الملف النووي الايراني في اطار المشروع الامريكي في الشرق الاوسط
الأربعاء 05/أغسطس/2015 - 09:44 م
طباعة
أخيرا وبعد 12 عاما من المفاوضات والمناورات ما بين ايران و الدول الغربية تم التوصل الي اتفاق نووي مع ايران ، و الحقيقة المؤكدة أن الدول التي تمتلك القدرة علي انتاج السلاح النووي تحظي بمكانة مميزة و باحترام دول الجوار، بصرف النظر عن استخدام السلاح النووي من عدمه ، فهل يمكن القول ان ايران تخلت عن موقعها في الشرق الاوسط حال توقيعها الاتفاق النووي مع الغرب ؟، والذي بموجبه قبلت ايران بتأجيل العمل علي انتاج قنبلتها النووية ، ان لم نقل انها تخلت عن الفكرة بشكل كامل ، فقد و افقت ايران علي الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي مع تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب و هذا الامر سيحرمها من صنع قنبلة ذرية ، لقد لعب الضغط الامريكي سواء علي الجانب الايراني أو علي الغرب لتوقيع الاتفاق النووي و بالطبع فان الضغط الامريكي و الاصرار علي احتواء الخلاف حول الملف النووي الايراني له ما يبرره ، فالولايات المتحدة ترغب في اعادة ترتيب الفوضى الخلاقة الشرق أوسطية قبل ان تنسحب من المنطقة برمتها فمخططات أمريكا في المرحلة القادمة هي تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأقصى و ذلك لمواجهة تمدد العملاق الصيني في المنطقة و محاولة السيطرة علي أسوار الشرق الأقصى أما عن الاندفاع الايراني لتوقيع الاتفاق فترجع أهم الاسباب أن النظام الايراني لم يعد قادرا علي تحمل العقوبات الاقتصادية التي باتت تهدد نفوذه بالداخل حيث يتعرض النظام الايراني لازمات اقتصادية حادة و يواجه بموجات من الغضب الجماهيري و الذي يدفع النظام لاستخدام العنف لتلك المواجهات و أهم الاثار السلبية للعقوبات الاقتصادية هو ارتفاع معدلات البطالة الي اعلي معدل لها منذ ثلاثين عاما بالإضافة الي توقف معظم المشاريع الاستثمارية و الذي يعيق فرص ايران المستقبلية في مجال الاستثمار و من المتوقع مع انهاء العقوبات الاقتصادية ستتمكن ايران من زيادة انتاجها النفطي مما يتيح الحصول علي عوائد مالية ضخمة و أخيرا فان النظام الايراني يحتاج لتحسين صورته داخليا علي خلفية المغامرات العسكرية بالخارج ( سوريا- العراق- اليمن- لبنان) تلك المغامرات العسكرية التي يدفع الشعب الايراني تكلفتها اضافة الي انها تدعم أنظمة فاسدة مثل نظام بشار الاسد و الدخول في مواجهات عسكرية مع دول الاقليم وكلها امور تزيد الاحتقان بالداخل و تسمح للمعارضة بالداخل بمزيد من التمدن تعود الي ترتيبات الولايات المتحدة في المنطقة و نجد ان امريكا قد أدركت ان الحرب المباشرة ضد ايران ستكون عالية التكلفة من ناحية ومن ناحية اخري لا ترغب أمريكا في اعادة تجربة الحرب المباشرة مرة أخري بعد الهزائم المتلاحقة في أفغانستان و العراق وأصبحت فكرة الحرب بالوكالة عن طريق اسرائيل أصبحت الان غير مقبولة مع تزايد التمدد الايراني في المنطقة في سوريا و العراق و اليمن قد تصبح اسرائيل في خط المواجهة مع الجماعات المسلحة علي طريقة حزب الله لذا تلجأ أمريكا للتخفيف من أعباء دورها في الشرق الاوسط بشرط خلق توازنات جيوسياسية تتمكن من خلالها استمرار احكام قبضتها علي المنطقة و تري امريكا ان نزع القنبلة