السلفيون والأمريكان.. وعلاقات القربى بديلًا عن الإخوان
الثلاثاء 02/يونيو/2015 - 02:28 م
طباعة

في خطوة جديدة للتقارب السلفي الأمريكي أجرى القسم السياسي بالسفارة الأمريكية في القاهرة، الأسبوع الماضي عدة لقاءات مكثفة دامت ٣ ساعات لكل لقاء بين ممثلي القسم السياسي بالسفارة، وعدد من قيادات حزب النور، في مقدمتهم أشرف ثابت نائب رئيس الحزب ونادر بكار مساعد رئيس الحزب لشئون الإعلام.

أشرف ثابت نائب رئيس الحزب ونادر بكار مساعد رئيس الحزب لشئون الإعلام
استعرضت اللقاءات دور الحزب في الفترة القادمة، خاصة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وقدم حزب النور نفسه على أنه البديل الشعبي لجماعة الإخوان، وأنه هو الذي سيحقق الأغلبية في الانتخابات القادمة.
الغريب أن القسم السياسي بالسفارة اعتمد هذه الرؤية غير المنطقية والمبالغ فيها من قبل الحزب وقرر الوقوف خلفه والتنسيق معه في الانتخابات المقبلة.
جدير بالذكر أن القنصلية الأمريكية في الإسكندرية كانت هي التي بدأت عقد تلك اللقاءات منذ أكثر من عامين، والتي تم على أساسها دعوة عدد من قادة حزب النور لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي تعثر بعد دخول الإخوان على خط التفاوض.
وترجع بدايات التعاون السلفي الأمريكي، مع بداية ظهور حزب النور كلاعب سياسي في الحياة السياسية المصرية، وقد تابع المهتمون الحزب منذ بداياته ومدى ارتباطه بالبيت الأبيض؛ مما جعل موقع "بي بي سي" يبث في نوفمبر 2012 تقريرًا مصورًا حول هذا الموضوع، وكان عنوانه
"أمريكا تكثف حواراتها مع السلفيين استعدادًا لخلافة الإخوان"، وفي نفس التوقيت وكرد فعل عن تقرير الـ"بي بي سي"، وكذلك ما نشر في الصحف العالمية بررت بعض القيادات السلفية ما نشرته هذه الصحف عن كثافة الحوارات بين السفارة الأمريكية والسلفيين، بأن التشاور لا مانع منه ما دام لا يمس الثوابت؛ وذلك بهدف تعريف الأمريكان بالسلفية وفكرها ونظرتها للآخر، منتقدين في الوقت ذاته وصفهم بـ "زوار السفارة الأمريكية"، معتبرين ذلك نوعًا من المبالغة بهدف الترويج للتطبيع مع الأمريكان، في حين أرجع بعض المحللين اختيار الأمريكان للسلفيين بأنهم يمتلكون قوة تأثير على الشارع المصري وهو ما يضمن مصالحهم في حال وصولهم إلى الحكم.

دكتور ياسر عبد التواب، رئيس اللجنة الإعلامية لحزب النور
وقال دكتور ياسر عبد التواب، رئيس اللجنة الإعلامية لحزب النور: إن حزب النور شكل وفدين لمقابلة مسئولين أمريكيين، ومنهم جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، موضحًا أن اللقاءين كانا بناء على رغبة الأمريكان لمناقشة الأوضاع العامة التي يتخوفون من السلفيين فيها، مثل وضع الأقباط ونظرة السلفيين للمرأة ولمخالفيهم، مشيرًا إلى أن هذه اللقاءات هدفها التعرف على السلفيين لحد كبير.
وأكد عبد التواب أنهم أعربوا عن آرائهم بكل صراحة وبدون مجاملة، وأنهم منفتحون على الجميع، مؤكدًا أن كثافة لقاءات السلفيين بالأمريكان إن صحت فهي أمر غير مفيد إذ لم يكن لها ضرورة، فالسلفيون أكثر من تيار، ولكل تيار تفسيرات مختلفة.
وأوضح الدكتور هشام أبو النصر، القيادي السابق بحزب النور، أن السلفيين مائة تيار ومائة توجه، وهم يؤيدون التحاور مع الأمريكان من باب الحوار مع الآخر، مرجحًا أن تكون الأحزاب السلفية هي الأقرب لهذه الحوارات.

