بين سبايا "داعش" وثأر "العشائر".. المرأة العراقية ضحية الأعراف الجاهلية
الخميس 04/يونيو/2015 - 03:03 م
طباعة

بين الانتهاكات التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وكذلك النزاعات القائمة بين أغلب العشائر هناك، تقع المرأة العراقية ضحية لخلافات وعادات لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة.
الزواج قسرًا

المرأة العراقية لا زالت ضحية الأعراف الجاهلية، وبالأخص في الأمور المتعلقة بحياتها الشخصية كالزواج، منها "زواج الفصلية" أو "زواج الدية" وهو عُرْف عشائري ما زال منتشرًا في عموم العراق رغم اختلاف عادات عشائره في الشمال عن نظيراتها في الجنوب والوسط.
المرأة "الفصلية" هي ضحية زواج الدم، الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان "الثأر" في أغلب الأحيان، وهذه المرأة تعيش خلال هذا الزواج في الغالب تحت ضغط نفسي "صعب جدًّا، أدى في بعض الحالات إلى انتحار بعضهن".
في جنوب العراق، تعيش المرأة معاناتها الخاصة، فقد تجد نفسها زوجة دون إرادتها حينما تقع فريسة لزواج الفصلية أو زواج الدم.
نساء من مناطق شمال البصرة يدفعن ثمن الثأر بين العشيرة المنتميات إليها وأخريات لإنهاء خلاف بينهما بعد إسالة الدماء بين رجالها، وعلى نسائها أن يدفعن الثمن، ولا يحق لهن الاعتراض على قرار العشيرة، فهن مجرد ثمن تطوى فيه صفحة الدم بين العشيرتين.
تتزوج تلك النساء قسرًا من رجال العشيرة التي استحوذت عليهن، ولا ينظر لتلك النساء كزوجات لهن حقوق، بل هن مجرد ثمن مقبوض عن دم ابنهم المقتول.
تصفية حسابات في 40 امرأة

كانت سيقت 40 امرأة من إحدى عشائر البصرة وسلمت إلى عشيرة أخرى، ثم تكرر الأمر مع 11 امرأة من عشيرة أخرى، كحل لخلافات عشائرية.
المتحدث باسم مجلس أعيان البصرة، الشيخ محمد الزيداوي، يقول في إحدى تصريحاته: إن "11 امرأة قدمن كفصل عشائري أو تعويض بين عشيرتين لفض خلاف بينهما، كما حدث فصل عشائري آخر قدمت فيه 40 امرأة أخرى كفصل بين عشيرتين في منطقة أخرى، لفك نزاع مسلح في ما بينهما".
الزيداوي انتقد ما يحدث محملًا الحكومة مسئولية ما يجري، قائلا: "هذا فعل منافٍ للأخلاق والشرائع السماوية، ونحمل رئيس الوزراء والحكومتين المركزية والمحلية، في البصرة والقيادات الأمنية في البصرة، مسئولية هذا الانتهاك الذي يستخدم المرأة ثمنًا لخلافات بين العشائر".
فيما استنكر رئيس لجنة العشائر النيابية عبود وحيد العيساوي عبر صفحته على فيس بوك قيام عشائر شمال البصرة بتقديم 50 امرأة كفصل عشائري لحل نزاع مسلح، واعتبر الأمر "سبيًا" للنساء.
وكشف النائب العيساوي في بيان له "أن لجنة العشائر النيابية ستقدم طلبا إلى رئاسة مجلس النواب؛ من أجل تشكيل لجنة مكونة من لجنة حقوق الإنسان ولجنة المرأة النيابيتين، إضافة إلى الجهات المعنية للتحقيق في الموضوع ومحاولة الحيلولة دون تنفيذ هذا الفصل العشائري".
والفتاة المتزوجة "زواج الفصلية" أو ما يُطلق عليه أحيانًا "زواج الدم" لا تعيش حياة زوجية طبيعية، فهي بنت العشيرة التي قتلت، وتعيش بين أفراد عشيرة المقتول، كما لا تتوقع الفتاة أن يكون لها فرصة اتخاذ القرار أو إبداء الإيجاب والقبول في زواج أقبلت عليه مسلوبة الإرادة.
لا اختلاف عن "داعش"

