التواجد الإيراني في العراق.. ترحيب أمريكي وتحفظ للقوى السُّنِّيَّة
الأحد 24/مايو/2015 - 11:19 ص
طباعة

لم يعد الوجود العسكري الإيراني في العراق أمرًا مخفيًّا، بعد أن رحبت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وبدعم أمريكي ومساندة من قبل الميليشيات الشيعية في بلاد الرافدين وسط تحفظ من قبل القوى السنية.
وزار حسين دهقان وزير الدفاع الإيراني مع وفد رفيع المستوى العراق في 18 مايو الجاري، مؤكدًا على ضرورة تحقيق التعاون العسكري بين البلدين لدحر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتأتي هذه الزيارة بعد يوم واحد من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته الكاملة على مدينة "الرمادي" مركز محافظة الأنبار.
فعدم استقرار العراق هو مصدر قلق كبير للإيرانيين، الذين يتذكر كثير منهم الحرب العراقية الإيرانية المدمرة في الثمانينيات، وبالنسبة للكثيرين أكدت الحرب أن إيران لا يمكنها الاعتماد على أي طرف سوى نفسها لضمان أمن حدودها.
قوات إيرانية في العراق

وفيما يعتبر أول تواجد رسمي لقوات غير أجنبية في بلاد الرافدين، كشفت نشطاء عراقيون على صفحات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" عن طلب حكومة رئيس الوزراء العراقي حيد العبادي من إيران تزويد قواتها بعناصر عسكرية من قوات الحرس الثوري الإيراني، ؛ للمشاركة في عمليات عسكرية ضد تنظيم "الدولة" في محافظة الأنبار، غربي العراق.
فيما تناولت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي تابعة لميليشيات الحشد الشعبي، وأخرى لأحزاب شيعية عراقية، أنباء عن تشكيل قوة إيرانية من 2000 مقاتل من قوات النخبة، مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة تمهيداً لإرسالهم إلى العراق دفاعًا عن المقدسات، بحسب وصف تلك الصفحات.
يذكر أن إيران تدعم ميليشيا الحشد الشعبي التي تقاتل إلى جانب القوات العراقية، ولا تعلن طهران عن مشاركة جنودها في القتال بالعراق، وتقول: إن عناصرها يقدمون استشارات عسكرية فقط، ولكن لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية تؤكد وجود ما لا يقل عن ثلاثين ألف عسكري إيراني بالعراق يشاركون بشكل غير قانوني في محاربة تنظيم الدولة.
ونقلت بعض الصفحات تصريحات لقادة عسكريين عراقيين- لم تسمهم- تأكيدهم أن إيران ستزود العراق بصواريخ متطورة تعمل على تفجير العبوات الناسفة من مسافة 500 متر لغرض استخدامها في معركة الأنبار.
طلب عراقي

