كاهن عراقي يقدم كشف حساب لأوباما والكونجرس.. ماذا فعل داعش بالمسيحيين؟

الثلاثاء 04/أغسطس/2015 - 04:37 م
طباعة كاهن عراقي يقدم كشف
 
تحمل الذكرى السنوية  الأولى لتهجير المسيحيين والآشوريين من أقدم مُدن العراق سهل نينوي، على يد تنظيم "داعش" الذي أربك أحوال المسيحيين الأكثر تضررًا من هجماته، ليهاجروا يومياً بالمئات من البلاد إلى قارات أخرى مرارة وقسوة 
خاصة أن الذكرى تتزامن مع استمرار الإعلان عن غياب أسر وأفراد مسيحيين لا زالوا في قبضة التنظيم الإرهابي، كان آخرها الإعلان عن فقدان أربع نساء عراقيات مسيحيات مع طفلة وشاب في مقتبل العمر، أخذوا كغنائم وعبيد من قبل التنظيم الذي يعمد إلى تخيير المسيحيين والآشوريين والإيزيديين ما بين الموت نحراً، أو دفع جزية، أو التعرض للسبي والاغتصاب على أيدي عناصر الجماعة.

وكشف مدير الإعلام والعلاقات لشئون المسيحيين في إقليم كردستان العراق، آلن ككوني، لوكالة "سبوتنيك"، أن هناك  23 ألف عائلة مسيحية ما بين مشردة ومهجرة في مخيمات منتشرة داخل الإقليم، وفي أبنية مهجورة في وسط البلاد والعاصمة بغداد.
وأكد ككوني، أن أربع نساء وطفلة وشاب من المكون المسيحي، ما زالوا بيد تنظيم "داعش" الإرهابي، مختطفين، ولا أثر لهم حتى الآن.
ونوه ككوني، إلى أن معدل 10 إلى 30 عائلة مسيحية عراقية تُغادر البلاد إلى أوروبا بكفالات مالية، أو صوب دول الجوار تركيا، والأردن، ولبنان، لطلب اللجوء إلى قارات العالم المختلفة، عبر الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها؛ نظراً لتردي الأمن في البلاد.
وأوضح ككوني، أن حوالي 13 ألف عائلة مسيحية نازحة من مناطق شمال العراق، موزعة في بلدة عنكاوا شمال غرب أربيل عاصمة إقليم كردستان.
وتتناثر نحو 4 آلاف عائلة مسيحية، في دهوك، وأكثر من 240 عائلة في السليمانية بإقليم كردستان أيضاً، مثلما ذكر ككوني، مشيراً إلى أن ما يُقارب الثلاثة آلاف عائلة مسيحية نازحة تقطن الكرفانات والمنازل.

رسائل في الذكرى

رسائل في الذكرى
وفي ذكرى مرور عام على التهجير تجمعت لدينا رسائل وذكريات مؤلمة حيث عبر المونسنيور بيوس قاشا –عن نفسه بكتابة رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما، في حين انتقد البعض ذلك باعتبار أنه ما زال يعقد أملًا على الرئيس الأمريكي والكونجرس، وقال الأب بيوس في رسالته "بغديدا سكني وأصالتي، وفيها ترعرعتُ، وفي مدارسها تثقّفتُ، وعلى صفات أقلامها نشأتُ، وبصبغة العماد اصطبغتُ. فأنا مسيحي محافِظ وفي الآن ذاته منفتح إلى جميع المكونات من المسلمين والشبك والإيزيديين والصابئة، وهذه كانت دائرة حياتي ومسيرتي، واليوم أنا أخدم في كنيسة ببغداد منذ 33 سنة بعد أن خدمتُ خمس سنوات، في بغديدا وبرطلة، سيادة الرئيس باراك حسين أوباما السامي الاحترام، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
السادة أعضاء مجلس النواب والشيوخ الأمريكي الأجلاء.
سلام ومحبة واحترام...
أتمنى لشعبكم ولبلدكم ولكم كل الخير والبركات، وأدعو رب السماء، الرحمن الرحيم، المحب حتى الأبد، أن يمنحكم وافر النِعَم للسير في خدمة الإنسان وبناء الأوطان في الحقوق والقانون والعدالة، كما يطيب لي أن أكتب إلى سعادتكم هذه الأسطر بمناسبة الذكرى الأولى لنزوح شعبنا من قرى ومدن سهل نينوي... وبعد:

