7000 حادث ضد الأقليات..الهند تدخل مرحلة الصراع العقيدي
السبت 09/مايو/2015 - 05:38 م
طباعة

التعدد الديني والعقيدي في الهند أحد أبرز السمات المكونة لشخصية دولة فريدة ولكن للأسف فهي مهددة حاليًا باندلاع شرور التعصب المقيت بين أصحاب العقائد المتبينة، واليوم جاء تصريح استفزازي على لسان الأمين العام للحزب الهندوسي المتطرف (ماهاسابها) تضمن التأكيد على أن "مهاجمة الكنائس أمر لا ينتهك أي قانون".
إن هذا التصريح الاستفزازي، الذي جاء من مونا كومار شوكلا، الأمين العام للحزب الهندوسي المتطرف "ماهاسابها"، يهدف إلى السيطرة على عقول المتشددين الشباب، وإلى تعزيز أيديولوجية الإقصاء التي بناء عليها تقوم الهند بالتخلص من الأقليات الدينية.
يشكل الهندوس 75% من مجموع عدد سكان هذا البلد الآسيوي الشاسع الأطراف، والبالغ 1.2 مليار نسمة، ويعتنق 13% منهم الإسلام، بينما يعتنق 4.5% منهم المسيحية (من جميع الكنائس).
وفوق كل شيء فهذا نداء لإضفاء الشرعية على الاعتداءات المتكررة التي دمرت المجتمعات المسيحية الهندية على مدى الأشهر القليلة الماضية. ففي عام 2014، عانت هذه المجتمعات من ما يزيد عن 7000 حادث عنيفٍ، وذلك حسب تقرير المنتدى الكاثوليكي العلماني.
وذهب قائد الهندوس إلى أبعد من ذلك، حيث "طلب من الحكومة الاتحادية تزويد الحماية للهندوس الذين يهاجمون الكنائس"، فهو يرى أن الكنائس لم تعُد أماكن عبادة بل هي مصانع تحول الهندوس إلى مسيحيين".

وقد أضاف شوكلا بأن منظمته سوف تمنح جوائزاً وحماية للهندوس الشباب الذين يهاجمون الكنائس ويتزوجون البنات المسلمات. واستطرد قائلاً: "حتى التحفة والصرح المعماري الإسلامي في الهند "تاج محل"، وهو الضريح الذي أمر بتشييده إمبراطور موغال شاه جاهان عام 1632، قد تم تخصيصه لآلهة الهندوس شيفا، وسوف يصبح عمَّا قريب معبداً هندوسياً من جديد".
وقد جاءت تصريحات شوكلا هذه، بعد التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس ديفا سادفي ثاكور، الذي دعا في الأسابيع القليلة الماضية إلى حملة تعقيم جماعي للمسيحيين والمسلمين (منعهم من التكاثر)؛ لكي لا يزداد عددهم.
ويظهر أن الجماعات الأصولية الهندوسية قد أطلت برأسها من جديد، بعد أن وصل ناريندا مودي، وهو رئيس حزب البارتيا جاناتا إلى السلطة. ويستمد هذا الحزب بناء ثروته وكسب شعبيته من دعمه لهذه الأنواع من الحركات.
ويظهر أن وجود مودي في الحكومة الاتحادية يثير حماسة الجماعات المتطرفة، الذين يهدفون إلى توسيع القاعدة الشعبية المتشددة في المجتمع الهندي؛ وبذلك ترتفع الرهانات، ويستمدون قوتهم من بعض القيادات السياسية نوعاً ما، التي تُظهر الرضا عنهم، ففي الأشهر الأخيرة، أظهر القادة السياسيون بعض الجبن أو عدم الاكتراث تجاه هذه الظاهرة، وهي الاعتداءات على الأقليات الدينية، والتي تدعو إلى القلق، وتتسبب في تمزق التعددية التي هي من مقومات النسيج الهندي الأساسية.
بينما يقوم أخيراً رئيس الوزراء مودي– وبعد صمت طويل– بالرد على الاعتداءات العديدة، بعد كل الأضرار التي حصلت وتدنيس الكنائس (ففي غضون بضعة أشهر كان هناك خمسة حوادث في العاصمة الهندية دلهي، بالإضافة إلى حوادث أخرى في ولاية تيلانغانا وولاية أوتار براديش)؛ يقوم بالتصريح بأن هذه الحكومة "لن تسمح لأية مجموعة دينية، تنتمي إلى الأغلبية أو إلى الأقلية، بالتحريض على الكره نحو الآخرين. لا نستطيع قبول العنف ضد أي ديانة".
ولم يُبْدِ الممثلون الآخرون في الحكومة اهتماماً بالأمر: فوزير المالية أرون جاتلي قلل من أهمية الاعتداءات الأخيرة على الكنائس الهندية بقوله: إنها كانت جرائم صغيرة.
ولكن حسب رؤساء الكنائس فإن هذه كانت "اعتداءات مستهدفة"، وذلك حسب تصريحات رؤساء الكنائس في أوتار براديش بعد العنف الذي تعرضت له كنيسة القديسة مريم الكاثوليكية في أقْرَا.
وقد قال مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في الهند عن تصريحات مونا كومار شوكلا بأنها "غير مسئولة"، معبرين عن مشاعر الجماعة المسيحية التي تشعر "بالصدمة والألم" من كلمات تهدف إلى إحداث "تصعيد"، هذا ما قاله الأساقفة في نهاية الاجتماع الذي شارك فيه 40 من الكرادلة والأساقفة في بنغالور.
وقد أشار الأساقفة أيضاً إلى التصريحات التي أدلى بها موهان بهاجوات، رئيس المتشددين الهندوس، والذي يترأس منظمة المتطوعين الوطنيين المعروفة باسم (Rashtriya Swayamsevak Sangh) والتي قامت حديثاً بالتقليل من أهمية عمل الأم تريزا في كالكوتا، متهمة إياها بالتبشير عن طريق خدمة الفقراء.
بالإضافة إلى الكلمات- التي تعتبر مهمة؛ لأنها تؤثر على عقول وتفكير الناس وتؤدي إلى إجراءات معينة- فإن مسيحيي الهند يواصلون عيش الإنجيل من أجل استعادة الكرامة لكل إنسان، في مجتمع لا يزال يتبنى نظاماً طبقياً يسمح قانونياً بالتمييز الاجتماعي على مستوى الديانات بشكل لا يمكن التغلب عليه.

