"الشيخ زويد".. الجيش يحارب في وكر الأفاعي
الأربعاء 01/يوليو/2015 - 03:37 م
طباعة

يتصدى جيشنا ببسالة لقوات الشر ويدفع الهجوم الإرهابي على الأكمنة والأقسام؛ حيث تكرر اسم الشيخ زويد، والشيخ زويد بسيناء وهو الاسم الذي يتكرر في معظم حملات الإرهاب ومانشيتات الصحف ووسائل الإعلام ونشرات الأخبار.. من المهم إذن أن نلقي مزيدًا من الأضواء على منطقة الشيخ زويد فهي أحد المراكز الإدارية الستة في محافظة شمال سيناء في مصر، وتقع على الطريق الدولي الساحلي بين رفح والعريش على بعد 334 كم من القاهرة، و12 كم من قطاع غزة.
ومن الناحية الجغرافية فهي منطقة معقدة تجمع بين الكثبان الرملية والأودية والجبلية، واستقرت فيها جماعات إرهابية مستترة داخل العناصر المدنية يرجع ذلك لثمانينيات القرن الماضي، وأقدم هذه الجماعات "التكفير والهجرة" "والجهاد" اللتان تدربتا فيها على قتل الرئيس السادات عام 1981، ووجود الجماعات الإرهابية بالمنطقة مكنها من الحفظ الجغرافي للطبيعة الصحراوية الصعبة وأماكن الاختفاء بها؛ الأمر الذي سهل عليها طرق التخفي والمفاجآت، وأماكن الكهوف والأنفاق، وهي مكمن الثغرات التي يندس منها تجار المخدرات والإرهابيون على حد السواء، الذين عششوا في سيناء طوال فترة حكم مبارك واهتموا ببعض رجال الأعمال فقط في قطاع السياحة وبعض المصانع، وتركت أهل سيناء لقمة سائغة للمتشددين الذين حضروا إلى سيناء المُهملة من جانب الدولة في مجال التنمية منذ الثمانينيات.. كانوا يعملون وحدهم في البداية. لكنهم استغلوا خلال السنوات الثلاثين الماضية الأوضاع الصعبة التي يعاني منها أهل سيناء لاستقطابهم، والتأثير عليهم من خلال خطاب ديني مغلوط في كثير من أفكاره. وكانت هذه الأفكار تستعدي الأهالي ضد الدولة من جهة، وتحلل لهم من جهة أخرى الأعمال غير المشروعة– المخدرات- بذريعة أن الضرورات تبيح المحظورات. كان هذا بمثابة حصان طروادة الذي تسلل منه التطرّف إلى المنطقة، وللأسف لم تهتم الدولة بمحاربته مبكرًا بطريقة صحيحة.
واستمر نظام ما قبل ثورة يناير عام 2011، حيث كانت تغضّ الطرف في مناطق شمال سيناء من جانبها عن كثير من الأمور غير القانونية التي كان يلجأ إليها أبناء القبائل كموارد بديلة، بينها زراعة المخدرات في أراض يتعذّر تحديد مالك لها، وتهريب السلاح، ومسالك الهروب غير الشرعي، بل حتى تجارة الأنفاق مع قطاع غزة كانت تحظى بـ«رضا سياسي» من النظام المصري السابق؛ من أجل التحكّم في ملف المفاوضات الفلسطينية. وفي سيناء هناك أكثر من 10 قبائل في شمال سيناء، أبرزها السواركة والمساعيد والرميلات وأولاد علي والترابين، وهذه القبائل وامتداداتها المتداخلة وأصولها تمثل ما يشبه خطوط الملاحة الجوية التي تمتد من الشام والحجاز واليمن شرقًا حتى الصحراء الكبرى غربًا. وهو ما سهّل لأبناء هذه القبائل خطوط حركة واتصال واسعة شرقًا وغربًا.
