قانون مكافحة الإرهاب.. بين الاعتراض والتأييد

الأربعاء 08/يوليو/2015 - 03:04 م
طباعة قانون مكافحة الإرهاب..
 
جدل كثير دائر في الأوساط القانونية حول قانون مكافحة الإرهاب، ورغم أن هذا الجدل والنقاش صحي في مظهره العام بينما له خطورته على العامة حيث لا يقر أحد برأي الآخر ولم نصل في معظم حواراتنا إلى نقاط اتفاق نسير عليها، ولم يقتصر الجدل فقط على القانونيين بل دخل على خط النقاش اعتراضًا أو تأييدًا كثيرًا من الساسة والمفكرين والمثقفين، حتى أصبح قانون مكافحة الإرهاب ضيفًا حاضرًا على موائد برامج "التوك شو" وصفحات الجرائد، وقد أكد سياسيون وقانونيون كثر، أن قانون مكافحة الإرهاب يمكن الطعن عليه دستوريًّا، أمام المحكمة الدستورية العليا، موضحين أن القانون يحد من الحقوق الدستورية للمواطنين.
الدكتور عمرو هاشم
الدكتور عمرو هاشم ربيع
كما أنه لن يؤدي إلى مواجهة الجماعات المتطرفة؛ حيث قال الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن قانون مكافحة الإرهاب عليه انتقادات كثيرة، كما أنه لا يتوافق مع دستور 2014؛ مما يجعل فرص الطعن عليه كبيرة. وأضاف ربيع أن قانون مكافحة الإرهاب يمكن الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، موضحًا أن القانون يقيد حرية الصحافة بشكل كبير، وهو ما سيخلق اعتراضات كثيرة عليه؛ نظرًا لأنه يقيد كثيرًا من الحريات.
الخبير الحقوقي والقانوني
الخبير الحقوقي والقانوني محمد زارع
 وفي نفس السياق أكد الخبير الحقوقي والقانوني محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أن قانون العقوبات به ما يكفي من مواد لمكافحة الإرهاب، لافتًا إلى أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد لم يضف شيئا، واصفًا إياه بأنه تزايد وتشدد بإضافة صلاحيات جديدة وأوسع للإدارة. وأوضح زارع أن معظم مواد القانون تحد من الحقوق الدستورية للمواطنين، وعلى رأسها المادة 33 التي تكبل حقوق الصحفيين، لافتا إلى أن الهدف من القانون هو استكمال طريق مواجهة الإرهاب بالأمن فقط، واستبعاد دور المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية في مواجهة الإرهاب والاقتصار على دور وزارتي العدل والداخلية. كما أشار رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي إلى أن كل التشريعات، التي صدرت في الفترة الأخيرة بدءا من قانون التظاهر، مرورا بتعديلات قانون العقوبات وصولا إلى قانون مكافحة الإرهاب تعطى مزيدا من الصلاحيات لجهة الإدارة لمواجهة الإرهاب على حساب حقوق وحريات 90 مليون مصري. وأضاف محمد زارع أن الدولة في حاجة إلى قوانين لمكافحة جزء من أزمة الإرهاب، موضحا أن الجزء الآخر يتطلب جزءًا ثقافيا ودينيا وسياسيا، وليس فقط محاكمات وتشريعات، قائلا: "لن نقضي على الإرهاب بمجرد حبس وإعدام من ينتمي لهذا الفكر؛ لأن الإرهابي يعتنق فكرًا معينًا يدفعه إلى دفع حياته ثمنًا لهذا الفكر". 
سامح عيد عضو الهيئة
سامح عيد عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين
من جانبه قال سامح عيد، عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين: إن قانون مكافحة الإرهاب لن يؤدي إلى مواجهة الجماعات الإرهابية، مشيرا إلى رفضه هذا القانون؛ لأن به مواد كثيرة تقيد من الحريات. وأضاف عيد أن هذا القانون سيشهد رفضًا واسعًا من الكثير من الأحزاب السياسية، لافتًا إلى أن هناك العديد من القوى السياسية، التي أعلنت رفضها للقانون إلى جانب نقابة الصحفيين؛ لأن هذا سيقيد الحريات.
الدكتور مختار الغباشي
الدكتور مختار الغباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية
 فيما قال الدكتور مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن طرح قانون مكافحة الإرهاب على القوى السياسية والأحزاب سيعطل كثيرا من إصداره، مشيرا إلى أن فكرة طرح القانون لحوار مجتمعي هي فكرة مطاطة ومصر في أمس الحاجة لقوانين لمواجهة خطر الإرهاب الحالي. وأضاف الغباشي أن هناك قوانين كثيرة تم طرحها لحوار مجتمعي ولم تأت بنتيجة، مثل قانون الانتخابات البرلمانية، موضحا ضرورة أن يكون هناك مراجعة قانونية لقانون مكافحة الإرهاب لضمان توافقه مع الدستور وعدم الطعن عليه.

