الإخوان بين الأزمة الداخلية.. والاستمرار في التصعيد ضد الدولة
الإثنين 15/يونيو/2015 - 03:00 م
طباعة

ما زالت جماعة الإخوان تحاول جاهدة أن تثبت للرأي العام العالمي أنها لاعب أساسي في الحياة السياسية المصرية، رغم أن تغيرات كثيرة طرأت على الوضع السياسي في الداخل والخارج، فعلى المستوى الداخلي لم يعد للجماعة هذا التواجد في الشارع المصري بسبب الحصار الأمني من ناحية، ومن ناحية أخرى هجومهم المتكرر على المصالح العامة الخدمية مثل محطات الكهرباء وغيرها، وكذلك زرع العبوات الناسفة بأماكن التجمعات السكنية وبعض الأماكن الحيوية؛ مما أدى في النهاية إلى فرض حصار جماهيري على أعضائها، حتى وصل الأمر إلى اشتباك الجماهير مع مظاهراتهم، لفظيًّا وماديًّا. وعالميًّا فقد فقدت الجماعة الكثير من وجودها على المستوى العالمي، وكان موقف الولايات المتحدة الأخير برفض خارجيتها مقابلة وفد إخواني له دلالته القوية في هذا الإطار. ومن جانب آخر ظهرت الأزمة التي يظنها البعض مفتعلة بين جناحي الإخوان "الصقور والحمائم"، والتي صورها البعض أنها تكاد تعصف بالجماعة، ويبدو أن هذه الأزمة لم تنته بعد، فبعد أن بدأ يلوح في الأفق حل للأزمة التي ضربت الجماعة مؤخرًا، مرر واحد من قيادات مكتب الإرشاد القديم وثيقة لا تعترف بالانتخابات الأخيرة والتشكيل الجديد للجماعة. وبدأت قيادات بالجماعة تبادل اتهامات حول تسريب وثائق داخلية، واستغلال كل طرف أذرعه الإعلامية للضغط على الآخر لتقديم تنازلات جديدة، في ظل عدم الاتفاق بشكل نهائي على إجراء انتخابات داخلية للتنظيم. وتفيد الوثيقة المسربة بعدم وجود انتخابات داخلية أجريت خلال الفترة الماضية، وأدت لانتخاب قيادة جديدة، ومكتب إداري جديد في الخارج، وعدم الاعتراف بالمتحدث الجديد محمد منتصر، كما كشفت عن أن هناك شخصيات قامت بتعديل اللوائح الداخلية للجماعة دون مراجعة أحد، ونزع صفة عضوية مجلس الشورى عن البعض ومنحها لآخرين دون سند من اللائحة.

وتحفظت قيادات بالجماعة على الكشف عن اسم القيادي الذي سرب تلك الوثيقة، في وقت تشير الدلائل فيه إلى أنه ينتمي لمعسكر «حمائم الإخوان» المنتمي لتشكيل المكتب السابق لأحداث 30 يوليو. وفي السياق أكدت الجماعة وجود أربعة منافذ إعلامية تعبر من خلالها عن مواقفها الرسمية هى: «موقعها الرسمي "إخوان أون لاين"، حسابها الرسمي على فيس بوك، حسابها الرسمي على تويتر، الناطق الإعلامي محمد منتصر، وصفحته الرسمية». وشددت الجماعة في بيان لها على أن أي منشور لا يوجد له أصل لدى هذه المصادر الأربعة، فإنه لا يعبر عن موقف الإخوان الرسمي، ولا تتحمل جماعة الإخوان المسلمين أي مسئولية عن محتواه. وشهدت جماعة الإخوان المسلمين محاولة انقلاب من قبل قيادات مكتب الإرشاد القديم، وأبرزهم محمود عزت ومحمود حسين ومحمود غزلان، على القيادة الشبابية المنتخبة في العام الماضي، وما انبثق عنها من تشكيل لمكتب إخوان الخارج برئاسة أحمد عبد الرحمن، وتكليف متحدث رسمي للجماعة محمد منتصر. أحمد رامي، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وصف الوثيقة المسربة بأنها ليست إلا ورقة مقدمة من عضو لمجلس الشورى ولا تعبر عن موقف مؤسسي للجماعة. أضاف "رامي" في تصريحات صحفية أن جهود التوفيق بين الآراء المختلفة انتهت إلى إجراء انتخابات شورى ومكتب إرشاد جديدين، ووضع الأمور محل الخلاف أمام مكتب الشورى الجديد، إضافة عدم التناول الإعلامي لموضوع الخلاف إلى حين توصل الشورى العام لرأي نهائي. وأشار رامي إلى أن من مرر الوثيقة لوسائل الإعلام مخالف لما تم الاتفاق عليه؛ نظرًا لما يترتب عليها من الترويج لرأي شخص فقط استباقًا لرأي مؤسسات الجماعة «مجلس الشورى». وحول عدم اعتراف الوثيقة بالانتخابات التي أجرتها الجماعة مؤخرًا وبالمتحدث الإعلامي محمد منتصر، قال رامي: إن هذا الكلام ينفيه الواقع، وكل الإجراءات تمت بقرارات من مكتب الإرشاد وإقرار مجلس الشورى العام. أكد رامي أن المتحدث الرسمي محمد منتصر لا يعبر عن رأيه كغيره من الأفراد أو القيادات، ولكن هناك آلية تنسيق بين وحدات الجماعة لا يخرج هو متحدثًا إلا بموجب قرار منها ومضمون محل إقرار من وحدات الجماعة المسئولة عن أدائه. ولفت إلى أن وضع «منتصر» يعبر عن اقتراح موضوع أمام السلطة الأعلى «مجلس الشورى» كأحد طرق التعامل للتغلب على الخلل الظاهر أخيرًا. وأوضح المتحدث باسم الحرية والعدالة أن «الشورى العام» هو السلطة الأعلى في مؤسسات الجماعة وهو الذي ينتخب مكتب الإرشاد ويمارس الدور الرقابي على أدائه لذلك لما بدا ما بين أعضاء الإرشاد من تباين كان القرار بالعودة للسلطة الأعلى لتحسم الأمر. وأشار إلى أن الشورى العام لا يمثل مكتب الإرشاد، بل يمثل عموم الإخوان عبر مشاركتهم في انتخابه وفقًا للوائح الجماعة ويتم انتخابه إلى أكثر من درجة لائحيًّا. وحول الأسماء التي تدير الأزمة الراهنة تحفظ رامي على ذكرها قائلا: «أما الأسماء فالظرف لا يسمح بذكرها».
التصعيد ضد الدولة

