صحفي بريطاني يكشف "داعش" من الداخل
الأربعاء 15/يوليو/2015 - 03:34 م
طباعة

تحت القصف ومخاطر الحروب أراد الكاتب الصحفي البريطاني بنجامين هول أن يتغلغل في تنظيم "داعش"؛ ليكون المنتج النهائي كتابه الصادر مؤخرًا (داعش من الداخل) الذي رصد من خلاله تواجده مع المصور ريك فيندلر في معسكرات التنظيم بالعراق وسوريا ليوثق هذه التجربة المتوحشة التي تعد الأكثر بطشًا في التاريخ الحديث، ونستطيع أن نقدم في السطور التالية حقائق عن التنظيم تضمنها الكتاب المهم، ومنها
عند تحرير تل أبيض على أيدي (ميليشيات) الأكراد أخيرًا، تراكض أبناء البلدة في الشوارع وهم يدخنون السجائر احتفالاً بفرار التنظيم الذي حظر التبغ ومنع عنهم كل شيء تقريبًا.
ويتابع: "بعض المواطنين داخل الرقة يتحلون بشجاعة عظيمة إذ حاولوا نشر (صور عن) حياتهم العصيبة وظروفهم المريرة على الإنترنت، لكن التنظيم لا يخاف، بل يتباهى بعرض دمويته على العالم".
ومعلوم أن «داعش» ينشر في سياق دعايته صورًا وأفلامًا عن فظائعه كأداة للتجنيد، ولديه فريق إعلامي متكامل. وهنا، يلفت الكتاب الانتباه إلى القوانين الصارمة التي وضعها التنظيم لإعلامييه، ومنها أداء قسم الولاء لزعيمه أبو بكر البغدادي، وتدقيق عملهم من قبل المكاتب الرئيسة مع احتمال محاسبة الصحافي عند اتهامه بانتهاك الخطوط الحمراء والقواعد.
الطبقية

لم يحتكَّ الصحافي البريطاني هول مع عناصر «داعش» أثناء وجوده في العراق وسوريا، بَيْدَ أنه قابل عناصر سابقين كانوا قد التحقوا بالتنظيم المتطرف واستطاعوا الفرار منه لاحقًا. ويكشف هول عن حالة التوتر الجمة التي كانت تتملكه أثناء توجهه لبناية مهجورة أو زقاق مظلم للالتقاء بهم مع مخاوف أن يكون اللقاء المدبر مجرد كمين نصبه التنظيم لاختطافه.
وحول روايات مجندي «داعش» السابقين يقول هول إنهم سردوا له «فظائع التنظيم وأعماله الدامية على أيدي عناصره السفاحين المتعطشين لسفك الدماء». وحول أسباب التحاقهم، يشير الصحافي إلى أن «كثيرين منهم وجدوا في التنظيم فرصة لمجابهة أنظمة مذهبية اعتبروها ظالمة كنظامي الأسد والمالكي سابقًا»، وأردف: «كانوا ينضمون إلى (داعش) مبدئيا بعد خسارتهم أحباءهم، وإيمانًا منهم بأن التنظيم سيواجه النظام، ولكن سرعان ما تتضح لهم حقيقته فينشقون عنه».
يشرح هول في كتابه الفوارق ما بين مجندي «داعش» المحليين والعناصر الذين يلتحقون بالتنظيم من الغرب- أوروبا على وجه الخصوص. ويصف الصحافي المجندين الأجانب بأنهم الأكثر دموية لأنهم التحقوا بالتنظيم عن طريق غسيل الدماغ الإلكتروني. ويوضح هول هذا النقطة بقوله: «الأجانب هم الأكثر توحشًا؛ لأنهم غير مرتبطين بالمنطقة (العربية)، وليست لديهم علاقات مع أهل القرى هناك، بل التحقوا بالتنظيم جراء إحباطهم إذ يكون البعض منهم سجناء سابقين أو قطاعي طرق. ومن ثَم، يتحول ذلك الإحباط إلى تمرد عن طريق التجنيد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي يجيد التنظيم استخدامها لترويج دعايته».
ويروي الكتاب عن التنظيم أنه لا يثق بالمقاتلين الأجانب بمقدار الثقة التي يمنحها للمجندين الآخرين. وحول هذا الجانب يكتب هول: «المجندون الغربيون الذين يلتحقون بـ(داعش) تكون معرفتهم بالإسلام ضئيلة عمومًا؛ ولذا يسلمهم التنظيم مهمات وضيعة وأشغالا بعيدة عن ساحة القتال». ويضيف: «لذلك، فإنهم يسأمون ويشعرون أنهم مواطنون درجة ثانية ويندمون لالتحاقهم في الأصل».
غير أن هذا الواقع «الطبقي» لا ينطبق على المقاتلين الشيشان، إذ تبلور هذا التميز مع التحاق أبو عمر الشيشاني، المقاتل الشيشاني وأحد زعماء جيش المهاجرين والأنصار، بـ«داعش»، ليصبح جيشه امتدادا للتنظيم ويحتل الشيشاني منصبًا قياديًا فيه. ويوضح هول السبب بقوله: «الشيشان خاضوا تاريخيًا حربًا ضروسًا ضد الروس، مما جعلهم مقاتلين أشداء ومخططين عسكريين بارعين». ويضيف: «التفرقة لا تنطبق عليهم بل يستفيد (داعش) من حنكتهم وغياب انتمائهم للمنطقة في معاركه الدائرة التي تؤدي إلى مقتل المدنيين».
البترول

