محاكمة "نبيل رحيم".. هل تؤجج الوضع في طرابلس اللبنانية؟
الإثنين 11/مايو/2015 - 02:16 م
طباعة

أصدر المجلس العدلي أمرًا بإلقاء القبض على عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم، المتهم بتشكيل مجموعة مسلحة عام 2007، وهذا ما اعتبره متخصصون في الشئون الإسلامية خطأ إجرائيا من قبل محامية رحيم.
أمام المحاكمة

في إطار متابعة المجلس العدلي للملفات المتفرعة عن قضية الاعتداء على أمن الدولة في نهر البارد، ومن ضمنهم ملف الشيخ نبيل رحيم المتهم بتشكيل مجموعة مسلحة- أصدرت المحكمة أمراً بتنفيذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقه.
الشيخ نبيل رحيم لم يحضر إلى الجلسة أمس السبت، لكن محاميته قدّمت معذرة طبية بأنّ حالته الصحية لا تسمح له بحضور الجلسة، إلا أن المجلس العدلي ردّ المعذرة الطبية التي تقدم بها الشيخ نبيل رحيم واعتبره فارًّا من وجه العدالة، وأصدر أمرًا بإنفاذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة في حقه، كما أرجأ الجلسة لمرافعة النيابة العامة التمييزية إلى 29 مايو الجاري.
وقد صدر عن المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى البيان الآتي: "نظر المجلس العدلي برئاسة القاضي جوزف سماحة في ستة ملفات متفرعة عن قضية الاعتداء على أمن الدولة في محلة نهر البارد، في الجلسة التي عقدها في قصر عدل بيروت بتاريخ 8 مايو، فختم المحاكمة في ثلاثة منها، وأرجأ إفهام الحكم في الملف الأول إلى 15 مايو الجاري، وفي الملفين الثاني والثالث إلى 22 مايو الجاري".
وكان المجلس قد قرر عدم إنفاذ مذكرة إلقاء القبض بأحد المتهمين، نظرًا لوضعه الصحي الدقيق.
أما في الملف الرابع فرد المجلس العدلي المعذرة الطبية التي تقدم بها المتهم نبيل رحيم واعتبره فارًّا من وجه العدالة، وأصدر أمرًا بإنفاذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة في حقه، وأرجأ الجلسة لمرافعة النيابة العامة التمييزية إلى 29 مايو الجاري.
كذلك، أرجأ المجلس جلسة المحاكمة في الملف الخامس لسماع الشهود إلى 29 مايو الجاري، وفي الملف السادس للبت بمذكرة الدفوع الشكلية إلى 15 مايو الجاري.
وأطلق القضاء سراح العشرات من المعتقلين على خلفية الأحداث على دفعات، بعد أشهر أو سنوات، وبقي الملف مفتوحاً مع الإبقاء على 300 موقوف ينتظرون محاكمتهم منذ اعتقالهم، أي عام 2007 أو 2008 نما هذا الملف وبات يحمل عنوان: "الموقوفون الإسلاميون في سجن روميه". تغذّى بفعل الكثير من الأحداث والخطط الأمنية، منها ما أتى بعد معركة عبرا (صيدا، جنوبي لبنان) أو جراء مداهمات أو اشتباكات في عرسال (شرقي لبنان، على الحدود اللبنانية ـ السورية)، وطرابلس (شمالي لبنان)، لكن بقي لموقوفي نهر البارد الحصة الأكبر و"الأدسم" من هذه القضية.
أزمة نهر البارد

