مستقبل ليبيا.. بين تشكيل قوة دولية واستمرار الصراعات المسلحة في البلاد
الخميس 14/مايو/2015 - 02:05 م
طباعة

مع الظروف العصيبة التي تشهدها ليبيا، وعدم القدرة على التواصل إلى حلول لإنهاء الأزمة الراهنة، بدا واضحًا مساعي العديد من الدول العربية والأوروبية لإنهاء الصراعات الجارية في البلاد بين الأطراف المتناحرة.
على الرغم من مساعي الأمم المتحدة الأمريكية لاحتواء الأزمة عن طريق مبعوثها الأممي برنادينوليون، فإن جميع الحلول التي اتخذت على مدار المرحلة الأخيرة جميعها باءت بالفشل الذريع، فبعد أن توصل الأطراف إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد مما آلت إليه، تراجعوا مرة أخرى ووضعوا شروطًا تعجيزية لمسيرة الاتفاق.
فشل الحوار الليبي

شهدت مدينة الصخيرات بالمغرب الأسبوعيين الماضيين حوارًا بقيادة ليون، بين الأطراف المتنازعة، فمن ناحيتها رفضت الحكومة المعترف بها دوليًا المقيمة في طبرق بقيادة عبدالله الثني، الاتفاق مع الحكومة الموازية المقيمة في طرابلس والذي تواليها ميلشيات فجر ليبيا المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، يأتي ذلك بعد عشرات من المحاولات في حوارات جميعها فشلت ولم تؤت بثمارها كان أولها حوار غدامس في ليبيا مرورا بالجزائر والمغرب وأخيرًا القاهرة الأسبوع المقبل.
وتدخل ليبيا في صراعات طائلة علي الحكم منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي، مما جعلها مطمع لجميع الميليشيات المسلحة التي كانت متواجدة على أراضيها ولكن حالة الفوضى التي شهدتها الفترة الماضية دفعت الجماعات المسلحة إلى الانتشار في جميع المناطق الليبية؛ مما أدى إلى صعوبة احتواء الأزمة بسهولة.
من ناحيتها تسعى بعض الدول إلى الوصول إلى حل لمساعدة ليبيا في الخروج من أزمتها الحالية، فالدول المحيطة أصبحت تتخوف من توغل المسلحين لأراضيها عن طريق الحدود الفاصلة بين البلدين وسعت بعضها لإنهاء الأزمة ولكن دون نتيجة ايجابية، كان أخرها الجزائر والمغرب.
مصر وفرنسا تبحثان احتواء الأزمة

في ذات السياق، ومع مواصلة المساعي لاحتواء الأزمة في ليبيا، أعلن رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب خلال زيارته إلى فرنسا أمس الأربعاء أن مصر تتابع إمكانية تشكيل قوة دولية لدعم "الشرعية" في ليبيا إذا ما تم تشكيل حكومة وحدة وطنية في هذا البلد.
وإثر لقائه نظيره الفرنسي مانويل فالس قال محلب ردا على سؤال عما إذا كانت القاهرة تدعم مثل هذه المبادرة، وما إذا كانت على استعداد للمشاركة فيها: "نحن ندعم دوما الشرعية، ولذلك سوف نتابع القضية سويا".
وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أعلن الأحد الماضي أن بلاده تفكر مع مسئولين أوروبيين في بروكسل بكيفية "توفير الأمن" لحكومة وحدة وطنية في ليبيا إذا ما توصلت أطراف النزاع في هذا البلد إلى اتفاق على تشكيلها.
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن القوة الدولية التي يجري بحث تشكيلها ستتولى خصوصا مهمة "حماية المنشآت" التابعة للدولة، مثل المؤسسات الحكومية أو المواقع الاستراتيجية كالمطارات والموانئ ومصافي النفط.
مساعٍ لتشكيل قوة دولية

لا تزال المباحثات بشأن تشكيل قوة دولية في مرحلة تمهيدية، والمسألة لن تطرح إلا إذا توصلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإذا رأت هذه الحكومة النور وتقدمت بنفسها بطلب إرسال قوة دولية لمؤازرتها.
وكانت البعثة الأممية في ليبيا قد قدمت مؤخرا مسودة مقترحة لتجاوز الأزمة تتضمن عددًا من النقاط، من أهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية ومجلس رئاسي من شخصيات مستقلة، واعتبار مجلس النواب "المنحل" الهيئة التشريعية ويمثل جميع الليبيين، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، ومؤسسة حكومية، وهيئة صياغة الدستور، ومجلس الأمن القومي، ومجلس البلديات.
وتسعى مصر إلى احتواء الازمة في ليبيا، وذلك عن طريق لم شمل الاطراف المتنازعة والتوصل إلى حل يرضي الطرفين، ومن المحتمل أن تجتمع القبائل الليبية في القاهرة نهاية مايو الجاري، للوصول إلى حلول وعودة استقرار الأوضاع للبلاد.
فيما تشهد دول المغرب العربي خطرًا جسيمًا وتهديدًا لأمنها، لما تشهده ليبيا من فوضى عارمة وانتشار الميليشيات المسلحة، قد تؤدي إلى تدخل هذه البلاد في القوة الدولية المحتملة لحماية وسلامة بلادها.
إيطاليا تستعد

