حول احتمالية دعم "إيران الشيعية" لـ"تنظيم الدولة الإسلامية السني"

الأربعاء 02/يوليو/2014 - 01:32 م
طباعة حول احتمالية دعم
 
تمر منطقة الشرق الأوسط الآن بحالة من الرعب الذي يقود إلى الترقب والحذر الشديدين؛ بسبب التطورات الجارية في المنطقة خاصة مع تصاعد أعمال العنف والاقتتال التي نقلتها العدوى الإقليمية من سوريا إلى العراق.
نوري المالكي
نوري المالكي
بلغت درجات الاحتقان ذروتها بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لا سيما بعد سعيه إلى تجديد فترة ولايته من ناحية وبين القوى والتيارات السياسية والعشائر والأكراد، التي رأت أن ما يحدث يمثل تحديا صارخا لها، بعد أن كانت تأمل في انتهاء فترة ولايته وإعادة صياغة مؤسسة الحكم من جديد عبر شراكة من مختلف الأطياف والتكتلات السياسية العراقية.

حقيقة الوضع في العراق

في وقت كانت فيه العشائر.. تؤكد رفضها لواقع تولي المالكي الحكومة للمرة الخامسة وتحشد كل قواها لمواجهته بثورة حقيقية ظهر تنظيم «داعش» على الأرض لتختلط الاوراق.. وتتوه الحقيقة ويصبح من العسير معرفة من هو المسيطر الحقيقي على مدن «الموصل» و«تكريت» و«الأنبار»، بعدما بات هناك أيضاً من يهدد بدخول بغداد وإلقاء القبض على المالكي وفرض واقع من وجهة نظره على الحكومة العراقية.

العشائر

تتحدث العشائر عن أنها هي التي اجتاحت المدن العراقية بقدرة أبنائها من الثوار لمواجهة نظام «طائفي» و«فئوي» وغير عادل.. في الوقت نفسه يؤكد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بـ" داعش" مسئوليته عما جرى ويجري.. بل ويتعمد بث لقطات مصورة لعمليات القتل المأساوية التي يرتكبها ضد شباب.
تبدو الصورة نتيجة لهذا الواقع الجديد مربكة وغير واضحة.. خاصة وأن الجميع لا يعرفون حقيقة ما يحدث.. وهل من قام بهذا الاجتياح لتلك المدن هو «العشائر» أم «داعش»؟ 
أو إذا كان بينهما تحالف حقيقي أدى إلى سقوط المدن العراقية في أيديهم بعد أن جمعت بينهما صفتان هما: المذهب السني.. وإرادة التغيير لنظام طائفي جائر حارب ويحارب السنة في كامل العراق مؤتمراً "بحسب البعض" بأوامر إيران ويعمل على تحقيق مصالحها في المنطقة.
حول احتمالية دعم
اتهامات لإيران الشيعية بالوقوف خلف "داعش السنية".
يتبنى محللو الأحداث في الدول الغير متفقة فكرياً مع إيران مثل المحللين السعوديين بحسب ما يشيرون إليه من خلال صحفهم، أن في الوقت الذي تسعى خلاله إيران إلى سيطرة شيعية كاملة تنطلق من العراق.. على حساب أغلبيته السكانية السنية.. هناك من يرى أن تنظيم داعش هو «صناعة إيرانية بحتة».. بالرغم من أن داعش كما هو معروف تعتنق المذهب السني وفقا لمفاهيمها هي.. ولأجنداتها السياسية الخاصة بالتنظيم.
غير أنهم يرون أن السياسات الإيرانية وإن حرصت على نشر المذهب الشيعي ودعم الوجود الشيعي في المنطقة والعالم.. إلا أنها توصلت- في الآونة الأخيرة- إلى قرار يساعدها على تحقيق هذا الهدف بأدوات سنية.. أو غير شيعية بشكل عام.. قامت عن طريقها بالتمدد داخل سوريا والعراق معتمدة في هذا على منطق «وصولي» يقول: «إن الغاية تبرر الوسيلة».
وهكذا نستطيع أن نرى وجهة نظر أو أسباب مختلفة لصناعة إيران "لتنظيم الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، خاصة وأن العديد من المراقبين يرون أن إيران تتبنى منظمة القاعدة في كل من أفغانستان وباكستان كما تبنى دعم قبيلة «الحوثيين الشيعية» في شمال اليمن.. مستفيدة من أن هؤلاء يشكلون أدوات جاهزة للعمل داخل بلدانهم أو خارجها لإحداث التغيير الذي يسعون من خلاله إلى بسط نفوذهم في كل مكان لمعرفتهم بطبيعة شعوبهم.. وطريقة اختراق دولهم في العمق..
والشاهد على ذلك بحسب البعض هو معسكرات ينظمها الحرس الثوري في داخل إيران يتدرب داخلها مقاتلين مجهولي الهوية للدفع بهم داخل أوطانهم أو البلدان المجاورة بهدف إحداث قلاقل كافية تمكنها من السيطرة على الموقف بقوة.

