تمدد "داعش".. بين استغاثة حكومة ليبيا وتواطؤ "فجر ليبيا"
الأحد 31/مايو/2015 - 01:32 م
طباعة

في ظل انتشار وتمدد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ليبيا، تقف الحكومة المعترف بها دوليًّا عاجزة على التصدي للتنظيم الإرهابي؛ حيث بدأ يفرض نفوذه بصورة قوية داخل الأراضي الليبية، والتي كان آخرها إحكام التنظيم سيطرته على مدينة "سرت" في ليبيا، حيث سيطر على كل المواقع الحكومية والحيوية بالمدينة بعد أن استولى على مطار سرت الدولي وقاعدة القرضابية المجاورة.
"داعش" يسيطر على "سرت"

متابعون، أكدوا أن عناصر التنظيم دخلت مطار سرت المدني الدولي المجاور لمهبط الطيران العسكري لقاعدة القرضابية الجوية التي تبعد حوالي 20 كيلومترًا عن وسط المدينة.
وقام عناصر التنظيم نقطة استيقاف قرب مدينة سلطان الأثرية شرق سرت التي تبعد عن بلدة هراوة بعشرة كيلومترات، وشوهدت آليات عسكرية عند النقطة؛ ما يشير إلى احتمال تخطيط "داعش" للهجوم على هراوة التي سبق أن هاجمها أكثر من مرة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وغادرت عائلات عديدة مساكنها بسرت تخوفًا من أي طارئ بعد إحكام "داعش" سيطرته على مدينتهم وانسحاب الكتيبة 166 من كامل مواقعها وعودتها إلى مدينة "مصراتة" أمس.
وأكد شهود عيان في منطقة أبوقرين غرب سرت أن عددًا من تلك العائلات النازحة مر على الطريق الرئيس أبوقرين في اتجاه الغرب.
فيما كشف متابعون أن تنظيم "داعش" أسر وأعدم أحد عناصر الجيش خلال هجومه على بوابة لملودة، موضحًا أن عناصر داعش أسرت الجندى إيهاب الشلوطيه أثناء الهجوم، وقامت بقطع رأسه بعد عودتها به إلى مدينة درنة، مُشيرًا إلى أن محور لملودة يشهد هدوءًا حذرًا، وانتشارًا للقوات الأمنية، بعد أن تمكنت عناصر الجيش بدعم السكان من صد الهجوم.
تجاهل الأمم المتحدة

في هذا الصدد، احتج مجلس حكماء وشورى سرت على تجاهل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لما تتعرض له المدينة من معاناة بسبب أحداث الاقتتال الأخيرة بين "داعش"، و"فجر ليبيا".
طالب المجلس في مذكرة بعث بها إلى مسئول بعثة الأمم المتحدة في طرابلس بضرورة التعامل بإيجابية، خاصة فيما يحدث في المدينة التي تعاني منذ أشهر تعطيلاً في الأعمال الحكومية كافة، ونقصًا في المواد الغذائية والاحتياجات الصحية.
وأشارت المذكرة إلى عدم تواصل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مع مجلس الحكماء والشورى، سواء كان من خلال الحوار السياسي أو المصالحة الوطنية، مشددة على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة أهالي المدينة للخروج من محنتهم.
الحكومة الليبية تستغيث

على غرار ذلك طلبت الحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا بقيادة عبدالله الثني، المساعدة في مواجهة "الدولة الإسلامية"، محذرة من سيطرة المسلحين على حقول النفط قرب مدينة سرت.
وفي بيان لها نشرته على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حثت الحكومة، المجتمع الدولي على تقديم أسلحة لقواتها لصد "داعش" ودحر مخططه بالاستيلاء على حقول النفط لتمويل عملياته.
في البيان نفسه، قالت حكومة طبرق إنها ستفعل كل ما هو ممكن لاستعادة السيطرة على مدينة سرت ومطارها من أيدي الإرهابيين.
وفي أواخر فبراير الماضي، طلبت الحكومة المعترف بها دوليًّا من الأمم المتحدة رفع حظر الأسلحة المفروض عليها لمكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلا أن العديد من أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن قلقهم من تسليمها أسلحة خوف وقوعها في الأيدي الخاطئة أو الاتجار بالأسلحة.
تواطؤ "فجر ليبيا"

