قراءة في حديث أوباما مع "الشرق الأوسط".. "المُراوغة فن أمريكي"
الخميس 14/مايو/2015 - 01:51 م
طباعة

عكس الحوار الذي أجراه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع صحيفة "الشرق الأوسط" مدى مساعي الإدارة الأمريكية، في إزالة التوتر مع دول الخليج، على خلفية مخاوف الأخيرة من اتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وطهران، وقد أجري الحوار عشية اجتماع قادة وأمراء دول الخليج مع أوباما في (كامب ديفيد) اليوم (الخميس).
وفي الوقت الذي تغيب فيه الملك سلمان بن عبد العزيز عن القمة- وهو الأمر الذي فسره خبراء بأنه اعتراض على سياسات أمريكا تجاه طهران- بدا حديث أوباما مع الصحيفة السعودية، مُراوغة ومحاولة لاسترضاء الخليج بالكلمة دون ترجمة حقيقية لكل تلك الوعود، فيما حذر نشطاء على مواقع التواصل من الوثوق به، إلى جانب حرصه المستميت على المجد الشخصي على حساب دول الخليج والتغاضي عن إيران في الملف النووي.

وأوباما وعد في حواره باستخدام كل عناصر القوة لحماية أمن دول الخليج العربية من التهديدات، ضمن حماية مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، مؤكداً أن دول الخليج لها الحق في القلق من إيران التي وصفها بـ"الراعية للإرهاب"، وقال: "اجتماعنا ينبع من مصلحتنا المشتركة في منطقة خليج يعمها السلام والرفاهية والأمن، والولايات المتحدة على استعداد لاستخدام كل عناصر القوة المتاحة من أجل تأمين مصالحنا"، وتابع: "يجب ألا يكون هناك أي شك حول التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة والتزامنا بشركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي".
وحاول أوباما الظهور في مشهد المتحامل على طهران بالقول إن إيران تدعم الجماعات الإرهابية، كما أنها مُنخرطة في تصرفات خطيرة ومزعزعة لاستقرار دول مختلفة في أنحاء المنطقة، فإيران دولة راعية للإرهاب، وهي تسهم في مساندة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في سوريا، وتدعم حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، وتساعد المتمردين الحوثيين في اليمن؛ لذلك فإن دول المنطقة على حق في قلقها العميق من أنشطة إيران، حتى ونحن نسعى إلى اتفاق نووي مع إيران، فإن الولايات المتحدة تبقى يقظة ضد تصرفات إيران المتهورة الأخرى.
محاولات إزالة القلق

أوباما قال إنه دعا كبار مسئولي دول مجلس التعاون الخليجي إلى واشنطن من أجل تعزيز وتقوية الشراكة بين الجانبين، بما في ذلك التعاون الأمني ومناقشة كيفية مواجهة التحديات المشتركة، وتشمل المناقشات العمل على حل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط التي قضت على حياة أعداد كبيرة من الأبرياء وتسببت في الكثير من المعاناة لشعوب المنطقة، مشدداً على أن الاجتماع ينبع من المصلحة المشتركة في منطقة الخليج.
حديث أوباما لا يمكن تفسيره إلا من ناحية أن أمريكا تسعى إلى الحفاظ على علاقتها مع الخليج الاستراتيجية، خاصة أن تلك الدول تمد الغرب بنحو 80 % من احتياجاتها من الطاقة والمواد البترولية، وفي ذات الوقت تسعى إلى إنهاء ملف إيران النووي، بعد استفحال أمرها وتدخلها بشكل كبير في شئون العديد من الدول بينها (العراق وسوريا ولبنان واليمن).
كان أوباما قال في الأمم المتحدة منذ عامين: إن الولايات المتحدة تربطها مصالح جذرية في الشرق الأوسط بما في ذلك مواجهة العدوان الخارجي، وضمان المرور الحر للطاقة والتجارة، وحرية الملاحة في المياه الدولية، وهذه تشمل المرور في مضيقي هرمز وباب المندب، بالإضافة إلى تفكيك شبكات الإرهاب التي تهدد شعوب تلك الدول، ومنع تطوير أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.