ويرى مراقبون أن هذا النوع من الزواج لا يختلف عما يفعله التنظيم الإرهابي "داعش" عندما يتخذ من النساء سبايا، ويزوجهن رغمًا عن إرادتهن، مشيرين إلى أن الأمر لا يختلف كثيرا ففي الحالتين المرأة مسلوبة الإرادة وتدفع ثمن شيء لا علاقة لها به.
من جانبها أكدت الناشطة في مجال حقوق المرأة في البصرة صفاء أمين، أن ما تقوم به العشائر لا يختلف عن تصرفات داعش، والفرق فقط في التسمية، فداعش تطلق على هذا تسمية "سبايا" وهنا نطلق عليه "الفصلية"، وأن هذه التصرفات في المحافظة وداخل العشائر والبيوت تدلل على أننا لا نزال في عصر الجاهلية.
عضو مجلس محافظة البصرة، نجلاء التميمي تقول: على الرجل أن يسلم نفسه أو يخسر داره وكل ما يملك للحفاظ على ابنته، ولا يهدر قيمتها أو يجعلها ضحية أو فصلاً لمثل هذه الخلافات العشائرية؛ كون هذا التصرف معيباً.
عضو مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي تحدث عن أسباب هذه الممارسات وأن منها تصاعد نشاط بعض العشائر في البصرة، وخرجت عن القانون إلى حد استهداف المواطنين الأبرياء في الشوارع والأسواق من العديد من العشائر بحجة الثأر.
مؤشر خطير للمرأة

وحذرت النائبة العراقية عالية نصيف من استمرار ما وصفته بظاهرة "إهانة المرأة" والاستخفاف بحقوقها من خلال الفصل العشائري، معتبرة أن الفصل العشائري الذي تساق فيه خمسون امرأة كـ"الجواري" مؤشر خطير لضعف القانون والدولة، فيما دعت إلى ضرورة تشريع قانون مكافحة العنف الأسري.
وقالت نصيف في بيان لها: إن "الشريعة الإسلامية كرمت المرأة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان أعطتها حقوقها الكاملة، ولكن من المؤسف أن بعض من يأخذون بقشور الدين في مجتمعاتنا العشائرية ينظرون إلى المرأة نظرة دونية"، موضحة أن "اقتياد خمسين امرأة كالجواري في فصل عشائري مؤشر خطير على ضعف القانون وضعف الدولة العراقية".
وأضافت نصيف: "نحن نعتز ونفتخر بالقيم العشائرية الأصيلة التي تربينا عليها، وأغلب شيوخ العشائر اليوم مثقفون وضباط ولديهم مكانة علمية، وهذه المكانة يجب أن يكون لها دور في القضاء على الفتنة وحقن دماء المسلمين وتعزيز وحدة الصف في ظل الظرف الراهن"، مشددة على أن "استخدام الفصول العشائرية في إهانة المرأة والاستخفاف بحقوقها وبآدميتها كإنسانة فهذا أمر مرفوض".
ودعت نصيف لجنة المرأة النيابية والسلطتين التشريعية والتنفيذية والمدعي العام إلى أن يكون لهم دور في مثل هكذا فصول عشائرية، مؤكدة أن "المرأة العراقية بات لها دور في كل مجالات المجتمع، فهي طبيبة ومحامية ووزيرة ونائبة، ومن المعيب أن نعود إلى ثقافة العصر الجاهلي في زمن باتت فيه العديد من دول العالم تعطي المرأة المرتبة الأولى في المجتمع من حيث الأهمية أو المرتبة الثانية بعد الطفل.
وتابعت، أن "الفصول العشائرية التي تهدى المرأة فيها كالجارية أو السلعة ليست المشكلة الوحيدة"، لافتة إلى أن "الوضع الأمني والاقتصادي في البلد تسبب بعنف أسري كبير موجه ضد المرأة تسبب في العديد من حالات الانتحار، ولم تكلّف أي جهة أمنية أو مجتمعية نفسها بالتحقيق في أسباب الانتحار إلا نادراً، ومن واجب السلطة التشريعية الإسراع في تشريع قانون مكافحة العنف الأسري".
العشائر تثأر بالزواج