ملاحظات المجلس الأعلى للقضاء

ملاحظات المجلس الأعلى
وفي ذروة الجدل الحادث حول قانون مكافحة الإرهاب تقدم المجلس الأعلى للقضاء بمذكرة لمجلس الوزراء متضمنة اعتراضات المجلس على بعض مواد قانون مكافحة الإرهاب الذي أوصى مجلس الدولة بضرورة عرضه على مجلس القضاء الأعلى لأخذ رأيه فيه وفقًا للدستور، حيث تبين اعتراض المجلس على جميع المواد الخاصة بالنظام القضائي الجنائي المتعلق بجرائم الإرهاب.
فقد أشار مجلس القضاء الأعلى إلى أنه عملا بنص المادة 185 من الدستور ولاتصال المشروع بشئون العدالة والعاملين فيها، فقد استوجب عرض المشروع على المجلس لإبداء الرأي في بعض التعديلات في ضوء أحكام الدستور وقوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
الملاحظة الأولى
وضع عبارة قاضى التحقيق بدلا من سلطة التحقيق أينما وردت في نصوص مشروع القانون.
الملاحظة الثانية
تعديل المادة 50 من المشروع بحيث «يعتبر الحكم الصادر في أي من القضايا الواردة في هذا القانون حضوريا، إذا أوكل المتهم مدافعا عنه وقدم سند الوكالة وحضر وترافع في الدعوى» وذلك بدلا من العبارة الواردة في المشروع وهي «إذا حضر وكيل عن المتهم».
الملاحظة الثالثة 
تعديل مواعيد الطعن على أحكام الجنايات والجنح المتعلقة بالإرهاب، ليصبح تقديم الطعن جائزا أمام محكمة النقض خلال 60 يوما وليس 40 يوما كما ورد في المشروع.
الملاحظة الرابعة 
إن مجلس القضاء ارتأى حذف المادة 52 من المشروع نهائيا، والتي توجب على محكمة النقض أن تتصدى للفصل في موضوع القضية، إذا قبلت الطعن على حكم أول درجة وألغته.
واقترح المجلس الاكتفاء بالنص الساري حاليًا في قانون حالات وإجراءات الطعن امام محكمة النقض والذي «أجاز للمحكمة إذا رأت أن موضوع الطعن صالح للفصل فيه أن تحدد جلسة وتقضى في موضوع الطعن» ويترتب على هذا الاقتراح استمرار إمكانية أن تعيد محكمة النقض القضية مرة أخرى إلى محكمة الجنايات لإعادة نظرها، لأن فصل محكمة النقض في موضوع القضية من أول طعن- وفقا للنظام القائم- ليس وجوبيًّا بل جائزًا فقط.
الملاحظة الخامسة 
تعديل نص المادة 48 من المشروع الخاصة بإنشاء محكمة مختصة بجرائم الإرهاب على غرار المحكمة الاقتصادية ومحكمة الأسرة، ليكتفي بتخصيص دوائر للإرهاب في كل محكمة استئناف، وهو النظام المعمول به حاليًا.
واقترح مجلس القضاء أن يكون النص كالآتي: «تخصص في كل محكمة من محاكم الاستئناف بناء على قرار جمعيتها العمومية أو بموجب التفويض الصادر منها لرئيسها دائرة أو أكثر من دوائر الجنايات لنظر الجنايات والجنح المنصوص عليها في القانون وتفصل هذه الدوائر في القضايا المعروضة على وجه السرعة».
وأكد المجلس أنه غير مختص بتحديد دوائر لنظر قضايا معينة حتى ولو بنص قانوني، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يتطلب تعديلا لقانون السلطة القضائية.
والملاحظة الأخيرة وهي الوحيدة بشأن العقوبات، اعترض فيها مجلس القضاء على صياغة المادة الرابعة الخاصة بمعاقبة المحرضين على ارتكاب الجريمة الإرهابية، واقترح أن تنص على العقوبة صراحة بدلا من عبارة «ذات العقوبة المقررة للجريمة التامة» بحيث يصبح النص «يعاقب على التحريض على ارتكاب أي جريمة إرهابية بالسجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات وذلك سواء كان التحريض موجها لشخص محدد أو جماعة معينة أو كان التحريض عاما علنيا أو غير علني، وأيا كانت الوسيلة المستخدمة فيه، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر».

