تجديد الخطاب المسيحي بإلغاء عظة البابا تواضروس!

الثلاثاء 28/يوليو/2015 - 08:52 م
طباعة تجديد الخطاب المسيحي
 
تمثل العظة في التعليم المسيحي – الخطاب الديني – الذي يستقي منه المسيحيون – تعاليم وعقائد دينهم – ولها مكان ثابت في صلوات القداس صباحا او صلوات المساء في الاجتماعات، لذلك كانت هناك حالة من الاستغراب والتعجب والرفض التي سادت عند الاقباط عندما اعلنت الكنيسة أن البابا تواضروس سوف ينقطع عن عظته الاسبوعية مساء كل اربعاء لمدة تصل الي ثلاثة سنوات بحجة اعادة تصميم الكاتدرائية وتزينها بالرسومات .وهي حجة لم يقبلها الكثير منهم لأنه بسهوله يمكن توفير مكان بديل للقاء البابا بالأقباط خاصة وان البابا التقي بالفعل منذ ايام بمئات من الايتام بالقاعة الكبرى بمسرح الانبا رويس بالعباسية وهي قاعة يمكن ان تستقبل رواد عظة البابا .الامر الذي شجع ترويج عدد من الشائعات بين الاقباط والتي من اشهرها ان البابا مهدد بالاغتيال من قبل تنظيم الاخوان وهى اشاعة قائمة منذ 30 يونيه 2013 وليست جديدة .في حين ان البعض راي ان العظة كخطاب ديني استنفذ غرضه ولم يعد يقدم جديدا الامر الذى اصبح واضح في العدد القليل الذى يحرص على الحضور ولكن قبل مناقشة هذه الجزئيات لابد أن نتعرض  لتاريخ ارتباط الأقباط بعظة البابا شنودة  والتي تعود لستينيات القرن الماضي. 

