دخول داعش العراق يقلب الموازين في المنطقة.. والسعودية تتحرك بحذر
الأربعاء 18/يونيو/2014 - 09:57 م
طباعة


على خلفية الأحداث الملتهبة على الساحة العراقية، والمتمثلة في صعود نفوذ التنظيمات الإرهابية، خاصة «داعش»، أعلن التنظيم عن إنشاء فرع له في الأردن، وأوضح أبو محمّد بكر" متحدث باسم التنظيم"، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، أن مهمات الفرع الآن، هي العمل «كمركز للخدمات اللوجستية»، إنما «مؤقتا»، فالأردن جزء من الدولة الإسلامية في العراق والشام، هذا التطور الأخير الذي يوضح المطامع "الداعشية" في تغير المنطقة بالكامل، ويؤكد على سرعة تحركاتها.
هذا التحرك السريع الذي دعا بعض التحليلات التي تقول بدعم سعودي للجماعة الإرهابية، ففي تقرير نشرته مجلة السياسة الخارجية "فورين بوليسي" قال الباحث "سايمون هندرسون" إن السعودية فتحت ساحة جديدة لمعركتها مع إيران بدعمها لتنظيم "داعش" وتحركاته الأخيرة في العراق.
وألمح الكاتب إلى التناقض الحالي في العلاقة بين الدول الخليجية وإيران، فمن جهة تبدو العلاقات في مرحلة تقارب "على مضض" على حد تعبيره، خاصة مع الزيارات المتبادلة بينهم، التي قامت بها وفود تجارية ووزارية وزيارة أمير الكويت، لكن من جهة أخرى أشار إلى تلويح السعودية بالقوة باستعراضها لصواريخها الباليستية الصينية القادرة على ضرب طهران لأول مرة منذ أسابيع، وكذلك بالنسبة للإمارات، حيث إقراراها التجنيد الإلزامي منذ أيام.
ورأى "هندرسون" أن اجتياح "داعش" المفاجئ لشمال غرب العراق، يبدو أنه من التكتيكات المفضلة لبندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وإن لم يتوفر دليل مادي على هذا.

وأشار الكاتب إلى فرضية مفادها أن "داعش آلة قتل لا ترحم تجاه الشيعة خصوصاً، يرجع بالأساس لتكريس الازدراء تجاههم حتى على مستوى الحكام، فعلى الرغم من حرص الملك عبدالله على عدم توجيه إهانة طائفية مباشرة بشكل علني نحو الشيعة عكس أخوته، إلا أن احتقاره لهم غير مشكوك فيه، حيث رؤيته أن (إيران أفعى شيعية يجب قطع رأسها)، حسب ما نشر عنه في وثائق مسربة على موقع ويكيليكس".
ووصف "هندرسون" ما يحدث في العراق بـ"انتكاسة" لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، كانت بمثابة حلم راود عاهل السعودية سنوات عديدة، فالملك عبد الله بن عبد العزيز يرى أن المالكي "دمية إيرانية"، مشيراً إلى عدم إرسال ملك السعودية سفيرًا من بلاده إلى بغداد، وتشجيع باقي حكام مجلس التعاون الخليجي على انتهاج سياسة متحفظة نحو المالكي.
وأضاف الكاتب "أنه على الرغم من تعرض السعودية وبلاد الخليج وخاصة قطر والكويت للخطر من جانب تنظيم القاعدة ومن الجماعات المتطرفة التي تتبنى فكرها، إلا أنهم دعموا هذه الجماعات في سوريا بغرض إسقاط نظام الأسد، بهدف إلحاق هزيمة استراتيجية بإيران وذلك بحسب استراتيجية السعودية السياسية الهادفة إلى دعم الإرهابيين عبر الحدود، بالتوازي مع محاولة احتوائهم وملاحقتهم داخل حدودها"، ضارباً المثال بدعم السعودية لـ"ابن لادن" في أفغانستان في العهد السوفيتي، وهو ما يتجدد الآن مع مسلحي داعش في سوريا والعراق وقبلهم البوسنة والشيشان.
وأشار "هندرسون" إلى أن السعودية عادت مرة أخرى لهذا النهج في سوريا، مع بدء التمرد على نظام الأسد في 2011، ولكن بدافع القلق من البرنامج النووي الإيراني، وأن الاستخبارات السعودية دعمت الجماعات المسلحة المتطرفة حسب استراتيجية وضعها رئيس المخابرات السعودي السابق بندر بن سلطان، الذي أقيل بسبب فشله في التعامل مع منهج إدارة أوباما الحذر بشأن دعم المسلحين في سوريا، مضيفًا أنه حتى بعد إقالة بندر استمر الدعم السعودي لهؤلاء المتطرفين.
الساحة السورية وحرب بالوكالة بين إيران و السعودية