وحاول أوباما التذكير بالعلاقات بين الطرفين، حيث قال في حواره: "إن الولايات المتحدة عملت مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ من أجل تقدم أهدافنا المشتركة، وقد خدم الأمريكيون في المنطقة، وضحوا بحياتهم من أجل أمننا المشترك، ويخدم الآلاف من الأفراد العسكريين الأمريكيين في منطقة الخليج حاليا من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي، ويجري تدريب قواتنا المسلحة معا في مناورات وتدريبات عسكرية كبيرة ومتعددة سنويا؛ ولذلك يجب ألا يكون هنالك أي شك حول التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة والتزامنا بشركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي".
وأكد أوباما أنه يأمل في أن يعمق هذا الاجتماع العلاقات في الكثير من المجالات، مشيراً إلى أن "الطرفين لديهم الفرصة في تحسين التنسيق الأمني ومساعدة شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي لتقوية قدراتهم الدفاعية مع زيادة تكاملها في عدد من المجالات مثل الدفاع الصاروخي والأمن البحري وأمن الشبكات الإلكترونية وأمن الحدود، حيث يمكن تكثيف الجهود في مكافحة الإرهاب بتركيز على منع تدفق المقاتلين الأجانب وتمويل الإرهاب في مناطق الصراع، وذلك بالإضافة إلى مكافحة الأيديولوجيا الشريرة لـ"داعش".
وفيما يخص ملف إيران النووي محل النقاش، فإنه سيطلع كبار المسئولين الخليجيين على آخر تطورات المفاوضات نحو تسوية شاملة؛ لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لتعزيز أمن المنطقة.
إيران ودعم الإرهاب

في غضون ذلك حاول أوباما الظهور في مشهد المطلع على خفايا وأسرار الأمور، حيث قال ما هو معروف بالضرورة، إن إيران منخرطة في تصرفات خطيرة ومزعزعة لاستقرار دول مختلفة في أنحاء المنطقة. إيران هي دولة راعية للإرهاب. وهي تساهم في مساندة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في سوريا، وتدعم حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة. وهي تساعد المتمردين الحوثيين في اليمن. ولذلك فإن دول المنطقة على حق في قلقها العميق من أنشطة إيران، وخصوصا دعمها لعملاء بالوكالة يلجئون إلى العنف داخل حدود دول أخرى.
اللافت للنظر إلى أن أوباما لم يتحدث عن الخطوات المستقبلية تجاه إيران، بل تحدث فقط عن وعود بمزيد من التنسيق الأمني وتسليح دول الخليج، ما يعني إنعاش خزينة بلاده بالمزيد من مليارات الدولارات، كما أن الاتفاق النووي مع إيران يُلزم بلده رفع الحظر والعقوبات عن الاقتصاد الإيراني.
وتابع أوباما: "من المهم أن نتذكر أن إيران تتورط بالفعل في هذه الأنشطة من دون ترسانة نووية، ويمكننا أن نتصور كيف يمكن أن تصبح إيران أكثر استفزازًا إذا كانت تمتلك سلاحًا نوويًّا، بل سيكون أصعب على المجتمع الدولي مواجهة وردع تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار، وهذا هو أحد أسباب الأهمية البالغة للاتفاق الشامل الذي نسعى إليه مع إيران- فبمنع إيران مسلحة نوويا، سوف نزيل أحد أخطر التهديدات لأمن المنطقة".

ولفت أوباما إلى أن بلاده حافظت على وجودها العسكري القوي في المنطقة وواصلت مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي على بناء قدراتها للدفاع والردع ضد كل أنواع العدوان الخارجي، وواصلت تطبيق العقوبات ضد إيران لدعمها الإرهاب، وعملها على برنامجها للصواريخ البالستية– وسنطبق هذه العقوبات في المستقبل حتى ولو توصلنا إلى اتفاق نووي مع إيران.
وأشار أوباما إلى أن بلاده تستهدف من رفع العقوبات الاقتصادية على إيران زيادة فرص الاستثمار ما ينعكس على الشعب الإيراني، وهذا قد يقوي القادة الأكثر اعتدالا داخل إيران، ويمكن لمزيد من الإيرانيين أن يروا أن التواصل الإيجابي – وليس المواجهة – مع المجتمع الدولي هو المسار الأفضل، موضحاً أن هناك طريقان أمام إيران. أحدهما استمرار المواجهة، والطريق الأفضل هو التوجه الأكثر إيجابية نحو المنطقة الذي سيسمح لإيران بأن تكون أكثر اندماجا في المجتمع الدولي.
مستقبل المنطقة