سيناء.. إداريًّا

تنقسم شبه جزيرة سيناء إداريًّا إلى محافظتين: المحافظة الشمالية، التي تطل على البحر المتوسط شمالاً وتحدها شرقًا الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل، بينما تنتهي حدودها غربًا بشريط ضيق يفصلها عن قناة السويس. والمحافظة الجنوبية التي يحتضنها خليجا العقبة شرقًا والسويس غربًا، ويقع رأس المثلث جنوبًا على ساحل البحر الأحمر.
وبينما المحافظة الجنوبية «سياحية» بامتياز، لوقوع عشرات النقاط والمنتجعات السياحية الفاخرة على شواطئها مثل شرم الشيخ ودهب ونويبع وغيرها، إلى جانب السياحة الدينية متمثلة في منطقة سانت كاترين وجبل الطور، فإن المحافظة الشمالية تعد من أفقر المحافظات المصرية، وأدناها من حيث معدلات دخل الفرد في مصر.
ثم إن سكان شبه الجزيرة من البدو يتباينون بين شمالها وجنوبها من حيث طبيعة العمل، فسكان الشمال يعتمدون على الزراعة غالبًا، بينما سكان الجنوب – بطابعه الجبلي– رعويون في الأساس. وقد تكون هذه النظرة الاقتصادية والسكانية المتباينة سببًا كبيرًا لتركز حركات الإرهاب في الشمال ووجود بيئة حاضنة لعناصره، فسكان الجنوب، الذين يعمل كثير من أبناء عشائرهم في مجالات تخدم قطاع السياحة أو تتصل به بشكل أو آخر، أفضل حالاً كثيرًا على الصعيد المادي من أقرانهم في الشمال، ويرفضون وجود أي شوائب للإرهاب في مناطقهم؛ مما قد يتسبب بقطع أرزاقهم. ويشير الطبيب عمرو إلى أن هذه التركيبة الطبيعية والسكانية أتاحت لعناصر الإرهاب التوغل في شمال سيناء، خصوصًا في منطقة الشيخ زويد، التي تتصل شرقًا بمنطقة رفح وأنفاقها الحدودية، وتمتد جنوبًا إلى جبل الحلال، وهو أحد أبرز العوائق الجيولوجية التي تتحدّى فرض الأمن في المنطقة؛ نظرًا لوعورته الشديدة، وتحوّله ملاذًا للخارجين عن القانون والمطاريد من القبائل منذ سنوات. ومن ثم كان السؤال الدائم عن تنمية قطاع شمال سيناء باعتباره الحل الوحيد الآمن أمام الدولة لإنقاذ المنطقة من التطرف، هو: «أين خطة التعليم في شمال سيناء؟ أين دور وزارة الثقافة؟ أين الدعاة الدينيون المعتدلون؟ والأهم أيضًا، أين خطط الاستثمار التي ستجعل أبناء سيناء ينخرطون في الحياة العامة، ويلفظون أي محاولات متطرفة للتغلغل وسطهم؟».
وبالتزامن مع الإعلان عن تكليف الفريق أسامة عسكر بقيادة منطقة شرق القناة بكاملها لمكافحة الإرهاب، أعلن الرئيس السيسي عن تخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه (نحو 1.4 مليارات دولار)؛ من أجل التنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء. إلا أن مواطني سيناء يقولون إنهم لم يلحظوا تغييرًا كبيرًا على الأرض رغم مرور أكثر من شهرين على القرار الرئاسي، في حين أوضح مسئولون مصريون أن ثمة خططًا هي بالفعل قيد البحث والتنفيذ.. وآثار إهمال عقود لا تحل في لحظات؛ لأن الدولة لا تملك عصا سحرية؛ لذلك الحرب الآن معقدة والأنفاق كثيرة والحرب الدائرة لم تهدأ بعد، فالقتال مستمر، والاشتباك بالشيخ زويد بين الجيش والإرهابين في حاجة إلى بيانات القوات المسلحة فقط حيث المصداقية.