"الولاء والبراء".. انحرافات الفهم والتأويل
الخميس 25/أكتوبر/2018 - 12:18 م
طباعة
حسام الحداد
يعتبرمفهوم "الولاء والبراء" أحد أبرز المعتقدات الدينية التي أساءت العديد من الجماعات والتيارات الدينية الإسلامية استخدامها، ليكون التطور الحتمي لمفهوم "الولاء والبراء" وفقًا لتصور التيارات الدينية المتشددة هو "التكفير"، خاصة مع تصور أن: "كل تعامل مع غير المسلم يمثل شكلاً من أشكال المداهنة والتنازلات في دين الله بدعاوى سماحة الإسلام" !!
ومن هنا برزت دعوات تلك التيارات المتشددة على ضرورة :جهر الفرد بمعاداة أعداء الله وإظهار بغضهم ومنابذتهم بالسنان واللسان والجنان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعدم التعاون معهم، ولا المشاركة بأعيادهم.
الولاء لغة: المحبة، والنصرة، والاتباع، والقرب من الشيء، والدنو منه، أو اتخاذ مولى.
البراء لغة : البعد، والتنزه، والتخلص، والعداوة.
وشرعاً: الولاء يعني النصرة والمحبة والإكرام والاحترام لأهل الإيمان والعقيدة، والبراء، هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار لأهل الكفر والشرك والمشركين.
واعتبر الكثير من أهل العلم أن الولاء والبراء شرط في الإيمان، استناداً إلى قول الله تعالى: {ترى كثيرًا مّنهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولـكنّ كثيرًا مّنهم فاسقون}.
تفسير ابن القيم:
قال شيخ الإسلام ابن القيم، في شرح الآية: "فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وُجد الشرط وُجد المشروط = بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنّبىّ وما أُنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
كما أوضح ابن القيم أن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب المرء إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحبّ ما أحبّه الله، ويبغض ما أبغضه الله.
ويقول: "الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه".
قال تعالى: {إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون، ومن يتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}، وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمً}.
وقال في موضع آخر: "ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
الغلو في الولاء والبراء:
كما أوضحنا أن العديد من التيارات الدينية المتشددة أساءت فهم عقيدة الولاء والبراء، حيث بات النقصان فيها تفريطًا، والزيادة فيها غلوًا مذمومًا، ومن مظاهر الغلو في الولاء والبراء في الحياة المعاصرة:
- الغلو في مفهوم الجماعة.
- الغلو في التعصب للجماعة.
- الغلو بجعل الجماعة مصدر الحق.
- الغلو في القائد.
- الغلو في البراءة من المجتمعات المسلمة.
الفرق بين الموالاة والتولي:
فرق عدد من العلماء، بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي:
- التولي: كفرٌ يخرج صاحبه من الملة، وهو يأتي على شكل إعانة المشركين بالمال والبدن والرأي.
- الموالاة: كبيرة من كبائر الذنوب، كالتقرب لهم والتذلل لهم.
وتنقسم إلى قسمين، موالاة مطلقة عامّة، وهذا كفر صريح، وهي بهذه الصفة مرادفة لمعنى التولي.
موالاة خاصة: وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة.
تقسيم الأفراد لثلاثة أقسام وفقاً لعقيدة الولاء والبراء:
قسمت عدد من التيارات السلفية الأفراد بحسب عقيدة والولاء والبراء إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: من يحبّ محبّةً خالصة لا معاداة معها: وهم المؤمنون الخلّص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وفي مقدّمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه تجب محبته أعظم من محبة النفس والولد والناس أجمعين، ثم زوجاته أمهات المؤمنين، وأهل بيته الطيبين وصحابته الكرام، ثم التابعون والقرون المفضلة وسلف هذه الأمة وأئمتها، ولا يبغض الصحابة وسلف هذه الأمة من في قلبه إيمان، وإنما يبغضهم أهل الزيغ والنفاق وأعداء الإسلام كالرافضة والخوارج.
- القسم الثاني: من يبغض ويعادى بغضاً ومعاداة خالصين لا محبّة ولا موالاة معهما: وهم الكفار الخلّص من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين.
- القسم الثالث: من يحبّ من وجهٍ ويبغض من وجه، فيجتمع فيه المحبّة والعداوة: وهم عصاة المؤمنين يحبّون لما فيهم من الإيمان، ويبغضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك، ومحبّتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم بل ينكر عليهم، ويؤمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفّوا عن معاصيهم ويتوبوا من سيئاتهم، لكن لا يبغضون بغضاً خالصاً، ويتبرّأ منهم كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك.