الصحفيون واعتراضهم على القانون

الصحفيون واعتراضهم
لاقى قانون مكافحة الإرهاب اعتراضات كبيرة عند الكثير من الصحفيين مما جعل النقابة تصدر بيانا بهذا الخصوص، انتقدت فيه بعض البنود من قانون مكافحة الإرهاب، واعتبرت أن هذه البنود تحد من حرية الصحافة، وتقصر الصحفي على استقاء معلوماته من مصدر واحد، وكانت المادة (33) أبرز البنود التي أثارت اعتراض مجلس نقابة الصحفيين.
وتنص المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب: "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن".

"محلب" يدافع عن قانون مكافحة الإرهاب

رئيس الحكومة المهندس
رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب
فيما دافع رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب أمس عن قانون «مكافحة الإرهاب» الذي واجه اعتراضات من المجلس الأعلى للقضاء ونقابة الصحافيين ومنظمات حقوقية، لكنه لم يستبعد إجراء تعديلات عليه.
وكان محلب اعتبر في تصريحات تلفزيونية أن «هذا الوقت هو المناسب لاتخاذ إجراءات رادعة لحماية الوطن ضد العناصر الإرهابية». وأضاف أن «القانون مطلب شعبي عام، وعلينا أن نتخذ الإجراءات كافة لحماية أرض الوطن. وتوقيت إصدار القانون مناسب تماماً». وأكد أن «مشروع قانون مكافحة الإرهاب لا يهدف إلى مراقبة وسائل الإعلام، وإنما مواجهة الإرهاب في ظل ظروف استثنائية، ومصر الجديدة تحترم وسائل الإعلام ولا تقيدها».
لكنه أبدى استعداداً لإجراء تعديلات على مشروع القانون الذي سيخضع للمناقشة في اجتماع الحكومة اليوم. وشدد محلب على أن «الوقت الحالي هو وقت الاصطفاف الوطني، والحكومة تستمع إلى الجميع وعقولها متفتحة للآراء كافة، وكل ما تسعى إليه هو مصلحة الوطن».

