أكراد سوريا بين طموح الدولة ونفوذ "داعش" وتركيا

الإثنين 15/يونيو/2015 - 01:54 م
طباعة أكراد سوريا بين طموح
 
 بعد الانتصارات التي حققتها قوات الحماية الكردية في مدينة عين العرب "كوباني" ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" بدأ الحزب في توسيع نفوذه على حساب الأقلية الكردية المتواجدة في المنطقة منذ مئات السنيين، وغير التابعة للحزب، بل وصل الأمر إلى عمليات تهجير قسري للعديد من المواطنين السوريين وكانت البداية مع المناطق المحيطة  ببلدة تل أبيض السورية على الحدود مع تركيا؛ حيث قال ريدور خليل المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا: إن مقاتليها اشتبكوا مع تنظيم الدولة الإسلامية على مقربة من بلدة تل أبيض السورية على الحدود مع تركيا، ويحاول المقاتلون بالحزب انتزاع السيطرة على البلدة، وتدعمهم الغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وإن مقاتليها يحاربون متشددي تنظيم الدولة الإسلامية على المشارف الشرقية لتل أبيض، وإن التنسيق مع التحالف الدولي "ممتاز"، والغارات تنفذ حسب الحاجة.
أكراد سوريا بين طموح
 هذا التقدم الميداني أثار قلقًا تركيًّا؛ حيث أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه من توسع رقعة الهيمنة الكردية في سوريا، قائلا: "إن الجماعات الكردية تسيطر على مناطق يخليها العرب والتركمان، إلا أن هذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تهديد الحدود التركية".
 وعلى جانب المواجهة مع "داعش" بدأت قوات وحدات حماية الشعب الكردية بالتعاون مع التحالف الدولي ومجموعات سورية مسلحة صغيرة بالتقدم داخل محافظة الرقة، مهددة بذلك واحدًا من طرق الإمداد الرئيسية لمدينة الرقة معقل التنظيم في محاولة للسيطرة على تل أبيض للربط بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا.
أكراد سوريا بين طموح
 ولكن قوات الحماية الكردية لم تسلم من الاتهامات الموجهة لها؛ حيث اتهمتها فصائل إسلامية ومقاتلة بتنفيذ "حملة تطهير عرقي وطائفي بغطاء جوي من قوات التحالف"، وقالت في بيان لها: "قامت قوات من وحدات حماية الشعب الكوردية “YPG” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي” PYD”  بتنفيذ حملة تطهير عرقي وطائفي جديدة بحق العرب السنة والتركمان في ريف الحسكة الغربي وتل أبيض، تحت غطاء جوي لقوات التحالف التي ساهمت بالقصف لترويع المدنيين ودفعهم إلى هجرة قراهم وتأتي هذه الخطوة استكمالا لمخطط تقسيم تعمل عليه أطراف محددة على رأسها حزب العمال الكردستاني “PKK” المصنف كمنظمة إرهابية بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية، في خطوة ستكون كارثية على مستقبل سوريا والمنطقة".
واختتم البيان بتأكيده على أن "وحدة أراضي سوريا خط أحمر لا نسمح بالمساس به تحت أي ظرف، وأن الشعب السوري بأكمله سيقف في وجه أي مشروع تقسيمي وأن العرب والكرد في سوريا تجمعهم رابطة الإسلام الحنيف وشراكة الوطن والمستقبل، وندين صمت وتواطؤ المجتمع الدولي في مؤامرة جديدة على الشعب السوري، فلم يسمع أي اعتراض أو تنديد بجرائم الـ “PYD” العميلة التي خرقت عدة بنود من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية جنيف الرابعة بخصوص حماية المدنيين، والاتفاقية الدولية المتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية، كلها جرائم تجعل من هذه المنظمة العميلة للنظام السوري منظمة إرهابية وفقاً للقوانين الدولية، إلا أن اهتمام المجتمع الدولي ينصب حصراً على تصنيف الجماعات السنية العربية، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام حملة التلاعب بديموغرافية بلدنا والتطهير العرقي والطائفي الذي يتعرض له أهل سوريا من العرب السنة، الذي كان لحماقات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتصرفاتها المشبوهة وغدرها بالمجاهدين دور بارز في ذلك، وأنَّ قوى الثورة السورية المدنية والعسكرية سترد بحزم على كل المتورطين في هذا العمل الإجرامي، ولن نسمح بالتفريط بحقوق أهلنا ومطالبهم ووحدة ترابه".
أكراد سوريا بين طموح
 لكن قوات حماية الشعب الكردي أصدرت بياناً فندت فيه الاتهامات الموجهة لها بارتكاب انتهاكات وتعديها على الآخرين، وأكدت على أن من يلقي بهذه الاتهامات إنما يحاول تجميل صورة تنظيم "داعش"، والتهوين من إرهابه، وشرعنة بقائه في المنطقة، ولم تكتف بذلك، بل وجهت نداء للنازحين بعدم النزوح إلى خارج الحدود، والتوجه إلى المدن والمناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، على أن تقوم الوحدات بتأمين حياتهم ومستلزمات العيش لهم.
