هل يُدشن الصراع بين القبائل الليبية لحرب أهلية؟
الأحد 26/يوليو/2015 - 12:59 م
طباعة

عقب الصراعات التي دامت على مدار عام في ظل الفوضى التي تشهدها ليبيا الآن، بين قبيلتي التبو والطوارق في الجنوب الليبي، والتي بدأت في 17 سبتمبر من 2014، ووقعت القبيلتين مساء أمس السبت 25 يوليو 2015، اتفاقًا يقضي بوقف إطلاق النار بينهما في بلدة سبها جنوبي ليبيا.
وقف القتال

توسط في توقيع الاتفاق عدة قبائل على رأسها، الحساونة والربائع والقذاذفة والمحاميد والزوائد وأهل منطقة الناصرية بسبها، وبحضور عدد من أعيان الأمازيغ من جبل نفوسة.
جاء الاتفاق، حرصًا من قبيلتي التبو والطوراق بمنطقة الطيوري بمدينة سبها على إيقاف نزيف الدم الذي أصبح يشكل خروجًا عن الدين والأعراف والأخلاق.
ونص الاتفاق على التوقف الفوري عن القتال والاقتتال بين القبيلتين مهتديين بكتاب الله وآياته القرآنية التي تحرم القتال، وعودة جميع العائلات النازحة إلى منطقة الطيوري التي نزحت خلال الأيام الماضية إلى مساكنها وبيوتها، اعتبارًا من اليوم الأحد، والإفراج عن جميع المحتجزين لدى الطرفين.
كما نص الاتفاق على أنه في حالة اختراق هذا الاتفاق من أحد الأطراف فإن جميع الأطراف الراعية لهذا الاتفاق سوف تحمل المسئولية القانونية والأخلاقية والدينية للطرف المخترق، وعلى الأطراف الراعية للاتفاق الاستمرار في جهودها ووضع الترتيبات للصلح النهائي.
وقال محمد موسي عضو المجلس الاجتماعي لطوارق في ليبيا: إن وقف إطلاق النار بدأ فعليًّا بعد توقيع الاتفاق مباشرة، ويستمر لمدة شهر قابلة للتمديد بحسب طلب مجلس أعيان ليبيا للمصالحة الذي رعى الاتفاق، مضيفًا أن الاتفاق ينص أيضا علي عودة جميع العائلات التي نزحت من حي الطيوري، نتيجة للاشتباكات، اعتبارًا من اليوم الأحد.
بداية الصراع

شهد أقصي الجنوب منذ أواخر العام الماضي وبالتحديد يوم 17 سبتمبر 2015، في صحراء عرفت باسم فزان، اشتعال الحرب بين قبلتي التبو والطوارق، تطورت إلي اشتباكات مسلحة أسفرت عن سقوط مئات القتلى والمصابين حتي الآن.
الطوارق
قبيلة الطوارق هي من أكبر جماعات البدو الرحل في الصحراء الكبرى، وهم قبائل أمازيغية، ويعود أصول تسميتهم اشتقاقا من كلمة كل تماشق، وتعني: كل من يتحدث لغة الطوارق.
وتتوزع قبائل الطوارق على مناطق شاسعة بين دول المغرب العربي وإفريقيا، ويتفاوت تواجدهم حسب الإحصائيات في هذه الدول؛ حيث إنهم يتمركزون أكثر في النيجر ومالي، ويبقى وجودهم في تشاد والنيجر منحصرًا على بعض الأقليات.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الطوارق، إلا أن الأرقام غير الرسمية المتوفرة تتحدث عن أن عدد الطوارق يناهز 3.5 ملايين شخص؛ 85 بالمائة منهم في مالي والنيجر، في حين يتوزع 15 بالمائة منهم في دول شمال إفريقيا لا سيما في الجزائر وليبيا.
ويمكن تحديد أماكن وجود الطوارق في أربع مناطق رئيسية تمتد من الجنوب الليبي وبالتحديد من منطقة فزان إلى منطقة اهقار في الجزائر، ومن منطقة أزواد في مالي، إلى منطقة أيير في النيجر.
التبو
أما التبو فهم مجموعة من القبائل تسكن جنوب ليبيا وشمال النيجر وشمال تشاد، وقد اختلف المؤرخون في تحديد أصولهم فقال بعض المؤرخين إنهم يرجعون في أصولهم التاريخية إلى قبائل التمحو الليبية القديمة، وذهب البعض الآخر إلى أنهم قبائل الجرمنت، وهي قبائل ليبية كانت تسكن جنوب ليبيا، وكانت مدينتهم جرمة الواقعة جنوب ليبيا قرب بلدة أوباري، فيما يقول آخرون: إن أصول التبو تعود إلى قبائل ليبية قديمة كانت تسمى التيبوس شمال ليبيا في المناطق الممتدة بين الجغبوب وإجدابيا.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد التبو، إلا أن الأرقام غير الرسمية المتوفرة تتحدث عن أن عددهم يبلغ نحو 350 ألف نسمة، وهم مسلمون سنيون.
نزوح الأهالي