فيما ذكرت تقارير إعلامية خليجية، أن الحكومة العراقية طلبت من إيران تزويدها بعناصر مدربة من الحرس الثوري الإيراني؛ للمشاركة في عمليات عسكرية ضد تنظيم "الدولة" في محافظة الأنبار، غربي العراق.
وأكد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري أن هناك قوات إيرانية على الأرض في العراق، موضحًا أن المجتمع الدولي لم يسهم كما يجب في دعم بغداد. وقال الجبوري: إن العشائر تقاتل "داعش" بشراسة في منطقة حديثة، ولكن لا يوجد موافقة رسمية على مشاركة الحشد الشعبي بالقتال ضد التنظيم.
وأوضحت التقارير الإعلامية، أن الطلب العراقي بوجود قوات إيرانية تقدم به وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري، القيادي في التحالف الوطني (شيعي)، خلال لقائه 19 مايو الجاري، مع وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد.
وبحسب المصدر، فإن الجعفري طلب من وزير الدفاع الإيراني زيادة الدعم العسكري، مؤكداً أن العراق ليس بحاجة للسلاح وحسب، وإنما للجنود أيضاً، داعياً طهران إلى التحرك سريعاً قبل أن "يفاجئنا داعش ويحتل كربلاء أو بغداد"، بحسب المصدر.
لقد أظهرت الأشهر القليلة الماضية أن إيران تستطيع التكيف سريعًا وتعديل استراتيجياتها لتستجيب بفعالية للتهديدات المختلفة، وبعد التردد المبدئي، أضحت إيران الدولة الأولى التي ترغب في المشاركة بقوات برية في العراق، بالإضافة إلى المساعدة في الضربات الجوية؛ هذا يؤمن النفوذ الإيراني في العراق بفعالية شديدة. اليوم، لم يعد التحالف الدولي قادرًا على تجاهل طهران في حربه ضد داعش.
مكتب وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، قال في بيان صحفي صدر عقب لقائه دهقان: إن "وجود المستشارين في الميدان لا يمس بالسيادة العراقية"، مبيناً أن "وجودهم استشاري وليس عسكريا، وبموافقة الحكومة ومجلس النواب، وضمن الضوابط العراقية التي وضعت على مستشاري دول العالم كافة". وأكد البيان أن العراق يقبل بأي مساعدة عسكرية؛ شريطة عدم الوجود العسكري.
ترحيب الائتلاف الحاكم

وكشف النائب عن ائتلاف دولة القانون الحاكم في العراق هيثم الجبوري، السبت، أن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي زار العراق مؤخرًا أبدى استعداد بلاده للتدخل في العراق حفاظًا على جمع المكونات، واصفًا موقف إيران بـ"التاريخي".
وقال الجبوري خلال حديثه لبرنامج "خفايا معلنة" الذي تبثه "السومرية الفضائية": إن "موقف إيران مع العراق في حربه ضد تنظيم داعش كان موقفًا تاريخيًا، ولم تتدخل في البلاد بشكل مباشر"، مشيرًا إلى أن "وزير الدفاع الإيراني أكد استعداد بلاده للتدخل في العراق للحفاظ على جميع المكونات".
وأضاف النائب في ائتلاف رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، أن "دور إيران في العراق إيجابي وهذا ما سمعناه من قبل مختلف الأطراف السياسية الكردية والسنية والشيعية"، لافتًا في ذات الوقت إلى أن "عدم استقرار العراق سينعكس سلبًا على إيران".
رفض القوى السنية

فيما تحفظت القوى السنية على وجود قوات إيرانية في العراق، معتبرة أن سقوط الرمادي هو مؤامرة إيرانية ضد العراق، وتهدف إلى بسط نفوذها عبر التواجد العسكري بشكل صريح في بلاد الرافدين، وكشف قيادي بارز في اتحاد القوى العراقية، أكبر تكتل سياسي سني في البرلمان لـ"السياسة" الكويتية، وجود مؤامرة إيرانية لتسهيل سقوط مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، غرب العراق، بيد تنظيم "داعش". وأوضح أن الخطة الإيرانية ترتكز بشكل أساسي على تعطيل عملية تسليح المقاتلين السنة في الأنبار؛ ما يمهد الطريق أمام مسلحي "داعش" للسيطرة على الرمادي؛ الأمر الذي سيؤدي إلى نتيجتين خطيرتين: الأولى تتعلق بنشوب حرب أهلية واسعة بين السنة أنفسهم في الأنبار لها مضاعفات إقليمية؛ لأن "داعش" سيكون على حدود الأردن والسعودية، وسيشكل خطراً على أمن الدولتين. والنتيجة الثانية تتمثل بأن سيطرة التنظيم على الرمادي وسقوط محافظة الأنبار بالكامل معناه أن العسكريين الأمريكيين سيخرجون من قاعدتي الأسد والحبانية مهزومين، وهذا ما تسعى إليه إيران بقوة.
ووفقاً للخطة، تتمثل الخطوة التالية بعد سيطرة "داعش" على الرمادي بتحرك الميليشيات العراقية و"الحرس الثوري" الإيراني لسد الفراغ العسكري، ومهاجمة الأنبار وتحريرها؛ بذريعة أن المقاتلين السنة فشلوا، وأن الاستراتيجية الأمريكية في المحافظة أجهضت تماماً، وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه النظام الإيراني عبر عرقلة تسليح المقاتلين السنة في هذه المحافظة. ومن الأهداف التي ترمي إليها طهران إعطاء زخم جديد لتحرك التحالف الدولي ضد "داعش"، في حين يمكن لنظام ولاية الفقيه ونظام بشار الأسد وكل حلفائهما أن يلتقطوا أنفاسهم في بعض الملفات الحيوية، ويستفيدوا من هذه المعطيات بطريقة جديدة.
وأكد القيادي أن عملية تسليح العشائر السنية في الأنبار، التي تشكل ركيزة مهمة لمواجهة التنظيم- ما زالت تواجه المزيد من المشكلات والعقبات والتجاذبات السياسية بين حكومة بغداد برئاسة حيدر العبادي وحكومة الأنبار، في حين يواصل "داعش" تقدمه العسكري السريع في قلب الرمادي باتجاه مقر الحكومة المحلية التي تضم مراكز القيادة السياسية والأمنية في المحافظة.
ترحيب أمريكي

