السودان بين مقاطعة الانتخابات.. والحرب في كردفان
السبت 18/أبريل/2015 - 05:08 م
طباعة

رغم اجراء الانتخابات السودانية في موعدها الا ان نسبة المشاركة لا تنذر بخير لهذا البلد فقد يتصاعد الصراع بين الحكومة والمعارضة في الايام القليلة القادمة، فكل الشواهد تنذر بذلك خاصة في ظل وجود انتهاكات للديموقراطية من قبل الحكومة من ناحية ومن ناحية اخرى تلك الاتهامات الموجهة للحكومة السودانية باستخدام قنابل عنقودية ضد المدنيين في كردفان.
كشفت نسبة المشاركة في الانتخابات السودانية والتي لم تتجاوز حاجز الـ35 بالمئة عن انهيار شعبية النظام في هذا البلد بشكل غير مسبوق، ورغم أنه من المستبعد أن يقدم عمر البشير أو حزب المؤتمر الوطني على الانسحاب والتنازل عن الحكم، إلا أن نسبة المقاطعة من شأنها أن تعطي للمعارضة جرعة معنوية إضافية في سياق مواجهاتها السياسية المفتوحة مع الطرفين.
فقد بدأت أمس الجمعة 17 ابريل 2015، عمليات فرز أصوات الناخبين في كل ولايات السودان باستثناء ولاية الجزيرة التي استمر التصويت فيها إلى غاية أمس بسبب التأخر الذي لازم فتح 152 من مراكز الاقتراع بالولاية.
وتباينت تصريحات المعارضة والمراقبين حول نسب المشاركة في هذه الانتخابات، رغم الإجماع عن أنها كانت هزيلة ولا تتعدى الـ35 بالمئة، بما يعني أن هناك تقريبا 75 بالمئة من الناخبين قاطعوا الاستحقاق الانتخابي.
وفيما التزمت المفوضية القومية للانتخابات الصمت عن نسبة المشاركة، فإن قوى المعارضة أقرت بأن النسبة لا تتجاوز 16 بالمئة، واصفة مقاطعة السودانيين بـ“الملحمة البطولية”.
في المقابل أشارت بعثة الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات إلى أن نسبة التصويت تراوحت بين 30 و35 بالمئة، مشددة بدورها على أنها ضعيفة.
وأكد رئيس البعثة أوليشجون أوبسانجو، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الخرطوم، على أن “الإقبال على الانتخابات كان منخفضا تقريبا وهو أقل من 40 بالمئة”.
وأوضح أوبسانجو أن السودان ما زال يواجه تحديا في إقرار الديمقراطية وأنه بحاجة إلى إجراء المزيد من الإصلاحات، مشددا على ضرورة إجراء حوار وطني.
ورفضت منظمات الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المشاركة في مراقبة الانتخابات السودانية، في ظل شكوك كبيرة حول نزاهتها.
أجواء العملية الانتخابية

صوت الناخبون السودانيون على 7 بطاقات، الأولى خاصة بمنصب الرئاسة الذي يتنافس عليه 15 مرشحا إلى جانب الرئيس عمر البشير وأغلبهم مستقلون ولا يشكل أي منهم تهديدا جديا له.
وشملت عملية التصويت 3 بطاقات خاصة بالبرلمان و3 بطاقات مماثلة لانتخاب مجالس تشريعية للولايات البالغ عددها 18 ولاية.
وأحدثت هذه الانتخابات رجّة في صفوف حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومرشحه عمر حسن البشير الذي عمل على إجرائها في وقتها، رغم مطالبات المعارضة بتأجيلها، عله يضفي شرعية انتخابية على حكمه، ولكن يبدو أن الأمور ارتدت عليه، وفق نسب التصويت.
وجدير بالذكر أن النظام وعلى مدار أيام التصويت الأربعة حرص على تدارك عزوف الناخبين من خلال استمالتهم بالأموال، وتوفير وسائل نقل لهم، فضلا عن السماح لغير المسجلين بالمشاركة، ولكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل ما يكرس، وفق المراقبين، انهيار شعبية النظام بشكل غير مسبوق.
ورغم الهزيمة المعنوية التي لحقت به، يواصل النظام، المكابرة، حيث صرح مساعد الرئيس السوداني إبراهيم الغندور بعد انتهاء عمليات التصويت قائلا “إننا راضون عن نسبة المشاركة في الانتخابات حتى الآن (…) لكن لا نستطيع أن نقيّمها بالأرقام في انتظار ظهور النتائج”.
وفي مقابل صدمة الحزب الحاكم ومرشحه، تسجل قوى المعارضة الرئيسية والتي قاطعت الانتخابات انتصارا معنويا كبيرا، معتبرة أن مقاطعة الشعب السوداني تعود بالأساس إلى حملة “إرحل” التي روّجت لها مع انطلاقة الحملة الانتخابية.
ووصف كل من حزب المؤتمر السوداني والحزب الاتحادي الموحد، الانتخابات بـ“الملحمة البطولية”، داعين إلى الانتفاض على النظام قبل أن يلتقط أنفاسه. وقال

رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، إن “أيام الانتخابات المعلنة انقضت وجاء رد أهل السودان صادما للنظام، حيث امتنع الناس عن الذهاب للإدلاء بأصواتهم”. واعتبر أن هذه الانتخابات كانت “ملحمة جماهيرية بطولية أبلى فيها شعبنا بلاء سيبقى في ذاكرة التاريخ”.
وشدد على أنه “بقي أن نستكمل هذه الملحمة بالقول الفصل في خاتمة المهزلة والعمل من أجل رحيل النظام وعدم السماح لهم بالتقاط أنفاسهم”.
وطالب رئيس المؤتمر السوداني الاتحاد الأفريقي بـ“التحلي بالأمانة والمصداقية والشفافية وإعلان ما شاهده العالم أجمع وألا يعترف بنتيجة الانتخابات السودانية، بعد أن تجاهل تقرير لجنة التقييم الأفريقية التي أوصت بتأجيل الانتخابات”.
من جانبه قال الحزب الاتحادي الموحد في بيان له “إن الشعب السوداني خاض ملاحم الصمت النبيل والرفض القاطع لانتخابات الزيف والدم والدمار مقدما الدرس الأول في سفر الثورة ولهيبها القادم ضد النظام”.
ويرى المراقبون أنه ورغم حجم المقاطعة الكبير، إلا أن التمديد للبشير سائر لا محالة وإن كان بشرعية منقوصة يتوقع أن تستغلها المعارضة في مواجهاتها السياسية والعسكرية معه في الأسابيع والأشهر القادمة.
الحكومة السودانية والاخوان

وعلى صعيد اخر جدد الفريق عصمت عبد الرحمن، وزير الداخلية موقف السودان الثابت من عدم ارتباط الحكومة بجماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد العالمي، وقال إن الحكومة السودانية إسلامية مستقلة تطبق شرع الله بعيدا عن التنظيمات الإسلامية المختلفة.
وعلى صعيد آخر قال الوزير إن الطيارين الروسيين المختطفين في دارفور يتمتعان بصحة جيدة، وأكد أن الخاطفين طلبوا فدية للإفراج عنهما إلا أن الخرطوم وموسكو رفضتا، تأكيدا لموقف عدم التفاوض مع الإرهابيين، ولم يقدم الوزير مزيدا من التفاصيل.
وكانت مجموعة مسلحة قد اختطفت اثنين من الطيارين يحملان الجنسية الروسية يعملان لحساب البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور "يوناميد"، نهاية يناير الماضي، من قلب مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، غرب السودان، على ظهر سيارة ذات دفع رباعي أثناء توجههما من السوق إلى مقر البعثة، وفروا بهما إلى جهة غير معلومة.
واتهم وزير الداخلية بعض الفصائل المسلحة في دارفور بالمشاركة في القتال مع الفريق خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، مؤكدا موقف السودان الداعم للحوار في ليبيا، وعدم دعم أي طرف على حساب طرف الآخر
الحركة الشعبية تطلق سراح 42 أسيرًا

