واشنطن والإخوان بين الزواج والطلاق

الثلاثاء 17/يونيو/2014 - 11:15 ص
طباعة واشنطن والإخوان بين
 
أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» معلومات عن اجتماع جرى في البيت الأبيض بعد خمسة أيام من ثورة 25 يناير 2011 في مصر قال فيه بنجامين رودز نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي الكلمات التالية: «لا نستبعد علاقة مع «الإخوان المسلمين» كجزء من مسار نظامي للأمور، وإن السياسة المصرية تحتاج لأن تضم أحزاباً غير علمانية». ووفق تعبير مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق، بحسب ما نقلت الصحيفة الأمريكية: «فهمت الإدارة الأمريكية أن مبارك قد انتهى» منذ صباح الأحد 30 يناير، وقد أقلعت طائرة السفير الأمريكي السابق فرانك ويزنر ظهر ذلك اليوم متوجهاً للقاهرة لنقل رؤية الإدارة الأمريكية إلى الرئيس مبارك، في أنه يجب حصول «انتقال منظم» للسلطة.
وزارت السفيرة الأمريكية آن باترسون (في حدث غير مسبوق) المقر العام لقيادة «الإخوان» في حي المقطم في القاهرة واجتمعت مع مرشد «الإخوان» محمد بديع.
جاءت الزيارة بعد قليل من فوز الواجهة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين- حزب الحرية والعدالة- بالمرتبة الأولى في انتخابات مجلس الشعب. في تلك الفترة كانت الثنائية التي رعتها واشنطن عقب تنحي الرئيس مبارك بين «المجلس العسكري» و«الاخوان» في حالة اهتزاز منذ طرح «وثيقة علي السلمي» في نوفمبر 2011، التي حاولت ضمان وضعية خاصة دستورياً للقوات المسلحة أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقد فهم «الإخوان» مغازي هذه الزيارة؛ مما دفعهم لاحقاً إلى ترشيح إخواني لانتخابات الرئاسة بعد أن كانوا يعلنون عدم رغبتهم في ذلك. 

