أفتى الشيخ عبد الآخر حماد، المعروف بمفتي الجماعة الإسلامية أن "مسألة علاج الزوج لزوجته فيها شيء من الخلاف بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على أنه لا يُلزم الزوج بالإنفاق على علاج زوجته، ولا يوجد نص شرعي واضح في موضوع نفقة علاج الزوجة".

وأضاف حماد، في فتوى نشرها عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "أهل العلم اتفقوا على وجوب إنفاق الرجل على زوجته فيما يخص حاجاتها الأساسية، من المأكل والمشرب والملبس والمسكن"،  معتبرًا أن "أهل العلم المعاصرين خالفوا السلف بإلحاقهم مصاريف العلاج بمصاريف الأكل والشرب، لأنها صارت من الأمور الأساسية في الحياة، وبهذا القول أخذت كثير من قوانين الأسرة في البلاد الإسلامية ومنها القانون المصري بذلك".

وجاءت فتوى عبد الآخر ردا على سؤال" هل نفقة الزوجة وعلاجها واجب على الزوج ؟ وإن كان ذلك فهل تسقط جزئيا أو كليا عنه إن كانت صاحبة عمل ؟".

تلك الفتوى التي أفتى بها الشيخ عبد الآخر حماد قديمة من قدم الفقه الإسلامي نفسه، والذي يدرس في الأزهر الشريف دون اعتراض من احد المشايخ الذين يدعون وسطية الأزهر، وموجودة في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة على الوجه التالي:

جاء في حاشية ابن عابدين (1) أن "النفقة هي الطعام والكسوة والسكن (2) فلا يجب على الزوج غير هذه الأشياء الثلاثة" وصرح الكساني بأن الزوجة "لو مرضت في الحضر كانت المداواة عليها لا على الزوج" (3) وجاء في فتح القدير أن شمس الأمة الحلواني (4) قال "إذا مرضت مرضا لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه تسقط النفقة" (5)

لم يبتعد كثيرا المذهب المالكي عن المذهب الحنفي في هذا الخصوص بل سار على الدرب، فقد نص الشيخ خليل على أنه "يجب لممكنة (6) مطيقة للوطء على البالغ – وليس أحدهما مسرفا – قوت و إدام، وكسوة، ومسكن" (7) وقال الخرشي عند قول المختصر "لا مكحلة ودواء وحجامة وثياب المخرج.. يعنى ان الرجل لا يلزمه المكحلة.. وكذلك لا يلزمه الدواء عند مرضها لا أعيانا ولا أثمانا ومنه أجرة الطبيب" (8)

وجرى الشافعي على قول المذهب المالكي والحنفي حيث صرح ان الزوج "لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والإدام بقدر ذلك" (9)، ونقل عنه الماوردي قوله "ليس على رجل ان يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام" (10) وعلل السيوطي قول الشافعية بعدم استحقاق الزوجة الدواء للمرض ولأجرة الطبيب بأن "هذه الأمور لحفظ الأصل، فكانت عليها كما يكون على المكري ما يحفظ العين المكراة" (11) وذكر أنه "يلزم الزوج الطعام و الإدام في أيام المرض، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه" (12)

ذكر ابن قدامة ان الزوج "لا يجب عليه شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب، لأنه لا يراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه وتجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم (13)

وبالنسبة لابن حزم فإنه صرح بأن الذي "على الزوج كسوة الزوجة – مذ يعقد النكاح – ونفقتها وما تتوطاه وتتغطاه  وتفرشه، واسكانها كذلك أيضا صغيرة أو كبيرة ذات أب أو يتيمة غنية أو فقيرة (14)

هذا بعض من كل ما قاله الفقه الإسلامي حول هذه المسألة وللقراءة الأولى حول ما قاله هذا الفقه النفعي نجد أن المرأة مهمتها في الحياة هي الوطء – مع تحفظي الشديد على هذا اللفظ – لوصف علاقة انسانية من المفترض ان يكون الانسان فيها اكثر حميمية من اي وضع آخر، ولكن ثقافة الصحراء تأبى ان تكون حميمية، رغم ان القرآن الكريم وصف هذه الحالة كثيرا "بالمس واللمس" والفقه يصفها "وطء، مضاجعة، ركوب، مواقعة" نعم هذا ليس موضوعنا ولكن سقنا المثال لنبين بعد الفقه عن النص الأساسي "القرآن" حتى على مستوى استخدام المفردة وتوصيف الحالة.

الفقه الإسلامي هنا يساوي بين الزوجة وبين العين المؤجرة، حيث انه على صاحب العين رعايتها وترميمها للمستأجر وشتان الفارق بين هذا الفهم وهذا الرأي والآية الكريمة " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الروم 21 فأي رحمة ننتظرها من رجل يرى زوجته مريضة ولا يأتي لها بدواء أو طبيب ولا ينفق عليها في حال مرضها كما يوجهه الفقه الإسلامي.

كيف يأمر نفس هذا الفقه المرأة أن لا تخرج من المنزل اعمالا ل" قرن في بيوتكن" ويطالبها بالإنفاق على نفسها حال مرضها؟

إن الفقهاء أخذوا بظاهر النص والتزموا به حيث لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينص على العلاج ولكنه اكتفى "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " فيدور الحديث والآيات القرآنية على الكسوة والرزق وفسر العلماء الرزق بالإطعام" كسوتهن وإطعامهن "دون النص صراحة على العلاج ، وكان هذا مبررهم الذي استندوا عليه.

1- هو العنوان الذي اشتهر به كتاب: رد المحتار على الدر المختار – للفقيه محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، المتوفي سنة 1252 ه

2- حاشية ابن عابدين ج 5 / 223

3- بدائع الصنائع للكساني ج 4 / 29-30

4- هو ابو محمد عبد العزيز ابن نصر الحلواني، الملقب بشمس الائمة من أهل البخاري، إمام أهل الرأي بها في وقته مات سنة 452 ه ترجمته في الأنساب للسمعاني ج 4/ 248

5- فتح القدير للكمال بن الهمام الحنفي ج 4/ 347

6-هي المرأة التي تمكن زوجها من نفسها إذا دعاها للدخول.

7- مختصر خليل مع شرح الخرشي ج 4/ 183

8- السابق ج 4/ 187

9-الأم للشافعي ج 5/ 115

10- الحاوي الكبير للماوردي ج 11/435

11- روضة الطالبين للنووي ج 6/ 460

12- نفس المصدر

13- المغني لابن قدامة ج 9/ 235

14- المحلى لابن حزم ج 9/ 112 رقم المسألة 18545