الأهداف الإستراتيجية وراء احتمال تبني إيران لـ"داعش"

الأهداف الإستراتيجية
ويشير البعض أن الدليل على تبني إيران لـ"داعش" داخل سوريا يدل عليه ما تؤكده الجماعات المعتدلة المقاتلة داخل سوريا من أن "تنظيم الدولة الإسلامية" يعمل بشكل غير مباشر لصالح النظام السوري، حيث يقوم غالباً بمحاولات بسط سيطرته على المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر والمعارضة المعتدلة بدلاً من توجيه فوهة بندقية ناحية جيش النظام السوري وبالتالي فمن المحتمل أن يعمل النظام السوري في مرحلة تالية على حمايته والسعي إلى استمراره عن طريق خداع العالم.. بدءا بالمنظمة الدولية ومبعوثيها ومرورا بالولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء بالأسرة الدولية.. وذلك بإثارة القلق من خطورة البديل الذي يسعى إليه المجتمع الدولي لنظام الأسد وذلك بالتذكير بوجود إرهابي حقيقي داخل سوريا.. وأن إسقاط نظام الأسد معناه التمكين لهذه التنظيمات الإرهابية المسعورة؛ وهو ما أدى إلى توقفت أمريكا عن اتخاذ إجراءات قوية كانت قد أعلنت عنها ضد نظام الاسد بالإضافة إلى تراجع الدول الأوروبية إلى الخلف خطوات عديدة.. وتلكأت الأمم المتحدة في اتخاذ قرارات حازمة.. وسيطر الانقسام على موقف المجتمع الدولي وجاءت النتيجة في النهاية لصالح بشار الأسد حتى الآن لا سيما بعد أن أوقفت كل أشكال المساعدة المادية والعسكرية عن الجيش الحر.. وكذلك عن الائتلاف الذي يقود الثورة على النظام.. وذلك اعتبر بمثابة انتصار لإيران.. وروسيا.. وللنظام السوري الذي قام بإجراء انتخابات فرضت وجودة لفترة جديدة على الشعب السوري وكذلك على الأسرة الدولية التي وجدت نفسها أمام حالة محيرة.. ومعقدة من جديد.. وإن لم تنته القصة حتى الآن.

الأسباب التي تدعو إلى الربط بين "داعش" و"إيران"

عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
هاجم مدير قناة العربية الدكتور عبد الرحمن الراشد، في مقالات مطولة تنظيم "داعش"، واصفاً إياه بأنه صنيعة أجهزة مخابرات إيران وسوريا قائلاً: إن ما يثير الحيرة والبلبلة أن هذه الجماعات تتشكل من عرب ومسلمين يعلنون عداءهم للأسد، ويرفعون رايات إسلامية، وبالتالي كيف يمكن أن يرتكبوا هذه الجرائم البشعة ضد الشعب السوري وممثليه ممن يفترض أنهم في نفس الخندق؟!
وأضاف: الحقيقة أن أكثرهم مغرر بهم، مجرد بيادق تديرها قيادات مرتبطة بإيران، خاصة وأن عدد من قادة تنظيم القاعدة لا يزالون يعيشون في إيران.
كما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود الدكتور صالح الخثلان، أن الشكوك حول تنظيم "داعش" الذي ظهر بالعراق وأشير إليه ببعض دول المنطقة، ما زالت قائمة، حول أهدافه الحقيقية وصلته بأجهزة المخابرات، خاصة في إيران، مشدداً في حواره أجراه مع إحدى الصحف السعودية إلى أن تنظيم "داعش" أساء للمقاومة الإسلامية الحقيقية، مطالباً بوضع كافة البدائل لمواجهته.
وكانت قد اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحسب صحيفة "وول ستريت" إيران بالسماح لقادة تنظيم «القاعدة» البارزين العاملين انطلاقا من أراضيها، بتسهيل حركة الأموال والمقاتلين السنة إلى سوريا، لدعم الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بما في ذلك «جبهة النصرة»، رغم أنها الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد، وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية قامت أول من أمس، بفرض عقوبات مالية على ثلاثة ضباط بارزين في الحرس الثوري الإيراني للاشتباه بدعمهم «طالبان» في أفغانستان.
ويرى بعض المراقبين أن ما يحدث في العراق الآن فصل جديد في سياسات إيرانية تقوم على «صناعة الإرهاب» و«تعليبه» و«تصديره» إلى الأوطان.. لإيجاد حالات توتر شديدة في كل مكان؛ من أجل التدخل والتأثير على معنويات الشعوب.. وإرهاب الأنظمة القائمة باستخدام أدوات محلية في معظم الأحيان أو مستوردة من أوطان أخرى ولكن تحت مظلة «دينية» تقوم على التشدد وتمتهن العنف.. وتشيع أشكال «القلق» و«الفوضى» و«الاضطراب» في كل مكان ويشيرون إلى أنه ليس غريبا أن تكون إيران وراء ولادة ودعم وتقوية تنظيم داعش وإمداده.. بالقدرات العسكرية.. والمالية.. وبالتدريب والتأهيل والتخطيط وبالدعم اللوجستي.. إذ إن آلاف الخبراء الإيرانيين يعملون مع تنظيمات سنية مشابهة، كما ذكرنا سابقاً ويوجهون عملياته بصورة مباشرة بقيادة الحرس الثوري الإيراني.. نحو أهداف إستراتيجية محددة.
تلك هي الصورة بحسب ما يرى بعض المحللين لما يجري الآن في العراق.. ولما جرى من قبل في سوريا.. ممثلا أيضاً في الدعم المفتوح الذي تقدمه إيران لرئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» بحكم التقاء واتفاق مصالحهما معا..
وبنفس القدر الذي التقت فيه مصالح إيران مع مصالح رئيس الوزراء العراقي بالقدر الذي التقت مع أهداف «داعش» و«توجهاتها».