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب

إنني مواطن عراقي من أصلاء البلاد 
أنا كاهنٌ، يعني خادمٌ، وشعار خدمتي "أنا بينكم مثل الذي يخدم". فأنا إنسان أحمل في داخلي مسيرة الألم والفرح، هموم الحياة وهموم أهلي ووطني، في أحداث تتسابق مع كوارثها في الحروب كما في الحصار كما في السقوط والاحتلال، وفي كل هذا لا صوت يُسمَع بسبب ضجيج الدنيا وإطلاقات البنادق وانفجار القنابل وصعق البارود، فيقع الأبرياء قتلى بل شهداء، ولعلّكم أنتم كبير الرؤساء وحكّام الأوطان والدول وقائد لأكبر دولة عُرفت بتاريخها وأيامها، وأعضاء برلمانها عُرفوا بتضحياتهم ودقة رؤيتهم ومسيرة المخطط من أجل الحياة. فتَقدُّم علمكم وقوةُ اقتصادكم ما هما إلا رسالة لبناء العالم الحُرّ والحقوق... فهذه رسالتي أنا الضعيف، تجدون فيها الحقيقة في كلماتها، ورسالة في أسطرها، وما أرويه هنا ما هو إلا مختصر جداً جداً للحالة البائسة التي يعيشها شعبنا المطرود.

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب

نعم، كان بلدي يئنّ تحت حكم الدكتاتورية المقيتة والحروب التي أحرقت شبابنا في أتون النار القاتلة، ومنها انطلقنا إلى الحصار حيث العديد من أبرياء الدنيا من الأطفال ماتوا بسبب نقص الغذاء والدواء. وكانت الدنيا بعوالمها تنظر إلينا وتتألم لشعبنا المسكين الرازخ تحت نير العبودية والحروب والحصار، فلا حرية ولا كلمة ولا صوت، بل تأوّه وبكاء وأسف.
المهم كلنا كنا ننتظر قراركم، ولكن لم نكن نعلم ملحقاته. فقرار تحرير العراق، عنوان الحياة... إنه التحرير من الشر بل من الخطيئة التي أُجِّلَ مفعولها. فالكلمة قوية بمعناها ورائعة بشكلها وعظيمة بتحقيقها. وكم من آمال كنا نبني- ومن المؤكَّد- منها على صخرة الإيمان ومنها في وديان الرمال، ومهما كان من أمرٍ كنا نتأمل خيراً، وكنا نقول إن المستقبل سيكون زاهراً، وإن الحياة ستُصاغ من جديد وملؤها رغد العيش وحرية الفكر، وإن العراق بأرضه وشعبه سيحمل رقم (21) من ولايات بلد الخير والعلم والتقدم أمريكا، بل العولمة بعلمها وبمراجيحها، فلا خوف بعدُ ولا يأس بعدُ، لا فقر ولا فاقة، لا حكم ولا سيطرة، وستكون الطرق سالكة بلا حواجز فاصلة وعازلة وقاتلة، تحمل اليأس وقطع الرجاء، فهي علامات سلبية بوجودها وإيجابية بدمارها لنفسية الإنسان وحقيقة الأخوّة، وفي كل ذلك بدأ حلمنا يكبر ويكبر حتى أصبحنا ضفدعاً بكبريائنا، ولكن كانت النتيجة أنِ انفجرنا وأصبحنا في عِداد الموتى، وكُتِبَ علينا الضياع والتشرد والتيه، فتُوِّجت الطائفية ملكة، وأخذت المذهبية زواياها، وبدأت المحسوبية مسيرتها المميتة، فتفشّى الكذب والسرقة والسلب والنهب والتفجير والتفخيخ والتهديد والوعيد، وكأن الدنيا لم تكن حسب قول كتابنا "ورأى الله كل شيء حسناً" (تك1)، وكأنّ بلدي يتأمل عظمة البناء بعد حروب مدمِّرة وبعد سقوطٍ قادته أمريكا العظمى، وبدأتُ أتصور أن بلدي سيكون أنموذجاً من عدة نماذج أقامتها أميركا بتجارب قوية الثبات وحقيقة الوجود كالألمانية واليابانية والكورية والكويتية؛ لأن أعمدتها ستؤسَّس من أعظم دولة في العالم، والمسكونة بعلمها وتقنياتها، باقتصادها ودولارها، بقانونها وحمايات حقوقها. وحلمتُ- ومن حقي أن أحلم- أن بلدي سينعم بالرخاء وبفضاء الحرية والقانون، بعطاء الفكر ورسالة الحياة، وسيكتب رصاص القلم تاريخاً مشرقاً، وسنكون أكيداً بلداً حضارياً.
وأمام كل هذا لم أكن أفكر ماذا وراء كل ذلك، من الحروب إلى الحصار إلى السقوط. خيالات تراودني وأنسج أحلاماً، وأردد في داخلي "هل هذه هي الحقيقة أم مصالح الحقيقة أم حقيقة المصالح؟"، ولم أكن أعلم.. هل كان السقوط لرئيس أم سقوط لحكم أم سقوط لوطن؟ أإلى الوادي القريب أم إلى عمق الوديان أم إلى الهاوية القاتلة؟... فالإيجابية كانت أول كلمة في ضميري وفكري ومعالم عيوني بحدقتها ونظرتها وتأملها، ولم أكن أسمع يوماً أن هناك صوتاً يقول أننتظر الآتي أم لا. فحقيقة الخطوبة لا تكون في الرقص بل في خاتمة الموسيقى، والحكم ليس في عاطفة الضحك بل انتظار الآتي كما علّمنا المسيح الحي، ما الذي سيحلّ في المسكونة (متى 24).
وجالت الخواطر في أفكاري، وبدأتُ أتأمل وأتمرّد على ذاتي، وأصف أفكاري بالمراوِغة، هل الحقيقة التي حلّت بنا هي وهم أم نشوة من أساليب الفرح؟، وهل التحرير أصبح حلماً للرجال التعساء وسرعان ما ذهبت خيوطه مع الريح؟... بين أفكاري والفشل دارت مسألة طلاق الواحد للآخر. فالفشل كان مطلَّقاً، ربما من أبناء شعبي حيث الوفاق بعيداً عن القلوب، ولا مجال للغفران ليتربّع في مكانه بل يراوح خائفاً مذعوراً، والأحاديث على طاولات هباء ليس إلا، وكل شيء أصبح معكوساً وفي اتجاهات مختلفة للظاهر والمستور، والسبب أن أحباء الوطن أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة المؤلمة، وإلى مسيرة نحن ندور اليوم في فلكها.

