الميليشيات المسلحة في ليبيا.. خسائر بشرية وتهديدات لدول أوروبية

الثلاثاء 28/أبريل/2015 - 01:37 م
طباعة الميليشيات المسلحة
 
النزاعات المسلحة التي تشهدها ليبيا الآن، دفعت الآلاف إلى عمليات الهجرة غير الشرعية، حيث يعد موقع ليبيا الجغرافي مؤهلا قويا لعبور المهاجرين إلى أوروبا.
كانت آخر حادثة شغلت الرأي العام العالمي، حادثة غرق مئات اللاجئين قبالة السواحل الليبية، التي باتت محل قلق لدول المنطقة، وبالأخص أوروبا، التي أصبحت أراضيها تشكل منطقة جذب لآلاف المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل.

التصدي للظاهرة

التصدي للظاهرة
كانت التساؤلات تدور حول كيفية التصدي لتلك الظاهرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، فعلى الرغم من الحياة التي يشهدها النازحين داخل بلادهم وعدم الأمن والاستقرار وتعرضهم لمخاطر كل يوم في ظل انتشار الميليشيات، فإن فكرة الهجرة غير الشرعية هي الأخطر في هذه المرحلة، وبالأخص بعدما شهدت المرحلة الجارية العديد من حوداث غرق هؤلاء النازحين.
فيما يبدو أن الجماعات المسلحة في ليبيا أصبحت تشكل تهديدًا كبيرًا لدول أوروبا، فيما صرح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بأن نحو 90 في المائة من المهاجرين غير القانونيين يأتون إلى إيطاليا عبر الأراضي الليبية مما يعد دليلا على حجم المشكلة التي صارت تمثل كابوساً لأوروبا.
موقع ليبيا أيضا جعلها بوابة كبرى للمهاجرين غير الشرعيين، القاصدين شواطئ القارة الأوروبية، لكن البوابة ذات المغريات المتعددة للمهاجرين، تعترضها طرق وعرة للوصول إلى شواطئ الأمان، فقد أطلق العديد من المراقبين على قوارب الهجرة المتواصلة، "قوارب الموت"، حيث تلتهم أمواج المتوسط العاتية، الآلاف من المهاجرين سنوياً، بالتوازي مع نجاح عدد منهم، بالنجاة ووطأة رمال شواطئ أوروبا الحلم.

الهجرة إلى أوروبا

الهجرة إلى أوروبا
كانت إحصائية لمنظمة الهجرة قد ذكرت أن حوالي 1500 شخصاً لقوا حتفهم منذ بداية العام الجاري فقط، وأن هذه الخسائر تعد الأكبر خلال الأعوام الأخيرة.
ويرى متابعون بأن مشكلة أوروبا تتمثل في أنها تنظر لموضوع اللاجئين، إما عبر غرقهم أو وصولهم للأراضي الأوروبية، بينما تبدأ الهجرة في الأساس من الحدود الجنوبية لليبيا، والتي تعتبر مفتوحة بالكامل ودون حماية، ومن خلالها ينتقل المهاجرون إلى ليبيا، التي تحولت إلى مركز دولي لتجمع اللاجئين قبل عبورهم إلى أوروبا.
كما يؤكد الخبراء أن قلة من الليبيين يلجئون إلى الهجرة لأوروبا، فالليبيون ينزحون من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى أكثر أماناً داخل البلاد أو يلجئون إلى السفر للدول العربية المحيطة. 
أما غالبية المهاجرين فهم من الأفارقة أو بعض الجنسيات العربية، مثل السوريين والفلسطينيين، الذين حتمت عليهم الظروف الأمنية الفرار من مناطق سكناهم.
من جانبه يوضح سامر حدادين، رئيس بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في ليبيا، أن معظم الجنسيات التي تحاول اللجوء إلى أوروبا عبر البحر تنحدر في الغالب من أريتريا وجنوب السودان وغينيا وساحل العاج وتشاد وسيراليون، بالإضافة إلى السوريين والفلسطينيين.
 ويقول حدادين: إن قصر النظر الأوروبي في مكافحة ظاهرة تهريب البشر عبر البحر أسهم في تفاقمها؛ ذلك أن اللاجئين الذين عانوا الأمرّين لأيام طوال من أجل الوصول إلى ليبيا عبر الصحراء لن تردعهم المغامرة في البحر لعدة ساعات من أجل الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، بالرغم من مخاطر الغرق؛ لأن ذلك يعتبر أهون بالقياس لما لاقوه قبل وصولهم إلى ليبيا. 

موقف الاتحاد الأوروبي

موقف الاتحاد الأوروبي
فيما يخص مناطق تجمع اللاجئين داخل الأراضي الليبية، يؤكد حدادين على ضرورة التفريق بين النازحين الليبيين الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى تغيير أماكن سكناهم داخل ليبيا، فهؤلاء في مناطق إيواء بالعشرات تنتشر على مناطق واسعة من التراب الليبي. 
وتحاول الأمم المتحدة تسجيل أسماء النازحين وإمدادهم بالطعام والخدمات الأولية، إلا أن المهاجرين الذين يرغبون بالهجرة عن طريق البحر لا يقيمون في منطقة واحدة، ولا يتسنى للجميع أن يقيموا في أماكن إيواء. 
ويضيف سمير حدادين: "يفترش الكثير منهم الأرض ويلتحف السماء. كما تجدهم في الطرقات والأماكن العامة القريبة من أماكن انطلاق القوارب".
من جانبه يؤكد الصحفي الليبي غيث شنيب أن مناطق انطلاق القوارب المحملة باللاجئين متنوعة، إلا أنها على الأغلب تنطلق من شواطئ الغرب الليبي في "زوارة والمناطق القريبة من طرابلس"، التي تقع تحت سيطرة حكومة طرابلس المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، غير المعترف بها دولياً؛ لأنها الأقرب إلى جنوب إيطاليا ومالطا، كما أن هنالك بعض عمليات التهريب تجري بشكل أقل من شواطئ بنغازي، الواقعة تحت سيطرة حكومة طبرق المعترف بها دولياً.
بالرغم من قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بتعزيز إجراءات مواجهة الهجرة غير الشرعية من البحر المتوسط، بما في ذلك إرسال مزيد من السفن والطائرات إلى الحدود البحرية الدولية، فإن العديد من الخبراء لا يرون بأن ذلك القرار سيحد من تدفق اللاجئين.

