حلب مقبرة "داعش" الجديدة في سوريا
السبت 06/يونيو/2015 - 05:15 م
طباعة

تمثل مدينة حلب السورية وريفها أهمية خاصة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام؛ حيث يستطيع من خلال السيطرة عليها إكمال مد نفوذه وسيطرته على الأراضي المتاخمة للحدود التركية، وهو ما يضمن لها دخول السلاح، والمقاتلين، والمساعدات اللوجستية ويجعل التنظيم الدموي يتحكم في قلب المعركة الدائرة في سوريا من خلال قطع جزء كبير من الإمدادات عن قوات النظام واستنزاف الجيش السوري، ومحاصرته والمعارضة المسلحة أيضًا المناوئة له، ويصبح الريف الشمالي تحت سيطرته.

لكن على أرض الواقع يواجه تنظيم "داعش" حربًا حقيقيةً من قبل قوات المعارضة السورية المسلحة التي يقودها "جيش الفتح" والجيش الحر وفصائل أخرى معادية لـ"داعش"؛ حيث قاموا بقتل وأسر العشرات من تنظيم الدولة في كمين شمال ناحية صوران التي سيطر عليها التنظيم إلى جانب عدد من القرى الأخرى بريف حلب الشمالي.
وكشف أبو جابر، القيادي في حركة أحرار الشام في إعزاز عن الواقعة بقوله: "إن داعش أرسل سيارة مفخخة لاقتحام قرية الشيخ ريح القريبة من صوران، فتمكن مقاتلو المعارضة من رصدها وتفجيرها بصاروخ مضاد للدروع، قبل أن تصل إلى نقاط الرباط في أطراف القرية، وأن مجموعة مؤلفة من خمسين عنصرا من التنظيم هاجمت قرية الشيخ ريح بعد عملية التفجير، فتمت محاصرتهم والاشتباك معهم حيث قتل نصفهم ووقع نصفهم الآخر في الأسر".
ولكن المعارضة بدأت في الحشد لمعركة طويلة ضد "داعش"، واستقدمت تعزيزات إلى منطقة ريف حلب، لكنها لم تتمكن من استعادة المواقع التي خسرتها قبل بضعة أيام في صوران وأم القرى والبل وغزل لتدور معارك شرسة قرب مدينة مارع بينهما، أدت إلى مقتل أربعة مدنيين بعد قصفهم من "داعش"، وجرت اشتباكات عنيفة جدًّا أخرى على جبهات قرية غزل البل والشيخ ريح قرب بلدة صوران بريف حلب الشمالي، وألحقوا خلالها خسائر كبيرة بالتنظيم، ولكن المعارضة المسلحة استطاعت السيطرة بالكامل على القريتين بعد تطهيرهما من مقاتلي "داعش"، وقتلوا 30 عنصراً من التنظيم والعديد من الجرحى، كما دمروا عدة آليات، منها دبابتان.

وعلى الجانب الآخر استغل الجيش العربي السوري الصراع بين "داعش" وفصائل المعارضة، واستطاع قتل العشرات من "داعش" غالبيتهم من جنسيات غير سورية في ريف حلب الشمالي؛ حيث قتل القائد العسكري لـ"داعش" المكنى "أبو عبد الله التونسي" قائد الهجوم الذي يشنه "داعش" على مواقع المجموعات المسلحة في ريف حلب الشمالي، مع 17 مسلحًا من عناصره خلال اقتتال مع المجموعات المسلحة في محيط بلدة صوران بريف حلب، وقتل أيضًا المكنى "أبو عبد البر العراقي" وهو القاضي الشرعي لـ "جبهة النصرة"، إثر تفجير نفسه بحزام ناسف خلال محاولة مسلحي "داعش" إلقاء القبض عليه في ريف حلب الشمالي.
القوات الكردية دخلت على خط استنزاف "داعش"؛ حيث أصبحت على أقل من ستة كيلومترات من جسر قرقوزاق الاستراتيجي الذي يقطع نهر الفرات قرب مدينة منبج في ريف حلب الشرقي؛ ليصل محافظة حلب بشرق سورية، وهو أهم الجسور التي تصل محافظة حلب بمناطق الجزيرة السورية الواقعة شمال نهر الفرات، ويتمتع بأهمية استراتيجية خاصة لدى "داعش" الذي حشد قوات كبيرة للدفاع عنه من المنطقة الممتدة من قرية الجعدة التي يسيطر عليها التنظيم قرب بلدة الشيوخ في ريف حلب الشرقي، وصولاً إلى بلدة صريّن الواقعة في ريف مدينة منبج، وهو ما دفع التنظيم إلى التراجع الميداني في ريف حلب الشرقي وشنّ هجوم معاكس في المنطقة بهدف استعادة بعض المناطق التي خسرها أخيرًا.

المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد على أن "داعش" حاول التقدم في مناطق سيطرة قوات حماية الشعب الكردية والجيش الحر قرب جسر قرقوزاق. كما حاول بشكل متزامن إحراز تقدم في منطقة أوج كارديش في ريف الرقة الشمالي؛ بهدف استعادة المناطق التي استولت عليها وحدات حماية الشعب، في إطار مساعيه لإعادة فرض سيطرته الكاملة على أوتوستراد "رودكو" الذي يصل مناطق سيطرة "داعش" في ريف حلب الشرقي بمناطق سيطرته في ريف الحسكة، ونتج عن الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة مقتل ثلاثة عناصر على الأقل من وحدات حماية الشعب الكردية في مقابل مقتل تسعة آخرين من "داعش".
هذا العدد من القتلى يضاف إليه قتل 9 عناصر من مسلحي تنظيم "داعش" قرب مدينة الباب في حلب، خلال اشتباكات بين مجموعتين من التنظيم نفسه، بعد أن حاول عدد من المقاتلين الأجانب العودة إلى بلدانهم وكان من بين القتلى 5 من جنسيات عربية، وأن 10 من عناصر التنظيم أحدهم تونسي الجنسية والبقية من جنسيات غربية، حاولوا الفرار عبر الحدود السورية التركية للعودة إلى بلدانهم، عبر منطقة بريف حلب، وأثناء فرارهم، تمكن عناصر آخرون من التنظيم من اعتقالهم، وأودعوا في سجن عند أطراف مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي.

ومما يدفع إلى مزيد من القتلى في صفوف "داعش" إصدار عدد من أهم منظري التيار الجهادي السلفي "فتوى شرعية" بضرورة قتال التنظيم في سوريا، تحت دعوى "دفع الصائلين"؛ وذلك لعدم جواز تسليم أرض الشام لهم"، وأن "الساحة الجهادية الشامية" تمر بالفترة الأخيرة بـ"ذروة انتصاراتها وفتوحاتها" وكان التخبط واضحاً لدى "الطاغية بشار الأسد وزبانيته"، وإذ بالبغداديين (مقاتلو داعش) يطعنون بالمجاهدين في صوران، بريف حلب الشمالي، لـ"تختلط الأوراق ويقدموا طوق النجاة" للنظام السوري.
وأضاف البيان "أن تصرفات التنظيم تُظهر جليًّا" عور منهجهم وظلمهم وتعديهم لكل ذي بصيرة؛ مما يؤكد على ضرورة قتالهم بفتوى "دفع الصائل".
ووقع على بيان "الفتوى" تسع شخصيات، بينهم عدد من أهم منظري ورموز التيار الجهادي في العالم، كأبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي وهما أردنيان من أصل فلسطيني وعبدالله المحيسني وهو سعودي من أبرز الوجوه الجهادية الموجودة في سورية، وسامي العريدي وهو أردني الجنسية والشرعي العام لجبهة النصرة وغيرهم.
ويعزز أيضًا تنامي خسائر "داعش" في حلب أن عددًا من الفصائل المقاتلة في سورية، خاصة في حلب بدأت في قتال "داعش"، بعد أن امتنعت في السابق عن ذلك، واتخذت موقف الحياد في قتال التنظيم، كحركة "فجر الشام"، الإسلامية، وتعتبر من الحركات المحافظة داخل التيار الجهادي، ولكنها أعلنت الحرب على التنظيم مع جيش "المهاجرين والأنصار"، الذي كان من أبرز الفصائل المحايدة والممتنعة عن قتال "داعش" ولكن انشق عنها مجموعة أطلقت على نفسها اسم "كتيبة الميعاد" بدأت في قتال داعش، بالإضافة إلى كتائب أبو عمارة التي أصدرت بياناً وصفت هجوم "داعش" الأخير على حلب بـ"عدوان صائل على عموم المسلمين في المنطقة"، مشاركة الكتائب في قتال التنظيم.

ليختتم المجلس الشرعي في حلب، وهو أعلى هيئة شرعية إسلامية متواجدة في مناطق سيطرة المعارضة السورية في المدينة؛ الأمر بأصدر بياناً، طالب فيه مقاتلي قوات المعارضة بالتوجه جميعاً لقتال قوات "داعش" التي تحاول التقدم على الشريط الحدودي مع تركيا في ريف حلب الشمالي.
واتهم المجلس، "داعش" بـ"العمالة لأعداء الأمة، والسعي من خلال مهاجمته قوات المعارضة إلى إعطاء فرصة لقوات النظام السوري لتستعيد أنفاسها بعد الهزائم الكبيرة التي تكبدتها على يد قوات المعارضة، أخيراً في إدلب وريفها، وأن "هجوم التنظيم على ريف حلب الشمالي جاء لإفشال خطة جيش الفتح في تحرير مدينة حلب من نظام الأسد، من خلال مهاجمتهم الثوار من الخلف".
وبذلك يكون تنظيم "داعش" الدموي قد أصبح بين "فكي الرحا" الجيش العربي السوري من جهة، وجيش الفتح من جهة أخرى؛ ليطرح السؤال نفسه هل ستتحول "حلب" إلى مقبرة "داعش" الجديدة في سوريا؟