جاءت الكثير من التحليلات بأن الصراع في سوريا أخذ أبعادًا أخرى في المنطقة، فالحرب لم تعد مجرد حرب بين النظام السوري والمعارضة أو المتطرفين، بل تخطت هذا لتصبح حربًا مستترة بين السعودية وإيران، أو حربًا بالوكالة كما تسمى، فإيران تتحرك من جهة والسعودية من جهة أخرى، يتصارعون من خلال تقديمهم المساعدات لطرفي الحرب في سوريا، لتوسيع نفوذهم في المنطقة، الحرب ليست سنية – شيعية، بقدر ما هي وسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية.
سوريا بالنسبة لإيران بلد مهم استراتيجيًا، فنظام بشار الأسد في دمشق حليف طهران الوحيد في العالم العربي، وبالإضافة إلى ذلك، فسوريا حلقة وصل مهمة بين إيران وحزب الله الموالي لها في لبنان، كما يقول الخبير شتيفان روزيني، من معهد "غيغا" في هامبورج لدراسات الشرق الأوسط، طهران ودمشق وحزب الله ثلاثة أطراف تعتبر نفسها بمثابة جبهة المقاومة ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة.
لكن المملكة العربية السعودية تريد بالمقابل كبح الطموح الإيراني لزيادة نفوذها، ومن شأن الإطاحة بالحكومة في دمشق أن تؤثر بقوة في وضع إيران، ولذلك تدعم السعودية المعارضة السورية بقوة، كما تدعم القوى المناهضة لإيران في كل من لبنان والعراق، لكن السعودية بقيت لعقود تدعم الجماعات السلفية الراديكالية، وبعد التجربة السيئة مع تنظيم القاعدة وحرب المتطوعين السعوديين في أفغانستان، صارت السعودية أكثر حذرًا، لأن العديد من المحاربين القدامى أعلنوا الدولة السعودية عدوًا جديدًا لهم عقب عودتهم، ولهذا السبب ربما أعلنت السعودية تنظيم داعش كتنظيم إرهابي في مارس الماضي
السعودية والعراق

و رغم أن خطر داعش سيطول السعودية أيضًا، فإن هناك بعض التحليلات التي تذهب إلى دعم سعودي للجماعة، وهو ما سيجعلها تخسر الكثير، خاصةً أن أغلب الأطراف الدولية والإقليمية الآن ضد داعش، وهو ما سيجعل إيران تربح "كارت" في هذه المعركة، خاصةً أن ما يحدث في العراق الآن ينبئ بفتح قنوات اتصال بين طهران والرياض، وهو ما سيصب في النهاية ضد السعودية ودول الخليج، خاصة ً في قضية الملف النووي الإيراني.
الخيارات المتاحة أمام السعودية

يبدو أن ما يحدث داخل الساحة العراقية سيغير المعادلة داخل سوريا، فالأطراف كلها الآن تشعر بخطر المتطرفين، وهو ما قد يفيد النظام السوري ويدعمه جدًا في الفترة المقبلة، والسعودية الآن باعتبارها أكبر المساندين للمعارضة في المنطقة، يبدو أنها ستلعب دوراً محايدًا في الفترة المقبلة خاصةً مع وضعها في الاعتبار أن واشنطن لم يصبح لديها رفاهية التراخي تجاه ما يحدث بالعراق الآن، بسبب وجود ما يقرب من عشرين ألف أمريكي في العراقي، والثاني هو موقف قطر حتى الآن الذي يحاول الموازنة بين إغضاب منافستها الاقليمية السعودية بوقفها ضد مصلحتها في العراق من ناحية، أو إغضاب إيران من ناحية أخرى إذا فعلت العكس ودعمت الجماعات الإرهابية.
خاصة ًمع وجود احتمالية لتدخل الحرس الثوري الإيراني في العراق باعتبارها الباحة الخلفية لإيران، إلى جانب النفوذ الكبير الذي استطاعت تحصيله داخل العراق بعد الحرب عليها في 2003 .