خطيب وإمام مسجد الثقلين في منطقة الحبيبية شمالي بغداد الشيخ جاسم الساعدي، صرح في وقت سابق، أن "الشريعة الإسلامية نهت وبشكل قاطع عن مثل هذا النوع من الزواج؛ لأن من أهم أركان الزواج أن يكون مبنيا على رضا الطرفين بعيداً عن الإكراه والغصب".
الساعدي أضاف أن انغلاق المجتمع العراقي على نفسه خلال حقبة حكم البعث، أسهم بشكل كبير في تنامي الظاهرة، مشيداً بالدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات الثقافية الدينية في نبذ مثل هذه التقاليد التي من شأنها "تفكيك المجتمع"، وذلك من خلال جلسات "الفصل العشائري التي يتم فيها اصطحاب رجال الدين". على حد تعبيره.
الحد من هذه الظاهرة وصل إلى المؤسسة البرلمانية في العراق، إذ ذكر رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب العراقي محمد الصيهود أن المجلس سيناقش قانون مجلس العشائر والقبائل العراقية في جلسات الفصل التشريعي الجديد في الشهر المقبل. مبيناً أن القانون سيمنع في حال إقراره ما يعرف بـ "زواج الفصلية والثأر والملاحقات العشائرية".
ويلجأ معظم الأشخاص في العراق وخاصة في محافظات الوسط والجنوب إلى العشيرة لحل النزاعات التي تحدث بينهم، من خلال تسويتها أو تعويض المعتدى عليه بمبالغ مالية بما لحقه من أضرار مادية أو معنوية.
كان مفتي الجمهورية المصري الأسبق، الدكتور علي جمعة، دعا بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور الألمانية بتكاتف الجهود لمواجهة شتى صور الزواج غير الشرعي التي قدرها بنحو30 نوعاً .
ودعا المفتي آنذاك، الباحثين والعلماء إلى دراسة هذه الأنواع بعمق من جوانبها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، بهدف حصار الأسباب التي تدفع إلى اختيارها بدلاً من الزواج الشرعي، وقال: إن بعض هذه الأسباب خطير، وبعضها الآخر مضحك.
وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة تهدد المجتمع كله، حيث أصبح الزواج كالطعام من القائمة في أي مطعم، فقد تحولت أذواقنا ومشاعرنا إلى أجهزة تعمل وتنطفئ وتستجيب للمتعة عندما يأتي ميعاد المتعة ليس إلا .
أنواع الزيجات غير الشرعية

منذ عصر الجاهلية تنوعت أنواع الزواج، حتى وصلت لنحو 30 نوعًا، فمن المعروف أن الزواج كلمة يجب ألا تطلق إلا على عقد تم تحريره بمعرفة الموثق "المأذون"، وأن تتوافر فيه الأركان الشرعية المتعارف عليها في الإسلام، هذا ما أكدته الشريعة الإسلامية.
وتحرم الشريعة صوراً من الزواج التي شاعت في الجاهلية، ومنها زواج الأخدان الذي يقع بين رجل وامرأة سرًّا، وزواج الشغار الذي يتزوج فيه رجلان من شقيقة كل منهما، وزواج البدل الذي يتبادل فيه زوجان زوجتيهما، وزواج الفصلية أو زواج الدم وهو الذي يكون للثأر.
وفيما تعددت أنواع الزواج اختلفت من مجتمع لآخر، وأصبح كل شيء مباح والفتاوى هنا وهناك، ولم يعد الشاب الآن مُلْزَمًا بأن يكون قد أتم دراسته أو حصل على مؤهل أو وظيفة، وبدأ في تكوين بيت حتى يتزوج، يكفيه أن تُشير يديه إلى أي فتاة، حتى يحصل عليها وبدون تكلفة وتكوين أسرة وزفاف وغيره من العادات البالية التي ذهبت مع القيم وأصبحت موضة قديمة، فهو يختار أي فتاة والنوع الذي يليق عليها من أنواع الزواج ويناسبه هو أيضاً .
وحول أنواع الزواج المنتشرة في المجتمعات والتي يُقبل عليها معظم الرجال تسهيلاً لأمور عديدة، زواج المتعة "متعة التجربة" وهذا النوع له فروع كثيرة فمنه زواج المتعة من أجل الإنجاب، زواج المتعة من أجل النفقة المادية، زواج المتعة بين السيد والخادمة، زواج المتعة من أجل الاختلاط، وأخيراً زواج المتعة للمتعة الجنسية، هذه الزيجات جميعاً تندرج تحت مسمى زواج المتعة، ويعتبر هذا الزواج غير شرعي وهو إهدار جزئي وكلي لكرامة البشر سواء للرجل أو المرأة، فالإنسان الذي يصل لمرحلة استخدام إنسان آخر لمتعه محددة الزمن هكذا لم يعد إنسان طبيعي مهما اختلفت المبررات .
وكان بعض الخبراء رفضوا بشدة هذه الظواهر السلبية وانتقدوا بعنف تخاذل الفئات المنوط بها تحمل المسئولية أمام الله قبل أي جهة أخرى، وخاصة علماء الدين الذين لم يقوموا بدورهم كما يجب في رعاية وتنشئة هذا الشباب التنشئة الإسلامية الصحيحة وتعريفهم بصحيح الدين.
كانت روناك فرج رحيم، منسقة مشاريع المركز الإعلامي والثقافي للنساء في كردستان العراق أشارت في وقت سابق إلى أن منظمتها وبالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان "تمكنت من تحرير نحو ألف امرأة من قيود تلك الأعراف والتقاليد العشائرية، من خلال إقناع برلمان حكومة إقليم كردستان العراق على سن قانون مناهضة العنف الأسري العام الماضي".
زواج الفصلية "جريمة"