وحاول عدد من العلماء وضع فوارق بين الموالاة والتولي بعدما خلط عدد من المتشددين بين المصطلحين.
شبهات حول الولاء والبراء
كما أوضحنا سابقاً أن الولاء هو الدنو والقرب من أهل الأيمان، لكن الكثير من الجماعات الدينية المتشددة، أثارت بتعميماتها الكثيرة جملة من الشبهات حول عقيدة الولاء والبراء، وكان من بين أهم الشبهات المثارة حول العقيدة:
- التسوية بين صور الولاء المختلفة:
حيث سوت الكثير من الجماعات بين شعب الولاء المتعددة، رغم أن التسوية بين هذه الشعب في اجتماعها مخالفٌ للنصوص.
- الخلط بين الولاء المطلق ومطلق الولاء
فلما كان الأصل، هو حمل الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على الولاء المطلق، وهو الولاء التام الكامل، لا على مطلق الولاء.
- خلط معنى الولاء بين المـصانعة في الدنيا والمـخالقة لأجلها، وبين الولاء في الدين
- التّوهّم بأنّ الولاء العملي كالولاء الاعتقادي
حيث وجب التفريق بين الولاء العملي والاعتقادي، فلا يكون الولاء حقيقاً إلا مع عمل القلب، وهو المحبة والرضا والانقياد.
- القول بأنّ قيام شعبة من شعب الولاء يقتضي تحققه ووقوعه
وهو عدم التلازم بين قيام شعبة من شعب الولاء وبين تحقّقه ووقوعه، وإن كانت الشّعبة نفسها يطلق عليها ذلك، كالإيمان لا يلزم من قيام شعبة من شعبه في أحد أن يسمى مؤمناً، وإن كان ما قام به من الإيمان.
- الظنّ بأنّ من الولاء للكفار برّهم والعدل معهم
- الخلط بين الصلات الدينية مع الكفار والعلاقات الأسرية والمالية والاقتصادية والسياسية ونحوها.
وفيما يتعلق بالشبهات المتعلقة بعقيدة البراء هي كالاتي:
- القول بأنّ البراء له شعب كشعب الإيمان، ولا يعني استبعاد شعبة من شعبه استبعاد الإيمان كاملاً.
- التّوهم بأنّ البراء لا يتحقق إلا بإظهار العداوة.
- الزّعم بأنّ البراء الاعتقادي لا ينفك عن البراء العملي.
- الإدعاء بأنّ البراء لا يتحقق إلا بترك المـداراة.
- الظنّ بأنّ البراء لا يتحقق إلا بالإساءة إلى الكفار والعصاة، وظلمهم.
- ابن تيمية وتلخيص عقيدة أهل السنة والجماعة
الإمام ابن تيمية
يلخص الإمام ابن تيمية مذهب أهل السنة والجماعة فيما يخص عقيدة الولاء والبراء، في عدد من النقاط هي:
- الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعادة وفقاً لما أنزله الله في كتابه وسنة نبيه، فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان.
- من كان فيه إيمان وفجور أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي كما يقول الخوارج والمعتزلة.
- لا يجوز جعل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحون بمنزلة الفاسق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة.
- ومن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع أن الولاء القلبي وكذلك العداوة يجب أن تكون كاملة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "فأما حب القلب وبغضه، وإرادته وكراهته، فينبغي أن تكون كاملة جازمة، لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان، وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته، ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل".
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: "فالله.. الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره.. أسه ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم- ولو كانوا بعيدين- واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال، ما علي منهم، أو قال، ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم- ولو كانوا إخوانه وأولاده- فالله.. الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا".
نماذج تطبيقية لعقيدة الولاء والبراء في الجماعات الدينية المعاصرة
1 - القطبية وبوابة التكفير في مصر:
يعتبر التيار القطبي الذي تعود تسميته إلى أحد أبرز قادة جماعة الإخوان سيد قطب، هو بوابة العنف والتهديد والتكفير في مصر، فينسب له أنه سبب إفراز جماعات العنف الأصولي المسلح خلال عهدي الرئيسيين الأسبقين محمد أنور السادات وحسني مبارك.
أهم خصائص التيار القطبي:
سيد قطب
- مبدأ حاكمية الله على الأرض، حيث تمسك التيار بمبدأ الحاكمية القائم على أن التحاكم إلى كل ما أنزل الله، {إن الحكم إلا لله}.
- التكفير استناداً للفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء، حيث انتشر التكفير بين أفراد جماعة الإخوان المسلمين، وتبنت قطاعات من الإخوان هذه الآراء بدرجات متنوعة.
