مستقبل "النور" بين الطموح السياسي والتفريط في الدعوة
السبت 21/يونيو/2014 - 02:01 م
طباعة

مدخل
بات مصير الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب "النور" من الأشياء التي يصعب الجزم به خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الحزب يعيش حالياً حالة من العزلة السياسية، نتيجة تجاهل أقرانه من الأحزاب السياسية له، خلال عقد جلسات حوار لاتخاذ موقف موحد إزاء القانون المنظم لانتخابات مجلس النواب المقبلة، المقرر إجراؤها نهاية العام الجاري، فضلاً عن تجاهل السلطة الجديدة للحزب في إشراكه لحكومة رئيس الوزراء إبراهيم محلب، خاصة بعدما دعم الحزب قائد الجيش السابق المشير عبد الفتاح السيسي الذي أنهى المشروع الإخواني في المنطقة، بعدما استجاب للإرادة الشعبية التي خرجت في 30 يونيه 2013 لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
ما يثير الدهشة حالياً أن حزب "النور" قادر على التكيف على الأوضاع كافة، وفق مبدأ "البراجماتية السياسية"، حيث تحالف مع تنظيم "الإخوان" وقتما كان متصدراً المشهد السياسي في مصر عقب ثورة يناير 2011، فتحالفوا في وضع دستور يمهد لهم تطبيق طموحهم السياسي، وحينما حدث شقاق بين الطرفين انقلب حزب "النور" على "الإخوان"؛ لينضم إلى جبهة "الإنقاذ"- أكبر الجبهات المعارضة للرئيس الأسبق محمد مرسي، فضلاً عن ظهوره في مشهد عزله يوليو العام الماضي.
مواقف مضطربة

كان تاريخ الدعوة السلفية وحزب "النور" منذ تأسيسه في فبراير 2011، مليء بالمواقف المتناقضة، ففي حين كان يرفض العمل السياسي، ويحرم الخروج على الحاكم، وقت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، زعمت الدعوة أنها شاركت في ثورة يناير 2011، فضلاً عن روايات يقصها قيادات الدعوة السلفية عن دور الشباب السلفي في حماية الأقباط ومحلاتهم وكنائسهم في الإسكندرية نموذجاً.
هنا برزت مطالب ضرورة تقديم الدعوة السلفية مراجعات فكرية لما كانت تعتقده، من أفكار، خاصة فيما له صلة بانتقاد الحاكم والخروج عليه، والعمل الحزبي وتأسيس الأحزاب، الذي اعتبروه في فترة ما أنه شكل من أشكال تقسيم الأمة والتحزب البغيض، فلم تقدم الدعوة تلك المراجعات وأصرت على تأسيس حزب؛ بغية العمل السياسي، وزعمت أنها تمارس من خلاله السياسة الشرعية.

القيادي السلفي عبد المنعم الشحات
فظهرت في البدايات انتقادات لكتابات الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، ومطالب بسحب أعماله من الأسواق، فضلاً عن مساعي طمس الآثار، والتماثيل الفرعونية، فيما ظهرت خلال تلك الفترة تحطيم لبعض أضرحة الأولياء، والتماثيل التي وضعت لتخليد ذكرى شخصيتها.
بعد فترة من دخول حزب "النور" المعترك السياسي، تحالف الحزب مع بني جلدته من الأحزاب الإسلامية المؤيدة للمشروع الإسلامي، الذي لم يقدم حزب من تلك الأحزاب صورة واضحة المعالم له، اللهم إلا وعود بمنع التعاملات الربوية في البنوك، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، وإقامة الحدود.
فتحالف الحزب مع أشقائه الإسلاميين في تمرير "نعم للدستور" في استفتاء 19 مارس 2011، ثم دخل في تحالف انتخابي مع حزبي "البناء والتنمية" و"الأصالة" السلفي في برلمان 2012 المنحل، بحكم قضائي من المحكمة الدستورية العليا، ليعلن الحزب بعد ذلك تأييده في المرحلة الثانية للرئيس الأسبق محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، ثم سرعان ما ينقلب عليه بعدما تجاهل الإخوان له في الحقائب الوزارية أو مساعدين للرئيس.

