التحالف المدني لنبذ العنف.. هل سينجح في مواجهة الخطاب الطائفي في الكويت؟
الأحد 12/يوليو/2015 - 12:33 م
طباعة

تفجير "داعش" الإرهابي لمسجد الإمام الصادق، يشير إلى مدي تأثر الكويت بأجواء الخطاب الطائفي والمذهبي في المنطقة العربية، فهذه التطورات مثيرة للقلق يمكن أن تضعف في النهاية موقف الكويت الفريد من نوعه كدولة مستقرة نسبيا ومتناغمة في المنطقة بسبب العنف الطائفي والإرهاب.
التحالف المدني لنبذ العنف

عقدت منظمتان مدنيتان كويتيتان، مساء الأحد، مؤتمراً صحفياً لإطلاق تجمع مدني جديد في البلد الخليجي متعدد الثنائيات الدينية والطائفية والاجتماعية، تحت مسمى “التحالف المدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف”.
وجاء الإعلان عن موعد إطلاق التحالف، بعد نحو أسبوعين من هجوم عنيف بحزام ناسف، استهدف مسجداً يرتاده الشيعة في العاصمة الكويت وخلف أكثر من 250 قتيل وجريح من المصلين.
وقال الحميدي في تصريح صحافي: إن البلاد ورغم ما تنعم به من أمن واستقرار وتسامح في ظل القيادة الحكيمة لكن الأحداث الأخيرة وكذلك ما تشهده المنطقة العربية من صراعات فئوية وانتشار متزايد لثقافة التطرف والإرهاب يستدعي منا كجمعيات نفع عام أن ندق ناقوس الخطر.
وأكد أهمية العمل على توحيد وتضافر الجهود للخروج برؤية موحدة تتصدى لهذه الظواهر، لافتا إلى أن الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان والرابطة الوطنية للأمن الأسري، لافتا إلى أن إطلاق التحالف المدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف، وهي مبادرة من منظمات المجتمع المدني في الكويت لتعزيز التلاحم والوحدة الوطنية.
من جهتها قالت رئيسة الرابطة الوطنية للأمن الأسري د. خديجة المحميد: إن المجتمع يواجه الكثير من التحديات، وهو بحاجة إلى آليات جديدة وحديثة لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف والعنف.
وأضافت المحميد، أن التحالف يأتي في إطار الجهود المشتركة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تكاتف الجهود والتصدي لخطاب الكراهية ونشر ثقافة السلام والعمل على وضع مبادرات جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة مما يُسهم في تحصين المجتمع وحمايته لتعزيز التعايش السلمي بين مكوناته، موضحة أن التحالف سينفذ أنشطة عديدة من أبرزها تشكيل فريق وطني من جمعيات النفع العام لصياغة وثيقة وطنية تنبذ العنف والكراهية والطائفية وكل أشكال التمييز.
وبينت أن اتفاق جمعيات النفع العام على وضع مثل هذه الوثيقة سيُسهم في إشاعة ثقافة نبذ الكراهية والعنف والتحريض بين الجميع مما يشكل في حد ذاته أرضية صلبة ونواة لعمل مجتمعي مدني أوسع على مستوى الوطن بأكمله.
الإرهاب في الكويت

طوال العقد الماضي لم تشهد الكويت، اضطرابات الفوضى والعنف الطائفي التي عاثت فسادًا في الدول العربية الأخرى. والمرة الأخيرة التي شهدت الكويت عملا من أعمال الإرهاب على هذا النحو كان في عام 2005، عندما قامت إحدى المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، كانت تسمي نفسها أسود الجزيرة، بتبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في مدينة الكويت؛ ما أدى إلى وفاة 13 شخصا. وكان هجوم "داعش" على مسجد الإمام الصادق لطائفة الشيعية، بمثابة تطور خطير للسلطات الكويتية، والتي عليها أن تواجه حقيقة أن «داعش» قد وضعت عينها على الكويت، حيث ما يقرب من ثلث السكان من الشيعة. وعلاوة على ذلك؛ فإن احتمال أن الهجوم الإرهابي تم بالتنسيق مع الشبكات المحلية هو دليل إضافي على أن «داعش» لديها موالين بين السلفيين المتشددين في الكويت.
وفي 13 يناير 2008، تعرض 20 مكتبة إسلامية سنية في شارعي المثنى وحسن البصري في منطقة حولي لكسر زجاج واجهاتها.
الشحن الطائفي