نعم، لقد استيقظتُ على حلم لم أكن أعلم أنه سيتحقق، عكس ما حلمتُ. أفقتُ وكأنني في عالم عنوانه قبل التاريخ. دخان ونار وقتل وكارثة، وأية كارثة أصابتنا... إنها بداية دمار الأرض بدءاً بأرضنا.
أتمنى أن أسأل، ولكن لا أعلم هل مسموح لي بذلك أم لا، ولا أريد أن أجرح شعوركم أو شعور شعوبكم الأبيّة، فالشعوب محتَرَمة بقيمها وأخلاقها وعلمها وكوادرها، والسؤال: هل لا تعملون لإنقاذ بلدي؟ هل أنتم سمحتم للإرهاب المتوحش أن يدمّر وطننا ويطردنا من منازلنا ومساكننا؟، هل أنتم سمحتم للإرهاب أن يسرق أموال الفقراء وخيرات الوطن بوحشية لا توصَف بل لا يمكن وصفها لمختلف الأساليب الوحشية التي قام بها وارتكابه جرائم بحق البشر والحجر، بحق الحيوان والجدران، بحق الحضارة والآثار، بحق الإنسانية والطفولة؟ هل أدركتم أن ما يحصل هو من صناعة الموت ونشر الظلام والقتل، وما الشعار الذي رفعه الإرهابيون "أكثر عنفاً" إلا علامة سيئة في مسيرة الحياة والحرية التي تقودها دولتكم الموقَّرة بين دول العالم؟ هل أدركتم أن الإرهابيين مسلَّحون بغرائز الوحشية وهم مجرَّدون من أية مسحة إنسانية؟... إنها حقيقة مُرّة. هل أدركتم أن مغازلة الشر خطيئة بحق الشعوب البريئة؟، وإنْ كان الحق لا يُحتَرم، كيف نؤمن بدوائر حقوق الإنسان؟ وكيف سنقول الحقيقة ونحن جُهّالها من أصولها وحتى منابعها وشواخصها؟
هل أدركتم أن الإرهاب دمّر الدولة وهياكلها، ونهب المستشفيات وهدم المدارس وأحرق كتبها، وفرض تعليمه الإرهابي في رياض الأطفال، وحتى مشاعل العلم أخذت تنطفئ؟ أهان المرأة وكرامتها والحياة وعنوانها. هل أدركتم جيداً عنف الإرهاب في قتل الأمريكيين الأبرياء من الصحفيين والأطباء والعاملين في الحقول الإنسانية؟... وسارت مسيرة الإرهاب في تدمير كل الشعوب والأوطان ومنها وطني وشعبي... إنها جرائم فريدة وشاذة، لا نعرف أصولها ولا نسبر فروعها وتفرعاتها في تاريخ عُرف بالألف الثالث.
هل تعلمون ما حصل بعد الاحتلال؟ لقد أصابنا الفقر والجهل والمرض والتخلف، وأصبحنا نفتقر إلى كل مقومات الحياة في الحرية والأمن والكرامة، ولا أعلم إنْ كان هذا المبتغى مما حصل بعد التحرير، لم يكن إلا تدميراً وانتهاكاً قادنا إلى الذبح والتفخيخ والتفجير وعلى بركة الله وباسم الله، وضاعت ثقافة التسامح، وشُيّعت سبل الحوار، وكل ذلك تحت راية سوداء مقدسة وأحكام مخيفة، كل ذلك أمام أعينكم يا سيادة الرئيس وسماع آذانكم وأنظاركم، وهذا ما جعلني أن لا أتخيل- بل لا أستطيع أن أتخيل- عنوان هدفكم إنْ كان التحرير أم غيره، وما هي الأهداف المعلَنة والخفيّة السريّة من مسؤوليتكم، فنحن اليوم نعيش في قبور حُفرت للأحياء قبل الأموات، بل نحن في عِداد الموتى ومشاريع استشهاد وإنْ كنا أحياء وعلى أرض الله نُرزَق ومن عنده الخيرات.