لافته تدعو لتصويت بنعم على استفتاء مارس 2011 بوصفه واجبا شرعيا
أعلن الحزب بعد ذلك انضمامه لجبهة "الإنقاذ" المعارضة للرئيس مرسي، لكنه رفض المشاركة في ثورة 30 يونيو، وبعد تأكيده من نجاحها، خرج ليطالب الرئيس مرسي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إلى أن شارك في مشهد العزل يوليو العام الماضي.
محاولات تبرير

أمين عام حزب النور جلال مرة أثناء مشاركته في مشهد عزل الرئيس محمد مرسي
بعد ساعات من مشاركة "النور" في مشهد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتوالت اتهاماته بخيانة المشروع الإسلامي، فضلاً عن وصف زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري للحزب بـ"حزب الزور".
من جانبها حاولت الدعوة السلفية تبرير، مواقفها بعدد من التصريحات، فضلا عن إصدار العديد من الكتيبات التي تُبيين حقيقة مواقف الحزب لقواعدها، التي باتت على روح تملص منها.
وحاول مهندس سياسات حزب "النور" النائب الأول لرئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، أن يؤكد مراراً أن الدعوة السلفية لم تخن الرئيس الأسبق محمد مرسي، ولا تنظيم "الإخوان"، وقال برهامي، في إحدى الندوات: إن "الذين اتهمونا بالخيانة والعمالة وقاموا بذم دستور 2014 هم أنفسهم الذين مدحوا دستور تونس الحالي، ودستور الجزائر الذي لم ينص على الضوابط الشرعية، وأطلق الحريات بلا ضوابط، وأكد على مدنية دولتهم، وهذا يؤكد أنهم يقيسون الأمور بمقاييس على حسب ما يوافق هواهم وليس بالمقاييس الشرعية، لم نخن "الإخوان" ولم نخرج يوم تفويض المشير السيسي لمكافحة الإرهاب بالرغم من أن التفويض ليس فيه ما يشير إلى استخدام العنف إلا أننا رفضنا الخروج".

نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي
كما قام الرجل الأقوى في الدعوة السلفية ياسر برهامي بزيارة للمملكة العربية السعودية، مايو الماضي، لبيان حقيقة مواقف الدعوة السلفية من الأحداث التي جرت بعد ثورة 30 يونيه وما أتبعها من قرارات عزل الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو الماضي.
والتقى برهامي والوفد المرافق له والذي ضم رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في برلمان 2012 المنحل عبد الله بدران، والقيادي بالحزب طارق فهيم، السبت الماضي- بالعميد السابق لكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والمدرس بالمسجد النبوي عبد الله الشنقيطي الذي انتقد في مقطع فيديو تم بثه منذ فترة سياسات الدعوة السلفية، وحزب "النور" إزاء الأحداث التي وقعت منذ 30 يونيه الماضي، متهماً "السلف" بسوء تقدير الأمور.
وأوضح مساعد رئيس حزب النور في بيان رسمي له وقتذاك أن الحزب دعا خلال الفترة الماضية إلى عقد اجتماعات مع العلماء لكشف الشبهات التي يروجها البعض تجاه مواقف الدعوة السلفية وحزب "النور"، وأكد البيان أن الدعوة السلفية شددت على ضرورة إيضاح المفاهيم الخطأ التي يروجها الكثيرون ضد السلف، مشيراً إلى أن زيارة برهامي جاءت لبيان حقيقة الأمور وما أكدته الأحداث من صدق مواقف الحزب.

الشيخ عبد الله الشنقيطي
وأوضح البيان أن الشيخ عبد الله الشنقيطي أعرب عن سعادته للزيارة، التي أوضح أنها أجلت كثيرا من الأمور التي كانت تخفى عليه في مصر، فضلاً عن سعادته لوجود عمل سلفي منظم، من حرص على نشر عقيدة التوحيد والحرص على الهدى والتمسك بالسنة.