ينص قانون مناهضة العنف الأسري في دستور حكومة إقليم كردستان العراق بمادته الثامنة من قانون الأحوال الشخصية (56) لسنة 2011، على عقوبة الحبس والغرامة على كل "من يرتكب عنفًا أسريًّا جسديًّا ونفسيًّا، أو من يُكره شخصاً آخر على الزواج، أو الزواج القسري أو ختان الإناث أو الزواج بالدية". وهذا ما شكل رادعاً لتراجع هذه الظاهرة في العديد من القرى الكردية.
وعلي حد وصف الخبراء فإن ظاهرة زواج الفصلية جريمة يحاسب عليها القانون؛ لفقدانها أهم ركن من أركان عقد الزواج والمتمثل بتوافق الإيجاب والقبول من كلا الطرفين، والذي بدونه يصبح عقد الزواج باطلاً.
كما أن نظرة المشرع العراقي في هذا الموضوع جاءت من خلال نص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959.
وتنص هذه المادة على: "معاقبة من يُكره شخصاً، ذكراً كان أم أنثى على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى، أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات، أو الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، باعتبار عقد الزواج وقع بالإكراه، لكن يبدو أن هذه المادة القانونية كُتبت لتحاكي مجتمعاً آخر، إذ لم تتمكن بالرغم من تشريعها في وقت مبكر من نشوء الدولة العراقية من إنقاذ العديد من الفتيات اللواتي وقعن ضحية الأعراف والتقاليد العشائرية.
ضحايا الزواج

إحدى ضحايا زواج الفصلية، المقيمة بمحافظة السليمانية بكردستان العراق، تروي معاناتها خلال زواجها الذي لم يطل سوى أربع سنوات، قائلة: "كنت أعمل كالخادمة في بيت عائلة زوجي، لا يحق لي أن اعترض على أي شيء سوى أن أنفذ أوامرهم وألبي طلباتهم". وتضيف "الزوجة الفصلية"، التي انفصلت مؤخراً عن زوجها بعد أن دفعت عشيرتها مبلغًا ماليًّا كفدية لتحريرها وأنهت الخلاف مع عشيرة زوجها، بأنها كانت تتلقى عبارات السب والشتم في أغلب الأوقات؛ "لأني كنت أذكرهم بمقتل ولدهم على يد أحد أفراد عشيرتي".
فيما كانت أخرى تلميذة في المدرسة الثانوية في محافظة ميسان جنوبي العراق، حكمت عشائرياً بقرار يقضي بتزويجها لرجل من عشيرة أحد المقتولين كتعويض عن الخسارة البشرية التي سببها القاتل الذي ينتمي لعشيرتها، والتي زُفت إلى عريس دون أن تتعرف عليه مسبقاً.
وسبق لجمهورية العراق الأولى عام 1958 أن ألغت قانون العشائر وقضت على سلطة القبيلة السياسية، وحولتها إلى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع إليها للمشورة، لكن الفراغ السياسي الذي خلقه النظام العراقي السابق، أعاد للعشائر نفوذها من جديد.