النووية الايرانية هو اهم عوامل ضبط ايقاع المنطقة ، حقا ستكون هناك تفاهمات بين ايران و امريكا حول الملف النووي ولكن من المستحيل ان تشمل تلك التفاهمات جميع الملفات الخلافية في المنطقة ومن المؤكد انه لن تتطابق المصالح الايرانية \الامريكية خاصة في مناطق الصراع و من المؤكد أن أمريكا لن تتخلي علي حلفاؤها في المنطقة خاصة حلفاؤها الخليجيين حيث تنصب أمريكا نفسها الراعي الرسمي لدول الخليج ولن تكف عن اطلاق و عودها لدول الخليج للدفاع عنها ضد أي خطأ خارجي ( ايران ) و تؤكد لحلفائها علي بناء منظومة دفاعية قوية في مواجهة خصمهم التاريخي و التأكيد علي تزويدهم بالأسلحة الهجومية الحديثة و هذا بالضبط ما قررته القمة الامريكية \ الخليجية التي عقدت في واشنطن في مايو الماضي حيث أكد البيان الختامي للمؤتمر علي رفض التحركات الايرانية في المنطقة و التي تعمل علي زعزعة الاستقرار بينما أكد باراك اوباما عقب المؤتمر أن الشراكة بين امريكا و دول الخليج هي شراكة أبدية في مواجهة طويلة المدي ضد ايران و في نفس الوقت أكد علي عدم تهميش ايران بالمنطقة ، ان الخطة الامريكية تسعي الي خلق أحلاف متضادة في المنطقة بالدرجة التي تمنع سيطرة اي حزب علي المنطقة بشكل منفرد و قد تجلي هذا الموقف خلال محاولة الحوثيين في السيطرة علي مضيق باب المندب في اليمن حتي لا تتمكن ايران من السيطرة عليه خاصة وانها تتحكم في مضيق هرمز و المعني بخطوط نقل النفط علي أن الاحلاف الامريكية لن تكون احلاف عربية فقط فهناك الحلف التركي و الباكستاني و المعروف ان باكستان ساهمت في محاصرة و منع وصول اية امدادات عسكرية بحرية بين ايران و حلفاؤهم الحوثيين في اليمن أما عن تركية فأنها دائمة الاتهام لإيران باتباع سياسات مقلقة في المنطقة خاصة ما يخص دعم ايران المطلق لنظام بشار الاسد و قد تسفر السياسات الجديدة عن تخلي تركا عن عدائها لمحور( السعودية – الامارات – مصر ) في مواجهة الخطأ الايراني و هذا ما يفسر دعوة الرئيس التركي السابق عبد الله غول بلاده الي اتباع سياسات متقاربة مع مصر فقد يجد أردوغان نفسه امام خيار التقارب مع مصر أقرب من التقارب مع السعودية و الامارات و قد تضطر تركيا للتخلي عن دعمها السياسي للتنظيمات الارهابية في المنطقة خاصة جبهة النصرة بسوريا و الخوان المسلمين في مصر و قد تضطر أن ترفع الغطاء السياسي لهذه التنظيمات بعد أن اجتوت تركيا في الفترة الاخيرة من نار الهجمات الارهابية سواء من داعش أو غيرها و في النهاية نجح الامريكان و القوي الكبرى من خلال تفاصيل الاتفاق النووي من احكام السيطرة علي ايران حيث ينص ملف رف العقوبات علي التعامل بالتجزئة و الربط بين رف العقوبات بتنفيذ ايران للتعاهدات المنصوص عليها و في نفس السياق كسبت ايران شرط موافقتها المطلقة علي عمليات التفتيش علي المنشئات العسكرية مما يتيح لها المزيد من الموافقة علي طلباتها ، و داخليا سيتم سيظل توقيع الخلاف النووي محل خلاف بين القوي السياسية داخل ايران و ان التقارب الامريكي / الايراني و الذي سيصل للتمثيل الدبلوماسي الدولي بين ايران و الغرب سيقلص فرصة الخطاب العدائي حول الشيطان الامريكي الاسرائيلي و الذي تستغله الجماعات الموالية لإيران في خطابها الاعلامي خاصة حزب الله في لبنان و أنصار الله في اليمن ( الحوثيين ).