العنف لهزّ الاستقرار هدف مشترك

العنف لهزّ الاستقرار
كما هو معروف.. فإن فكرة التنظيمات الإرهابية المنسوبة إلى الإسلام بدءا بالقاعدة وانتهاء بـ«داعش» ومرورا بـ«النصرة» قائمة على أن المجتمعات العربية والإسلامية مجتمعات فاسدة.. وبالتالي فإنها- في نظرهم- بعيدة عن الإسلام.. ويجب تكفيرها وقتالها.. وسفك دماء ولاتها وشعوبها.
وهذه الفكرة «الظلامية» تتجسد من خلال حقائق ثلاثة هي:
الأولي: إباحة القتل وسفك الدماء وتدمير الدول والأوطان.
الثانية: الخروج على الحاكم.. وحتى على المجتمعات الكافرة (من وجهة نظرهم) وصولا إلى:
الثالثة وهي إقامة الدولة الإسلامية وفقا لمعاييرهم وقناعاتهم.
وهذا يعني.. أن هذه التنظيمات جعلت نفسها في حالة حرب دائمة مع الدول والشعوب والمجتمعات.. وهي حالة معقدة ومكلفة وتحتاج إلى «نصير» يقف وراءها.
ولأن إيران تملك أطماعا كثيرة في المنطقة وفي خارجها أدركت مؤخراً هذه الحاجة تماما عند أصحاب هذه الفكرة.. فلم تتردد في التلاقي معهم.. بصرف النظر عن الاختلاف المذهبي بينهم مقدمة لها كل التسهيلات الممكنة خاصة بعدما رأت نجاحها المنقطع النظير بسوريا.
وبما أن داعش قريبة من هذه الأهداف فقد نشأ نوع من تكامل الرؤية بينها وبين الإيرانيين لخدمة مصلحة مشتركة هي «تغيير» الأنظمة.. وإرغام الشعوب على الإيمان بأفكارها.. وإعلان قيام «الدولة الإسلامية» وفقا لما يخططون له.. ويريدون الوصول إليه في النهاية خاصة وأن فكرة الخلافة كما الولاية التي تتبناها المرجعية الشيعية الإيرانية.
حول احتمالية دعم
ولذلك فإنه ليس غريبا أن تفتح جبهة العراق فور أن صلح الوضع في مصر.. وذلك للإبقاء على حالة الغليان في أعلى مستوياتها.. ليس فقط في العراق.. وإنما بالتهديد لدول مجاورة له.. كالأردن.. والكويت.. والمملكة.. وهو الوضع الذي دفع الدول الثلاث إلى رفع حالة التأهب فيها إلى الدرجة المناسبة بعد أن أعطت الأمر جدية كافية لإدراكها بأن المخطط مستمر.. وبأن إشعال المنطقة وليس تهدئتها هدف لا تراجع عنه.. وغاية لا يمكن تأجيل تحقيقها.
وهذا يعني.. أنه ورغم الاختلاف الفكري بين كل من منظمة القاعدة وجيبها الجديد «داعش» وبقية المنظمات المماثلة لها.. وبين إيران من جهة.. وبينهما وبين الغرب من جهة ثانية.. إلا أن الجميع يتفقون على هدف واحد هو «ضرورة التغيير» في المنطقة بخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار في أرجائها.
ما سبق لا يعني سوى أن الأهداف الأبعد لكل من إيران و"داعش"- رغم تباينها- هي الآن في حكم المؤجل وغير المنظور.. حتى يتحقق الهدف المشترك بينهم وهو تغيير الأنظمة.. وتحويل دولها إلى فوضى عارمة.. على أمل أن تؤدي في النهاية إلى تحقيق كل منهم لأهدافه.
حول احتمالية دعم
لكن الشيء المؤكد هو أن المنطقة الآن تشهد «حرب المراحل» ولا داعي للتفكير في المرحلة النهائية وأن ما يجب التركيز عليه الآن هو: كيف التخلص من أنظمة قائمة وإشاعة حالة من الارتباك الشديد في المنطقة.. وإثارة الرعب لدى الشعوب من المستقبل.. وهي حالة تؤدي- من وجهة نظرهم- بهذه الشعوب إلى القبول في النهاية بأي نظام.. وبأي صيغة.. وبأي وضع.. سواء أرادت تلك الشعوب ذلك أم لم ترده.
وهذا يعني أيضا.. أن اتفاق الأطراف (إيران) و(المنظمات الإرهابية) على هدف عام مشترك سيؤدي إلى إدخال المنطقة في حالة أسوأ مما هي عليه الآن، خاصة حينما تشعر التنظيمات الإرهابية بالقوة والغلبة؛ مما سيؤدي بها إلى مواجهة حليفها نفسه حينها.

شارك