هل يغامر "أردوغان" بالدخول إلى "عرين" الأسد ومذبح "داعش"؟

الإثنين 06/يوليو/2015 - 03:08 م
طباعة هل يغامر أردوغان
 
يشكل الموقف التركي من الأزمة السورية علامة تعجب كبيرة، فمنذ بداية الثورة السورية في مارس 2011م وقف إلى جانب الحراك السلمي في الداخل السوري، ولكنه سرعان ما تورط في دعم الجماعات المسلحة المتطرفة، وشكل مع مرور الوقت معبرًا لتنامي نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" بسياساته السلبية تجاه التنظيم الدموي، وترك أراضيه معبرًا لتسلل عناصره إلى الداخل السوري؛ لتزيد هذه الأيام التكهنات بإمكانية تدخله عسكريًّا في سوريا، بعدما حشد قواته بكثافة على الحدود، وأكد على ذلك ما ذكرته مصادر أمنية في أنقرة أن الجيش التركي كثف إجراءات الأمن، وأرسل عتادًا إضافيًّا وجنودًا بما في ذلك قوات خاصة في الأيام القليلة الماضية مع احتدام القتال.

أحمد داوود أوغلو
أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي
ولكن أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي نفى أن تكون التجهيزات العسكرية على الحدود مع سوريا تهدف إلى اقتحام أراضي سوريا، وإنّ هذه التجهيزات العسكرية، احترازية ولا تعكس عزم تركيا اقتحام الأراضي السورية، وأنّ القوات المسلحة التركية لن تتوانى في التدخل لحظة واحدة في حال شعرت بوجود خطط تهدد أمن وسلامة الدّولة التركية في الداخل السوري.
 وتابع: "الحكومة التركية اتخذت كافة الإجراءات اللازمة لردع أي اعتداء يستهدف أمن وسلامة الأراضي التركية، وأنّ القوات التركية جاهزة للردّ على أي عدوان يأتي من الجانب السوري، وأنّ الموقف التركي كان واضحاً منذ البداية من تنظيم داعش، وأنّ تركيا كانت من أولى الدّول التي أدرجت هذا التنظيم على لائحة المنظمات الإرهابية.

هل يغامر أردوغان
ولكن الواقع على الأرض السورية يعكس خلاف ذلك، بعد أن تحولت المنطقة الحدودية التركية السورية إلى "بقعة ساخنة" بعد طرد القوات الكردية الجماعات المتطرفة، من عين العرب كوباني، ثم السيطرة على تل أبيض، والتوصل إلى اتفاق بين المجموعات المسلحة الكردية والقوات السورية بمحاربة الجماعات المتطرفة معًا في الحسكة، في مقابل موافقة السلطات للحد من نفوذها في هذه المدينة، ووفقًا للاتفاق فإن الأكراد سيديرون مدينة الحسكة، وسيكون بإمكانهم وضع علمهم على المباني بدلا من العلم السوري، هذا الأمر خلق حالة من الغموض والترقب والتوترات أعقبه تأكيد رجب طيب أردوغان الرئيس التركي على أن بلاده لن تسمح بإقامة كيان كردي مستقل شمال سوريا بقوله: "تركيا لن تسمح أبدًا بإنشاء دولة جديدة كردية في شمال سوريا، على الحدود مع تركيا، وسنبذل كل ما بوسعنا لإفشال هذه الخطة، مهما كان الثمن".
وهو الأمر الذي تزامن مع تسريبات تركية تحدثت عن إن أنقرة تتهيأ لشن عملية عسكرية داخل سوريا لخلق ما يسمي بـ"ممر آمن" على الحدود شمالي سوريا بطول 110 كليو مترات وبعمق لم يتم الاتفاق عليه بعد، ولكنه سيتراوح ما بين 28 كيلو مترًا، و33 كيلو متراً وهو ما يعد ردًّا مباشرًا من تركيا على سيطرة قوات وحدات "حماية الشعب" الكردية على مدينة تل أبيض وهيمنتها على المعبر الحدودي وهو ما قد يدفعها إلى العمل على الربط بشريط جغرافي بين عين عرب وتل أبيض، يمهد وفقاً لأنقرة لقيام دولة كردية، بالإضافة إلى وجود تنظيم "داعش" في قرى بريف حلب قريبة من الحدود. 