حالة من الحرب الأهلية شهدتها المنطقة، أجبرت معظم السكان على النزوح، وعقب أن هدأت الأوضاع شيئًا ما في 22 سبتمبر الماضي بعد توصل الأطراف إلى اتفاق أوقف بموجبه إطلاق النار بينهما، لم يمر على الهدوء في المنطقة سوى 20 يوما فقط حتى تجددت المعارك؛ ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى آنذاك.
ورغم إعلان قبائل الطوارق في 21 يناير الماضي، وقف إطلاق النار من جانبهم، إلا أن الاشتباكات تعود بين الحين والآخر ليزداد أعداد القتلى من الجانبين.
الأمر دفع أهالي الجنوب إلى النزوح من المنطقة إثر المعارك الدامية يومًا عن الآخر، حيث نزح نحول 3 آلاف عائلة موزعين بين مدن غات ومرزق وسبها والشاطئ جنوب.
أسباب الصراع

الصراع بين القبلتين ازداد في ظل الأوضاع الفوضوية التي تعيشها ليبيا وانتشار العناصر المسلحة في كافة أنحاء البلاد، فبعض المراقبون أكدوا أن المشكلة تكمن في صراع تلك القبائل للسيطرة على الحدود والمنافذ والممرات الحدودية باعتبارها منطقة تقع على الأطراف مع دول إفريقية، والتي تعتبر مصدرًا لإدخال ملايين الدولارات.
وتوقع آخرون أن يكون تطور الصراع، كنوع من الضغط بين القبائل؛ كي تضمن مكانًا لها في المعادلة السياسية في ليبيا، باعتبار المنطقة الجنوبية ليست من ضمن دوائر صنع القرار السياسي في البلاد.
أحد ممثلي قبيلة الطوارق في المؤتمر الوطني العام، أكد أن ما يحدث في الجنوب يغذى من أحد الأطراف المعينة دون ذكر اسمها، والتي عملت على تسييس المشكلة بين القبائل وإصباغها بصبغة سياسية أو صبغة مرتبطة بعمليات عسكرية أو أيديولوجية معينة، مشيراً إلى أن ذلك "ساهم في تعقيد المشهد في ليبيا، موضحًا أن المشكلة في الجنوب بدأت بإشكال بسيط يتعلق بالوقود مثل الكثير من المشاكل التي تحدث في بعض من المدن الليبية، ونتيجة لانتشار السلاح في يد المواطنين تتحول المشكلة إلى صراع التعبير عن هذه المشكلة بقوة السلاح".
وأضاف ممثل قبيلة الطوارق، أنه في حال عدم إدراك الليبيين لهذا الأمر بشكل سريع سنجد أنفسنا قريبًا في طريق تدويل الصراع وجعله في أيادي وأطراف خارجية بعدما تعذرت إمكانية معالجته داخليًّا.
اتفاقية حسن الجوار

رغم اقتراب عام على الصراعات بين القبيلتين، اللتين وقعتا اتفاقية عمرها 100 عام "تمسي اميدي ميدي" والتي تعني حسن الجوار وتنص على تقاسم مناطق النفوذ لكلا الطرفين لا تزال مستمرة في المنطقة.
وبين حين والآخر تتجدد الاشتباكات بين الطرفين ليسقط عدد آخر من القتلى والمصابين، وقال مسئول في مدينة سبها التي تتركز بها الاشتباكات: إن غالبية القتلى من المسلحين.
كانت دعت الحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا في طبرق، قبيلتي التبو والطوارق إلى وقف الاقتتال الناجم عن صراع مستمر على النفوذ في منطقة فزان وسط البلاد.