 وقد قام الأكراد بعدة خطوات عملية لتحقيق أهدافهم تمثلت فيما يلي:
1- إطلاق الأكراد حراكهم الخاص المعارض للنظام السوري بالتوازي مع تطلعاتهم في دولتهم القادمة. 
2- رفعوا سقف مطالبهم إلى "الإقرار بالحكم الذاتي" لما يسمونه بـ"المناطق الكردية".
3- تسويق مشروعهم السياسي بالدعوة إلى مشروعهم القومي حال الاندماج مع الدولة السورية في المستقبل، فطرحوا الفيدرالية أو "اللامركزية السياسية" لسوريا الجديدة من أجل فرض واقع كردي جديد على الأرض.
4- التوافق على النظام السوري حال فشل الثورة، من خلال إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المقرب من النظام السوري "الإدارة الذاتية" لمناطق ذات غالبية كردية، وانسحب النظام منها وسلمها للحزب. 
5- الاستفادة من حالة التعاطف مع "معركة كوباني" على أنها معركة كردية بامتياز ومصيرية بالنسبة لمشروعها القومي في سوريا ونجحت القوى الكردية في توظيف هذه المعركة، وتحقيق العديد من المكاسب السياسية والمعنوية من ورائها. 
6- الانفتاح الكردي مع الأمريكي من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصفه الإدارة الأمريكية بـ "المنظمة الإرهابية"؛ مما كسر الحاجز بينهما، بل وقدمت الولايات المتحدة السلاح للحزب لصد هجمات "داعش". 
7- محاولة إسقاط "الفيتو" التركي على التعاون العسكري بين أكراد العراق وأكراد سوريا، وهو ما تم بالفعل من خلال سماح الحكومة التركية لقوات البيشمركة العراقية بالمرور عبر أراضيها، ودخول كوباني لدعم مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا يعني ضمان دخول البيشمركة إلى مناطق سورية أخرى، مستقبلاً للدفاع عن أكرادها إذا تطلب الأمر.
أكراد سوريا بين طموح
 ولكن هناك العديد من المعوقات التي تحول دون الرغبات الكردية، على رأسها: 
1- تركيا التي تَعتبر "الملف الكردي" شبح لوحدتها؛ ولذلك فقد أكدت مراراً بأنها لن تقبل بإقليم كردي آخر على حدودها الجنوبية مع سوريا، خاصة وأن هذا الإقليم إذا ما قام سيحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، العدو اللدود لتركيا. 
2- ظهور تنظيم "داعش" بهذا الزخم والقوة العسكرية والتطرف الديني وسيطرته على مناطق شاسعة في كل من العراق وسوريا، يعد العائق الأكبر أمام الطموح الكردي.
3- لن يقبل القوميون العرب والسوريون أن يفرض عليهم مليون ونصف المليون كردي أجندتهم "القومية والسياسية"، باسم الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الأقليات. 
أكراد سوريا بين طموح
ويرى الكاتب روشان جاكر، أن تشكيل دولة كردية أمر صعب؛ لأن غالبية العرب القوميين يرفضون قيام دولة كردية، حتى وإن لاقى الاستحسان والتعاون من قبل الأقلية السنية، التي تبحث بدورها عن فرصة سانحة تمنحها حق إنشاء إدارة خاصة بها، بالإضافة إلى أن هناك أسبابًا جمة تدفع الحكومة الإيرانية على رفضها القاطع لإقامة دولة كردية مستقلة؛ وذلك لسبب أساسي، وهو أن الدولة الكردية ستصبح مركز جذب لكرد إيران، وسيدفعهم للتمسك بكل قوة بحقوقهم القومية، والمطالبة بإقامة دولة مستقلة على غرار الدولة الكردية في العراق. والسبب الآخر يكمن في الاتفاقيات الاستراتيجية بين إيران والعرب الشيعة في العراق، حيث إنه من الواضح تمامًا أنه وفي حال حدوث نزاعات وتصادمات بين جنوب العراق وشماله، سوف تتمخض عن تدخل إيراني لصالح الجنوب الشيعي.
وتأتي تلك المطالبات في سياق تاريخي يحرص الأكراد على تنفيذه منذ مئات السنين؛ حيث إن حلمهم الأكبر هو تأسيس كياناً سياسيًّا خاصاً بهم، يتوافق مع تطلعاتهم القومية المتمثلة في "كردستان الكبرى" التي تبلغ مساحتها 500 ألف كيلومتر مربع، وتضم أجزاء من الدولة السورية الحالية. اعتمادًا على "التحول الديموغرافي" لصالح العنصر الكردي، الناجم عن الحروب الحالية بين "داعش" والنظام والفصائل المعارضة نتج عنها عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي في المناطق والأقاليم المحيطة بالإقليم الجبلي الكردي، ولذلك فإن قوات الحماية الكردية مستفيدة من "الفوضى السورية"، وتجد فيها فرصتهم التاريخية في إحقاق تطلعاتهم وأحلامهم القومية المؤجلة. 

شارك