الواعظ

الواعظ
ولكن سبق ذلك ظهور شكل الواعظ مع نهضة التعليم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولمواجهة الطوائف التي واكبت الاحتلال الإنجليزي ظهرت في الكلية الإكليريكية أي كلية اللاهوت مادة علم الوعظ التي تطلبت في البداية الموهبة والتلقائية حيث الصوت الجهوري فليس هناك ميكرفون وإجادة الحكي – الراديو لم يحقق الانتشار الكبير – والتليفزيون وهم لم يأت بعد– هناك أسماء محدودة ولكنها قوية يتكبد الأقباط مشقة السير إليها مئات  الكيلو مترات وتعلن الصحف عن مواعيد عظاتها في الكنائس والجمعيات وموالد القديسين الاسم الأوحد المتربع علي قلوب الاقباط في اواخر القرن التاسع عشر والربع الاول من القرن العشرين هو رئيس الشمامسة القديس حبيب جرجس والذي  أنشأ الكلية الإكليريكية واسس كرسي لمادة الوعظ و التحق بها فؤاد باسيلي – القمص بولس باسيلي، الذى تتلمذ علي واعظ عظيم هو القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919 وتخرج ضمن أول دفعة من خريجيها، وعينه حبيب جرجس أستاذا لكرسي الوعظ بالكلية وذاع صيت الكلية الإكليريكية بسرعة –وكانت أيامها في حي "مهمشة" بالشرابية بالقاهرة– والتحق بها بعد ذلك الجيل الأول من قادة الكنيسة اليوم ومنهم بالطبع "نظير جيد" أي قداسة البابا شنوده الثالث، والواقع أن كل من تخرج من الكلية الإكليريكية منذ نشأة كرسي الوعظ بها وحتى تقاعد القمص  عام 1976 لابد أنه تتلمذ في مادة الوعظ على يدي الاب بولس باسيلي الذي عين أستاذًا للوعظ عام 1938، حيث ذاع صيته كواعظ مؤثر فكان يدعى من الكنائس والجمعيات في كافة أنحاء مصر، وكانت عظاته مزيجًا مدهشًا من القصص الدينية والعبر الأخلاقية والاستشهادات الأدبية والفلسفية والأشعار العربية والنوادر والطرائف بل وحتى "النكت" المصرية ولم يكن في مصر وقتها من يعظ بهذا الأسلوب ولا بهذا الذخر الديني والثقافي ولا بهذا الأسلوب القوي الجهوري الذي يجبر سامعه على التفرغ الوجداني والعقلي لما يقال، ومن هذه الثلاثية النادرة حبيب جرجس والقمص سرجيوس والقمص باسيلي نضجت الموهبة الكبرى في الوعظ لنظير جيد – البابا شنودة الثالث- الذي هضم الأساليب الثلاثة ليقدم أسلوبه الفريد الذي جذب السامعين علي مدي 40 عاما بدا منذ 1964 ..في قاعة  صغيرة في الكنيسة المرقسية بالأزبكية بمجموعة صغيرة لتنتشر نار الكلمة من الشباب الصغار الذين اخبروا العائلات بهذا الأسقف المتكلم بعظات مختلفة تخلو من المحسنات البديعية والسجع، بدأ اجتماع الانبا شنودة منذ أن أصبح أسقفا للتعليم عام 1962، وقد استمر هذا الاجتماع الأسبوعي بعد اعتلائه الكرسي البابوي عام 1971، ليكون أول بطريرك يجتمع بشكل مباشر مع الشعب أسبوعيا، وكان الاجتماع يعقد يوم الجمعة حتى عام 1985 حتى أصبح يعقد يوم الأربعاء.- تقليدا لبابا الفاتيكان - وكان الاجتماع يبدأ بصلاة قصيرة، يليها فقرة الرد على الأسئلة والشكاوي، التي كان يرسلها الشعب بشكل مباشر للبابا، ثم العظة الدينية، كما كان الاجتماع منبرا للبابا شنودة لإرسال الرسائل التي يريد أن تصل للرأي العام بخصوص الأحداث التي يتعرض لها الأقباط، سواء بالتعليق أو التلميح أو التجاهل.

الموسوعي

الموسوعي
بدلا من خدمته التي كانت مقتصرة على مدارس الأحد في البداية، بدأ تعليمه بعظات للشباب والعائلة كلها عندما أصبح أسقفاً ومن له أذنان للسمع فليسمع وبدأ الأقباط يعتبرون يوم الجمعة – موعد العظة – قبل ان يتحول الي الاربعاء – موعد يوم منتظر – مع التعليم والفكاهة وأيضا الإفتاء – فالبابا شنودة مثقف موسوعي يجيب على كل الاسئلة عقيدية واجتماعية واعتبر الاقباط انفسهم يعيشون بذلك عصر العلم يعيشون عصر التعليم فنهضوا من كبوتهم وصارت الأرض العطشى المشققة تمتلئ من ماء الحياة وأنتظم الألاف من عائلات الأقباط في اجتماعاته يعظهم ويعلمهم طريق الحياة مع المسيح ونشطت مجموعة من الخدام اطلقت على انفسها وسائل الايضاح تقوم بتسجيل العظة علي شرايط كاسيت لتبيعها فور الانتهاء منها أو اليوم الثاني على الأكثر وفريق ثاني يقوم بجمعها على الآلة الكاتبة ثم الكمبيوتر ليحولها إلى ملزمة تتجمع الملزم بمطبعة الأنبا رويس وتصدر في كتاب  وكان يجيب على أسئلة الحضور وتصدر في سلسلة كتب (سنوات مع اسئلة الناس ) اذن كان للعظة فريق عمل متكامل وشجع ذلك البعض لإصدار شرائط اسئلة البابا شنودة وتأملات البابا بل ونكت البابا تحت عنوان اضحك مع البابا شنودة وحمل الاجتماع منحى سياسي كان اقوها عندما صدر الحكم عام 2000 ببراءة 90 من متهمي قضية الكشح بعد مقتل 21 قبطيا وبكي البابا شنودة الثالث وقال جملة واحدة (نستأنف الحكم لله )وايضا ( دموعه بعد احداث ماسبيرو) وغيرها، بل كانت تنظم الرحلات من الصعيد او الوجه البحري وتعتبر حضور عظة البابا شنودة من اهم البرامج في هذه الرحلات  ومما يجدر ذكره أنه بالرغم من مشغوليات الباباوية فقد أستمر البابا شنودة فى ألقاء عظته الأسبوعية وكان قداسته يرتب موعد عودته من الخارج في ميعاد يتناسب مع القاء العظة بما ما تمثله من معنى وطني وسياسي  وروحي فى لقاء الشعب القبطى مع باباه فى محاضرة عامة ينهلون من المنابع الروحية ويحيب على أسئلتهم واستفساراتهم التي يبعثونها إليه , ولم يحدث أن أعتذر عن هذا اللقاء إلا إذا كانت ظروف قهرية , وعدد الأقباط الذين واظبوا علي حضور هذا الاجتماع كان يتراوح ما بين 6 - 10 آلاف شخص يتعلمون فيها أمور كتابهم المقدس وطقوس الكنيسة والسلوك المسيحي وقد نقلت عظاته على أشرطة كاسيت للتسجيل وبعضها على شرائط فيديو ثم سجلت على سي دي وبلغ عدد العظات أكثر من 1500 عظة  .
إذًا كان هذا الاجتماع نافذة لراس الكنيسة وللأقباط وكانت تنتظره الصحافة وتترصده وتعطيه مساحه وافره للنشر 

