فورين بوليسي: داعش تسقط سايكس بيكو وتخلق تحالفات غير مسبوقة
الأربعاء 18/يونيو/2014 - 04:46 م
طباعة


على مدى السنوات القليلة الماضية دخلت سوريا حربًا طاحنة مقسمة إلى أطراف كثيرة متنازعة، بينما يسعى العراق في الوقت نفسه جاهدًا للخروج من حرب أهلية كارثية لها، هذه الأوضاع التي دعت العديد من المعلقين الأمريكيين إلى الرجوع لاتفاقية سايكس بيكو 1916، التي بُني عليها تقسيم الدول في الشرق الأوسط، ويقولون بأنها اتفاقية فاشلة، حيث إنها لم تراعِ الروابط الثقافية، ولكنها تعاملت مع دول المنطقة كمناطق للنفوذ فقط .
هذه الاتفاقية التي أُبرمت في ظل سيادة الإمبراطورية العثمانية على العالم العربي، أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث تم تقسيم الشرق الأوسط باعتباره منطقة عثمانية بين البريطانيين والفرنسيين، وهو ما وضع حجر الأساس للحدود الحديثة في دول المنطقة.

بعد استيلاء الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على الموصل، أعلنت فورًا "بداية نهاية اتفاق سايكس بيكو"، وهو ما يضع أمام المراقبين للوضع عددًا من المفارقات حول مستقبل الشرق الأوسط.
فالاضطرابات السياسية قد تكشف عن وجود مجموعة جديدة أكثر واقعية من حدود الشرق الأوسط - على أساس الانقسامات العرقية والطائفية، ربما، أو إعادة ظهور بعض الجغرافيا قبل التقسيم الإمبريالي، ولكن التطورات الأخيرة تشير إلى أنه إذا كانت الأمور تتغير بشكل كبير، فإن القوة والفرصة سوف يلعبان دورًا أكبر في تحديد ما سيحدث بعد ذلك بخصوص الديموغرافيا والجغرافيا، أو التاريخ.
والنظر في لقب "الدولة الإسلامية في العراق والشام" سنجد أنه تم تحديد كل من العراق والشام كأرض لعمليات "داعش"، دون تحديد ما يقصد بالشام بشكل واضح، والتي قد تطلق على سوريا الكبرى أو على التقسيم الجغرافي الذي كان يحدد بلاد الشام كولاية عثمانية عام 1920.
وفكرة توحيد بلاد الشام كانت مطروحة من الكثيرين وخاصةً القوميين العرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فتم الحديث عن دولة تضم الأردن وسوريا ولبنان والعراق، وتكون عاصمتها دمشق، وتم الحديث عن امتداد أراضيها من جبال طوروس في جنوب تركيا إلى شبه جزيرة سيناء، ولكن ليس في شرق العراق، كان هذا مجرد كلام لم ينفذ.
وكان مصير الخطط اللاحقة للجمع بين العراق وسوريا هو مجرد قول أيضًا، فبعد الحرب العالمية الثانية، أعرب حكام المملكة الأردنية الهاشمية والعراق وسوريا عن مخططات مختلفة لتوحيد المنطقة، لكن هذا الاتفاق أسفر عن لا شيء عندما أطاح الجيش العراقي بملك الأردن الذي اتضح أنه كان دمية في يد البريطانيين.

بعد ذلك، بدا أن صعود الأحزاب العلمانية الاشتراكية "البعث" في كل من العراق وسوريا، أوجد مبررات قوية للتوحيد- ولكن صراع السياسة والقوة وتعقيدات الأيديولوجيا البعثية التي تم إنشاؤها على الفور بعد الاستقلال، كشف العداء حديثًا بين دمشق وبغداد، حتى محاولة توحيد سوريا مع مصر تحت راية القومية العربية، لم يكن أقل فشلًا، وداعش تجد نفسها الآن متحالفة مع البعثيين السُنة في العراق، في الوقت الذي تقاتل فيه حتى الموت ضد العلويين البعثيين في سوريا، مما يؤدي إلى تفكيك الروابط بين البلدين بشكل أكبر ولا يخلف إلا الآلاف من اللاجئين الفارين من جحيم الحرب في البلدين.
ويأتي التقسيم الاستعماري بين دول بلاد الشام الذي لم يضع في الاعتبار الروابط التاريخية والثقافية، لكن داعش والتكتيكات الوحشية التي تتخذها والنجاح السريع الذي حققته- يكشف عن تصور كل منها لتقسيم الشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية، وهذا التطرف الديني للجماعة ينفر منها حتى حلفاءها السنة الأكثر تطرفا في المعركة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ودفعت كلا من السوريين والعراقيين للتنديد بداعش ومحاولة الاستقواء بإيران.
في الواقع إن الخطوة التي اتخذتها داعش مؤخرا في العراق دفعت إلى التوافق بشكل غير مسبوق بين الأتراك والأكراد والعراقيين والإيرانيين- على ضرورة هزيمة هذه الجماعة الإرهابية.
خاصةً بعد احتجاز داعش لـ 49 شخصا كرهائن بعد اجتياح القنصلية التركية في الموصل؛ مما سيجعل تركيا تتخلى عن دعمها للجماعة.

وفي نفس الوقت، فإن تراجع داعش أمام الأكراد في العراق، وسيطرة الأكراد على كركوك، كل ذلك يدعو إلى تعاون الأكراد مع الحكومة المركزية في بغداد بدلاً من إشعال الحرب معها؛ مما يعزز في المستقبل استقلال إقليم كردستان وإنشاء الدولة الكردية والاعتراف بها.
وهذا سيدفعنا مرة أخرى إلى تأكيد إعادة رسم المنطقة على أساس عرقي، وبطبيعة الحال فإن تأجيل التقسيم وتأكيد الحدود القائمة في كثير من الأحيان أصبح غير منطقي، كما في الكثير من الحالات في العالم والتي برر فيها الاحتلال وغزو الدول بإعادة الروابط الجغرافية والتاريخيه، مثلما برر صدام حسين غزوة للكويت باتهامه البريطانيين بسرقته من العراق.
ومن المفارقات، أن الجهد الأكثر نجاحا حتى الآن في القضاء على الحدود التي رسمها الأوروبيون قديما في القرن الـ 19، لا يزال من الاتحاد الأوروبي. وهذا التوافق في الآراء برز فقط من إدراك متأخر أن قرنا من القتال على الحدود الحقيقية للقارة لم تفعل الخير لأي شخص.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أدرك أخيرا ضرورة إنهاء هذا الصراع ذاهبين إلى ضرورة إنهاء سايكس بيكو.