برهامي أثناء زيارته الأخيرة للسعودية
كما أصدرت الدعوة السلفية عددا من الكتيبات ليبان حقيقة موقفها، بعدما استمرت اتهامات الحزب من قبل الموالين لـ"الإخوان" بالخيانة والعمالة والنفاق، بل والكفر أحيانًا، فضلاً عن اتهامات الركون للظالمين، وتأييد القتلَ والرضا به.
وكانت تستهدف تلك البيانات إثبات أن الدعوة السلفية لم تخالف صحيح الدعوة، وسـيرها على منهج السلف الذي ارتضته ورفعت شعاره، بل حافظت الدعوة السلفية- كما يرى المراقبون- على الدعوة، بعدما كادت أن تفقد الصحوة الإسلامية مكتسباتها بحسبهم، فتمكنت الدعوة السلفية من الحفاظ على ما تبقى من هذه المكتسبات، وساعدت على أن يكون أبناء الصحوة الإسلامية جزءًا من نسـيج المجتمع.
جامع البيانات
حاولت "الدعوة السلفية" تجميل صورتها، بعد الهجمة الضارية التي شنها معارضون لها، على خلفية دعمها غير المحدود للمشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث تجسدت مساعي السلف الرامية إلى تجميل الصورة وتبرير المواقف، في إصدار الدعوة السلفية، بحثاً علمياً يحمل اسم "جامع البيانات" لبيان المواقف الحقيقية للدعوة، منذ 30 يونيو حتى الآن، حيث حاول البحث الذي أشرف عليه نائب رئيس الدعوة ياسر برهامي، إظهار تمسك الدعوة بالمنهج السلفي في المواقف التي اتخذتها، فضلاً عن بيان أن الدعوة حافظت على مكتسبات الصحوة الإسلامية، وحمت الشعب من الانقسام.
عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية شعبان عبد العليم أكد أن الهدف من الإصدار هو كشف الشبهات التي تروج لها الجماعات الظلامية، موضحاً لـ"بوابة الحركات الإسلامية" أن الدعوة تستهدف من ذلك البحث الشرائح الشبابية التابعة لها، وشباب "الإخوان" والمواطن البسيط، منتقداً استمرار الهجوم على الدعوة وحزب "النور"، خاصة بعدما أظهر الحزب نشاطاً غير متوقع في الانتخابات الرئاسية، والتي أثبتت أن قواعد الحزب ليست منفصلة عن قياداته.
في حين قال الخبير في الحركات الإسلامية علي عبد العال: إن الدعوة تعاني من عزلة شديدة، بعد مشاركتها في عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، موضحاً في تصريحات لـ"بوابة الحركات الإسلامية" أن الدعوة تستهدف من ذلك البحث تجميل صورتها التي تشوَّهت خلال الفترة الماضية، مستبعداً أن يكون للعمل أي تأثير على الشرائح الشبابية في التيار السلفي، خاصة بعد فشل الحزب والدعوة في القيام بأي أعمال دعائية للمشير عبد الفتاح السيسي، أثناء فترة الدعاية الرئاسية، مضيفاً: "المحك الأساسي لتحسين صورة السلف هو وضعهم في انتخابات النواب المقبلة هل سيكون بين المعارضة أم من المؤيدين للسيسي؟".
المستقبل السياسي لحزب النور
يمكن القول: إن حزب النور يعيش حالياً حالة من العزلة؛ نتيجة تجاهل الأحزاب السياسية له في دعوته للحوار حول المشاكل السياسية الدائرة حالياً، خاصة حول قانون مجلس النواب، خاصة وأنه لم يعرض أحد من الأحزاب المدنية على الحزب الدخول في تحالف انتخابي معه، الأمر الذي تسبب في حالة من الإحباط الواسعة داخل قيادات وعناصر الحزب، فضلاً عن الهجوم الكبير على الحزب بعد تصريحات رئيس الحزب يونس مخيون بأن للحزب دور فعال في فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنصب رئيس الجمهورية، بعدما قام أعضاء الحزب بدور فعال في الترويج للحزب بشكل كبير.