اللواء عادل عفيفي، رئيس حزب الأصالة
وأيد اللواء عادل عفيفي، رئيس حزب الأصالة، التواصل مع الأمريكان للتشاور معهم من باب الدعوة إلى الله، بهدف التعريف بمعنى السلفية وتوجهاتها وأفكارها، مؤكدًا أن السلفيين من المفترض أنهم منفتحون عن غيرهم ويجب التعريف بمنهجهم للجميع.
وقال أحمد زغلول، الخبير في الحركات الإسلامية حينها: إن أمريكا تحاول أن تفتح جسرًا مع كل التيارات السياسية كما صنعت مع الإخوان في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، رغم كل التقيدات الأمنية والسياسية عليهم، وتحاول أمريكا الآن فتح خط للتواصل مع السلفيين بنفس السياق؛ لأنهم القوة الثانية في البرلمان، وقوة كبيرة على أرض الواقع ومن الصعب تجاهلها.. وأوضح أن أمريكا تحاول أن تفتح جسرًا تواصل مع السلفيين يخدم مصالحها المستقبلية فيما بعد، وحفظ الأمن القومي الأمريكي، خاصة أن السلفيين أعلنوا أنهم يسعون للسيطرة في الانتخابات القادمة.. وأكد أن الشخصيات السلفية التي تدخل في مشاورات مع الأمريكان لن يتم الإعلان عنها بشكل رسمي لتوازنات خاصة بالأمريكان، موضحًا أن أكثر التيارات المعارضة والمناهضة لأمريكا على اتصال مباشر أو غير مباشر بأمريكا، فالسياسة لها منطلق آخر، مفيدًا أن كلًّا من حزب النور والجبهة السلفية وحزب الشعب- المنبثق عنه- الأقرب للتشاور مع الأمريكان باسم السلفيين؛ لأنهم الأكبر من حيث الحجم والأنشط سياسيًّا وإعلاميًّا.
وفي أواخر فبراير 2013 صدرت تقارير كشفت فيها مصادر قريبة من قيادات حزب النور والدعوة السلفية بالإسكندرية، عن اتصالات جرت بين مسئولين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، وقيادات في «النور»، للوقوف على حجم الخلاف بين الحزب السلفي، وبين جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة حينها، وقال مصدر من داخل الحزب: إن السبب الرئيسي وراء تصعيدهم الإعلامي ضد الإخوان، بعد إقالة خالد علم الدين مستشار الرئيس بشكل مهين، هو «كشف حجم الإخوان أمام الإدارة الأمريكية، والتأكيد على الانفصال بين الجانبين».
وأضافت المصادر أن الإخوان «كانوا يصورون للإدارة الأمريكية أنهم يملكون مفاتيح التيارات الإسلامية في مصر، وأنهم الوحيدون الذين يملكون السيطرة على السلفيين، ويملكون تحريكهم في أي وقت شاءوا».
وتابعت تلك المصادر: «حزب النور رفض التجاوب مع بعض الدعوات للاحتشاد في الشارع خلال الفترة الماضية دعمًا للرئيس، والتي كان آخرها مليونية (لا للعنف) التي شهدها محيط جامعة القاهرة منتصف فبراير 2013، وهو ما يعني أن قرار الحزب مستقل ويأتي إعلاء للمصلحة الوطنية».
وعقب الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الأولى 2012 ثار الجدل حول الاتصالات السرية بين السفارة الأمريكية ورموز التيار الديني، وفيما نفت قيادات من الإخوان والجماعة الإسلامية، كان هناك اعترافات سلفية مثل التي جاءت بجريدة "المصريون" في وقتها، حيث نشر بالجريدة وفي قرير لها: أقر الدكتور يسري حماد المتحدث الرسمي باسم حزب "النور" السلفي بوجود اتصالات مباشرة بين الحزب وجميع السفارات الغربية بالقاهرة، بما فيها السفارة الأمريكية.
وأكد أن هذه الاتصالات تطرقت إلى جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأعرب خلالها الحزب عن ترحيبه بإقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة بما يخدم مصلحة مصر، وأبلغ الدبلوماسيين الغربيين باحترام مصر لاتفاقية السلام مع جميع المعاهدات الدولية.
وأشار إلى أن حزب "النور" طلب إدخال تعديلات على العديد من بنود المعاهدة، بما يسمح بامتداد السيادة المصرية الكاملة على سيناء لتعميرها من خلال مشروع تنموي شامل، وإقامة منطقة تجارة حرة، لافتًا إلى أنه تم التأكيد على أن حماية مصالح المجتمع الدولي مرتبطة بمراعاة مصالح مصر.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في أكتوبر 2012 تقريرًا حول التغير في السياسات الأمريكية إزاء مصر في عهد الإخوان المسلمين بعد وصولهم للحكم في مصر، وتقول في التقرير:
لعل التغيير الأكثر جذرية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما قد حدث هنا في مصر، حيث جماعة الإخوان المسلمين أصبحت على أرض الواقع جزءًا من الدعم الأمريكي.
ليس ذلك فحسب: "بل إن السياسيين السلفيين أصبحوا من الزوار المعتادين للسفارة الأمريكية بالقاهرة، التي تطبق نظرية أنه من الأفضل أن يكون هؤلاء السلفيون داخل الخيمة بدلا من خارجها، وهو ما مكن السلفيين من زيارة الولايات المتحدة للاطلاع على كيفية سير النظام الديمقراطي على الأرض".
بطبيعة الحال، فإن التفكير الأمريكي الجديد يعي أنه ليس من الممكن أبدًا الاتفاق مع هؤلاء السلفيين في مجال حقوق المرأة، على سبيل المثال، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك علاقة منفعة متبادلة مع الغرب أو عملية التطور.
واختتمت نيويورك تايمز تقريرها، بالتأكيد على أنه قد حان الوقت للتغلب على "عدم التفاهم وقصور الاتصالات"، وهذا لن يمكن أن يحدث إلا من خلال العمل مع القوات الحقيقية للمجتمعات العربية بدلًا من أوهام العزل والبقاء داخل أوهام "المنطقة الخضراء".

للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب، وفي أبريل 2014، توجه وفد من قيادات حزب النور السلفي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في جولة سياسية شملت لقاءات مع مسئولين أمريكيين، وممثلين عن الجالية المصرية.
هدفت زيارة الوفد السلفي إلى إطلاع المسئولين الأمريكيين على رؤية الحزب، وتغيير الصورة الذهنية النمطية عن أفكار «الدعوة السلفية».
والحزب كان يهدف إلى لقاء مسئولين في «الخارجية» الأمريكية لتبادل وجهات النظر بين الطرفين، وإزالة التوتر بين الولايات المتحدة والجهات السلفية التي يعتبر عدد منها أن أمريكا «الشيطان الأعظم» في المنطقة.

أستاذة العلوم السياسية نورهان الشيخ
وفي هذه الزيارة قالت أستاذة العلوم السياسية نورهان الشيخ: إن السلفيين يريدون التفاوض مع المسئولين الأمريكيين لعرض أنفسهم كبديل لجماعة الإخوان التي خسرت الولايات المتحدة الرهان عليها، رغم دعم سياساتها في مصر.
أضافت «الشيخ» أن السلفيين يرون أنفسهم الآن بديلاً للإخوان داخلياً وخارجياً، ويسعون للوصول إلى السلطة والاتجاه إلى دعم الخارج، لكنها رجحت ألا تكرر الولايات المتحدة تجربتها مع الإخوان مرة ثانية مع السلفيين، بعد أن دعمت الإخوان وخسرت الرهان عليهم، وهو ما يحرج إدارة الرئيس باراك أوباما.
وتوقعت أستاذة العلوم السياسية أن تزيد زيارة السلفيين من حرج «أوباما» أمام المعارضة وداخل «الكونجرس» بدعمه التيار الإسلامي في المنطقة.
ويستمر التقارب السلفي الأمريكي للوصول إلى اتفاقات مصالح للطرفين؛ حيث يكون السلفيون وهم مدعومون من السعودية الحليف الأكبر لأمريكا في المنطقة، بديلا عن الإخوان في حكم مصر لرعاية المصالح الأمريكية من ناحية، ومن ناحية أخرى منع أي تقارب مصري إيراني، واستخدامهم في الهجوم على إيران وقتما تتطلب الأوضاع ذلك، ومن ناحية أخرى يصل السلفيون إلى سدة الحكم في مصر.