وفيما يعد ترحيبًا أمريكيًّا، فقد ذكر مسئولان بوزارة الدفاع الأمريكية، أن إيران دفعت بمجموعة صغيرة من الجنود، بعضهم جنود مدفعية وبعضهم معهم أسلحة ثقيلة، في معركة ضد تنظيم "داعش" لتحرير مصفاة بيجي من التنظيم الإرهابي، وكمساعدة للقوات العراقية.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية عن المسئولين اللذين فضلا عدم ذكر اسميهما، قولهما: إن القوات الإيرانية كان لها دور بارز في عملية تحرير مصفاة بيجي التي تستمر منذ عدة أيام، وهي قوات تعمل بالمشاركة مع قوات ميليشيات عراقية.
وقال أحدهما: إن القوات الإيرانية المشاركة تستخدم أنظمة صواريخ 122، وطائرات دون طيار لأغراض الاستطلاع والمراقبة؛ في سبيل مساعدة القوات العراقية في الهجوم المضاد.
ولم تأت الولايات المتحدة الأمريكية، في بيان للجيش، على ذكر الدور الحقيقي للقوات الإيرانية المشاركة، حيث أكد البيان على أن القوات العراقية أنشأت طريقًا بريًّا بمساعدة القوات الأمريكية إلى داخل مصفاة بيجي.
وتواجد القادة الإيرانيين وقوات النخبة في العراق، يؤكد على أن القادة الإيرانيين مستعدون لاستخدام كل الوسائل لمواجهة التهديد، فهو عرض ضروري للعضلات بالنظر إلى محدودية التدخل الغربي، لا يمكن أن تنهزم "داعش" بالضربات الجوية فقط، وهذا هو كل ما يبدو الغرب مستعدًّا للقيام به، الائتلاف الدولي يحتاج إلى الدعم الإقليمي، والأهم من ذلك أنه يجب أن يكون على استعداد لإرسال أعداد كبيرة من القوات البرية لخوض حرب طويلة، فقط إيران هي من لديها القدرة والرغبة للقيام بذلك.
النفوذ الإيراني

ورغم تصاعد النفوذ الإيراني في العراق، إلا أن هذا ينطوي على مخاطر؛ إذا دفعت إيران أجندتها الشيعية الطائفية بقوة، وإنها ستخاطر بمزيد من التقسيم للعراق، وهو ما تريد أن تتجنبه، وهذا هو السبب في تردد طهران منذ البداية في الإعلان عن وجودها في العراق. الصراع الآن يُنظر إليه في العراق على أنه صراع طائفي، والتدخل الإيراني الكبير لا يفعل شيئًا سوى إضافة الزيت على النار، لكن إيران مضطرة إلى تحقيق التوازن بين التورط في صراع طائفي، وفي الوقت ذاته احتواء "داعش".