رفضًا لسياسة "حزب الله".. ارتفاع وتيرة الغضب الشيعي في لبنان

الخميس 18/يونيو/2015 - 12:57 م
طباعة رفضًا لسياسة حزب
 
في إطار مساعي شيعة لبنان لمواجهة انخراط حزب الله في الصراع السوري، وتأثيره على استقرار لبنان، واستمرار عملية تجميد انتخاب رئيس الجمهورية، وعدد من مؤسسات الدولة اللبنانية، تجمع أمس الأربعاء عدد من اللبنانيين والناشطين السياسيين والصحافيين في ساحة رياض الصلح رفضًا لسياسة "حزب الله" للتحذير من تدهور الأمور في المستقبل، للفتنة وعملًا للوحدة، ورفضاً للشقاق المذهبي وخطاب التخوين.

تظاهرات شيعية ضد "حزب الله"

تظاهرات شيعية ضد
وتحت شعار "عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة" وتلبية للدعوة إلى "وقفة حرّة ومسئولة" تجمّع عدد من الناشطين والصحافيين والمواطنين في ساحة رياض الصلح؛ ليعبروا عن موقف وطني يدعو إلى تحييد لبنان عن خط الزلازل في المنطقة، وحفاظًا على الشباب اللبناني الذي يستغل من قبل أطراف إقليمية ومحلية تحقيقًا لمآرب سياسية ومصالح خاصة.
الدعوة التي انطلقت كانت رمزية وجمعت نحو مئتي متضامن. وتخلل التجمّع كلمة افتتاحية لرئيس اللقاء العلمائي اللبناني الشيخ عباس الجوهري أبرز ما جاء فيها: "نقدر تضحيات من أراد إبعاد الإرهاب عن بلدنا وبغض النظر عن موقفنا الرافض لتوريط لبنان في هذه الحروب وعدم محاكمة نياته المعلنة وغير المعلنة، إلا أننا لا نجد حرجاً من نقاشه ومقاربته الشمولية التي وإن اعتبرها حقيقة، إلا أنها رؤية غير مقدسة واجتهاد يمكن نقاشه أمام مشهد الدموع والدماء وفقد الأحبة التي تؤلمنا مشاهد تشييعهم اليومية، ويؤلمنا أكثر تحريض بعض المواقع والقيادات على الخوض أكثر في هذه الحرب، وهي تنأى بنفسها وبنيها عن دفع الثمن لتتركنا وحيدين في ساحة تطول جغرافيتها، وتظهر معالم الانقسامات والفتن من خلال هذه المشاركة الواسعة فيها”.
وأضاف الجوهري: "إن التخوين والافتراء علينا وعلى أي مكون لبناني هو الفتنة بعينها وهو مراد الأعداء". وقد حمل جوهر مطلقي حملات التجني والتخوين مسئولية تعرض أي فرد منا لأي أذى مادي أو معنوي.
وتابع: "إذا كان الهدف حماية لبنان فلنقف صفا واحدا على حدوده خلف القوى المسلحة الشرعية التي تستمد شرعيتها من المؤسسات الدستورية أعني بذلك الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى".
من ثم أعرب الصحافي علي الأمين بكلمته: “إنّنا مع قوّة المنطق ولسنا مع منطق القوّة. يرتسم موقعنا في الاجتماع الوطني اللبناني ممّا نحمله من أفكار، من آراء ورؤى، لا ممّا نحمله من سلاح”.
وأكّد أن “ما من مهمة أشرف وأعظم من حفظ الناس وحماية لبنان من الفتنة. وتلك مهمّة أساسية لا تتحقّق إلا بمشروع وطن يعيش على أرضه مواطنون متساوون، وليس رعايا طوائف ومذاهب”. وقد دعا الأمين إلى وقفة ضمير ومصير، قائلاً: “حان وقت اللقاء والحوار”.
وفي الختام كانت كلمة رئيس “تيار لبنان المواطن” علي عيد الذي أعلن: “أتينا إلى هنا للقول إننا لبنانيون أولا، وثانيا وأخيرًا، والتمسك بهويتنا اللبنانية هي سفينة نجاتنا”.
وتوجه عيد إلى "حزب الله" قائلاً: “الإخوة في حزب الله نقول بكل صدق وصراحة: إن حماية الشيعة ومحاربة الظلاميين لا يكون بسلاح شيعي، ولا بتخوين من يخالفكم الرأي، بل الحماية الحقيقية هي سلاح الوحدة الوطنية، وإن هذا السلاح هو أقوى من أي سلاح يشرذم هذه الوحدة ويقدم الذريعة لضربها".
وأخيراً رأى أنه "على كل مواطن لبناني أن يقول رأيه بشجاعة للمساهمة في خلق رأي عام مناهض للخط الانحداري الذي تسير نحوه البلاد، ومسئولية تقع على عاتق كل فرد منا؛ من أجل المحافظة على لبنان وعلى مستقبله".