وفي مواكبة للعملية الانتخابية أعلنت مبادرة سائحون، وهم مجاهدو الحركة الإسلامية الذين قاتلوا مع الحكومة السودانية في الحرب الأهلية ضد جنوب السودان (1990 - 2005) عن إطلاق سراح 42 أسيرًا بينهم 22 من عمال التعدين كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد قامت بأسرهم في الحرب الدائرة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق التي دخلت عامها الرابع، وكانت الحركة قد نشرت أسماء الأسرى بطرفها ليتم نقلهم إلى دولة ثالثة بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي ينتظر أن تنقلهم إلى السودان بعد موافقة الخرطوم.
وقال بيان صادر من المتحدث الرسمي باسم مبادرة «سائحون» علي عثمان، إن اجتماعات عقدتها قياداتها مع رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، بالاشتراك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأسبوع الماضي، وأكد البيان أن الاجتماع «أسفر عن تحرير عشرات الأسرى وعمال تعدين تم أسرهم في مناطق سيطرة المتمردين»، وقال البيان: «نبتهل للمولى عز وجل أن يبارك هذه الخطوة ويعود الأسرى إلى ذويهم وأسرهم ليعود لهذه الأسر الحزينة الفرح».
وأوضح عثمان في بيانه أن قيادات المبادرة بحثت مع قادة الحركة الشعبية إجراءات استكمال إطلاق سراح الأسرى، وقال: «لقد تم التوصل إلى اتفاق يقضي باستلام قائمة بأسماء عشرين أسيرًا متفقا على تحريرهم لمبادرة (سائحون) واللجنة الدولية للصليب الأحمر إبداء لحسن النيات»، مشيرًا إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بادرت بتسليم مجموعته قائمة بأسماء 22 مدنيًّا من عمال شركات التعدين موجودين في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة في ولاية النيل الأزرق، ويصبح بذلك عدد المفرج عنهم من الأسرى 42 أسير حرب وعمال التعدين، وأضاف: «ستتابع مبادرة السائحون مع السلطات الحكومية في الخرطوم إجراءات تسهيل تسليم الأسرى إلى ذويهم عبر إذن لطائرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو ترحيلهم عبر البر إلى إحدى الدول المجاورة للسودان». وعبر عن إشادته بحرص الحركة الشعبية على استكمال عملية إطلاق سراح الأسرى وإيفائها بوعدها بتسليم قائمة أسماء العشرين أسيرًا، وقال: «هذه خطوة تنم عن إنسانية في التعامل مع موضوع الأسرى».
اتهامات باستخدام قنابل عنقودية
وعلى صعيد آخر نفى الجيش السوداني بشدة اتهامات منظمة هيومان رايتس ووتش باستخدامه قنابل عنقودية في جبال النوبة جنوب كردفان ضد المدنيين أو المتمردين، ووصفها بغير الصحيحة وأنها لا تستقيم مع أخلاق السودانيين، وأكدت أنها لا تملك مثل هذه القنابل، وقد اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الخرطوم باستخدام قنابل عنقودية في مناطق جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، وهي تعد من الأسلحة المحظورة والمحرمة دوليًّا ولم يوقع السودان على الاتفاقية الدولية التي تحظرها بعد.

وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني الصوامي خالد سعد في تصريحات صحفية ، إن الاتهامات التي أطلقتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» عارية عن الصحة تمامًا، وأضاف: «الجيش السوداني لا يملك قنابل عنقودية، وقواتنا لا تستهدف المدنيين، ولا يستقيم عقلاً أن نستخدم مثل هذه الأسلحة المحرمة حتى مع المتمردين، ناهيك بالمواطنين؛ لأن المتمرد هو سوداني». وقال: «ليس بجريرة المتمرد أن نستخدم قنابل ضد المدنيين؛ لأن القوات المسلحة تعمل على الفصل بين أبناء النوبة بعضهم ضد بعض، وليس من أهدافها قتل أبناء الوطن».

وتابع: «إذا وضع عبد العزيز الحلو - نائب رئيس الحركة الشعبية المتمردة في السودان - السلاح اليوم، فلن يكون هناك قتال في جبال النوبة»، مشددًا على أن القوات الحكومية لا تقوم بعمليات قصف ضد المدنيين إطلاقا، كما أنها لا تستخدم قنابل عنقودية ضد السودانيين، وقال: «حربنا ضد المتمردين في دارفور أو في جنوب السودان سابقا، لم نقصف المدنيين، بل كنا نحميهم من المتمردين الذين يستهدفونهم».
وكان رئيس قسم أفريقيا في منظمة «هيومان رايتس ووتش» دانيال بيكلي في تقرير نشرت «الشرق الأوسط» جزء منه قد قال إن «الأدلة على إلقاء الجيش السوداني قنابل عنقودية في جنوب كردفان تثبت عدم اكتراث الحكومة التام للسكان المدنيين». وتابع: «يجب على السودان أن يتوقف فورًا عن استخدام هذه الأسلحة المروعة وإتلاف مخزونه منها، واحترام الحظر المفروض على الذخائر العنقودية بالتوقيع على الاتفاقية التي تحظر استخدامها».
وقال: «بالإضافة إلى استمراره في حملات القصف على مناطق المدنيين، تشير الأدلة إلى أن السودان لا يزال يستخدم القنابل العنقودية». وتابع: «حكومة السودان في حاجة إلى وقف عمليات قصف المدنيين ووقف إلقاء القنابل العنقودية، التي يمكن أن تهدد حياة المدنيين على مدى سنوات مقبلة».
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه على الساحة السياسية الان بخصوص الوضع في السودان. هل ستتحول السودان خلال الاسابيع او الاشهر القادمة الى ليبيا جديدة؟