وفي العقود الأخيرة عاشت الأغلبية السنية والأقلية الشيعية في انسجام تام، لم يعهده أحد في بلدان مجاورة مثل العراق. حالة العلاقات الودية بين السنة والشيعة في الكويت تأثرت من وقت وأخر بالأحداث التي شهدتها المنطقة، فعقب الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، ثم الاحتجاجات في البحرين، والأوضاع في اليمن، كان لها تأثيرها علي الجو السياسي في الكويت، ولكن كانت الأزمة السورية والصراع الطائفي في سوريا له تأثيره على المنطقة بأثرها من خلال تأجيج الصراع المذهبي وارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي بالبلاد العربية والإسلامية، والذي كان له صداه في الكويت، وهو ما يؤكد كيف أن المملكة ليست محصنة تمامًا من التوتر بين السنة والشيعة.
وفي 9 يونيو 2011، اعتقلت السلطات الكويتية «ناصر أبل»، وهو مدون شيعي، لانتقاده تعامل الأنظمة السعودية والبحرينية للشيعة. وأطلقوا سراحه بعد عدة أشهر. وبعد أسبوع واحد من شن التحالف العسكري الذي تقوده الرياض عملية عاصفة الحزم، اعتقلت السلطات الكويتية «خالد الشطي»، وهو محام شيعي وعضو البرلمان السابق، لاستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لانتقاد الحملة السعودية في اليمن. ووجهت اتهامات للشطي بــ «تحدي الأمير وإضعاف معنويات الجنود الكويتيين، والإساءة إلى المملكة العربية السعودية، وتهديد العلاقات السعودية مع الكويت».
قد أسهمت الأزمة السورية أيضًا في التوتر الطائفي في الكويت. وفي حين حاولت الكويت لعب دور إنساني إلى حد كبير في سوريا، فقد استخدمت عددا من الكويتيين الأثرياء في الجمعيات الخيرية الإسلامية لتوجيه عشرات (إن لم يكن مئات) الملايين من الدولارات إلى الجماعات المتطرفة التي تقاتل النظام السوري.
وفي مايو الماضي، استقال وزير العدل والشئون الإسلامية في الكويت «نايف العجمي» من منصبه بعد أن اتهمه وكيل الولايات المتحدة لشئون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين بجمع التبرعات لجماعات تنظيم القاعدة في سوريا. وجاءت الاستقالة بعد عدة أسابيع من وصف كوهين الكويت بأنها «بؤرة لجمع التبرعات للجماعات الإرهابية في سوريا»، وأكد أن تعيين «العجمي» بــ«تاريخه المشجع للجهاد في سوريا» كان «خطوة في الاتجاه الخاطئ»
وفي يناير الماضي، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن العشرات من الجهاديين الكويتيين يحاربون في ساحات القتال في سوريا. وفي السنوات الأخيرة؛ لم تشهد الكويت تراجع في أعداد الشباب السنة المسافرين إلى منطقة البلقان والقوقاز وأفغانستان والشيشان والعراق للمشاركة في بعثات الجهادية.
وبعد تصاعد مشاركة حزب الله اللبناني في سوريا مايو/يونيو 2013، فإن الخطاب الطائفي من رجال الدين السنة والشيعة في الكويت، مما أدى إلى تصاعد الخطاب الطائفي.
السياسيون والطائفية