منظمات حقوقية رافضة للقانون

منظمات حقوقية رافضة
يأتي ذلك في وقت انضمت منظمات حقوقية إلى المعترضين على مواد في مشروع القانون بعد المجلس الأعلى للقضاء الذي رفض تشكيل محاكم لقضايا الإرهاب أو تعديل بعض إجراءات التقاضي، ونقابة الصحافيين التي اعترضت على مادة تنص على حبس من ينشر معلومات عن الاعتداءات الإرهابية تخالف تلك التي تضمنتها البيانات الرسمية.
وأصدرت 17 منظمة حقوقية، أبرزها «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» و«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» و«مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب» و«مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف» و«هشام مبارك للقانون»، بياناً مشتركاً قالت فيه إنها «تضم صوتها إلى موقف نقابة الصحافيين الرافض لمشروع قانون مكافحة الإرهاب». وأوضحت أن «الرفض جاء نظراً إلى تعارض مشروع القانون مع المادة 71 من الدستور المصري، ولما يمثله هذا المشروع من إعادة للقيود التي ناضلت الجماعة الصحافية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وهو النضال الذي توُج في دستور 2014».
كما ضمت المنظمات صوتها إلى رأي المجلس الأعلى للقضاء في رفضه عدداً من مواد القانون، باعتباره «يهدر حقوقاً أساسية في التقاضي وحقوق الدفاع». وأعلنت «ضم صوتها إلى عدد من كتاب الرأي الرافضين للتضحية بحقوق الإنسان ودولة القانون في سبيل مواجهة الإرهاب». وأعربت عن «رفضها التام لمشروع القرار بقانون لمكافحة الإرهاب، باعتباره يشكل اعتداءً سافراً على الدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا، ويقوّض ما بقي من النظام القضائي المصري العريق».
ورأت أن «مشروع القانون يكرس لحال طوارئ غير معلنة وغير محددة المدة ويؤسس لنظام قضائي استثنائي، ونظراً إلى عدم انضباط نصوص التجريم الواردة في المشروع، فإن تطبيقه سيسهل قمع طيف واسع من الحقوق والحريات كحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات».
وأضافت أنه «وفقاً للصياغات المطاطية والفضفاضة في مشروع القانون، فإنه لا يفرق حين تطبيقه بين أنشطة التنظيمات الإرهابية والأنشطة التي تقوم بها كيانات سياسية وحقوقية سلمية ونقابات وصحف ودور النشر ومواقع إخبارية». وأشارت إلى أنها «تعي جيداً خطر التنظيمات المتطرفة والعنيفة، وتستوعب خطورة ما تقوم به من جرائم، وترفضها رفضاً قطعياً، إلا أن مواجهة تلك الجرائم بتعديلات تشريعية هو تضليل للرأي العام للأسباب الحقيقية للإرهاب، والتي ليس من بينها غياب التشريعات اللازمة لمواجهته».
وأضافت: «أن طرح مثل هذا القانون يبعث على مزيد من القلق في شأن تكريس استمرار المواجهات الفاشلة للإرهاب من طريق الحلول الأمنية فقط أو تمرير التشريعات القمعية التي تعصف بدولة القانون. ومثل هذا المشروع يجعلنا نخشى تواصل الانهيار المزري لركائز دولة القانون من طريق التضحية بالدستور والقواعد القانونية المستقرة والنظام القضائي المصري العريق».
وأكدت أنها «لا تدافع عن الإرهابيين، مثلما تدعي بعض الدوائر الحكومية، بل تدافع عن عموم المواطنين المصريين الذين يتعرضون بسبب ضعف كفاءة الأجهزة الأمنية الباحثة عن كبش فداء، إلى الزج بهم كمتهمين قد يتعرضون للتعذيب ويموتون به، بينما يفلت دائماً الجناة الحقيقيون، والأمثلة على ذلك كثيرة».
ودعت المنظمات إلى «إجراء حوار مجتمعي يشمل كل الأطراف الرافضة للعنف من أحزاب ومجموعات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات عامة، بهدف وضع خطة جادة وفعالة للتصدي لجذور التطرف والعنف». وأعربت عن «بالغ قلقها من تجاهل الحكومة المتواصل لهذا المطلب، واستمرارها في مواجهة الإرهاب بوسائل بالية، وتعديلات تشريعية غير ذات جدوى ستأتي بنتائج عكسية تفاقم من مخاطر الإرهاب المتصاعدة في العامين الماضيين».

شارك