في موازاة ذلك، حَمَّلت الحكومة الليبية ميليشيات "فجر ليبيا"، مسئولية تطورات الأوضاع الأخيرة في مدينة سرت وسط البلاد والتي أعلن تنظيم الدولة "داعش" سيطرته على أجزاء منها أمس بعد انسحاب ميليشيات الأخيرة.
وأعلنت الكتيبة 166 التابعة لميليشيات فجر ليبيا انسحابها يوم أمس من قاعدة "القرضابية" الجوية ومشروع "النهر الصناعي"؛ ما أدى إلى سيطرة تنظيم الدولة "داعش" على الموقعين، فيما برر القائد الميداني بالكتيبة 166 سليمان التارقي في تصريحات صحفية له أمس الانسحاب بأنه "كان لترتيب الصفوف وجزءا من خطة معدة لمواجهة المجموعات المسلحة التابعة للتنظيم"، وفق تعبيره.
وأضافت الحكومة الليبية المؤقتة أن "كل الشواهد تدل على أن تنظيم داعش ما هو إلا الوجه الآخر لميليشيات فجر ليبيا، وهم يتبادلون الأدوار فيما بينهم في التنكيل بأبناء الشعب الليبي وتدمير ممتلكاتهم".
وحذرت حكومة الثني من "استخدام ميناء المدينة لإدخال الإرهابيين إلى ليبيا، واستخدامه أيضًا نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية التي تشكل خطرًا على ليبيا ودول حوض المتوسط".
تحذيرات أممية من خطورة "داعش"

المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، قال أول أمس: إن البلاد على شفا أزمة اقتصادية في ظل تناحر الأطراف المتنازعة على السلطة، مضيفًا أن ليبيا تواجه تهديدات أمنية كبيرة؛ نظرًا للحرب الأهلية الدائرة في البلاد وكذلك التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي أصبح ينشط داخل البلاد.
وأوضح المبعوث الأممي أنه التقى مؤخرًا بحاكم البنك المركزي الذي أكد له أن الوضع "صعب من حيث الموارد المالية الليبية".
وأفاد ليون، الذي يحاول منذ أشهر التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأطياف؛ من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، بأن الأمم المتحدة تعد مسودة اتفاق جديدة ستقدم للأطراف المتنازعة في الأسبوع الأول من يونيو المقبل.
وأعلن المسئول الأممي أن الأطراف اتفقت خلال مباحثات المغرب على 80 بالمئة من مضامين الاتفاق، وأن المفاوضين يعملون على الـ20 بالمئة المتبقية، وهو الجزء الأصعب في الاتفاق.
كان المبعوث الأممي، أكد على عزم الأمم المتحدة في الانتهاء من جاهزية مسودة جديدة وتقديمها ومناقشتها من قبل جميع الليبيين خلال نهاية الأسبوع الأول من يونيو المقبل أو بداية الأسبوع الثاني.
ووفق الموقع الرسمي لبعثة الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت، قال ليون: "قدمنا مقترح مسودة، ولقيت ردود فعل متباينة من مختلف الجهات الفاعلة، ونتلقى حاليًا ملاحظات وتعليقات من جميع الأطراف المعنية، وجميع الأطراف المشاركة في الحوار".
وأضاف: "كل الملاحظات ستضمن في المسودة الجديدة، والتي يفترض احتفاظها بجميع العناصر الإيجابية التي تضمنتها المسودة التي قدمناها سابقًا من حيث الهيكل المؤسسي وروح الشمولية".
تواطؤ المجتمع الدولي في حل الأزمة

فيما حذر الباحث الأمريكي في شئون الشرق الأوسط جيسون باك، من خطورة المأزق الليبي على إقليم الشرق الأوسط بأكمله؛ لأنه يهدد بخلق فراغ يمكن الجماعات المسلحة والجهاديين والعصابات من العمل بحرية وحصانة، مؤكدًا أن فشل المحادثات سيجر الدول الغربية إلى داخل الأزمة الليبية مباشرة.
وهاجم جيسون باك، في مقاله بموقع مجلة فورين أفيرز الأمريكية الاستراتيجية الغربية في ليبيا، والتي تتفق مع الاستراتيجية العامة التي يتبعها نحو اضطرابات الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنها السبب في خلق عدد أكبر من الجهاديين والمتشددين؛ إذ إنها تتلخص في دعم الأطراف المناهضة للإسلاميين بأي ثمن وحتى النهاية.
وانتقد الباحث في مقاله إصرار المجتمع الدولي على موقفه من الأزمة في ليبيا؛ لأنَّ ذلك سيؤدي إلى فشل المحادثات، مطالبًا بالبحث عن حل بديل.
ويعتبر حل الأزمة الليبية في ظل الوضع الحالي أمر غاية الصعوبة في ظل انتشار "داعش" وتوغله وسيطرته على بعض المدن الليبية، ويجب إيجاد حلول للتدخل وإنقاذ البلاد من الضياع، وإلا ستكون سوريا وعراق آخر.