وتستعد إيطاليا إلى تحرك دولي ضد مهربي البشر في البحر المتوسط، وقال وزير الداخلية الإيطالي، انجيلينو الفانو، أمس الأربعاء: إن روما على استعداد لتولي القيادة في المتوسط، وتحتاج فقط إلى تفويض من الأمم المتحدة للبدء في عملية ضد مهربي البشر وتجار الرقيق في هذا القرن، على غرار عملية مكافحة القرصنة في الصومال، وفقًا لوكالة الأنباء الليبية من البيضاء،
ولم يستبعد الوزير الإيطالي إمكانية تسلل الإرهابيين في قوارب المهاجرين إلى أوروبا، موضحًا أن إيطاليا سخرت كل الإمكانات لوقف إمكانية تسلل إرهابيين إليها.
وأكد الوزير أن الأزمة الليبية أصبحت بين الأولويات في جميع أنحاء العالم بفضل إيطاليا، والأمر متروك الآن للأمم المتحدة لتقرر الإجراءات المستهدفة في ليبيا.
وقالت مصادر أمنية: إن أجهزة الأمن في الجزائر، نشرت هويات 21 انتحاريا غالبيتهم من مالي، وتضم أيضًا اثنين من تونس وأربعة موريتانيين ومصريًّا واحدًا، وثلاثة جزائريين ونيجيريًّا يتدربون في ليبيا على تنفيذ عمليات انتحارية لاستهداف الجزائر وتونس ودول الساحل.
تحقيق حول الجرائم في ليبيا

في هذا الصدد، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الأربعاء المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق حول جرائم مفترضة للميليشيات المتنازعة في ليبيا، وحثت مجلس الأمن الدولي على إعلان رفضه حالة الإفلات من العقاب التي تسود البلاد.
وطالبت المنظمة الحقوقية في نيويورك، المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا، بـ"استخدام التفويض الممنوح لها من قبل مجلس الأمن بالإجماع لفتح تحقيق في الجرائم المستمرة".
وحذر مدير قسم العدل الدولي في المنظمة ريتشارد ديكر من أن صمت أعضاء مجلس الأمن تجاه حالة الإفلات من المساءلة التي تعم ليبيا سيتسبب في "سقوط آلاف الضحايا الآخرين".
وأوضح المتخصص في الشئون الليبية كامل عبد الله أن المخاوف الدولية تستند إلى الوضع شديد التعقيد الذي تشهده ليبيا وعدم وجود "سلطة موحدة"، مؤكدًا على أن كل الأطراف متورطة في انتهاكات قد يرقى بعضها إلى "جرائم حرب".
تردي الأوضاع

كان التقرير السنوي عن الوضع الميداني في ليبيا، والذي قدمته المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى مجلس الأمن، لفت إلى أن التحقيق يجري في جرائم استخدام العنف ضد المدنيين والمؤسسات المدنية على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية داعش، أو على أيدي أطراف فاعلة أخرى في الأراض الليبية.
وعبر تقرير المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، عن القلق إزاء الهجمات العشوائية على مناطق مكتظة بالسكان؛ ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين.
وأشار التقرير إلى أن مدينة بنغازي شهدت أسوأ أعمال عنف وأكبر عدد من الضحايا، وتم تنفيذ هجمات انتحارية في مناطق تسيطر عليها "قوات عملية الكرامة"، التابعة للجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر.
وأضاف التقرير بأن القتال أسفر عن موجات من النزوح السكاني، حيث بلغ عدد النازحين والمشردين في نهاية ديسمبر 2014، نحو 400 ألف ليبي، مشيرًا إلى أن "التقارير" الواردة للمحكمة تفيد بأن معظم أطراف النزاع، إن لم يكن جميعهم، ارتكبوا أعمال خطف واحتجاز وتعذيب وإعدام، يمكن اعتبارها من الجرائم المنصوص عليها في "نظام روما الأساسي".
وأوضحت بنسودا، أن الميليشيات تحتجز مقاتلين ومدنيين في سجون رسمية، وكذلك في مراكز احتجاز مؤقتة، وأن احتجاز المدنيين يتم في معظم الحالات لأيام أو أسابيع، وأن كثيراً من الأشخاص ما زالوا مفقودين، علاوة على جثث المدنيين التي يتم اكتشافها كل يوم تقريباً.
تقرير الجنائية الدولية

يقول تقرير المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية: إن من بين ضحايا العنف عدد من المهاجرين، لا سيما من دول إفريقية.
دعت المدعية العامة جميع الأطراف الضالعة في النزاع إلى الامتناع عن استهداف المدنيين، وعدم ارتكاب جرائم، يمكن اعتبارها ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأن يكونوا متيقظين، وأن يتخذوا على نحو فعّال جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون ارتكاب مثل هذه الجرائم.
عبّر تقرير المحكمة الجنائية الدولية عن الإدراك للتحديات التي تواجه الحكومة في ليبيا، واستعدادها للتعاون بتقديم الجناة إلى العدالة، داعياً شركاء حكومة ليبيا الأساسيين لتقديم كل الدعم لضمان إعادة الأمن إلى ليبيا.
كان مجلس الأمن، اعتمد في 26 فبراير، القرار رقم 1970، والذي ينص على إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة، على أن يتم إعداد تقرير شامل كل 6 شهور، حول ما توصلت إليه التحقيقات.
ويؤكد الوضع الحالي أن ليبيا أصبحت في مفترق الطرق بين تشكيل قوة دولية لحماية البلاد واستمرار الميليشيات المسلحة في البلاد وعدم استقرار الأوضاع.