وتحدث أوباما عن ثورت "الربيع العربي"، وقال إنها جاءت نتيجة إحباط الشعوب من قادتها، وفي بعض الدول، مثل تونس، حدث تقدم حقيقي مع تقبل مواطنيها لروح التراضي والتعددية التي تحتاجها الأمم من أجل النجاح، وبعكس ذلك، فإن نظام الأسد شن حربا على الشعب السوري وتحطمت الآمال الأولية منذ بداية الصراع في تحقيق التقدم لتحجب بسبب أعمال عنف وتطرف، وما زلنا ندعم حق المواطنين في تقرير مصيرهم وفي العيش بكرامة وفي اختيارهم للحكومات الشاملة التعددية وإتاحة الفرص الاقتصادية لهم.
وحدث أوباما عن الأوضاع في سوريا، بلا حرج، حيث قال: إن سوريا تفرض تحديا فريدا. فنظام الأسد المستبد يستمر في ذبح شعبه، كما تواصل جماعات متطرفة مثل "داعش" وجبهة النصرة المرتبطة بـ"القاعدة" القيام بأعمال وحشية وتخطيط عمليات إرهابية ومحاولة فرض أيديولوجيتها المفلسة على الشعب السوري.
سياسة الولايات المتحدة واضحة. الأسد فقد كل شرعيته منذ فترة طويلة – ولعدم وجود حل عسكري للتحديات في سوريا – لا بد في النهاية أن يكون هناك انتقال سياسي نحو سوريا يتم فيه حماية الحقوق العامة، ومنها حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية. ونحو هذا الهدف، تواصل الولايات المتحدة دعم المعارضة السورية المعتدلة. ونظل أكبر جهة مقدمة للمساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، ومع شركائنا في التحالف، بما في ذلك دول عربية، سنواصل حملتنا الصارمة من أجل تقليص المناطق الآمنة التي تحتمي بها "داعش" داخل سوريا.

وعن الأوضاع في العراق، قال أوباما: "إن أحد الأسباب التي عارضت من أجلها غزو العراق في عام 2003 هو شعوري بأننا لم نقدر العواقب طويلة المدى، وفي الواقع، فإن سنوات عدم الاستقرار التي تبعت الغزو الأمريكي ساعدت في ظهور "القاعدة" في العراق، والتي تحولت فيما بعد إلى "داعش" التي أسست لنفسها قاعدة في سوريا".
"عبر سنوات كثيرة، أنفقت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات– وضحى آلاف من الأمريكيين بحياتهم– لمساعدة العراقيين في تأسيس حكومة جديدة وقوات أمن. ومن المأساة، فشل الحكومة العراقية السابقة في أن تحكم بأسلوب تعددي شامل ساهم في خلق وضع شعر فيه بعض العراقيين أنهم مستبعدون، وكانت فيه القوات العراقية غير قادرة أو غير راغبة في الدفاع عن العراق ضد تقدم داعش في العام الماضي. ولذلك فهي ليست فقط مشكلة عسكرية ولكنها مشكلة سياسية أيضا".

وعن الأوضاع في فلسطين، قال: "لن أيأس أبدا في أمل تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولن تتوقف الولايات المتحدة عن العمل من أجل تحقيق هذا الهدف. وكما قلت عندما قمت بزيارة رام الله قبل عامين، فإن الفلسطينيين يستحقون نهاية للاحتلال والإذلال اليومي الذي يصاحبه. وهم يستحقون الحياة في دولة مستقلة وذات سيادة، حيث يمكنهم أن يمنحوا أطفالهم حياة ذات كرامة وفرصا معيشية. وكما قلت في خطابي إلى الشعب الإسرائيلي في الرحلة نفسها فإن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضروري، وهو من العدل ويمكن تحقيقه. كما أنه أيضا يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. ولذلك عملنا بجهد كبير لسنوات من أجل حل الدولتين وتطوير وسائل مبتكرة للتعامل مع احتياجات إسرائيل الأمنية، واحتياجات الفلسطينيين السيادية".