واشنطن والإخوان بين
في يوم تسلم الرئيس الإخواني الفائز محمد مرسي الرئاسة في 30 يونيو 2012 تحولت الخطوبة المعلنة في المقطم بين واشنطن و«الإخوان» إلى زواج، وصرح نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر لصحيفة «واشنطن تايمز»، قبل خمسة أيام من دخول مرسي لقصر الاتحادية، بأن «الأولوية هي لشراكة وثيقة مع الولايات المتحدة، وهو ما تتوقع الجماعة أن يؤدي إلى فتح أبواب القروض الدولية واكتساب الشرعية الدولية».
عندما أحال الرئيس مرسي المشير طنطاوي والفريق عنان إلى التقاعد في 11 أغسطس، وألغى الاعلان الدستوري الذي أصدره «المجلس العسكري» في منتصف يونيو 2012 متضمناً نفس بنود «وثيقة علي السلمي»، وقفت واشنطن مع الرئيس الإخواني ضد المؤسسة العسكرية.
وكان ما جرى في قاهرة ما بعد 11 فبراير 2011 نهاية لسياسة أمريكية وقفت فيها واشنطن مع العسكر الحاكمين في قاهرة حسني مبارك المتصادم مع الإسلاميين منذ عام 1990 وفي تونس بن علي منذ 1991 1992 وبعد لقاء المقطم نقل محمود حسين الأمين العام (للجماعة) بأن السفيرة «اعترفت بارتكاب الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعض الأخطاء في دعم الحكام الديكتاتوريين»، ونقل أن بديع قال: إن واشنطن «كانت تحكم على الشعوب من خلال الحكام الديكتاتوريين وتدعمهم، ما جعل شعبية الولايات المتحدة تتراجع»، ثم أضاف بديع: «العصر الحالي هو عصر الشعوب» في إشارة إلى ما بعد 25 يناير 2011.
تجدر الإشارة إلى زواج إخواني- أمريكي أول بدأ في عام 1953 مع زيارة وفد إسلامي برئاسة صهر حسن البنا، سعيد رمضان، للبيت الأبيض واجتماعه مع الرئيس أيزنهاور، ثم أصبح هذا الزواج أكثر وثوقاً مع اتجاه عبد الناصر، المتصادم مع «الإخوان» قبيل أحد عشر شهراً، نحو موسكو منذ سبتمبر 1955، ما دامت واشنطن قد حسبت أهمية استخدام الإسلاميين ضد الناصرية والسوفيت معاً، ثم ضد الكرملين في مرحلة ما بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان في 27 ديسمبر 1979. 
حصل الطلاق الأمريكي- الإخواني في عام 1989 مع انتفاء حاجة البيت الأبيض للإسلاميين عقب انتصاره على الكرملين في الحرب الباردة.
واستمر الزواج الأول طويلاً، أما الزواج الثاني، الذي بدأ في القاهرة ووصل إلى عموم المنطقة، فقد تخلخل مع مقتل السفير الأمريكي في ليبيا في بنغازي على يد إسلاميين، ثم مع اكتشاف الفرنسيين أثناء عملية مالي في الشهر الأول من عام 2013 بأن معظم الأسلحة التي يحارب الاسلاميون بها الفرنسيين هناك قد أتت من مخازن القذافي التي استولى عليها الإسلاميون، بعد أن أسقط «الناتو» بقيادة الفرنسيين وبرعاية أمريكية العقيد الليبي، وكانت المرحلة الثالثة في عوامل المراجعة الأمريكية عملية بوسطن في منتصف أبريل  2013 التي قام بها إسلامي شيشاني مقيم مع عائلته في الولايات المتحدة له ارتباط بأوساط إسلامية شيشانية مقربة من الإسلاميين العرب.
واشنطن والإخوان بين
كانت المراجعة الأمريكية بدأت إرهاصاتها مع خطاب زغرب في 31 يناير 2012 لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ضد «المجلس الوطني السوري» الذي يسيطر عليه الإسلاميون برعاية تركية- قطرية، وهو ما قاد إلى تشكيل «الائتلاف» بعد أحد عشر يوماً، ومن ثم في نهاية مايو جرت توسعة به جعلت الإسلاميين الطرف الأضعف، وجرى سحب التلزيم الأمريكي من يدي أنقرة والدوحة في ما يخص المعارضة السورية. في 7  مايو 2013 حين عقد اتفاق كيري- لافروف حول سوريا توضح توجه أمريكي جديد في الشرق الأوسط، نحو (التسوية) مع موسكو ومع أطراف إقليمية مثل طهران تخص دمشق وعموم المنطقة، وضد (الإسلاميين). وتعاونت موسكو مع واشنطن في كشف الشبكات التي تقود من منفذ عملية بوسطن إلى الشيشان وداغستان باتجاه الاسلاميين العرب. من دون هذا الجو لا يمكن فهم نقل السلطة في الدوحة من الأمير إلى ابنه في 25 حزيران، ومعه وزير الخارجية الذي كان عراب إسلاميي «الربيع العربي»، ثم الإشارات المتباينة التي أطلقتها واشنطن بين 30 حزيران و3 يوليو 2013، قبيل وأثناء إزاحة مرسي ونهاية حكم «الإخوان» في القاهرة.
خلال أحد عشر شهراً تفصل بين إزاحة مرسي وإعلان فوز السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية استمرت واشنطن في سياسة الإشارات المتباينة، تجاه حكام القاهـرة الجدد الآتين من المؤسسة العسكرية مع دعم كبير من أوساط النظام القديم، وتجاه «الاخوان».
واشنطن والإخوان بين
وفي 4 يونيو أعلن البيت الأبيض الطلاق الأمريكي- الإخواني، مشيراً الى أن الرئيس أوباما «يتطلع إلى العمل مع الرئيس الفائز بالانتخابات؛ من أجل دفع الشراكة الإستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والمصالح المشتركة بين البلدين». يبقى الكلام الباقي في التصريح الأمريكي حول «تبني الإصلاحات الضرورية» و«الحريات» كلاماً إنشائياً لا يوازي ما تحمله العبارة السابقة من اعتراف أمريكي رسمي بشرعية ما جرى في مصر في وما بعد 3 يوليو 2013، ضد مرسي و«الإخوان»، ومن اعتراف بشرعية الحكام المصريين الجدد الذين كانت واشنطن لأحد عشر شهراً في تباعد مع موقف حلفائها في الرياض وأبوظبي وعمان تجاه قاهرة ما بعد مرسي.
يبدو أن راشد الغنوشي في تونس قد فهم درس مرسي، بأن الصعود لتيار سياسي يكون معاً في بلدان المنطقة وبأن السقوط يكون كذلك؛ لذلك تنازل عن الحكم. وفي ليبيا لم يفهم الإسلاميون، مع عمليتهم الأخيرة عبر انتخاب معيتيق، ما قاله سيف الإسلام القذافي في أيام الستة التي تفصل ثورة 17 فبراير عن سقوط مبارك: «ليبيا، بعد سقوط بن علي ومبارك، مثل شطيرة اللحم بين طرفي السندويشة». يبدو أن حركة اللواء خليفة حفتر ضد الإسلاميين الذين يقفون وراء معيتيق، توحي بأن هناك «ربيعاً للعسكر» بعد «الربيع العربي»، عقب السابقة التي مثلها السيسي ضد مرسي، وربما لولا تنازلات الغنوشي لكان سيناريو 3 يونيو 2013 المصري تكرر في تونس.

شارك