اتفاق ضد الطبيعة !

الأربعاء 22/يوليو/2015 - 08:27 م
طباعة
 
لا يكاد أحد يصدق أن اتفاقا عقد بين أمريكا وإيران بخصوص نووي الأخيرة. أعرب لي عن ذلك أحد الأصدقاء حين قال: يبدو أن في الأمر خدعة ما وأنا لا أصدق بأن الطرفين وصلا إلى اتفاق !
لكن ما يستبد بكثير من الناس هو تحليل الوقائع السياسية بمنطق "ستاتيكي"، إن لم أقل بعقيدة سياسية غاية في الرسوخ. ذلك أن من عجز عن استيعاب ما يقع نسي أن أحداثا تتالت من قبل بعد أن كانت في حكم المستحيل: فرار بنعلي من تونس وقتل القذافي وهو يهم بالاختباء في المواسير، وتنحي مبارك عن الرئاسة وإيداعه السجن، إلى أن توقف المسار طويلا عند بشار. 
ومن تابع مقاربتي لتطورات الصراع الدولي على الأقل منذ مقالتي "الأزمة السورية.. من الضربة إلى التفاوض وإيران" يدرك أن أمريكا عوضت عجزها عن ضرب نظام بشار، بسبب تلكؤ الأطراف الدولية الوازنة وقبول نظام بشار بتسليم أسلحته الكيميائية، بالتفاوض مع إيران ليس فقط بخصوص الملف النووي، ولكن بعموم نفوذها الذي تنامى في الشرق الأوسط.
وظللت أردد في أكثر من مناسبة: يا ناس !!! إن لأمريكا في عهد "أوباما" مقاربة جديدة لقيادة العالم عبرت عنها وثيقة الاستراتيجية الأمنية(2010- 2014) وترجمتها سلوكاتها السياسية منذ انكشاف وثائق "ويكيليكس" إلى انفجار ثورات الربيع، واليوم بإمضاء الاتفاق النووي وإيران. للأسف جهل أو تجاهل ذلك الإخوان المسلمون في مصر فجنوا كوارث لا تحصى، ووعاها واقتنصها الفرس المسلمون الإصلاحيون وسيجنون منها نفوذا شرعيا محترما في المنطقة وعشرات الملايير من الدولارات المجمدة، وحرية في النشاط الاقتصادي.
قلت أن أمريكا في عهد أوباما تنظر إلى استمرار قيادتها العالم وإلى الحفاظ على أمن إسرائيل بطريقة مختلفة، وأشرت إلى التناقض الواضح الذي صار يعيشه النظام العالمي الجديد، كما لخصت استراتيجية أوباما الجديدة في تعريض أمن إسرائيل لشيء من الخطر حتى يتسنى لإدارته تدبير باقي الملفات العالمية بحرية وبعيدا عن تحكم وإملاءات مجموعات الضغط الصهيونية، ويأتي التطبيع مع إيران في سياق هذه الإستراتيجية.   
بقدر ما ركز باحثون على جزئيات هذا الاتفاق؛ أشكال المراقبة، حجم التخصيب وسلميته...، أغفلوا النتائج السياسية العامة لهذا الاتفاق، إذ يستحيل عندي أن يحدث تقارب بين مجموعة 5+1 وإيران في الملف النووي دون أن يمتد التقارب إلى الملف السوري والامتداد الحوثي في اليمن، بل وحتى إلى ملف التسوية في فلسطين.
ولذلك لوحظ، بالتزامن مع توقيع الاتفاق، انهيار متواصل سريع لنظام بشار والحوثيين، وحصار الرمادي والتأهب لاستعادة الفلوجة من داعش، وتقدم الأكراد على داعش باسترجاع مدينة تل أبيض. ويُرَجّح أن يكون ذلك بسبب تراجع الدعم وتسريب معلومات استخباراتية عجلت بالهزائم وباتت تمهد الطريق لتسوية سياسية وشيكة، على غرار التسوية التي تزامنت بالاتفاق النووي والتي همت الأطراف الليبية بالصخيرات المغربية.
لا شك في أن هذا الاتفاق يقض مضجع الصهاينة وحلف التحكم والديكتاتورية في العالم، فما لبث الاتفاق أن يوقع حتى بدأت التهديدات الانتقامية تستهدف الدول الراعية والداعمة لهذا الاتفاق، إذ نفذ هجوم على مراكز عسكرية في ولاية تينيسي الأمريكية، وفي نفس اليوم، الخميس 16 يوليوز 2015، انفجرت سيارة عند إحدى نقاط تفتيش في الطريق الرابطة بين الحائر والرياض بعد محاولة توقيف صاحبها، وقبلهما بيوم  أعلنت فرنسا اعتقال أربعة أشخاص في ضواحي باريس يشتبه في تخطيطهم لعملية إرهابية ضد أهداف عسكرية في فرنسا، وقبل الانتهاء من كتابة هذه المقالة شُن هجوم انتحاري على بلدة سروج التركية. 
وما كان استصدار وثائق "وكيليكس" الأخيرة بشأن أمريكا وفرنسا والسعودية والمغرب إلا محاولة فاشلة لإرباك هذا التحالف وتشويش باهت على تنزيل استراتيجيته.
نعم هذا هو الواقع وعلى أساسه ينبغي التصرف والتحضير للمراحل القادمة، وأتوقع أن تواصل إدارة الديمقراطيين الحالية من ضغطها بأفق البلوغ إلى حل الدولتين في فلسطين، بخاصة وأنها على مشارف نهاية ولايتها الثانية وقد لا تنتخب لولاية ثالثة، وإن انتخبت فقد لا تعود بالبرنامج الذي سطرته إدارة "أوباما". 
من لم يهضم توقيع أمريكا وإيران اتفاقا يسمح للأخيرة بتخصيب مقنن لليورانيوم، فهو يفكر بمنطق بعيد عن تحولات التاريخ المعاصر، أو لا زالت تسكن وجدانه أصداء الهزائم حتى صار لا يجرؤ على التفكير بيوم تُحاصَر فيه الصهيونية على هذا النحو غير المسبوق.

شارك