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب
نعم، إنني أنحني إجلالاً للتضحيات الكبيرة التي قدَّمتها قواتكم المسلحة بمختلف أصنافها، وكل الوقار للشباب الأميركي الذي أعطى حياته من أجل حقيقة وطنه. فالدنيا بكم سخاء، والمليارات التي صُرفت هي عرق جبينكم ومن نتاجه، وفي هذا يسعدني أن أذكّركم أننا وقفنا قلباً وروحاً وصلاةً معكم يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 1991، بكينا من أجلكم ومن أجل شعبكم، وإن خفيةً، ومن أجله صلّينا في كنائسنا وبيوتنا، ورحمةً دعونا لشهدائكم كما اليوم لشهدائنا، وكنا معكم كلمةً وحقيقةً وإدانةً لهذا الإجرام، ومرّت السنون وكانت كارثة كنيسة سيدة النجاة- والتي رأيتُ تفاصيل أحداثها بكل دقة من الألف إلى الياء، وكنت شاهداً لها- وقد نقلتُ هذا الكلام تفصيلاً إلى السيناتور المحترم جون ماكين رئيس وفد الكونغرس الأمريكي والسيناتور لندس كراهام والسيناتور جو ليبرمان المحترمين وبحضور السفير الأمريكي آنذاك، الذين قاموا بزيارة إلى بلدي الجريح بعد أحداث كنيسة سيدة النجاة وبالضبط يوم الثلاثاء 9/11/2010.