هل هناك حاجة لمزيد من العظات

هل هناك حاجة لمزيد
يرى البعض ان هناك الاف من العظات والخطب الدينية المتوافرة علي السي ديهات والمواقع ومازالت القنوات الفضائية تعيد خطب البابا شنودة فما فائدة الخطب الجديدة؟ ونجد أن حرص البابا فرنسيس على المقابلة العامة مساء كل اربعاء في الفاتيكان وعظته – 20 دقيقة – والتي يحرص نحو 200 الف على حضورها من مختلف انحاء العالم والانصات لها .تؤكد ان هناك فائدة مازالت كائنة في العظات اذا كانت هي تحمل الجديد وتقدم مايهم الانسان . وان المشكلة ليست في الأسلوب التلقيني الذي تلقي به المحاضرات والندوات والمؤتمرات ولكن المهم هو الاسلوب الذي يلقي به والطريقة التي يستثار بها المستمع، والأهم المضمون ومدي التجديد فيه .ويبقى حاجة الخطاب المسيحي إلى التطوير. 

أهم الملاحظات على الخطاب المسيحي

أهم الملاحظات على
يحتاج الخطاب المسيحي إلى الواقعية في مناقشة القضايا التي يعالجها بحيث يلمس القضايا التي يتعامل معها الإنسان بالفعل، بحيث لا يفصله في الكنيسة عن المجتمع الذي يعيش فيه خارجه مما يجعل المسيحيين في حالة عزلة عن مشاكل أوطانهم ومجتمعاتهم الامر الذي يوثر كثيرا عليهم .ويجعلهم يحيون اشبه في جيتو .
يعاني الخطاب المسيحي من إعلاء الخرافة، حيث ينتشر الفكر الغيبي والقصص الساذجة بصورة كبيرة جدا دون تدقيق  ولا مراجعة ويغيب العقل تماما، الأمر الذي يكرس لمفاهيم خاطئة عن الحياة والتدين وفكر القداسة والعلاقة مع الله. 
يهرب الشباب من الاستماع إلى الخطاب المسيحي لأنه لا يقدم لهم موضوعات تهتم بقضايا حياتهم. 

شارك