هل يغامر أردوغان
وتحاول تركيا التدخل في سوريا، ولكنها تريد أن تتجنب أي انتكاسة عسكرية للقوات، وهو ما يجعلها تدرس الأمر بشكل معمق بين الحكومة والجيش والمخابرات حول سبل التدخل، لتحقيق الأهداف التالية: 
1- الحد من خطر حزب العمال الكردستاني في سوريا وذراعه. 
2- إسقاط نظام بشار الأسد عدو أردوغان اللدود. 
3- توجيه دعم عسكري لقوات المعارضة السورية الحليفة معها لضرب نفوذ بشار الأسد في مناطق الساحل السوري ودمشق.
4- الضغط على داعش لنشر نفوذها داخل جميع المناطق السورية. 
 ولذلك سيكون التدخل دعمًا عسكريًّا ولوجستيًّا للمعارضة السورية يصل إلى حد استخدام المدفعية الثقيلة من داخل الأراضي التركية، وحتى سلاح الجو، وسيسمح لقوات المعارضة السورية المتواجدة في أعزاز ومارع، بالتقدم باتجاه جرابلس وعين العرب، لإبعاد قوات تنظيم داعش جنوباً باتجاه الرقة، وبالتالي تفويت الفرصة على قوى الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) للتوجه غرباً باتجاه حلب تحت تغطية طيران التحالف بحجة ضرب التنظيم.

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومة تصريف حكومة تصريف الأعمال أحمد داود أوغلو، عن رغبتهما في تدخل عسكري تركي بعمق 10 كيلومترات في الأراضي السورية مع تأمين تغطية نارية لمدى يصل إلى حدود الـ50 كيلومتراً، بغية تكريس منطقة عازلة كأمر واقع، ومنع تدفق النازحين السوريين إلى تركيا مع الدفع باتجاه تدخل تركي في محافظة حلب، وتحديداً في منطقة جرابلس، لمنع تقدم القوات الكردية أكثر بحجة قتال داعش، وأيضاً لتأمين المنطقة العازلة ومنطقة حظر الطيران لدعم قوات المعارضة السورية المعتدلة، لكن ذلك لاقى اعتراضات من قبل وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو والقيادات العسكرية غير أن جاووش أوغلو، لم ينف، أخبار الحملة العسكرية التي تنوي أنقرة القيام بها في سورية، ولكن رفض الحديث عن الأمر لحين انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي التركي.

هل يغامر أردوغان
وهناك العديد من المخاطر التي تواجه التدخل التركي في سوريا، على رأسها:
1- التدخل التركي العسكري سيدفع إلى "تدويل" القضية السورية عسكريا، وسيجلب معه التدخل العسكري الإيراني والروسي بشكل ميداني وفعلي في ساحات القتال لإنقاذ بشار ونظامه.
2- تدخل تركيا سيدفعها إلى مواجهة إيران عسكريًّا على الأرض السورية؛ وإيران لن تسلم بسهولة، ولن تسمح أولًا بانهيار وسقوط حليفها الأسد دون اعتبار لمصالحها ومستقبلها في المنطقة، ولن تقبل أنْ يكون سقوط الأسد بتدخلٍ عسكري تركي، تحرز على أعقابه تركيا انتصارات سياسية على حساب النفوذ الإيراني في المنطقة. 
3- التدخل التركي سيدفع روسيا إلى مواجهة الخطوة التركية التي ستعتبرها تعديًا خطيرًا على مصالحها؛ مما يدفعها للتقدم بقوة للمواجهة مع تركيا. 
4- قد تواجه القوات التركية خسائر كبيرة بسبب أنظمة الدفاع الجوية السورية الثابتة (SA-5) وC4ISR والمتنقلة والجديدة (SA-6، SA-22 والتي ستمثل بلا شك تهديداً كبيراً لها. 
5- إن أية غارة برية تركية قد تواجه مقاومة معقدة من قوات النظام يجب التأكيد على أن النظام كان خبيراً مشهوراً في الصراعات منخفضة الحدة في المنطقة، ويتمتع بوكلاء عدة قد يتمكنوا من استنزاف أية قوات أجنبية على الأرض السورية.