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب

بعد أيام سنحتفل بالذكرى الأولى لطردنا من قُرانا ومساكننا في سهل نينوي، 6 أغسطس 2014، وكم كنتُ أتمنى أن تكون مناسبة تحرير وليس ذكرى تدمير، أمام هذه المشاهد المؤلمة، ألم يحن الوقت أن تنظروا إلى شعبي بعين الرحمة والحنان؟ ألسنا في ديانتنا المسيحية- كما الإسلام كما الأخرى- أن الله رحمنٌ رحيم؟ ألم يقل ربنا يسوع في إنجيله: "كونوا رحماء فإن أباكم السماوي هو رحيم" (لوقا 36:6)؟ وفي القرآن الكريم أليست البسملة علامة رحمة رب السماء؟... وأسأل الآن: كيف سنعود؟ ومتى سنعود؟ مَن يحمينا؟
منذ دخول داعش الإرهابي إلى أرض وطني دنّس قريتي ومدينتي، الموصل وسهل نينوي وحتى اليوم، من حينها راودتني فكرة كتابة الرسالة إلى معاليكم وإلى السادة أعضاء مجلس النواب الكرام، وطوال هذه الفترة كانت الفكرة تنمو يوماً بعد يوم في داخلي ومخيلتي، والأحداث تتسارع في مسيرة مؤلمة إلى أن أتت الساعة ليسجّل يراعي الضعيف هذه الكلمات عبر أسطر تسقيها دموع الحياة القاسية، ومسرّات ألم الاضطهاد... في رسالة تكون هي الأولى، حاملة حقيقة الإنسانية المتألمة في شعبنا الجريح، فغاية رسالتي هو تخفيف المصيبة التي يعيشها أبناء بلدتي وشعوب منطقتي المسالمين بعد أن طردهم داعش الإرهابي وعملاؤه من ديارهم وفقدوا كل شيء، منازلهم ومحتواها، أملاكهم وأحلامهم، ولم يبقَ أمامهم إلا الهزيمة والالتجاء إلى كردستان حيث الأمان، وهناك فرشوا الحدائق وملأوا الشوارع ذهاباً وإياباً، جلوساً ونظرةً، واليوم أغلبهم يسكنون عمارات بائسة لم يكتمل بناؤها وحتى محيطها، وآخرون هاجروا وقلوبهم حزينة حتى الموت على فراق أرضهم. نعم، رحلوا إلى بلدان الجوار شمالاً وغرباً، جنوباً وشرقاً، باحثين عن ملجأ يَقيهم، وعن أمن يحميهم، وعن يد تعانقهم، وعن كلمة تواسيهم، وعن محبة ترافقهم، وعن شعور بنجدتهم، ولكن لا من مجيب ولا من حديث ولا من عزاء، ولا زالت حتى اليوم مسيرتهم دون هدف وإرادة، دون علم ودراية، ووضعهم مأسوي بدرجة امتياز... هذا هو بيت القصيد، إنهم مهجَّرون، إنهم نازحون، فالحقوق مسلوبة، والحقيقة مصلوبة، والعدالة حوكمت، والقضاء إرهاب، شعوب تائهة أم أصيلة، هل نستحق أن نحيا ونواصل مسيرة البناء أم علينا أن نكون تبعية مهمَّشة لا دور لها إلا ملء البطون والنوم والصمت المريب؟، ألستم أنتم زارعي بذار حقوق الإنسان، ألا يجوز أن تزرعوا ذلك في حقول قُرانا ومدننا وحول مساكننا؟ ألا يجوز أن تمدّوا أياديكم كسحابة لحماية شعبنا الممزَّق والمضطَهَد والمطرود من مساكنه وقُراه ومدنه؟ هل لا يجوز تعويض أبناء بلدي وأبناء ديرتي لِمَا فقدوه من أموال وممتلكات كما رفعتم ذلك رايةً يوم احتلال الكويت حيث كنتم، كلمة الحقيقة، ودولار التعويض، وطابوقة البناء، وكونكريت الحياة لمدّ الجسور بين الأبناء والأصلاء في إعادة الإعمار والبناء واستمرار الحياة هبة الله، رب السماء والأرض، وكعطية لنحميها أنتم ونحن؟

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب

نعم، بحق رب السماء اعملوا على إعادة شعبنا إلى مدنه، وحرّروا بلداننا من أيدي داعش الإرهابي واطردوهم إلى غير رجعة، فالحياة أسمى من المصالح، والإنسان أسمى من المخططات، والتاريخ هو الحقيقة سيعلنها لأجيالكم وأجيالنا... أنكم كنتم هنا من أجل إعادة الحياة بسموّ التضحيات، وكم كنتُ أتأمل أن نحتفل بعودتنا إلى قُرانا ومدننا وليس بمرور الذكرى الأولى لإرهاب داعش على أبناء سهل نينوي ومكوناته المختلفة... إنه الضمير الحي الذي به نُظهر الحقيقة بدلاً من أن يكون التاريخ أسطر الخزي والعار. فعمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي طالت أبناء شعبنا والأقليات لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام وأن تكون ريحاً في صحراء قاحلة، بل أن تحمل رسالة الإدانة... ألا يكفي الإهانة بحقنا؟... فاليوم كلنا سواد، وملابسنا سوداء، وما كسوتنا إلا أكفان... ألا يكفي تمجيد الموت والقتل والدمار وازدراء الحياة من قِبَل إرهاب مميت لا يحترم الحياة بقدسيتها، والدنيا ببشرها؟... إنه التحدي الأكبر للإنسانية إن لم يُعالَج من جذوره، بل تُقلَع جذوره.