ويمكن رصد عدد من المقولات المنسوبة لسيد قطب في عقيدة الولاء والبراء، حيث يقول في كتاب، "الظلال": "إنه لا يجتمع في قلبٍ واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويعرضون.. ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد، وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه، إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة، سواء كانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصره، أو باستنصاره {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}.
كذا.. ليس من الله في شيء لا في صلة ولا نسبة ولا دين ولا عقيدة، ولا رابطة ولا ولاية، فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة تماماً.. وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية تصوراً ومنهجاً وعملاً، الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق، والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام.
لا ترقيع ولا أنصاف حلول، ولا التقاء في منتصف الطريق، مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام أو ادعت هذا العنوان.
وتنقسم البشرية إلى حزبين اثنين: حزب الله وحزب الشيطان، وإلى رايتين اثنتين: راية الحق وراية الباطل، فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق، وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل، وهما صنفان متميزان لا يختلطان ولا يتميعان، ولا نسب ولا صهر، ولا أهل ولا قرابة، ولا وطن ولا جنس ولا عصبية ولا قومية إنما هي العقيدة والعقيدة وحدها..
وينهي الله -عز وجل- المؤمن أن يجعل ناساً هم دونه في الحقيقة والمنهج موضع ثقة واستشارة".
والناظر إلى كل ذلك يمكنه اكتشاف كيف أن سيد قطب أصل كثيراً في تلك العقيدة، إلى حد الانحراف في الفهم والتأويل، حيث قسّم الناس إلى قسمين حزب الله وحزب الشيطان، دون إيضاح العذر بالجهل أو غير ذلك، ما أدى إلى شيوع أفكاره لدى الجماعات المتشددة، إلى الدرجة التي أصبح فيها بوابة التكفير في مصر.
حسن البنا
2 - مفهوم الولاء والبراء في فكر الإخوان
أفرد مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، مساحات واسعة في رسائله لعقيدة الولاء والبراء، ففي رسالة التعاليم في ركن "التجرّد" يقول: "أريد بالتجرّد: أن تتخلّص لفكرتك ممّا سواها من المبادئ والأشخاص، لأنّها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغةً} (البقرة:138). {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة:4)، والناس عند الأخ الصّادق واحدٌ من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمّي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكلٍّ حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء والعداء" (رسالة التعليم).
هنا يظهر الجانب السُني في جماعة الإخوان، حيث حدد الإمام موقف كل فرد من الأسماء المذكوره من عقيدة الولاء والبراء، وإن دفعهم العمل السياسي على الاعتقاد عكس ما أقره الإمام المؤسس في رسائله في عقيدة الولاء والبراء.
حيث قالت الجماعة إن خصومتها مع اليهود ليست دينية، لأن القرآن حضّ على مُصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعةٌ إنسانيةٌ قبل أن يكون شريعةً قوميةً، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً ({ولا تجادلوا أهل الكتاب إلّا بالّتي هي أحسن}) العنكبوت: 46).
فكشفت الوثائق التاريخية أن مؤسس الإخوان حسن البنا، رغم محاولاته إقناع أتباعه أنه ثائر ضد الملك والإنجليز، ولكن التاريخ أثبت أنه كان يكتب شعراً يمدح فيه الملك فاروق وكان على اتصال وتفاوض مع الإنجليز.
ولما سُئل الإمام عبد العزيز بن باز عن قول "إن خصومتنا مع اليهود ليست دينية، وقد حث القرآن على مصافاتهم ومصادقتهم"، فقال: "هذه مقالة خبيثة.. اليهود من أعدى الناس للمؤمنين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين من الكفار كما قال الله تعالى: {لتجدنّ أشدّ النّاس عداوةً لّلّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا}) المائدة: 82).
ولعل ما دفع الإخوان إلى ذلك، اعتناقهم مفهوم التُقية، وهو ما وصفه البعض أنها مرونة والبعض الآخر وصفها بلا مواربة، ولكن في النهاية تنظيم الإخوان بقادته وأعضائه وأحبائه يظهرون للناس غير ما يبطنون، وهي وسيلة التلصص والتصنع، من أجل التمكن من كرسي الحكم، ولذلك أطلق عليها خبراء السياسة "خطة التمكين".
3 – الولاء والبراء عند السلفية الجهادية:
يعتبر مبدأ الولاء والبراء أحد أبرز المرتكزات الأدبية لتنظيم الجهاد "إحدى الجماعات المسلحة التي ظهرت ثمانينيات القرن الماضي"، وتتخذ من الجهاد منهجاً للتغيير، ويزعم اتباع منهج سلف المسلمين، الذي يعتبر الجهاد أحد أركانه، وأن الجهاد الذي يجب وجوباً عينياً على المسلمين يتم تطبيقه ضد العدو المحتل وضد النظام الحاكم المبدل للشريعة الإسلامية، ويحكم بالقوانين الوضعية أو النظام المبالغ في الظلم والقهر.
