باحث يرصد الأخطاء الأمريكية في الحرب على "داعش"
الخميس 18/يونيو/2015 - 01:58 م
طباعة

أكد الباحث الأمريكي مايكل آيزنشتات وهو زميل أقدم ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لدراسات سياسيات الشرق الأدنى، في تقريره الأخير حول أفضل استراتيجية قابلة للتطبيق في محاربة تنظيم داعش أن أمريكا مخطئة في الاهتمام الذي تصبه على محاربتها للتنظيم في العراق وعدم اهتمامها له في سوريا، كما أشار إلى خطورة التكنيك الذي يتتبعه التنظيم في طريقة حربه، وأكد البحث أن المعركة مع التنظيم طويلة المدى.
ومما جاء في التقرير

تُظهر المكاسب الأخيرة التي حققها تنظيم «داعش» في العراق وسوريا حدوث انتكاسات كبرى في الحملة المستمرة ضد الجماعة منذ ما يقرب من عام. وبالتالي تُقوّض هذه التطورات ادعاءات الإدارة الأمريكية بتحقيق تقدم في الحرب، وتسلّط الضوء على عيوب جوهرية في الاستراتيجية التي تتبعها، والتي تحتاج إلى تعديل لكي تتمكن الولايات المتحدة ودول التحالف- الذي يضم أكثر من ستين دولة- من النجاح في حملتها. وفي هذا الإطار كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما على حق جزئياً في الأسبوع الماضي حين قال: إن أمريكا تفتقر إلى "استراتيجية كاملة" للتعامل مع تنظيم «داعش»؛ بسبب عدم التزام العراق بشكل كافٍ. وفي الواقع، ينبع جزء كبير من الخلل في استراتيجية الولايات المتحدة من السياسة الأمريكية، وسياسات شركاء واشنطن في الحملة ضد «داعش»، فضلاً عن السياسة التي تتبعها الحكومة العراقية.
كبداية، تحتاج الولايات المتحدة إلى معالجة عدم تطابق الوسائل والغايات في استراتيجيتها. فقد كرست موارد غير كافية في السعي إلى تحقيق هدف معيّن، وهو "إضعاف «داعش» والقضاء عليه في النهاية"، والذي من المرجح أن تظل غايته النهائية غير قابلة للتحقيق لمدة طويلة جداً. ويرجع ذلك إلى صلابة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وضعف شركاء الولايات المتحدة الإقليميين، وافتقار الاتساق في الاستراتيجية الأمريكية الحالية.
تنظيماً مراوغاً

يقول الباحث تمت هزيمة الجماعة التي انبثق منها «داعش»، أي تنظيم «القاعدة في العراق»، بحلول عام 2011 قبل أن تعود بشكلها الحالي. وترجع قدرتها على الشفاء من تلك الضربة إلى عدد من العوامل.
بالنسبة إلى مؤيدي الجماعة، يروجون- كذبًا- أن أيديولوجية تنظيم «داعش» تمثل الإسلام "الحقيقي" الذي لا تشوبه شائبة من متطلبات المنافسة السياسية أو قلقًا لا مبرر له من رأي الكافرين. إلى جانب ذلك، لا ينزعج المؤيدون من الانتقادات التي يوجهها إليهم رجال الدين المسلمون الرسميون، إذ يعتبرونهم خداماً لنظام دولة غير شرعي؛ لهذا السبب يصعب تجريد «داعش» من شرعيته بناءً على أسس دينية. كما أن جهود الإدارة الأمريكية لاستخدام البيانات المهمة التي يُدلي بها رجال الدين التقليديون لن تلقى نجاحاً على الأرجح سوى بشكل هامشي.
لقد سبق لـ تنظيم «داعش » أن نجح باتخاذه شكل شبكة إرهابية سرية، ويمكن أن ينجح من جديد إذا تم الإيقاع به، وذلك بالاعتماد على المهارات التي قام بشحذها خلال السنوات التي عاشها في الظل. بالإضافة إلى ذلك، بإمكانه الاعتماد على احتياطه من الأموال والقوى البشرية من جميع أنحاء العالم (على الرغم من أن التحالف يحاول وقف تدفق هذه الاحتياطات أيضاً)، وفي الآونة الأخيرة بدأ التنظيم يتبنى سمات شبكة غير مركزية، مع قيام جماعات جهادية في جميع أنحاء المنطقة بإعلان البيعة له. ومن المرجح أن يضمن ذلك عدم أفول نجم «داعش» بشكل أو بآخر، حتى لو مُنيت عمليته الرئيسية في العراق وسوريا بالهزيمة.
إلى جانب ذلك، إن البيئة الإقليمية مواتية أيضاً لاستمرار بقاء تنظيم «داعش». فمنذ الانتفاضات الشعبية في عام 2011، تتسم المنطقة على نحو متزايد بدول ضعيفة وفاشلة تفتقر إلى القدرة على استئصال الشبكات الإرهابية أو هزيمة الجماعات المتمردة، وبروز مناطق لا تخضع للسيطرة والتي تُعد بمثابة ملاذات آمنة لمثل هذه المنظمات (مثل شرقي سوريا). وقد ساعدت سياسات المجموع الصفري التي تسود في المنطقة على خلق هذا الوضع الراهن وستضمن بقاء جماعات مثل تنظيم «داعش»، التي تتغذى على شكاوى وتطلعات السكان السنة في المنطقة.
قيادة وبراعة تكتيكية