مخيم نهر البارد هو مخيم للاجئين الفلسطينيين يقع في شمال لبنان، بالقرب من ميناء مدينة طرابلس، ويضم حوالي 30000 فلسطيني، ويقع على مسافة 16 كم من طرابلس بالقرب من الطريق الساحلي، وأنشأ المخيم في الأساس اتحاد جمعيات الصليب الأحمر عام 1949 لتوفير الإقامة للاجئين الفلسطينيين من بحيرة الحلوة شمالي فلسطين.
وفي 20 مايو 2007م انشغل العالم كله والوسائل الإعلامية المختلفة ولبضعة أشهر بالأحداث في لبنان حين تفجرت الأوضاع في مخيم نهر البارد بين تنظيم فتح الإسلام بزعامة شاكر العبسي "أحد أفرع تنظيم القاعدة"، والجيش اللبناني، ثم انتهت الأحداث بمقتل وأسر ما يزيد على أربعمائة من فتح الإسلام، فضلاً عن مقتل العشرات من المدنيين الذين لا صلة لهم بأطراف النزاع، إضافة إلى تدمير كامل لمخيم نهر البارد، وتشريد أكثر من ثلاثين ألفاً من سكان المخيم الذي كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل مغادرته.
ويعتبر تنظيم (فتح الإسلام) تنظيماً منشقًّا عن (فتح الانتفاضة) والتي بدورها سبق أن انشقت عن (حركة فتح) الأم بقيادة ياسر عرفات، وكان من أهداف تنظيم "فتح الإسلام" هو تأسيس إمارة إسلامية في مخيم نهر البارد، وتطبيق الشريعة الإسلامية في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
أما عن أهداف هذه المجموعة من التسلح فيرجعها الشيخ عمر بكري إلى «الشحن السياسي الطائفي والمذهبي الذي أدى ببعض أفرادها إلى جمع السلاح الخفيف للدفاع عن أنفسهم وعن طائفتهم إذا حصل أي طارئ». في حين يقول أحد المحامين، نقلاً عن عائلات «مجموعة الشيخ نبيل»: إن بعض أولادهم كان يتدرب للجهاد في العراق، في حين كان يريد البعض الآخر الاستعداد لمواجهة «أي خطر قادم من الشيعة» بعد الشحن في الوسط السني.
أين نبيل رحيم في أحداث نهر البارد؟

القضية التي يحاكم بها الشيخ نبيل رحيم، تعود للعام 2007 سبق وتحاكم بها أمام المحكمة العسكرية، قبض على نبيل رحيّم، كأحد المشتبهين فيه بتأسيس تنظيم «فتح الإسلام»، والشيخ نبيل احتل الصدارة في لائحة اللبنانيين المطلوبين للعدالة، وقد وجهت إليه بضع تهم، منها الانتماء إلى القاعدة، والمشاركة في تأسيس «فتح الإسلام» وإعداد مقاتلين وترحيلهم إلى العراق، رغم نفي صديقه الشيخ بلال دقماق كل علاقة للشيخ نبيل بـ«فتح الإسلام» أو تنظيم القاعدة.
ورغم أن نبيل متهم باستقبال أحد الممولين لتنظيم «فتح الإسلام» وتسهيل انتقاله إلى مخيم نهر البارد قبل اندلاع المواجهات، فإن المصدر المذكور يتشكك في صحة تلك المعلومات، قائلاً: إن أمر المجموعات قد بولغ به للتوظيف السياسي، وكانت السلطات السعودية تطالب بالتحقيق معهم قبل أن تختلط الأوراق بينهم وبين «فتح الإسلام». والدليل أنه لم يرد في التحقيق مع هؤلاء أن أحداً من الموقوفين اعترف بأنه كان يخطط لقيام إمارة إسلامية على غرار ما أدلى به موقوفو «فتح الإسلام» لاحقاً.
ولرحيم موقف من النظام السوري وهو مؤيد للثورة ضد الرئيس بشار الأسد، والذي يتهمه بأنه يحاول إحراق طرابلس، قائلا : "هنالك قرار سوري بإحراق طرابلس ردًّا على الهزائم التي مُنوا بها في بلادهم، وفي كل مرة نتعرّض للاعتداءات من جبل محسن نسارع إلى المطالبة بانتشار الجيش والعمل على الوصول إلى حل جذري لوقف هذا التعّدي، فيما بالمقابل يقوم رفعت عيد بتقديم ولائه لبشار الأسد وإيران ويطلق تهديداته ضد أهالي باب التبانة، وينفذها بسرعة بعد قصفه لكل أحياء طرابلس حتى تلك البعيدة عن أماكن الاشتباكات".
وحول وجود عناصر من الجيش السوري الحر وجبهة "النصرة" للقتال إلى جانب أبناء باب التبانة، رفض ذلك بشدة، معتبراً أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق؛ إذ لا وجود لهؤلاء أبداً.
وعن تمويلهم بالمال ومدّهم بالسلاح من قبل تيار "المستقبل"، شدّد رحيم في حديث لـ kataeb.org، على أن هذا الاتهام غير صحيح، فيما جبل محسن مدجّج بالسلاح السوري المتوسط الذي وزعته قيادة الجيش السوري بعد انسحابه من لبنان على العلويين وتيار المردة والحزب السوري القومي، وهذا السلاح سحبوه من الأحزاب اللبنانية بعد اتفاق الطائف وخصوصاً تلك الرافضة للوجود السوري في لبنان، وُقدّم للأحزاب التي تتلطى تحت اسم المقاومة والممانعة.
وفي إطار ما يقال اليوم بأن الدولة العلوّية ستتحقق في طرابلس، ختم رحيم: "هذا كلام خطير لكن نؤكد لهم بأن هذه الدولة لن تتحقق إلا في أحلامهم ، وبشار الأسد لن يحكم مطوّلاً وسيصدر قرار عربي ودولي ضده، وقد تطول الأزمة السورية فلا أحد يعرف، لكن في النهاية لا بدّ من تسوية وقد تقسّم سوريا إلى دويلات، والمهم أن ننقذ طرابلس من خلال مواصلة المساعي ووضع حّد لما يجري بهدف الوصول الى الاستقرار".
من هو الشيخ رحيم؟