الرئيس السوري بشار الأسد
بالنسبة إلى تركيا، يقول هول في كتابه: إن الأسد والأكراد يشكلون تهديدًا أكبر على مصالح البلاد وسيادتها من خطر «داعش». هذه الجملة سلط الضوء عليها بنجامين هول في كتابه، وبحسب الكتاب فإن الحدود التركية- السورية هي حبل نجاة التنظيم وضمان لحيويته. إذ ينقل هول عن عنصر سابق في «داعش» قوله: إن «الحدود ليست مشكلة لنا، وتركيا لا تشكل عائقًا علينا أيضًا». ووفقًا لمشاهدات الصحافي البريطاني من قلب الحدث، يتحرك عناصر «داعش» بسهولة بين سوريا وتركيا، ويدخلون إلى أنطاكية أحيانا لتناول وجبة «كباب» تركية أو لتلقي العلاج بأحد مشافي المدينة. إلى ذلك، يعلل هول التراخي التركي إزاء «داعش» بقوله: «من الصعب التمييز بين مقاتلي (داعش) وعناصر مقاتلة من فصائل المعارضة كأحرار الشام أو جبهة النصرة». ويضيف: «لا نستطيع الجزم بأن تركيا تدعم التنظيم بشكل مباشر، لكننا رأينا صورا التقطت على الحدود التركية- السورية لحرس الحدود التركي وعناصر من (داعش) وهم يتشاركون أطراف الحديث ويختلطون في بلدة عين العرب (كوباني)».
الحدود التركية- السورية شاسعة ومن الصعب التحكم بها ومراقبتها، غير أنه بمقدور تركيا أن تفعل المزيد لتأمينها، حسبما يشرح الكتاب. وهنا يقول هول إن «التنظيم كان لتركيا في بادئ الأمر بمثابة أداة للتخلص من بشار الأسد، ولم تتوقع أن يغدو (داعش) لاحقًا بهذه القوة».
ويستطرد: «لقد لاحظت أنقرة أخيرًا أن عليها أخذ دور أكثر فعالية في النزاع السوري، وحقًا نشهد مقترحات لتأمين الحدود وعزلها».
ولكن حتى إذا جرى تأمين الحدود في محاولة للحد من تجنيد «داعش» وتجفيف مصادر دخله، تظل المسألة الأكثر إلحاحًا مسألة النفط الذي يجني منه التنظيم الكم الأكبر من أمواله. هنا يقول هول إنه «أمر معلوم ثبت (لنا) من خلال الحديث مع مجندين فروا من التنظيم، ومن خلال صور التقطها الأقمار الصناعية لشاحنات تغادر المصافي الواقعة تحت سيطرة (داعش) متوجهة إلى معاقل النظام. إن جماعة الأسد تشتري النفط الذي يكرره التنظيم المتطرف».
ويتابع هول قائلا: «ما بعد الحدود السورية، هناك سوق نفط سوداء، إذ إن ظاهرة تهريب النفط موجودة قبل ظهور (داعش) وقبل اندلاع النزاع السوري». ويشير إلى مشاهداته في سوريا، فيروي إذ رأى في بعض المدن التي يجري شحن النفط منها كميات النفط، وهي تضخ عبر الحدود وتعبأ في براميل سرعان تختفي بالسوق السوداء في تركيا».