيين، خاصة عندما يتعرض أمنها لتهديد، وجاءت تصريحات شريف بعد تعليق الرجل الثاني في وزارة الخارجية الإماراتية أنور محمد، على قرار البرلمان الباكستاني بالحياد تجاه اليمن، مهددًا بأن إسلام آباد ستدفع الثمن غاليًا نتيجة موقفها المتناقض وغير المتوقع.
وتحدثت الشبكة عن تصريحات شريف التي أشار فيها إلى أن حكومته على اتصال مع السعودية وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي، لطمأنتهم بأن خيبة أملهم بشأن قرار البرلمان الباكستاني اعتمدت فيما يبدو على تفسير خاطئ للقرار، مؤكدًا على وقوف بلاده جنبًا إلى جنب مع السعودية وتعهد باكستان برد قوي إذا حدث انتهاك للأراضي السعودية.
وذكرت أنه بجانب مسألة اعتماد باكستان على البترول السعودي والإماراتي، فإن الرياض وأبو ظبي بهما عدة ملايين من الباكستانيين الذين يعملون في التشييد والبناء، ويمثلون أكبر مصدر للتحويلات الأجنبية إلى إسلام آباد، مضيفة أن الإمارات تعتبر وجهة مفضلة للباكستانيين؛ من أجل الاستثمار في العقارات.

ونقلت الشبكة عن مستثمرين باكستانيين تأكيدهم على ضرورة إرسال وفد حكومي باكستاني إلى الإمارات، لشرح موقف باكستان في اجتماعات مغلقة تهدف إلى طمأنة الحكومة الإماراتية، خوفًا من تعرض الاستثمارات الباكستانية للخطر.