الخطاب الطائفي في المنطقة كان له انعكاس علي الأوضاع في الكويت، وخاصة في مجلس الأمة "البرلمان الكويتي"، وهناك أكثر من واقعة تؤكد علي وجود الخطاب الطائفي بين السياسيون والمثقفين في الامارة، وهو ما يجب ان يحذر منه، فرغم تأكيدات النواب المتكررة في الإعلام رفض الخطاب الطائفي داخل قاعة عبدالله السالم(البرلمان)، فإن الواقع يأتي على خلاف ذلك، إذ شهدت المجالس المتعاقبة سجالات وصلت إلى حد الضرب بسبب الخوض في المسائل الطائفية، دون إدراك لخطورة لعبة الطائفية السياسية والتي ادت إلى وقوع تفجير مسجد الإمام الصادق.
شواهد تاريخية على هذا النوع من الخطابات يمكن الاستدلال عليها، وأبرزها ما كان يقال في ما أطلق عليه جزافا حادثة «تأبين القيادي بحزب الله اللبناني عماد مغنية»، التي انتقل فيها الاصطفاف الطائفي من المجلس إلى الشارع، ولا يمكن تجاوز أول حادثة تبادل بالضرب في مجلس الأمة 2009 وصولًا إلى الحادثة الأخيرة بين النائبين د. عبدالحميد دشتي (شيعي) وحمد الهرشاني (سني) في البرلمان حول الأزمات السياسية والصراع في المنطقة العربية وخاصة في سوريا، جزءا من الحياة الطائفية انعكست علي المشهد السياسي الكويتي.
فالنقاش بين النائبين أدى إلى الضرب بالأيدي و«العقل»، وتبادل العبارات والاتهامات ذات البعد الطائفي.
فالحالة «الطائفية النيابية»، هي انعكاس لما تعيشه الدولة من صراعات بين فئات الشعب، وإن كانت هناك محاولات لإخفائها خلف عباءة الوحدة الوطنية؛ لأن هذه الصراعات نتيجة حتمية لما تعيشه المنطقة بشكل عام من أزمات.
شدد النائب فيصل الدويسان على ضرورة تحديد المقصود أولا بالخطاب الطائفي، ويطرح جملة من التساؤلات «فهل عندما يتناول النائب طائفة معينة يصبح طائفيا، في حين عندما يتناول طائفة أخرى يكون غير طائفي؟ وهل الطائفية تكون عندما يدافع النائب عن فئة مظلومة أو رد الشبهات عن فئة أخرى؟
وقال الدويسان لـ»الجريدة» الكويتية: إن «النائب حر في ما يبديه من آراء داخل قاعة عبدالله السالم، والاحتقان الطائفي موجود في الإقليم، بل وصل إلى حد الاحتراف الطائفي، وينعكس هذا الأمر على الكويت».
وأشار إلى أن معالجة الخطاب الطائفي لا تكون من مجلس الأمة، «فهو في النهاية جزء من المجتمع، إذ يكون ذلك من خلال إيجاد حل شمولي وليس جزئيا، فأمر طبيعي تناول الخطاب الطائفي في الكويت بعد غياب المناهج الدراسية التي توحد الأمة»، لافتا إلى أنه «عندما تتم معالجة المناهج الحالية، وعندما تقوم المساجد بدورها وتبتعد عن الأمور الطائفية، فإن الخطاب الطائفي سيغيب».
ويقر الدويسان أن حل أزمة الخطاب الطائفي في المجلس يبدأ من قاعة عبدالله السالم، قائلا: إن «المجلس جزء بالمجتمع... إذا تمت معالجة جذور هذه القضية في المجتمع، فلن يخوض النائب في الأمور الطائفية؛ لأنه لن يجد وقتها من يصفق له من الجمهور».
وفي الختام «أقول للحكومة التي تعد مسئوليتها منفردة اخلقي جمهورًا واعيًا تنقطع الطائفية في المجتمع».
أهمية التحالف المدني

وسط هذا الجو المشحون وفي إطار تعرض الكويت لهجمات طائفية، تأتي أهمية التحالف المدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف، ومن المقرر أن يقوم التحالف بتشكيل فريق وطني من جمعيات النفع العام لصياغة وثيقة وطنية لنبذ العنف والكراهية والطائفية وكل أشكال التمييز.
ويبذل البلد الخليجي الذي يعيش فيه نحو أربعة مليون نسمة بينهم 1.2 مليون كويتي، جهوداً كبيرة على المستوى الرسمي والشعبي لتعزيز الوحدة الوطنية وتأكيد انتماء الكويتيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم للكويت.
وفي العقود الأخيرة عاشت الأغلبية السنية والأقلية الشيعية في انسجام تام، لم يعهده أحد في بلدان مجاورة مثل العراق. حالة العلاقات الودية بين السنة والشيعة في الكويت تعزى إلى حد كبير إلى النظام الملكي بعد أن منح الشيعة المساواة في الحصول على المنافع العامة (الرعاية الصحية والسكن والتعليم ودعم الوقود والوظائف الحكومية، وغيرها)، وكذلك إدراجهم وتمثيلهم في البرلمان الوطني.
المشهد الكويتي

القيادة والسياسيون والنشطاء ورجال الدين في الكويت لديهم الآن سبب للخوف من تدبير أعمال إرهابية مماثلة تهدف إلى إثارة الفتنة في البلاد. تطورات مماثلة مثيرة للقلق يمكن أن تضعف في النهاية موقف الكويت الفريد من نوعه كدولة مستقرة نسبيا ومتناغمة في المنطقة بسبب العنف الطائفي والإرهاب.. فهل سينجح التحالف المدني في تعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف أم أن الخطاب الطائفي سيهدد الكويت؟