يونس مخيون رئيس حزب "النور"
وما بين الطموح السياسي والتعامل بمبدأ براجماتي بعد المشاركة في مشهد العزل، برزت تحديات أخرى تواجه الحزب من ناحية العزلة التي يستشعرها تجاهه من القاعدة الشعبية للتيار الإسلامي، فضلاً عن محاولات فرض العزلة عليه من قبل التيارات المدنية.
ومحاولة استقراء مستقبل حزب النور تتطلب الجمع بين حسابات الأيديولوجيا والسياسة، وهي حسابات تقود إلى توقع تراجع شعبية الحزب كثيرا؛ بسبب الصورة المتشكلة في وعي جمهور الإسلاميين عنه، بغض النظر عن صحة هذه الصورة أو عدمها، إضافة إلى الآثار السلبية على الحزب نتيجة الأحداث التي أعقبت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وزعم الحزب أنه شارك في خارطة المستقبل لمنعها؛ حيث وقع العديد من القتلى خلال تلك الفترة، مع النص صراحة على منع إقامة الأحزاب على أساس ديني، ما يجعلها بمثابة سيف مسلول على رقاب الحزب من قبل السلطة الحاكمة.
وفي طرح آخر لمستقبل الحزب أنه سيستمر في المشهد حفاظاً على الدعوة السلفية، وتفادي محاولات الإقصاء التي تحاول السلطة والشعب والأحزاب فرضها على الحزب، وربما يدخل الحزب في التحالف الانتخابي للسياسي المخضرم عمرو موسى، لضمان بقائه مقرب من السلطة والمشهد السياسي، في حين قالت مصادر من داخل الحزب: إن اتجاها قويا داخل الحزب يخوض سباق الانتخابات البرلمانية المقبلة منفرداً.
ومن الممكن أن تصل "الدعوة السلفية" إلى قرار مقاطعة العمل السياسي مجددا، وإعلان حل حزب "النور"، والعودة إلى الدعوة مجدداً، لكن في مثل ذلك الوقت تواجه الدعوة السلفية تحديا جديدا بعدما باتت وزارة الأوقاف المصرية تسعى لاستعادة المساجد من قبضة المتشددين؛ لتجد الدعوة السلفية فقدت الدعوة ولم تجن ثمار العمل السياسي.
قبضة الأوقاف على المساجد
في الأثناء، بدأت وزارة "الأوقاف" المصرية اتخاذ إجراءات للسيطرة على جميع المساجد التي لا تخضع لها، والتي تعتبرها الوزارة خُصصت منابرها للحشد والتحريض والتوظيف السياسي، وذلك استنادا لقرار الحكومة بتجميد الجمعيات التي تنتمي لهذه المساجد، والتي يبلغ عددها 14 ألف مسجد، الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين موجها للدعوة السلفية والجمعيات المنبثقة منها، مثل "أنصار السنة" و"الجمعية الشرعية"، ودعوة الحق والدعاة بالإسكندرية، في أول تصريح يذكر اسم "الدعوة السلفية" صراحة منذ 30 يونيو.

وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة
من جانبه، كلف وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بحسب بيان للوازرة، كلا من الشيخ محمد عز الدين وكيل الوزارة لشئون الدعوة، والشيخ محمد عبد الرازق وكيل الوزارة لشئون المساجد والقرآن الكريم، والشيخ علاء شعلان مدير عام التفتيش بمخاطبة وزارة التضامن الاجتماعي للحصول رسميا على النسخة النهائية بقائمة الجمعيات المحظورة والمجمدة، مع تكليف القيادات الثلاث المذكورين باتخاذ اللازم نحو سرعة ضم المساجد التابعة لهذه الجمعيات إلى وزارة الأوقاف، والعمل على توفير خطباء متميزين لها، وذلك سدا لأي فراغ دعوي يحدث بهذه المساجد، ومنعا لاستغلالها من قبل أي فصيل متشدد.

جمعية أنصار السنة المحمدية
قرار وزارة الأوقاف سيضيف لها 4000 مسجد تابع لجمعية أنصار السنة وسيتم ضمها للوزارة، كما ستضم الوزارة بحسب القرار 6000 مسجد تابع للجمعية الشرعية إليها، وتضم الأوقاف إليها 3000 مسجد كان تابعا لجمعية الدعاة التابعة لسلفية الإسكندرية، كما تضم الأوقاف بموجب القرار 1000 مسجد تابع لجمعية دعوة الحق إليها والعديد من مساجد الجمعيات الصغيرة.
كما تناقش وزارة الأوقاف مشروع قانون يقضي بمعاقبة كل من يمارس النشاط الديني بإلقاء الخطب بالمساجد أو أداء الدروس الدينية بالمساجد دون تصريح من الوزارة، ويتضمن القانون مواد مشددة تقضى بالحبس لمدة لا تتجاوز شهرا وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولا تتجاوز 300 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حال تحدث الخطيب في الشأن السياسي.
هذا ويحق لوزير العدل حسب المشروع منح صفة الضبطية القضائية لمفتشي المساجد فيما يقع مخالفا لأحكام القانون، وهددت الوزارة منذ أيام بضم أي مسجد تابع للجمعيات الدعوية والخيرية، طالما وظف منبره في السياسة.

الجامع الأزهر
الدعوة السلفية أكدت من جانبها، رفضها لتلك القرارات، مؤكدة أن قصر الخطابة في المساجد على الأزهر والأوقاف يصعب تطبيقه؛ نظرا لأن عدد المساجد كبيرة، ويصعب أن يغطي شيوخ الأزهر والأوقاف كل هذه المساجد، مؤكدة أن القرار لن يثنيها عن الاستمرار في الدعوة، ملوحة بالطعن على قرار قصر الخطابة والدروس الدينية على المعينين بالأزهر والأوقاف.