ويضيف قائلًا: وفي حين يتمتع تنظيم «داعش» بعدد من نقاط القوة في مجال القيادة العسكرية والتنظيم والبراعة التكتيكية، إلا أنه يعاني أيضاً من العديد من نقاط الضعف وهي: قوات مفرطة الانتشار؛ والميل إلى إبعاد قاعدته الشعبية؛ والانقسامات الداخلية بين العراقيين، العرب، وغير العرب؛ وتدفقات مالية لا يمكن الاعتماد عليها؛ وموقعه غير الساحلي- على الرغم من أنه قد أثبت مهارة خاصة في استغلال الحدود التي يسهل اختراقها مع تركيا. ومع ذلك، فإن ضعف نظام الدولة العربية قد منع شركاء أمريكا الإقليميين من الاستفادة من هذه الثغرات.
لذا، ففي حين من المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة وشركاؤها من إضعاف تنظيم «داعش»، فإنهم لن يكونوا قادرين على تدميره، على الأقل في الوقت القريب. أما على المدى الطويل، فمن دون التصدي لتلك العوامل التي تُسهم في عامل الجذب الذي تتمتع به جماعات مثل تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، فإن أفضل ما يمكن أن تأمله الولايات المتحدة هو القضاء على التشكيلات العسكرية العلنية لهذه الجماعات، وتفكيك الجهاز الإداري لتنظيمها، ودفعها للعمل بصورة خفية- على الأقل في العراق. ولكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإن جهود واشنطن حتى الوقت الحالي لم تؤدِّ سوى إلى نتائج متباينة. وفي حين قد تكون العمليات العسكرية الأمريكية قد استنفذت من قوات تنظيم «داعش»، وأن شركاء الولايات المتحدة قد استعادوا أراضي سبق وأن خسروها إلى الجماعة، إلا أن التحالف لم يُحط من القدرات العامة لمنظمة أثبتت قدرتها المذهلة على التجدد، ولا تزال على خط الهجوم في عدد من الجبهات المهمة.
الشرق الأوسط لا يشبع من الدماء

ومع ذلك، لا يكمن الحل في التزام كبير آخر من قبل الولايات المتحدة بإرسال قوات على الأرض في المنطقة. فالشعب الأمريكي لن يدعم مثل هذا الانتشار، وحتى إذا فعل ذلك، وإذا قامت الولايات المتحدة بنشر 50 ألف من أفراد القوات الأمريكية على الأرض وهزمت القوات العسكرية لـ تنظيم «داعش» وفككت دولته من دون حدوث تغيير في طبيعة السياسة العراقية (وسياسات تلك الدول المضطربة الأخرى في المنطقة)- فمن شبه المؤكد أن تعود القوات الأمريكية بعد 3 إلى 5 سنوات للتعامل من جديد مع هذه المشكلة. فالشرق الأوسط يتمتع بشهية لا يمكن إشباعها للدماء الأمريكية والأموال الأمريكية ويجب على الولايات المتحدة ألا تطلق لها العنان. فواشنطن ستكون بحال أفضل إذا تجنبت هذه الحلقة المفرغة.
كما أن ترك الأمور على مصراعيها ليس خياراً أيضاً. فتجربة إدارة أوباما في السنوات الست الماضية تُظهر أنه "إن لم تزر الشرق الأوسط، سيزورك هو بدوره". فالولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف يحتاجون إلى تعديل استراتيجيتهم ذات الوقع الطفيف التي يتبعونها من أجل التأكد أن بإمكان التحالف أن يدحر تدريجياً تنظيم «داعش»، ويتجنب في الوقت نفسه التعرض لنكسات كبرى إضافية، ويعالج العوامل التي تسهم في الانجذاب إلى التنظيم.
أمريكا تدعم السلفية الجهادية

