قراءة في الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى
الأربعاء 15/يوليو/2015 - 04:40 م
طباعة

عد توقيع إيران والدول الست الكبرى اتفاقاً حول برنامج طهران النووي، والذي قالت الدول الكبرى عنه إنه لن يساعد طهران على الحصول على قنبلة نووية، حيث قوض جهودها في الحصول على تلك القنبلة، عبر تخفيض أجهزة الطرد المركزي، فضلاً عن التخلص من 98% من اليورانيوم الإيراني المخصب، بات من الحري التعرف على أثر توقيع الاتفاقية على مستقبل المنطقة، كون إيران دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط.
السؤال الأبرز اليوم هو شكل المنطقة وتداعيات الحدث على صراعاتها، كيف ستتعامل القوى الإقليمية مع متغيرات واقعة لا محالة، من السعودية زعيمة حلفاء واشنطن العرب، إلى إسرائيل التي وصفت الاتفاق بالخطأ التاريخي.
وقبل التعرف على أثر الاتفاقية على مستقبل المنطقة، يمكن التعرف على أبرز بنود الاتفاقية بين الطرفين:

1 - رفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران.
2 - فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني طويلة المدى مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة حددت بـ 3.67 %.
4 - خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز طرد.
5 - التخلص من 98% من اليورانيوم الإيراني المخصب.
6 - عدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيلة، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما.
7 - السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، ومنها المواقع العسكرية لكن بعد التشاور مع طهران.
8 - الإبقاء على حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية، و8 سنوات للصواريخ البالستية.
9 - الإفراج عن أرصدة إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات.
10 - رفع الحظر عن الطيران الإيراني وأيضا عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشخصيات.
11 - التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
أثر الاتفاقية على مستقبل منطقة الخليج العربي

ومما لا شك فيه أن دول الخليج العربي من أكثر الدول المهتمة بالاتفاقية، وتابعت بعناية مراحل المفاوضات التي مرت بأوقات ظن الجميع أنها فشلت، حتى المرحلة الأخيرة التي تم وضع فيها اللمسات الأخيرة لبنود الاتفاقية.
وتعتبر دول الخليج العربي من أكثر الدول المُتحفظة على التقارب الإيراني الغربي بعد الانتهاء من حيثيات الملف النووي، خاصة وأن الدول الخليجية تنظر إلى أمريكا حليفتها القديمة، أنها تخلت عنها في مقابل التوصل مع إيران إلى اتفاق نووي، وهو ما فسر الاتجاه السعودي إلى روسيا وتوقيع عدد من الاتفاقيات التي تخول للأخيرة مساعدة الرياض في بناء عدد من المفاعلات النووية، وهو الأمر الذي بلا شك أغضب أمريكا التي تعتبر موسكو عدوها الأول اللدود.

بداية، العلاقات بين إيران وأمريكا ستتحسن بشكل كبير، مع بدء تنفيذ الاتفاق وبداية رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران وبالتالي ستتحول أمريكا من طرف يقف مع الدول الخليجية في مواجهة ايران إلى وسيط وهذا ما يثير حفيظة الدول الخليجية التي تتخوف من الاثار الجيوسياسية للاتفاق، وهو ما قال الخبير في ملف العلاقات الإيرانية، مصطفى اللباد.
ولا يمكن الجزم بأن طهران ستلتزم بالاتفاق أم لا، وإنما يمكن القول أنها لا يمكنها انتاج سلاح نووي بالنظر إلى التزاماتها أمام القوى العالمية الست الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا.
الإمارات وقطر أبرز المتضررين