شيعة المعارضين

شيعة المعارضين
يعاني الشيعة اللبنانيون المعارضون لـ«حزب الله» من وقوعهم بين مطرقة الحزب وسندان معارضيه. فالحزب الذي انتقل من عدم الاعتراف بهم، إلى تهديدهم، كان في بعض الأحيان أكثر رأفة بهم من خصومه الذين «استعملوا» هؤلاء كفلكلور للتعددية الوطنية في المناسبات، ثم لجئوا إلى «حزب الله» للتحاور معه عند وقوع الخطر من الفتنة السنية- الشيعية باعتباره الممثل الوحيد لشيعة لبنان. ولعل نقطة الضعف الأبرز لدى هؤلاء، هي خطابهم الوطني في زمن الطوائفيات. فغالبية المعارضين للحزب يرفضون أن يكونوا «مشروعًا شيعيًّا» في مواجهة مشروع «حزب الله»، مفضلين التزام خيار الدولة والخطاب الوطني.
وأتت برقيات «ويكيليكس» التي نشرتها عدة صحف قبل أربع سنوات، من بينها صحيفة «الأخبار» اللبنانية لتلقي الضوء على مواقف مجموعة من الشيعة اللبنانيين كانوا يتناقشون مع أركان السفارة الأمريكية في الوضع السياسي الداخلي، وتأثير «حزب الله» في الشارع الشيعي، وكيفية مواجهة هذا التأثير. وقد شهر الإعلام الموالي للحزب بهؤلاء، وتم تصنيفهم على أنهم «خونة»، وأعطوا اسمًا هو «شيعة السفارة» أو «شيعة فيلتمان»، بالإشارة إلى السفير الأمريكي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان.
وقد تسلط الضوء على المعارضين الشيعة، بعد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في عام 2005، فخرج هؤلاء إلى العلن لأول مرة، وألفوا ما عرف بـ«اللقاء الشيعي» الذي ضم معارضين للحزب الله. 
ويقول الكاتب والصحافي اللبناني علي الأمين، أحد المصنفين من «شيعة السفارة»: إنه لا يمكن وصف حال الشيعة المعترضة على «حزب الله» بأنها «قوى شيعية تريد أن تشبه حزب الله وتنافسه على القرار السياسي للطائفة». ويضيف الأمين الذي يدير موقع «جنوبية» المتخصص بشئون الجنوب اللبناني: «معظم القوى الشيعية تعتبر نفسها في البعد السياسي منتمية إلى أطر وطنية تبتعد عن الجانب الأيديولوجي المذهبي- الطائفي. وإذ يشدد لـ«الشرق الأوسط» على أن لا مشروع شيعيًّا لهذه القوى، يجزم بأنها تنتمي بطبيعتها إلى الهوية اللبنانية وعنوانها السياسي الذي يجعل لبنان وطنا، والهوية الوطنية هي الهوية المتقدمة على كل الهويات. ويرى الأمين أن حزب الله أوغل في هويته الأيديولوجية التي تجعله يعتقد أن من حقه أن يكون موجودًا أينما احتاج الأمر، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا، وهذا غير موجود لدى معارضيه الشيعة وجزء كبير من الشيعة غير المسيسين.
ويعتبر الأمين أن أحد أهم عناصر قوة حزب الله، إضافة إلى العسكر والمال والسياسة، هو أنه يتغذى بنفوذه من العناصر المتطرفة في المقابل، فيستفيد من «داعش» كما يستفيد «داعش» وغيره من المتطرفين من الحزب لخلق النفوذ في بيئاتها؛ وهذا ما يجعل الحزب يذهب بعيدا في المزيد من التعبئة المذهبية التي تجعل الناس تعيش الخوف من الخطر الوجودي؛ مما يجعل من الصعوبة بمكان أمام الخيارات المعتدلة أن تثبت وجودها.
ويشير الأمين إلى أن التيارات المعارضة للحزب في البيئة الشيعية هي «أطراف لها هويتها العربية والوطنية ولدى بعضها الصفة الشيعية». ويقول: «إنها قوى متنوعة منها ما له عنوان وطني، ومنها عنوان تقليدي (العائلات الكبرى)، ومنها أيضًا عنوان ديني يختلف مع «حزب الله» في رؤيته. لكن هذه القوى على اختلافها عارضت تدخل حزب الله في سوريا»، معتبرًا أن مخاطر هذا التدخل بدأ الناس يتلمسونها اليوم، خصوصًا أن الحزب بدأ بخطاب الدفاع عن الأسد، ووصل به الأمر اليوم إلى خطاب الدفاع عن لبنان، موضحًا أن الخسائر البشرية الكبيرة غير المتوقعة تلعب دورها. وقال: «هناك نوع من القلق وسؤال (إلى متى؟) بات موجودًا داخل الطائفة، وهذا قد يؤدي إلى إمكانية سماع الأصوات المعتدلة. واستدرك: «لا أريد أن أقول: إن هناك تحولا، لكننا في لحظة تأمل، خصوصًا أن الحزب انتقل من خطاب القوة إلى لغة مختلفة فبدأ يتحدث عن أنه (لو ذهب نصفنا أو ثلاثة أرباعنا سنكمل)، وهذا مؤشر على خطاب الخوف أو التخويف القائم بعدما كان يعد دائما بالانتصارات». وإذ يرى أنها «لغة لها تأثير سلبي على الجمهور»، مشيرا في المقابل إلى أن لها تأثير آخر يُسهم بالمزيد من إمساك الحزب للقرار داخل الطائفة.