تشكيل قوة دفاعية مشتركة

تشكيل قوة دفاعية
ووفقا لأحدث تقديرات المفوضية الأوروبية، ينتظر في ليبيا حاليا قرابة مليون مهاجر محتمل، يتحينوا فرصة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
وقد أعلنت الممثلة السامية للشئون الخارجية والسياسية والأمن للاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، عزم الاتحاد تشكيل قوة دفاعية مشتركة، ضد الهجرة غير القانونية وشبكات التهريب، وتعزيز القوة الموجودة على الحدود الجنوبية الليبية مع النيجر، مشيرة إلى أن المهربين يستغلون حالة فراغ السلطة وغياب الرقابة على الحدود الليبية، داعية كافة الأطراف الليبية إلى التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، في ملف الهجرة غير القانونية.
وتُقر ليبيا وتونس، والمغرب والجزائر أيضا، على أن أراضيها أصبحت منطقة عبور وإقامة للعديد من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، الذين يجتازون الصحراء سنويا، كمقدمة للانتقال إلى أوروبا.‏
وشهد عام 2014 محاولة عبور 218 ألف مهاجر للمتوسط، طمعا في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وقضى منهم 3500 مهاجر غرقا، حسبما ذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين في بيان أصدرته مؤخراً.
وتمثل شبكات الإتجار بالبشر، خيارات رابحة لبعض الأشخاص النافذين في ليبيا، والذين لديهم علاقات جيدة مع بعض المجموعات المسلحة التي تقدم لهم الحماية، وهي تجارة تدر ملايين الدولارات سنوياً في جيوبهم.

المجموعات المسلحة

المجموعات المسلحة
حسبما ذكرت شبكة إرم، فإن مسئول سابق عن إدارة شبكة تهريب المهاجرين في منطقة القربولي، قدم بعض التفاصيل الخاصة بهذه العمليات قائلا: "هذه الشبكات دفعت الكثير من الشباب الذين لديهم علاقات مع مجموعات مسلحة، بضمان إيصال المهاجرين من بلدانهم عبر الصحراء إلينا، حيث نقوم في مرحلة ثانية بالترتيب مع مجموعة أخرى لنقلهم عبر القوارب إلى شواطئ أوروبا، وغالبا ما تكون الوجهة سواحل إيطاليا الجنوبية".
ويضيف المسئول والذي يلقب بـ "متوسط واحد" لأسباب أمنية، الرحلة للمهاجر الواحد تقترب تكلفتها من أربعة آلاف دولار أمريكي، يدفع نصفها عند عبوره الحدود الليبية ونقله عبر الصحراء، والنصف الثاني قبل ركوبه القارب.
من جانبها قالت الحكومة الغير معترف بها دوليا والتي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس إنها ستتصدى لأي خطوات أحادية الجانب يتخذها الاتحاد الأوروبي لمهاجمة مواقع يستخدمها مهربو البشر، وحثت الاتحاد على التشاور معها بشأن خطط مواجهة أزمة الهجرة.
وقال محمد الغيراني وزير الخارجية في الحكومة الموازية، إن حكومته عرضت مرارا المساعدة في التعامل مع المهاجرين الذين ينطلقون من الشواطئ التي تسيطر عليها، لكن اقتراحاتها رفضت.
وتنامى الغضب الشعبي هذا الأسبوع بعد مقتل ما يصل إلى 900 مهاجر غرق قاربهم وهم في الطريق من ليبيا إلى أوروبا.

عملية عسكرية ضد المهربين في ليبيا

عملية عسكرية ضد المهربين
من جانبه أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنطونيو غوتيريس في واشنطن أن وضع الهجرة غير الشرعية في المتوسط "مأسوي"، بعدما غرق أو فقد في هذا البحر منذ مطلع العام أكثر من 1600 مهاجر خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وقال غوتيريس: "يجب أن تكون هناك آلية تتمتع بـ"قدرة فعالة على إنقاذ الأرواح في البحر لأن الوضع الحالي هو مأساة مهولة".
ويبحث القادة الأوروبيون في قمة طارئة احتمال القيام بعملية عسكرية ضد المهربين في ليبيا، المسئولين عن مقتل آلاف المهاجرين في المتوسط هذا العام.
ويرى مراقبون أن أسباب تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية من ليبيا في الآونة الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق الشديد هو الوضع الأمني المتدهور في ليبيا، وانتشار المجموعات المسلحة والّتي منها مجموعات الجريمة المنظمة التي تستغل عدم سيطرة الدولة على المنافذ البحريّة بالذّات لتهريب المهاجرين البسطاء وتحقيق مكاسب هائلة من وراء ذلك.
وحسبما يرى متابعون أنه على الرغم من إحياء أنشطة مكافحة الإرهاب في إفريقيا ما زالت التهديدات الأمنية تلوح في الأفق، ومصدرها تنظيم القاعدة كما تمثل تهديداً جديًّا لأمن ومصالح بعض الدول الاستعمارية كفرنسا وحربها الدائمة والولايات المتحدة أيضا.

شارك