وأشارت العديد من التقارير إلى أن الاتفاق سيؤثر سلبا على قطر فيما يتعلق بنشاطها في استخراج الغاز في الخليج إذ تشير تقارير إلى أنها تسحب من حقل مشترك مع إيران في الخليج أكثر مما تستحق ولن تجرؤ على ذلك بعد الاتفاق خاصة أن فتح قطاع الطاقة الإيراني أمام الشركات العالمية ومنها شركات أمريكية سيخلق مصالح لهذه الشركات في موارد الغاز الإيرانية.
وقال اللباد إن إيران هى صاحبة ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، الموجود في الجزء الشمالي من الحقل، وتطلق عليه حقل "بارس الجنوبي"، وقطر صاحبة ثالث أكبر احتياطي الجزء الجنوبي منه وتطلق عليه "حقل الشمال".
كما تعتبر دولة الإمارات المتحدة الشقيقة من الدول التي ستتأثر بالاتفاق، حيث تعتبر الإمارات الشريك التجاري الأول لإيران بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث من المقرر أن لا تكون طهران مضطرة للاستيراد عبر دبي، كونها تُخطط لإنشاء 6 موانئ حرة على بحر العرب، مما سيؤثر على جبل علي ودبي، فضلا عن تطلعها لاجتذاب سياح من شرق آسيا يتجهون حاليا للإمارات.
الموقف المصري من الاتفاق النووي مع إيران

من المؤكد أن مصر ليست طرفا في الصراع مع إيران، إلا أن تعهدها الكثير والمتواصل بحفظ أمن الخليج يجعلها دائماً على خط المواجهة مع طهران، وهو ما فسر بلا شك الترحيب الحذر بالاتفاق، حيث أعربت وزارة الخارجية المصرية أمس (الثلاثاء) عن أملها في أن يؤدي الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران والقوى الدولية إلى منع نشوب سباق للتسلح في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تسعى إليه مصر منذ فترة من إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
وقالت الخارجية، في بيان لها أمس، إنها تتابع باهتمام الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مجموعة الست الكبري وإيران حول الملف النووي الإيراني وتعكف حاليا على دراسة بنوده فور الحصول على نص كامل له لدراسته وتقييم مضمونه بدقة، وأعربت الوزارة عن أملها في أن يكون الاتفاق "شاملا متكاملا ويؤدي إلي منع نشوب سباق للتسلح في منطقة الشرق الأوسط وإخلائها بشكل كامل من جميع أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية، وبما يؤدي الي تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة ويتفق مع بنود معاهدة منع الانتشار النووي".

الاتفاق النووي الإيراني وتحول أمريكا كما أوضحنا من خط المواجهة مع طهران إلى الدولة الوسيطة بين دول الخليج وطهران، يزيد من أهمية مصر بالنسبة لدول الخليج، حيث ستسعى الدول الخليجية إلى الحفاظ على علاقتها بمصر، التي سيهمها الآن بدرجة أكبر أن تبقي مصر في صفها في المنافسة مع إيران وبالتالي لن تمارس أي ضغوط عليها، لذلك يمكن القول أن الخلافات الموجودة بين دول الخليج مع مصر في القضايا الفرعية ستختفي لأن الأولى تريد مصر إلى جانبها في مواجهة طهران.

لذلك يمكن القول كذلك أن احتمالية التقارب بين مصر وطهران رغم الغزل الإيراني المتواصل مستبعدة تمامًا، على الرغم من أن الاتفاق النووي الإيراني سيزيد من وزن طهران النسبي في المنطقة، لذلك لابد على القاهرة ألا تتغافل عن الدور المحوري الذي تقوم به طهران في المنطقة وما ستقوم به بعد الاتفاق، بسبب موقفها الداعم بلا حدود لدول الخليج.
وقالت تقارير إعلامية إن تحسين العلاقات بين القاهرة وإيران ليس مطلوبا في حد ذاته، لكن لابد من وجود تصور لمزايا وتوقيت استعادة العلاقات وهو ما تفتقر إليه السياسة الخارجية لمصر على المستوى الإقليمي حيث لا يوجد تصور عام لعلاقات وتوازنات إقليمية، خاصة مع تدهور العلاقة بين مصر وتركيا من جهة، والعلاقة مع إيران أقل من الطبيعية.
الموقف الإسرائيلي من الاتفاق