ومن هذا المنطلق، أمضى الرهبان اليسوعيون في مدينة باتينا يوم الأول من مايو، وهو عيد القديس يوسف العامل، بتنظيف مراحيض الكلية وسكن الطلاب، مع رئيس الكلية تومي نيشانت، وكان المعلمون يسيرون في المقدمة. وكان مقصدهم من ذلك أن يضعوا أنفسهم في موضع المتواضعين والمحرومين"، وهم الطبقة المهمّشة من المجتمع ويوصفون بأنهم "منبوذون" ولا يمكن لمسهم.
ونشر مشاعر الكراهية ضد المسلمين
وينشر الهندوس أيضا مشاعر كراهية ضد المسلمين، من خلال تحذيرهم مما أطلقوا عليه جهاد الحب.
ويعني “جهاد الحب” لديهم أن رجالا مسلمين يتعمدون إغراء نساء من الهندوس قصد إيقاعهن في غرامهم، ثم يتزوجون منهنّ، ومن ثمة تبدأ عمليات الضغط عليهن من أجل التخلي عن ديانتهنّ واعتناق الإسلام.
وحسب هذه التهمة الهندوسية فإنّ هذه الحملة، حملة "جهاد الحب"، تؤدي إلى تناقص عدد الهندوس في الهند، رغم أنّ الأرقام تفيد بأنّ أصحاب هذه الديانة يمثلون أغلبية واضحة في الهند، حيث لا يزيد تعداد المسلمين في الهند عن 180 مليون نسمة من بين إجمالي 1250 مليون نسمة من السكان.
وحسب رواية الهندوس، فإن فتاة هندوسية، تعرضت للحالة المشار إليها سلفًا، قالت إنّه تمّ اختطافها ونقلها إلى عدة مدارس إسلامية، وتعرضت إلى الاعتداء الجنسي هناك، وعذّبت وأُجبرت على أن تصبح مسلمة رغمًا عنها. على حدّ زعمها.
كما أضافت الفتاة، البالغة من العمر 20 عامًا، أنّ مختطفيها وعدوها بمكان في الجنة إذا اعتنقت الإسلام، مشيرة إلى أنها "عندما علمت بأنه سيتم تزويجها من رجل مسلم لاذت بالفرار".
اليمينيون يلتقطون حالات فردية من الغش المحتمل والعداء للنساء ويلبسونها ألبسة دينية عدائية.