ولد نبيل محمد غصوب رحيم، الحاصل على الجنسية الأسترالية، في طرابلس اللبنانية، يوم السابع عشر من شهر أكتوبر 1971 في عائلة متوسطة الحال، نشأ في جوٍّ ديني متشدد.
تتلمذ على مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال منذ عام 1986، وتلقى علومه في مدرسة الإيمان الإسلامية ثم في القسم الشرعي التابع لدار التربية والتعليم الإسلامي، إلى أن انخرط في أول جمعية سلفية أنشأها الشهال وهي «جمعية الهداية والإحسان» وبعد تخرجه درّس في معهد الهداية حتى عام 1996 حين تم حلّ جمعية الهداية والإحسان الاسلامية بسبب طباعة كتيب على حسابها تحت عنوان «الأديان والفرق المعاصرة» يحرض على النظام السوري، ويصفه بـ«النظام البعثي والعلوي الباطني المرتد».
وعقب حل الجمعية عمل مدرساً وموظفاً في «دار الحديث» مع الشيخ زهير عيسى في طرابلس.
وفي بداية 2000 أسس رحيم مع عدد من المشايخ معهد دار الحديث النبوي الشريف، وهو معهد مخصص للنساء لتدريس العلوم الشرعية وإقامة المحاضرات التعليمية، كما كان يجول بشكل متواصل على العديد من المساجد وعلى مناطق مختلفة في الشمال والبقاع لإعطاء الدروس الدينية. عمل خطيباً في مسجد الشالح أو الضناوي في باب الرمل لعدة سنوات، وفي مساجد أخرى، ثم ضُيّق عليه فترك الخطابة.
تم اعتقاله في العاشر من يناير 2008 بتُهمٍ سياسية تحت مسمى محاربة الإرهاب، وذلك بعد التشديد الذي تعرض له الإسلاميون كافة، وبقي معتقلاً مدة ثلاث سنوات ونصف، حين أُخلي سبيله بتاريخ الخامس عشر من شهر يونيو 2011.
بعد خروجه من السجن بدأ الشيخ بمساعٍ حثيثة لجمع الكلمة بين أبناء مدينة طرابلس، حيث كان يتواصل مع فعاليات المدينة وعلمائها ومختلف أطيافها؛ في محاولة لتحسين صورتها وأوضاعها، خاصة في الظروف السياسية والأمنية الصعبة التي مرت بها. وانضم إلى هيئة علماء المسلمين وكذلك إلى لجنة المساعي الحميدة، ويعمل منذ العام 2012 مديراً للعلاقات العامة في إذاعة طريق الارتقاء.
المشهد اللبناني
يخشى كثير من المتابعين أن يؤدي اعتقال الشيخ نبيل رحيم، إلى إعادة التوتر لمدنية طرابلس اللبنانية، في حالة الكر والفر التي عاشها الجيش اللبناني ضد جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ومحاولة جماعات مسلحة خلال أكتوبر 2014 السيطرة على منطقة باب التبانة في مدينة طرابلس.