رؤية تيار المستقبل

رؤية تيار المستقبل
يقول النائب نهاد المشنوق، مسئول العلاقات الخارجية في كتلة "المستقبل" النيابية، إنه "بالرغم من الجهود الكبيرة لمنع اختزال الحق الحصري بتمثيل الطائفة الشيعية في حزب الله، إلا أن هناك صعوبة بالغة في هذا الأمر".
ويرى المشنوق، وهو عضو كتلة المستقبل التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، أن "من يساعد في عدم اختزال صورة الشيعة بالحزب، هو أن المرجعيات الشيعية الدينية والسياسية في لبنان لم تصدر عنها موافقة علنية على تدخل حزب الله في الحرب، مثل رئيس المجلس النيابي نبيه بري (رئيس حركة أمل) ورئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، إضافة إلى الأصوات المدنية الشيعية التي أطلقت وتطلق منذ اندلاع الحرب السورية المواقف الرافضة لسياسة حزب الله أو لاشتراكه في الحرب.
كما يقر منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد أن المعارضين الشيعة «مظلومون» من قبل 14 آذار، إلا أنه أكد أنهم ليسوا وحدهم فـ«أيضا الأرمن المعارضين للطاشناق مظلومين وغيرهم أيضا». وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «كل من يظن أنه قادر أن يغير قوى الأمر الواقع داخل طائفته غلطان. لذلك في أي حلحلة تصبح مع حزب الله لا يمكن أن يكون للمعارضين الشيعة دور، رغم أننا نسعى لذلك». وأضاف: «نحن نعترف بهذا التقصير ونعمل من أجل حلحلة الوضع عبر إنشاء المجلس الوطني لقوى (14 آذار) ونريد أن يكون دورهم فعالا أكثر في الأيام المقبلة».

مستقبل الحراك الشيعي

مع استمرار سياسة حزب الله في عدم احتضان شيعة لبنان، واستمرار السياسة التي تهدد الدولة اللبنانية والتعايش السلمي في لبنان عبر تجميد انتخاب رئيس للجمهورية وما يترتب عليها من ملفات إدارة الدولة اليمنية، ومع انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وتكلفتها العالية على الشارع الشيعي، أمنيًّا وسياسيًّا وبشريًّا، وتوالي الجنازات في القرى الشيعية في لبنان، يرتفع صوت معارضة شيعة لبنان من سياسة حزب الله.

شارك