يبدو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم يكن بمقدورها تعطيل الاتفاق النووي الإيراني، من خلال الكونجرس الأمريكي لعدم كفاية أصوات الجمهوريين للتغلب على إمكانية استعمال الرئيس باراك أوباما للفيتو الرئاسي لمنع عرقلة الاتفاق.
فيما دافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الاتفاق النووي، معتبرا أنه الطريق الأفضل لمنع طهران من الحصول على قنبلة نووية، وذلك ردا على انتقادات شديدة اللهجة من قبل زعماء الكونجرس، وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت الأربعاء 15 يوليو 2015، رفض الرئيس الأمريكي الانتقادات التي يوجهها إليه الجمهوريون وبعض الديمقراطيين، قائلا: "إننا منعنا أية إمكانية لتطوير السلاح النووي من قبل إيران، نجحنا في توحيد المجتمع الدولي حول نظام العقوبات الأكثر فعالية والذي وجه ضربة قوية إلى الاقتصاد الإيراني، وأجبر طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
خطة أوباما لتمرير الاتفاق

وتابع أوباما أن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في فيينا الثلاثاء 14 يوليو 2015 يمثل "أفضل طريق لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، إذ تم تحقيق هذا الهدف بدعم المجتمع الدولي دون إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط".
وأكد أن الاتفاق يركز على الملف النووي فقط، وهو لا يشمل ما اعتبره أوباما "الأنشطة الإيرانية الضارة" في المنطقة وفي العالم برمته. وأكد أنه يشاطر أعضاء الكونجرس قلقهم من احتمال أن يتيح رفع العقوبات لإيران فرصة "تمويل الإرهاب" وتكثيف دعمها للنظام السوري و"حزب الله". لكنه أكد أن واشنطن ستعمل مع حلفائها في المنطقة ومنهم دول الخليج وإسرائيل لوضع حد لهذه الأنشطة التي لا علاقة لها بالملف النووي.

وكان أوباما قد وقع مايو الماضي على قانون يمنح الكونجرس 30 يوما لمراجعة أي اتفاق قبل أن يعلق عقوبات الكونجرس الأمريكي بشرط أن يتسلم أعضاء الكونجرس الاتفاق بحلول 8 يوليو، وفي حال تسلم الكونجرس الاتفاق بعد ذلك الموعد ستمتد فترة المراجعة إلى 60 يوما. وبعد انتهاء هذه المهلة، سيتعين على أعضاء الكونجرس إما الموافقة على الاتفاق أو رفضه.
وفي حال رفض الاتفاق، يمنح القانون الرئيس 22 يوما آخر لاستخدام حق الفيتو ضد قرار الكونجرس، ويمكن للكونجرس تجاوز الفيتو وتمرير القانون بغض النظر عن موقف الرئيس في حال صوت ما لا يقل عن ثلثي أعضاء كلا المجلسين لصالحه.
الاتفاق النووي والحرب على داعش

كما امتد أثر توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى، إلى احتمالية التنسيق بين طهران وواشنطن على مواجهة تنظيم "داعش" الذي بات يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية.
حيث قالت تقارير إعلامية واستخباراتية، إن تعاوناً غير مباشر بين طهران وأمريكا لمواجهة "داعش"، وتحدثت تقارير أخرى، أن الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى، سيزيد من التعاون المباشر بين البلدين في مواجهة الإرهاب، خاصة أن طهران لها نفوذ واسع في العراق وسوريا.
وفيما له صلة بالحرب الدائرة حالياً في سوريا والعراق واليمن والأوضاع في لبنان، توقع الكثير من الخبراء التوصل خلال الفترة المقبلة إلى تسوية تساعد على إنهاء تلك الأزمات المستمرة منذ سنوات، لكنها تسوية ستصب في النهاية إلى زيادة نفوذ طهران في المنطقة.