تجدد الاشتباكات بين "المالكية" و"الإباضية".. الجزائر تواجه الصراعات المذهبية؟
الأربعاء 08/يوليو/2015 - 07:43 م
طباعة

لم تزل ظواهر العنف اللفظي والمادي تتجدد بين "الأقلية الإباضية" و"البربرية" من جهة، و"الأغلبية المالكية والعربية" جنوب شرقي الجزائر.. رغم اتفاقيات التهدئة التي سبق أن وقعها علماء وشخصيات اعتبارية من أتباع المذهبين المالكي والإباضي، إلا أن الاشتباكات سرعان ما تعود مرة أخرى.
للمزيد عن الحركة الأباضية۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔۔ اضغط هنا
أحداث غرداية:

بعد هدوء دام عدة أسابيع، أصيب حوالي 20 شخصًا وذلك ، وتسبب في تجدد هذه الاشتباكات إقدام السلطات على تدشين مشروع عقاري مضر بأحد أطراف الخصومة المذهبية والعرقية.
وذكرت مصادر إعلامية أن أغلب الضحايا سقطوا بمدينة القرارة التي سجل بها 14 قتيلًا بينهم طفل تم حرقه، بينما قتل شخص آخر في صدامات حي سيدي اعباز بوسط مدينة غرداية، ووصفت المصادر مواجهات ليلة الثلاثاء / الأربعاء بأنها الأعنف منذ اندلاع المصادمات المذهبية بغرداية في نهاية 2013، لافتة إلى أن التطور الخطير فيها هو استخدام الأسلحة النارية، وقد امتدت هذه الأحداث، إلى أحياء أخرى من مدينة القرارة، حيث قام العشرات من الشباب بأعمال تخريب والرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة، مما تسبب في اشتعال نيران بمحلات وسيارات يملكها خواص.
وذكرت مصادر "الشروق" الجزائرية، أن ما يقرب من 40 عائلة هجرت ومنها من فرت من مواقع الأحداث في القرارة وبريان، بسبب حدة العنف والمواجهات التي تحولت إلى عمليات كر وفر بين الشباب في عمق الأحياء الشعبية في شهر التوبة.
وتشهد ولاية غرداية مواجهات متكررة بين طائفة الميزابيين البربرية التي تعتنق المذهب الإباضي وطائفة الشعانبة العربية التي تتبع المذهب المالكي.
تدخل الجيش:

عقد أمس، قائد الناحية العسكرية الرابعة، اللواء الشريف عبد الرزاق بولاية غرداية، اجتماعا طارئا، لضبط الخطة الأمنية وتنسيق الجهود لتفادي تكرار أي تجاوز خطير وفرض الأمن والاستقرار على المنطقة، بعد الأحداث التي شهدتها أمس، منطقة القرارة، والتي أسفرت عن مقتل شاب وإصابة آخرين.
قالت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية : ان الجيش قرر التدخل في محاولة لإنهاء النزاع المذهبي في غرداية، موضحة أن قائد الناحية العسكرية الرابعة (التقسيم العسكري الذي يضم غرداية ومناطق مجاورة أخرى)، اللواء الشريف عبد الرزاق تنقل إلى مدينة غرداية للوقوف الميداني على الوضع السائد وعقد على الفور اجتماعا لضبط الخطة الأمنية ولتنسيق الجهود قصد تفادي تكرار مثل هذه التجاوزات الخطيرة ولاستعادة الأمن والاستقرار بمنطقة غرداية ، كما اجتمع مع كافة الأطراف المعنية بعملية التهدئة واستتباب الأمن والطمأنينة بالمنطقة، ولم تكشف الوزارة عن تفاصيل "الخطة الأمنية" غير أن مصادر إعلامية أشارت إلى وصول تعزيزات أمنية عسكرية لمختلف ثكنات غرداية تحسبا لدخول الجيش ساحة العمليات وانتشاره بها.
المذهب الإباضي:

ويعتبر المذهب المالكي بالجزائر اليوم هو المذهب الرسمي، فأكثر من 90 % يعتنقون المذهب المالكي، ثم المذهب الإباضي ، ثم يأتي المذهب الحنفي. كما نسجل حضورا لبعض المذاهب الأخرى، كالتيار السلفي الوهابي، والمذهب الشيعي ، وهناك فرقة الأحمدية.
ويعتبر المذهب الاباضي هو أول مذهب ينشأ في الدولة الإسلامية، حيث تأسس في القرن الأول الهجري وإذا نسب إلى إمامه عبدالله بن أباض فيكون ذلك في القرن الثاني الهجري وهو أول مذهب فكري عقائدي سياسي كانت له آراؤه المستقلة في العقيدة والحكم..
ولعب اتباع المذهب الأباضي دورًا في إنهاء الاستعمار الفرنسي للجزائر، فقد برزت شخصيات وطنية لامعة في صفوفهم، ومنها شاعر الجزائر الكبير مؤلف النشيد الوطني وإلياذة الجزائر مفدي زكريا، والشيخ إبراهيم بيوض قائد ثورة الإصلاح في الصحراء ضد الفرنسيين، وتولى منصب أول وزير للتربية عام 1962 بعد التحرير.
كما رفض الإمام الشيخ بيوض إبراهيم ، من كبار علماء الاباضية موقفا بطوليا ضد مشروع الرئيس الفرنسي " شارل ديجول" بخصوص فصل الصحراء الجزائرية وإلحاقها بفرنسا، واكد علي وطنية الاباضية ضد مشروع التقسيم الفرنسي.
كما وقف اعيان الاباضية ضد سيناريو تقسيم الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ، عبر تأسيس دولة للقبائليين شرق الجزائر تضم 6 ملايين ساكن وأخرى «للعرب» في بقية البلاد.
خريطة الإباضية:

وهناك ما يزيد على المليون اباضي يقطنون وادي ميزاب بالجزائر، الذي لا يبعد عن الجزائر العاصمة بأكثر من 700 كيلومتر .
ويتواجد الاباضيون في عدد ولايات في الجنوب والشمال وفي العاصمة الجزائر، ومدنية وهران وخنشلة، والقرارة وبريان، وفي ورقلة ومزاب، وتعتبر منطقة غرداية معقل الإباضية. وهناك مجلس ديني لكبار علماء مذهب الإباضي بالجزائر ويسمي «مجلس عمي سعيد» وهو يعد أعلى مرجعية دينية إباضية في الجزائر، وينسب المجلس الي الشيخ سعيد بن علي حميدة بن عبد الرازق بن سعيد الخيري الجربين وتوفي في المحرَّم 898هـ ، يناير1492م)
والي جانب "مجلس عمي سعيد" هناك نظـــام العـــزابة أو مجلس الأعيان، وهي هيئة محدودة العدد تعمل وفقاً لضوابط معينة للأشراف الكامل على شئون المجتمع الإباضي الشئون الدينية والاجتماعية والسياسية ويمثل العزابة الإمام ويقومون بعمله في حالة غياب الدولة الإباضية ويجب توفر شروط محددة في الشخص لكي ينضم في حلقة العزابية.
وهناك مجلس الأعيان المزابيين الإباضيّة لقصر غرداية، هيئة عرفيّة للمجتمع المزابيّ الإباضيّ لقصر غرداية تسعى إلى تحقيق مصلحته العامّة، و تمّ تنصيب المجلس الحالي في 27أكتوبر 2006.
صراع سياسي:

ويرى بعض المتتبعين للشأن الداخلي الجزائري، أن تجدد هذه المواجهات في كل مرة بمنطقة غرداية راجع إلى أسباب أخرى بعيدة عن النزعة الطائفية كما يراد تسويقه في الساحة حيث أن ما يجري في الواقع، كما يقول بعض المراقبين، هو انعكاس لصراعات أخرى بين الأطراف المتناحرة في دواليب الحكم، في وقت تشهد فيه الجزائر جدلا كبيرا بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة التي ترغب في تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة على خلفية الحالة الصحية المتدهورة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، العاجز عن إدارة الشأن العام وتسيير دواليب الدولة، وهو ما دفع العديد من الاصوات وجل الفاعلين السياسيين للمطالبة بتطبيق الفصل 88 من دستور الجمهورية الجزائرية المتعلق بتنظيم السلطة التنفيذية والإجراءات المتّبعة في استخلاف منصب رئيس الجمهورية في حالة شغوره..
الجزائر في خطر:

ويرى مراقبون أن تكرار ظواهر العنف اللفظي والمادي بين "الاقلية الإباضية" و"البربرية" من جهة، و"الأغلبية المالكية والعربية" منذ عامين في جنوب شرقي الجزائر، يرجع الي محاولات البعض لإشعال نار المذهبية والتقسيم في البلد العربي الكبير.
ويتابع المراقبون أن هناك بروز إرادات محلية واقليمية ودولية لمزيد الضغط على السلطات المركزية والجهوية في الجزائر لتحقيق هدفين كبيرين: الاول تسهيل تنقلات عصابات التهريب، والثاني السعي الى تقسيم البلاد ضمن مخططات "بلقنة" كل الدول المغاربية والصحراوية والساحلية الإفريقية (سين صاد) طمعا في ثرواتها.
ويسعي هذا المشروع عبر، ابراز واشعال نار اختلافات مصالح ونفوذ بين المستقرين في المدن والرحل "الشعانبيين"، وبين العرب والبربر، وبين المالكية والإباضية، التي ارتفعت وتيرتها بعد ما احتجاجات 2011 في الدول العربية.
كما هناك من يعمل علي توظيف بعض «اللوبيات» للتنوع الثقافي والمذهبي واللغوي في الجزائر عموما وفي منطقة وادي مزاب وعاصمتها غرداية خاصة لتشجيع مجموعات من الشباب العاطل عن العمل والفقراء وخريجي السجون لمهاجمة «الأباضية» ورفع شعارات عن "العدالة الاجتماعية" و"العدالة في توزيع ثروات الواحة" .
المشهد الجزائري:

تجدد العنف والصراع المذهبي في الجزائر، في ظل حالة الصراع السياسي في البلاد بين المعارضة والحكومة، ومساعي الجيش والمؤسسات الأمنية، من أجل مواجهة تحديات الجماعات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم الدولة "داعش"، يؤشر علي أن الجزائر مقبلة علي مرحلة صعبة سياسي وامنيا واجتماعيا وعلي السلطة الحاكمة التنبه لأي مخططات لزعزعة الاستقرار في البلاد، فهل ستنجح الجزائر في المرور من امتحان المذهبية والإرهاب أم ستكون هناك مشاكل وأزمات قوية؟