سيدي الرئيس
السادة أعضاء مجلس النواب

نعم، أطلتُ في رسالتي، فالمختصر كان مفيداً، ولكن حالي وأحوالي قد فسدا في الحياة، وما يخلّصني هو الرجاء والأمل. فأنا لستُ أضع لكم سياسة وخططها -وأنتم أستاذ وبلدكم علماؤها- فما أنا إلا أشكو حالي وحال شعبي الذي يُنعَت اليوم بالأقلية والجالية والطائفة، إنه يجول شوارع الدنيا وحدائقها ليجد مَن يلوذ به، ومكاناً يحميه بعد أن خسر كل شيء ولم يبقَ له إلا شفاعة السماء. فالمسيح الرب الحي قال: "ثقوا، فقد غلبتُ العالم" (يو33:16)... فنحن بحاجة إلى قدراتكم وعلمكم وإنسانيتكم وسلامكم ليس إلا، ولا أكثر!. فلكل شيء نهاية، ولكل حرب خاتمة، ولكل إرهاب نهاية، ولكل معضلة حل، وما نراه إلا وجه الله."

ذكريات راهبة:

ذكريات راهبة:
قالت راهبة عراقية: "في الأشهر الثمانية الأولى من غزو تنظيم (الدولة الإسلامية) لسهل نينوي، فقدنا اثنتي عشرة من أخواتنا"، اللاتي "لم تتمكن قلوبهن من تحمّل هذا القدر من المعاناة".
الأخت جوستين، من الراهبات الدومينيكيات المحليات في العراق، والتي عادت إلى البلاد من إيطاليا منذ عام ونصف العام، تحدثت في تصريحات لجمعية "عون الكنيسة المتألمة" البابوية، عن "محنة الكثير من النساء اللاتي أجبرن على الفرار من الخلافة الإسلامية"، وأضافت: "من المستحيل وصف ما حدث في أيام نزوح الأسر من سهل نينوي"، فقد "فقدت عائلات بأكملها كل شيء، خوفاً من تعرضها للقتل على يد أتباع تنظيم (داعش)، وهناك من هرب حتى دون أخذ وثائقه".

وأضافت الراهبة أنه "إلى جانب اللاجئين، وصل إلى بيتنا في بلدة عنكاوا أيضاً العديد من الأخوات اللاتي هربن من البلدات والقرى الأخرى التي سقطت بأيدي مقاتلي (داعش)"، لقد "جئن باكيات، مصدومات، مليئات بالتعب والقذارة"، بينهن "الأخت ليسيا التي روت عن عشر ساعات لا نهاية لها من السفر إلى أربيل"، مشيرة الى أنه "طوال يوم السادس من أغسطس، في حين غادر كثيرون من سكان بلدة قره قوش فارين أمام زحف تنظيم (داعش) بقيت الراهبات في القرية لدعم المؤمنين المسيحيين الذين يشعرون بالذعر".
وتابعت: "كنا نأمل بأن التهديد لن تدوم إلا بضعة أيام"، لكن "عندما كفّت قوات البيشمركة عن الدفاع عنهن، وأدركن أنه ليس هناك أمل، تركت الراهبات الدير قبل منتصف الليل"، موضحة أنه "في ظل الظروف العادية كانت تكفي ساعة للوصول إلى أربيل"، لكن "الشوارع كانت قد غزتها السيارات والعائلات الفارّة، فمشت الراهبات حتى صباح اليوم التالي، دون ماء في جوّ تتجاوز حرارته الـ40 درجة مئوية"، وذكرت بأنه "على جانب الطريق كان هناك آلاف الأشخاص، في حين كانت كل سيارة تقل نحو عشرة ركاب".
وذكرت الأخت جوستينا أن "على الرغم من الصدمة الشديدة للأخوات، إلا أنهن بمجرد وصولهن الى عنكاوا وضعن أنفسهن في خدمة اللاجئين"، من "المساعدات في مخيمات اللاجئين، حتى إدارة المستوصفات والاهتمام بالشباب"، وأردف: "بعض الراهبات تعيش في إحدى الكرفانات التي تبرعت بها جمعية عون الكنيسة المتألمة للاجئين المسيحيين"، وأكدت: "نحن ملتزمون قبل كل شيء بضمان تعليم الأطفال، ونبذل قصارى جهدنا"، لكن "هذا لا يكفي للأسف"، واختتمت بالقول: إن "تنظيم (داعش ) يقتل مستقبلنا"؛ لأن "هذا الجيل إن لم يحصل على التعليم فلن يكون هناك جيل آخر".

شارك