دولة الكرد "الحلم" الذي يرفضه الجميع
الخميس 16/يوليو/2015 - 02:12 م
طباعة

حلم الدولة الكردية غائر في القدم وبنفس قدم وجود الأكراد في سوريا والعراق وتركيا، ودائمًا ما يتجدد بين الحين والآخر، وعلى مدار فترات متقطعة من التاريخ، ولكن في هذه الأيام ومع الانتصارات التي يحققها الأكراد في العراق وسوريا وحتى في تركيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" يأمل الأكراد أن يتحقق حلمهم القديم في دولة كردية على أراضيهم في العراق وسوريا.

ولكن هذا الحلم سرعان ما تواجهه الصدمة الإقليمية والدولية بالرفض، حتى من أقرب حلفائهم وهو ما تمثل في تصريحات "جون آلن" المنسق الأمريكي للتحالف الدولي ضد داعش، الذي قال فيها: "إن الولايات المتحدة تعارض تشكيل كيان كردي مستقل في شمال سوريا، ولا ندعم ولا أعتقد أن الأكراد أنفسهم يدعمون تشكيل كيان حكومي منفصل في شمال سوريا في المناطق التي استعادتها القوات الكردية من داعش".
وشدد على أن عمليات التهجير العرقي التي تقوم بها وحدات الحماية الكردية في المناطق التي سيطرت عليها على أنه من المهم ألا يتحوّل شريك ساعد في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى قوة احتلال، وأنه لا بد من تمكين السكان الذين تحرروا من التنظيم المتطرف من العودة إلى نظام «الإدارة الذاتية» الذي كان قائماً، وبالتالي التركمان يديرون شئون التركمان والعرب شئون العرب والسريان شئون السريان.
الولايات المتحدة والعبث بالحلم الكردي

تصريحات منسق التحالف الدولي ضد (داعش) حول رفض قيام كيان كردي في سورية، في أوساط المقاتلين الكرد، صدمت الأكراد الذين كانوا يعتقدون أنهم باتوا "الحليف الأقوى" لواشنطن، وأثارت غضبهم أيضًا ليرد شفكر عبدي أحد عناصر قوات البشمرجة قائلا: "القوات الكردية التي تحارب التنظيم الإرهابي، وتسطّر البطولات لا يمكن أن يكونوا محتلين بيوم من الأيام، بل هم مدافعين عن وطنهم وشرفهم ضد إرهاب يهدد الإنسان ولم نكن يوماً مغتصبين لأرض الغير بل نحن أولى بمناطقنا، وكردستان سوريا جزء لا يتجزأ من كردستان الكبرى التي جزأتها المشاريع والمصالح الدولية".
ورفض إبراهيم إبراهيم، مدير المركز الإعلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي في أوروبا التصريحات الأمريكية، "أن جون آلن لم يتحدث بجديد لأن الحقيقة هي كذلك وأن قضية التقسيم والانفصال الكردي موجودة فقط في مخيلة البعثيين العروبيين في المعارضة السورية، ومن الغريب فعلاً أن هذه العقلية المؤامراتية دمرت العرب والعروبة ومع ذلك ما زالت وتسيطر على 95% من المعارضة العربية".

وبالنظر إلى هذه التصريحات الأمريكية نجد أنها تكشف عن عدد المؤشرات، منها:
1- أن هذه التصريحات وإن كانت لا تنذر بتخلي واشنطن عن دعم المقاتلين الكرد في وجه تنظيم "داعش"، ولكنها تقف في نفس الوقت ضد أحلام الأكراد في دولة لهم.
2- أن أمريكا لا تريد دفع فاتورة الخسائر البشرية من أرواح الجنود الأمريكان، وأن الأكراد هم البديل، لكن في حدود ما تريده الولايات المتحدة.
3- أن هذه التصريحات قد تستخدم لاحقاً للتنصل من دعم أي كيان كردي، بحجة تحوله إلى "قوة احتلال".
4- إرضاء حليفها التركي القوي إقليمياً، والذي شابت علاقتها بها الكثير من الفتور بسبب رفض "أردوغان" الانضمام للحلف الدولي لقتال "داعش".
5- أن علميات التهجير التي قامت بها قوات الحماية الكردية في تل أبيض، والتي سعى حتى المعارضون لسياسات حزب الاتحاد الديمقراطي لإنكارها باستماتة، قد أحرجت الأكراد وأساءت لقضيتهم.
الأكراد والرفض التركي للدولة "الحلم"