هذه الرواية التي قصتها الفتاة، كانت قبل بضعة أسابيع. غير أنها توجهت لإبلاغ رجال الشرطة بأن شهادتها الأولى (سالفة الذكر) كانت خاطئة ومزيفة، وأنها تحب الرجل الذي رحلت معه، وأنّ أفراد أسرتها هم من أجبروها على الإدلاء بتلك الشهادة وتلك القصة المزعومة؛ لأنّهم لا يحبذون أن ترتبط بشخص مسلم. ثم اختفت المرأة منذ ذلك الوقت، وتملّك الغضب أبوها، الذي قال إنّ ابنته تلقت تهديدات وتعرّضت لعملية غسيل مخ، وإنّ روايتها الثانية لا تعدو كونها مؤامرة.
ورغم أنّ ملابسات القضية لم تتضح بعد بالشكل الكافي، إلاّ أن حزب الشعب الهندي "بي جي بي" (ذا التوجه القومي) والمنظمات اليمينية ذات الصلة به، تبنَّوا القضية (من وجهة نظر الأسرة وحسب رواية الفتاة الأولى).
وفي هذا السياق، رأت أتول شارما، رئيسة منظمة سانكالب لحقوق الأطفال في ولاية أوتار براديش، أنّ التعامل بهذا الشكل مع هذه الحالة يمثل منهجًا متبعًا في الهند، وأنّ "اليمينيين يلتقطون حالات فردية من الغش المحتمل والعداء للنساء ويُلبسونها ألبسة دينية"، وأنهم يفعلون ذلك من أجل حصد أكبر قدر ممكن من أصوات الهندوس في الانتخابات، تلك الانتخابات التي تتعدّد أوجهها في الهند التي تعدّ أكبر ديمقراطية في العالم (من حيث الحجم والكم)، وكان آخرها الانتخابات المحلية التي أجريت في ولايتين هنديتين الأربعاء الماضي.
وحسب شارما فإن الكثير من المراقبين السياسيين اكتشفوا أن المتشددين أصبحوا يحتلون المزيد من المساحات السياسية، منذ أن أصبحت الحكومة المركزية في نيودلهي تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي؛ وذلك من أجل "ترسيخ حكم الهندوس"، وفق تعبير مقتبس عن جاسم محمد عضو منتدى الدراسات والبحوث الإسلامية.
المتشددون أصبحوا يهيمنون على الساحة السياسية منذ أن أصبحت الحكومة المركزية تحت قيادة ناريندرا مودي.
ومن جهتها، ترى ريهانا أديب، الناشطة في مجال حقوق النساء، أنّ ما يُعرف بـ"جهاد الحب" هو جزء من حملة أكبر، وأنّ اليمينيّين في الهند يُكافحون ضدّ الزواج بين أبناء الأديان المختلفة، ولا يحذّرُون فقط من الزواج بمُسلمين بل يستبعدون المسلمين على سبيل المثال من حفلات الرقص.
وقالت أديب: إنّ مجموعات من أمثال مجموعة "جار فابسي" الّتي تعني "العودة"، تُحاول إعادة الهنود الذين يعتنقون دينا مثل المسيحية أو الإسلام إلى الهندوسية، ومن بين هذه المنظمات أيضا منظمة المجلس الهندوسي العالمي.
وفي سياق متصل، لطالما عمد بالراج دونجار، أحد أعضاء منظمة المجلس الهندوسي العالمي، إلى التجوّل عبر أنحاء الهند المختلفة في إطار "حملة توعية"، محذرًا من زواج الهندوسيات من المسلمين.
حيث قال دونجار، مؤخرا في إحدى محاضراته التي ألقاها في قرية ميروت التي لا تبعد كثيرا عن قرية ساراوا سابقة الذكر: "إنّ بعض هذه الزيجات يسفر عن إنجاب نصف دستة أطفال"، مضيفا: "إذا أصبح المسلمون أغلبية فسيحكموننا لا محالة".
وفي هذا الإطار تشير حوادث عدّة إلى أنّ مثل هذا التأجيج لطالما تحوّل إلى أعمال عنف، حيث قتل أكثر من 60 مسلمًا قبل عام خلال هجمات طالت السكان المسلمين في منطقة مظفر نجار، واضطر نحو 40 ألف مسلم إلى الفرار من منازلهم، وفقد العديد منهم، ومن بينهم الطفل منور مالك البالغ من العمر 12 عامًا (ابن عائلة مسلمة)، الذي يفتقد أصدقاءه الهندوسيين منذ ذلك الحين.

هذه الحوادث المتكررة والتي لا تمتّ بصلة إلى قيم المحبة والتسامح ولا إلى قواعد التعايش السلمي التي كانت تسود أنحاء كثيرة من البلاد، جعلت الأطفال من أتباع الديانتين المختلفتين، الهندوسية والإسلام، يتجنبون بعضهم بعضًا. حيث قال الطفل مالك: "لقد كنا نحتفل بالأعياد بشكل مشترك ونلعب الكريكت معا، ولكن ذلك انتهى، لقد أصبحنا اليوم نلعب في ساحات لعب مختلفة ولست أعلم لماذا؟".