هل يغامر أردوغان
6- عدم وجود خبرة عسكرية في إدارة عمليات الجيوش للمعارضة المسلحة الحليفة لتركيا مما سيُزيد من خطر وقوع إصابات في القوات التركية نتيجة سوء التنسيق.
7- يبقى موقف داعش من التدخل التركي يكتنفه الغموض فهل ستقاتل داعش القوات التركية، أم ستحدث شبكة تحالفات جديدة؟ وتوزيع لمناطق النفوذ في ظل الحماية التركية الجديدة. 
8- خطورة العمليات العسكرية على أمن الحدود التركية والتخوف من انتقال الاشتباكات في سوريا إلى داخل تركيا.
9- تقديم الدعم اللوجستي للوحدات العسكرية التي ستتدخل في سوريا، سيعقد حركة المرور عبر الحدود أكثر مما عليه وبالتالي سينخفض أمن الحدود بين تركيا وسوريا سوف ينخفض إلى الصفر.
10- العملية العسكرية قد تجبر الجيش التركي على التعاون مع جماعات المعارضة السورية وعلى رأسها الجماعات الإسلامية "المتطرفة"، وهو ما سيعزز من الصورة العامة عن تركيا، بأنها بلد يدعم الإرهاب.
11- التدخل العسكري يمكن أن تجبر الجيش التركي على التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي  (PYD)، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي يسيطر حاليًا على مناطق في شمال سوريا وهو ما لا تريده تركيا. 

العميد محمد عيسي
العميد محمد عيسي
العميد محمد عيسي، والخبير العسكري السوري، استبعدا حدوث أي اجتياح تركي للشمال السوري؛ لأنه من المستحيل أن تقوم تركيا بالدخول لسوريا لعمل ما يسمي بالمنطقة الأمنة؛ لأن الظروف الدولية لن تسمح بذلك، وتحديدًا الموقفان الروسي والإيراني، وكذا السوري، الرافضين لأي تدخل من قبل تركيا في شئون البلاد، وأن الخلافات الداخلية في الإدارة التركية والنظام التركي دفعت بالرئيس أردوغان إلى التلويح بورقة التدخل في سوريا.
 وكشف عن أن الجيش التركي يشترط جملة من الشروط للتدخل عسكريا في سوريا، وهو تقديم الرئيس التركي طلب يؤكد فيه تحمله لكامل نتائج العملية العسكرية، وأن حصول تركيا على موافقة سورية، وإيرانية، وروسية، لتدخل عسكري "أمر مستحيل"، لأن أردوغان سيفشل في تمرير مشروعه الرامي إلى التدخل في الشأن السوري عسكريا.
واعتبر تخوف أردوغان بشأن كيان كردي مستقل شمال سوريا، غير مبرر؛ لأن الأكراد يعتبرون أنفسهم جزءاً من المكون السوري الوطني، وأن وحدات الحماية الكردية جزء لا يتجزأ من الجيش العربي السوري ويتلقى تسليحه وتدريبه منه وانهم مكون سوري خالص ولا دخل لتركيا بهذه القضية، وأن الرئيس أردوغان يدفع ببلاده لموقف سياسي لن تستطيع الخروج منه، وأن ذلك يرجع إلى أسباب داخلية تتعلق بسقوط حزبه في الانتخابات الأخيرة.

هل يغامر أردوغان
وقال متين غوركان المستشار العسكري السابق والباحث التركي: "إن إمكانية شن عملية برية ضد سوريا أو العراق في الوقت الحاضر ليست مطروحة على طاولة النقاش في أنقرة وإذا كانت لهذه الادعاءات أي سند حقيقي، فلن أكون اليوم في أنقرة، ولكن على الحدود العراقية أو السورية، وإن الجيش التركي والقوات الجوية يعارضان مبدئيا أي عمليات كبرى في سوريا والعراق وحاليَا، واقعية الجيش هي أفضل ما لدينا من نظام كبح في مواجهة صناع القرار السياسي لدينا ولا تركيا ولا الجيش التركي يمكنهما تحمل نتائج تدخل الجيش التركي، بريا وجويا، في مستنقع عسكري في سوريا. إذ لا يمكن للقوات التقليدية الصمود في سوريا، حال تدخلها، دون دعم من قوى المعارضة السورية، والتي لا يزال ولاؤها غير واضح".

شارك