غالباً ما اتبعت الولايات المتحدة وشركاؤها سياسات أدت إلى تعزيز الجماعات السلفية الجهادية مثل تنظيم داعش، وبالتالي إلى إضعاف الحملة التي تقودها الولايات المتحدة. من هنا، فإن مضاعفة الاعتماد على النهج الحالي في العراق وسوريا- كما وعد نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن قبل أسبوعين في باريس- من دون تغيير السياسات التي تؤدي إلى أهداف متضاربة للجهود العسكرية للتحالف لن تؤدي سوى إلى تفاقم هذا الخطأ.
أولاً، تحتاج واشنطن إلى الاعتراف بأن سياساتها أسهمت في نهوض جماعات مثل «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في سوريا، وعودة تنظيم «داعش» إلى العراق. فالتقاعس الأمريكي في ظل الحرب الأهلية السورية وفي وجه السياسة الإقصائية التي اتبعتها حكومة المالكي في العراق، والتصور المنتشر في المنطقة بأن الولايات المتحدة واقفة ضمنياً في صف إيران، والواقع بأن أولى الضربات العسكرية الأمريكية في العراق كانت تهدف إلى إنقاذ اليزيديين والتركمان والأكراد- جميع [الأعراق] باستثناء العرب السنة- شكلت نعمة على مستوى التجنيد بالنسبة للجهاديين.
ثانياً، كانت السياسة الأمريكية تجاه سوريا وما زالت رهينة لسياستها تجاه إيران. فالإدارة الأمريكية لم تبذل المزيد من الجهود لمساعدة المعارضة السورية عسكرياً، على الأقل جزئياً، بغية تجنب تعريض الصفقة النووية مع إيران للخطر. ومع ذلك، فإن احتمال إبرام اتفاق لم يؤدِّ إلى تقييد الجمهورية الإسلامية في سوريا؛ لذلك يجب على الولايات المتحدة مواصلة السعي لتحقيق مصالحها في سوريا، ويعني ذلك زيادة الدعم لما تبقى من المعارضة "المعتدلة" هناك، حتى في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. وعلى خلاف ذلك، سيستمر المقاتلون بالتدفق إلى الجماعات المتطرفة لمحاربة نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين.
ثالثاً، تصر الولايات المتحدة على أنها تقوم بتدريب المعارضة السورية "المعتدلة" وتجهيزها لمحاربة «داعش»، في حين تصر المعارضة من جهتها، فضلاً عن شركاء أمريكا في هذا الجهد- تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر- على أنها تحارب نظام الأسد. ومن المرجح أن يحبط موقف الولايات المتحدة الجهود الرامية إلى تجنيد مقاتلين إلى المعارضة السورية، في حين أن الاختلاف بين واشنطن وشركائها في هذا الشأن يشكل صيغة لكارثة ليست بالبعيدة جداً.
رابعاً: إن نجاح الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة تنظيم «داعش» رهيناً بالسياسة وبسياسات الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة، وإن العديد من الشركاء قد قدّموا- أو سمحوا لمواطنيهم بتقديم- الدعم المالي والعسكري للجماعات الجهادية، ولا يزال البعض يقوم بذلك. وقد شقت بعض هذه المساعدات طريقها ووصلت إلى أيدي «داعش»، في حين ارتد أفراد من هذه الجماعات الجهادية في بعض الأحيان بشكل جماعي وانضموا إلى تنظيم «داعش». وفي النهاية يعود الدعم الخارجي للجهاديين ليصب في صالح «داعش»، عندما يُنظر إلى التنظيم على أنه الجماعة الجهادية الأكثر نجاحاً. وفي الوقت نفسه، لم يفعل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الكثير لتغيير السياسة التي لا تؤدي إلى أي نتيجة في العراق والتي خلقت الظروف لعودة تنظيم «القاعدة في العراق» في ستار تنظيم «داعش»؛ أما الجهود التي تبذلها بغداد للتواصل مع السنة فلا تزال عقيمة.
وأخيراً، لن تنجح الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» في العراق إذا لم تنجح في حربها ضد التنظيم في سوريا. وفي الماضي وفّرت مناطق شرق سوريا ملاذاً آمناً لـ «داعش»، وتستمر في توفير قاعدة الدعم لعملياته في العراق. وإذا لم يتم طرد التنظيم من شرق سوريا، فسوف يستمر في زعزعة استقرار العراق من هناك؛ ولهذا السبب تحتاج الولايات المتحدة إلى استبدال استراتيجية "العراق أولاً" باستراتيجية تسعى إلى خوض معركة على جبهتين في آن واحد ضد التنظيم في العراق وسوريا. إن ذلك سوف يقنع السوريين بأن واشنطن جادة بشأن مصيرهم، ويحسّن احتمالات جهود تدريب المعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها.
ولم يفت الأوان بعد لتصحيح المسار. فالنيران في العراق وسوريا ستستمر، وبشكل مأساوي، في الاشتعال لسنوات قادمة، كما أن نتائج هذه الصراعات ليس مضموناً على الإطلاق. بإمكان للولايات المتحدة أن تُحدث فرقاً إذا بقت ملتزمة سياسياً وعسكرياً، من خلال خلق الفرص، واستغلال تلك التي تظهر.