محمد منتصر
وعلى صعيد آخر وهو الذي يعطي للجماعة مبرر الوجود حتى ولو كان وجودًا ورقيًّا على صفحات الجرائد أو مادة إخبارية في القنوات التليفزيونية سواء كانت تبث برامجها من الداخل أو الخارج، وهو التصعيد ضد الدولة والتهديد المستمر لمؤسساتها حيث قالت جماعة الإخوان مؤخرا: إن مبادرة المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين يوسف ندا لحل الأزمة بمصر تعبر عنه بصفته الشخصية، مشيرة إلى أن الجماعة ترحب بأي مبادرة تدعم الخيار الثوري.
وقال المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين محمد منتصر: إن موقف الجماعة واضح تجاه أي مبادرة تخرج من أي طرف؛ مؤكدًا على ترحيبها بأي مبادرة تدعم الخيار الثوري، وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء، ذاكرا أن معايير قبول أو رفض أي مبادرة قائمة على مدى اتفاقها مع الثورة وأهدافها، وهذا ما ينطبق على مبادرة ندا وغيرها من المبادرات.
وأشار منتصر في تصريحات تناقلتها وسائل إعلامية مختلفة، إلى أن "مبادرة الأستاذ ندا تعبر فقط عن وجهة نظر صاحبها، بكل ما له من ثقل وتاريخ في حل المنازعات الدولية والأزمات الكبرى، وهو شخص محل اعتبار من الجميع، إلا أن جماعة الإخوان لا تطرح مبادرات لحل الأزمة، بل تنتج رؤية لإنهاء الانقلاب وانتصار الثورة".

يوسف ندا
وأكد منتصر أنه لا خيار لدى جماعة الإخوان المسلمين إلا إسقاط الانقلاب والتمكين للثورة الكاملة، وأن أي رؤية تنتجها الجماعة ستطرح بالمشاركة مع القوى الثورية الفاعلة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ومن خلال منافذها الرسمية.
وتابع المتحدث باسم جماعة الإخوان في تصريحاته ": "نريد أن نحرر بعض المفاهيم، الثورة المصرية لا تواجه السيسي فقط كشخص، بل تواجه انقلابا عسكريا له عدة جهات، وقوامه الأساسي الثورة المضادة التي قامت لتهدم ثورة 25 يناير، وثورتنا لا تعرف المصالحة، ولكنها تعرف الانتصار، فستنتصر الثورة على السيسي وأعوانه وكل من مهد لانقلابه العسكري".
وأكد منتصر أن "الثورة المصرية لا تقف عند جماعة الإخوان المسلمين لكونهم في قلب التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يقود العمل الثوري في مصر في الوقت الراهن، وأن هناك العديد من الفصائل والشرائح الاجتماعية تشارك في هذه الثورة"، مضيفا أنه "أصبح لكل عائلة في مصر شهيد أو معتقل أو مختف قسريا، أو شخص غارق بالديون بسبب سياسات الانقلاب الاقتصادية التي أفقرت هذا الشعب".
وأشار إلى أن الحديث عن المصالحة حديث غير واقعي، قائلا: "من هي الأطراف التي ستتصالح؟ أتتصالح أسر الشهداء مع من قتلوهم؟ أيتصالح الشعب الفقير الجائع مع من أفقره وسرق قوت يومه وهدم مشاريعه؟ مصر بها ثورة قوية وصلبة، لن تتراجع قبل أن تحقق كافة أهدافها بإسقاط الانقلاب وتطهير الوطن من الخونة والفاسدين والدولة العميقة".
وحول طبيعة المصالحة التي يمكن أن ترضي الجماعة، أكد منتصر على ترحيبه "بأي مبادرة تدعم الثورة وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء"، وأوضح بشكل قاطع، أن "الإخوان ليسوا قوة المعارضة الوحيدة، بل هم والثوار على الأرض من يمثلون الشرعية بكونهم الداعمين للرئيس الشرعي المنتخب، بعد أن اغتصب الانقلاب حق هذا الشعب في أن يكون له رئيس منتخب وحياة ديمقراطية حقيقية".
ولا يخلو كلام منتصر من لهجة تهديدية للدولة والنظام بوصفه انقلابًا، ولكن ما يغفل عنه منتصر وجماعته هو تلك الحالة الثورية التي يدعيها ومدى وجودها على الأرض، فالكل يعرف ويقر بفشل الإخوان المستمر في تحريك الشارع ضد النظام الحالي رغم وجود مشكلات عديدة تحيط بالمواطنين من غلاء أسعار وبطالة وفقر.. إلخ كل هذه المشكلات التي لم تحل حتى الآن، ولم تحاول الجماعة الوصول إلى المواطن وإقناعه بوجهة نظرها بل زادت من همومه بعمليات إرهابية تهدد أمنه وسلامته، كما تهدد مصالحه الحيوية، فأي وطنية وثورية تلك التي تتحدث عنها الجماعة؟