ويقوم تنظيم الجهاد على مبدأين أساسيين هما "الحاكمية" و"الولاء والبراء"، والذي من خلالهما حمل تنظيم الجهاد السلاح ضد كل من الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي أو ضد الأعداء الخارجيين.
- أدبيات السلفية الجهادية
- مبدأ الحاكمية
يعتبر المبدأ الأول الذي يمثل جوهر السلفية الجهادية هو مبدأ الحاكمية لله ويعني أن تكون مرجعية التشريع الوحيدة في الدستور والقوانين هي الشريعة الإسلامية، بما تحمله من مصادر أصلية وفرعية، وتعني أن الحكم والتشريع هو حق خالص للخالق، فأي إضافة مساوية أو إباحة للأخذ من مرجعية أخرى بجانب الشريعة الإسلامية فهو شرك وكفر بالله الخالق.
- الولاء والبراء
ويأتي المبدأ الثاني، من أدبيات السلفية الجهادية، مبدأ الولاء والبراء، ويعني أن تكون الدولة قائمة على أساس إسلامي ديني وليس شعوبي قومي، ولاؤها للإسلام والمسلمين ومعادية للشرك والمشركين دولة تتبنى الإسلام في سياستها الداخلية ليصبح المسلمون في موضع عزة وتحكم في مفاصل الدولة المهمة، وفي السياسة الخارجية هدفها إعلاء كلمة الله وإقامة دولة إسلامية عالمية قوية، دولة معادية للأنظمة المحاربة والغير شرعية (والنظام الشرعي من وجهة النظر الفقهية السلفية إما أن تكون الدولة: إسلامية تحكم بالشريعة أو ذمية تدفع الجزية أو معاهدة).
- جهاد الأنظمة
ويأتي المبدأ الثالث من أدبيات السلفية الجهادية، وهو مبدأ الجهاد ضد الأنظمة الغير شرعية خاصة الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية، والجهاد ضد الدول المحتلة والدول الداعمة للاحتلال والأنظمة العميلة.
من كل ذلك يبدو أن عقيدة الولاء والبراء مبدا أساسي من أدبيات السلفية الجهادية، التي اعتمدت عليها في جهاد الأنظمة وحمل السلاح ضدهم.
4 - جماعة التكفير والهجرة:
لعبت عقيدة الولاء والبراء دورًا بارزاً في تشكيل جماعة التكفير والهجرة أو جماعة المسلمين كما سمت نفسها أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً، وهي جماعة إسلامية، نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية، نشأت داخل السجون المصرية ستينيات القرن الماضي، في بادئ الأمر وبعد إطلاق سراح أفرادها تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة.
وتنتهج الجماعة مبدأ التكفير لكل من ارتكب كبيرة وأصر عليها، كما تكفر الحكام بإطلاق ودون تفصيل، لأنهم لا يحكمون بشرع الله، وتكفر المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام.
وفيما له صلة بالهجرة، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية - يقصد بها المساجد - ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين، بالإضافة إلى إشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام.
المرتكزات الفكرية:
- التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات الجماعة، حيث يكفرون كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ويكفرون المحكومين، لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل أما العلماء فيكفرونهم، لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم.
- من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال دمه، وكل الجماعات الإسلامية التي بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين، وكل من أخذ بأقوال الأئمة أو بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر.
- كل العصور التي جاءت بعد القرن الرابع الهجري، كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى، فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين.
- وقول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين.
- هجرة المجتمع الجاهلي، وعندهم كل المجتمعات الحالية جاهلية.
- الهجرة عندهم مكانية وشعورية بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقةـ برأيهمـ كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية.
- يجب على المسلمين في مرحلة الاستضعاف أن يمارسوا المفاصلة الشعورية لتقوية ولائهم للإسلام من خلال جماعة المسلمين- التكفير والهجرة- وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية.
- لا قيمة لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد، لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث- بزعمهم- مرتدون عن الإسلام، قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذي اعتقدوا رأياً، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته.
- دعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية، لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار.
- قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد، لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً إلا إذا كان الإمام منهم.
- الاعتقاد بأن شكري مصطفى زعيم الحركة ومؤسسها هو مهدي هذه الأمة المنتظر، وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق عل يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان، وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد أن تدمّر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرها، ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.