الموقف التركي رافض تمامًا لقيام دولة كردية في سوريا أو العراق، وأثار تكثيف الولايات المتحدة دعمها العسكري لقوات حماية الشعب الكردية التي تقاتل "داعش" في سوريا، غضب تركيا، التي تستعد لتوغل عسكري في سوريا لإقامة منطقة عازلة، وهو ما دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى عقد اجتماع مع فريق الأمن القومي، بحث خلاله كيفية مواجهة القوة المتزايدة للأكراد السوريين باعتبارهم تهديدًا خطيرًا للأمن القومي بسبب صلاتهم بأكراد تركيا، الذين شنوا حربًا لعدة سنوات ضد الدولة التركية للانفصال، وإنها تشعر بالقلق جراء التعاون المتزايد بين القوات الكردية السورية والجيش الأمريكي في قتال تنظيم داعش.
وهناك عدة أسباب لخوف تركيا من أكراد سوريا، تتمثل فيما يلي:
1- عدد أكراد سوريا الكبير الذي يتجاوز المليوني نسمة.
2- نفوذهم القوي في المدن الكبرى في سوريا ولا سيما دمشق وحلب.
3- سيطرتهم على مناطق هي من أغنى المناطق الزراعية في سوريا، والتي تحتوي على معظم إنتاج سوريا من الغاز والنفط.
4- تواجدهم الكبير في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد المتاخمة لتركيا، وفي العراق أيضًا من أقصى الشرق على شكل لسان ممتد تجاه إيران، وفي المحصلة تشكل هذه الجغرافية منطقة استراتيجية حساسة في غاية الأهمية، خاصة وأن أكراد سوريا يتواصلون مع أبناء جلدتهم في باقي أجزاء كردستان في العراق وتركيا وهو ما تخشاه تركيا.
5- انخراط آلاف منهم في صفوف حزب العمال الكردستاني انطلاقاً من قناعتهم بوحدة القضية الكردية، والآمل بإقامة دولة كردستان في المنطقة ولو بعد حين.
6- تطور المطالب الكردية بشكل كبير بعد الثورة السورية واتخذ تدريجيًّا شكل المطالبة بحق تقرير المصير، والفيدرالية والحكم الذاتي والاعتراف الدستوري بالأكراد كقومية.
7- سيطرة الأكراد خلال الفترة الماضية على العديد من المناطق الكردية وإقامة بنية إدارية وأمنية في معظم المدن، كعفرين وكوباني (عين عرب) وديريك (المالكية) وترب سبي (القحطانية) وعامودة وغيرها من المدن والبلدات الكردية التي باتت الإعلام الكردية ترفرف فوقها، وسط سيطرة واضحة لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المعروف بـ (ب ي د) وما أثارت مخاوف تركية بشكل أكبر.
8- يمثل وجود مكون علوي على طرفي الحدود في منطقة لواء إسكندرون كابوسًا للحكومة التركية.

وبالتالي نستطيع أن نقول إنه بالرغم من أن الأكراد يمثلون أكبر عقبة أمام تنظيم "داعش" إلا أن الأكراد يملكون فرصة غير مسبوقة لفرض الحكم الذاتي السياسي، ولا يقتصر الأمر على بعدهم المحلي؛ فالقوى الكردية الإقليمية تسعى بشكل دائم إلى ترسيخ قواعد نفوذها المحلية بين أكراد سوريا ذوي الحجم السكاني الصغير مقارنة بأعداد الأكراد في تركيا والعراق وإيران. تاريخيًا، واعتمد الأكراد السوريون على التجارب الكردية في الدول الأخرى ليستلهموا منها حراكهم السياسي القومي وبالتالي قد يكون خطر "داعش" عامل توحيد وتناغم بين أكراد سوريا، وسيجعلهم يلعبون دورًا مركزيًّا في الحرب على "داعش" بعد أن أثبتوا أنهم يستطيعون الوقوف في وجه التنظيم الدموي والحد من توسعه الجغرافي، وبالتالي يكونون حليفًا استراتيجيًا لواشنطن في مشروعها طويل الأمد ضد الحركات الجهادية في الشرق الأوسط وربما يعمل الأمريكيون مع حلفائهم الإقليميين على خلق بيئة في الدول التي يقطنها الأكراد؛ حتى يتمكن الأكراد أنفسهم من التمتع بحقوقهم القومية والديمقراطية؛ بشرط ألا يؤثر ذلك على التوازن الإقليمي الحسّاس، لكن الانقسامات السياسية الكردية ستستمر في التأثير على وحدة الموقف الكردي من المجريات التي تحدث في المنطقة، وربما يكون ذلك عائقًا أمام حصول الأكراد على حلمهم بدولة كردية.