قيادات الجماعة:
- علي إسماعيل: هو أحد خريجي الأزهر وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أحد الستة الذين تم إعدامهم مع سيد قطب، وقد صاغ الشيخ على مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة، إلا أنه رجع وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.
ماهر عبد العزيز زناتي
- ماهر عبد العزيز زناتي (أبو عبد الله) ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر، وكان يشغل منصب المسئول الإعلامي للجماعة، تم إعدامه مع شكري مصطفى في قضية محمد حسين الذهبي، وله كتاب الهجرة.
شكري أحمد مصطفى
- شكري أحمد مصطفى- أبو سعد- أحد الذين اعتقلوا عام 1965م وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرين عاماً، تولى قيادة الجماعة داخل السجن، بعد أن تبرأ من أفكارها الشيخ علي عبده إسماعيل، في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة، ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته، تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي.
في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة أبي قرقاص بمحافظة المنيا، بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض تطبيقاً لمفاهيمهم الفكرية حول الهجرة.
في 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا.
وفي 21 أبريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن شكري مصطفى وجماعته، إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل، حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة وإعادة تنظيم صفوفها، وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر، كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة.
ويمكن إجمال ما سبق في أن الفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء، كانت سببًا في انتشار التكفير في المجتمع، خاصة مع جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى، التي رأت أن المجتمع بات مجتمع كفر وجاهلية وتجب وفق ذلك الهجرة منه.
سيد قطب
5 - القاعدة وعقيدة الولاء والبراء:
كان لأفكار سيد قطب دور كبير في تشكيل الفكر الأيديولوجي لتنظيم "القاعدة"، إلى الدرجة التي قال فيها البعض إنه دون كتابات المفكر الإسلامي سيد قطب، لما تواجدت القاعدة، خاصة فيما يتعلق بمقولة سيد قطب: "بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد العالم إسلاميًا، وعاد إلى الجاهلية، ولكي يعود الإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم الإسلامي من أي تأثيرات لغير المسلمين، مثل مفاهيم مثل الاشتراكية أو القومية".
كان لقطب إذاً تأثير أكبر على أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ومن أبرز تأثيرات قطب على زعيمي تنظيم القاعدة، أن المسلمين أصبحوا في عداد المرتدين، الأمر الذي لا يعطي فقط للجهاديين "ثغرة شرعية لقتل مسلمين آخرين"، لكنه جعله "أمرًا واجب التنفيذ شرعًا".
ويمكن التعرف إلى عقيدة "الولاء والبراء" وفقاً لفكر تنظيم القاعدة، من خلال كتاب زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري والذي جاء بعنوان: "الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود".
- كتاب "الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود"
الظواهري
أوضح الظواهري في كتابه أن تاريخ الأمة الإسلامية شهد صراعاً محتدماً بين قوى الكفر والطغيان والأمة المسلمة، الأمر الذي كشف عن الحاجة الماسة لإدراك خطورة عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، ومدى التفريط والتقصير فيها، فضلاً عن مدى الخداع الذي يمارسه أعداء الإسلام بطمس معالم هذا الركن.
وكفر الظواهري في هذا الكتاب كل المتعاونين مع جيوش الدول العربية التي لا تطبق الشريعة، فضلاً عن تكفير كل العاملين أجهزة الأمن والقضاء، ومن يفرضون الدساتير العلمانية ويحكمون بالقوانين الوضعية ويتسابقون في سياسة التطبيع مع إسرائيل.
- علاقة الولاء والبراء بالتكفير
من كل ما سبق يبدو واضحاً أن التطور الطبيعي لعقيدة الولاء والبراء، هي إطلاق أحكام التكفير، ولعل هذا ما أوضحناه في أن توسيع دائرة البراء يؤدي في النهاية إلى توسيع دائرة تكفير الآخر، فضلاً عن كون ذلك من أشكال الغلو التي تنتهجها بعض الجماعات الدينية المتشددة.
هنا بلا شك يبدو الخلط الكبير للجماعات الدينية في المفاهيم، فدائماً ما يؤدي الفهم الضيق للنص إلى التعصب، حيث وصل العمل ببعض الجماعات المتشددة، إلى أنها حرمت إلقاء السلام على غير المسلم، فضلاً عن إهدار الأخرى لدمه.
لذلك لا بد من الفهم العميق للنص، حيث قصد الشارع من عقيدة الولاء والبراء هو موالاة الإسلام والمسلمين، والعمل على كف المسلم عن اعوجاجه وتقويمه، بينما يكون البراءة من المشركين فيما يعتقدون، وليس معناه مقاطعتهم، والبعد عنهم، حيث قال الله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أو يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8).