بعد اغتيال مؤسس السلفية في المدينة.. هل أصبحت سرت قاعدة "داعش" في ليبيا؟
الثلاثاء 11/أغسطس/2015 - 01:14 م
طباعة

في ظل ما تشهده ليبيا من فوضى، تتوالى العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المسلحة المنتشرة في أنحاء البلاد، فمع الأحداث الدامية التي تقع في البلاد ما بين التفجيرات والاغتيالات، تسود في ليبيا حالة من الانفلات الأمني التي وقعت منذ الإطاحة بمعمر القذافي والانقسام السلطوي التي شهدته البلاد بين حكومتان وبرلمانان وجيشان احدهما معترف بها دوليًا وتقيم في طبرق والأخرى موازية ومحسوبة على جماعة الإخوان بدعم من ميلشيات فجر ليبيا وتقيم في طرابلس.
اغتيال مؤسس السلفية

تشهد البلاد حالة فوضى أدت إلى اغتيال أحد مشايخ السلفيين في مدينة سرت بعد خروجه من صلاة العشاء بمسجد قرطبة في المدينة، مساء أمس الأثنين.
وأكد شهود عيان بمدينة سرت أن مسلحون كانوا على متن سيارة تويوتا أطلقوا الرصاص على الشيخ خالد بن رجب الفرجاني اثناء خروجه من الصلاة في مسجد قرطبة في الحي رقم 3 تسبب في وفاته على الفور.
وأضاف شهود العيان أن المغدور به كان برفقة الشيخ عبد الله عمر الشعولي الفرجاني الذي تعرض لإصابة بلغيه ونقل إلى مستشفى لتلاقي العلاج.
يشار إلى أن الشيخ خالد بن رجب من أبرز مشائخ السلف الصالح بمدينة سرت ومؤسس منهج السلفية بالمدينة وكان قد أعلن في خطبة الجمعة الماضية أن ما يعرف تنظيم الدولة الإسلامية داعش يتكون من الخوارج وأفتى بعدم جواز الاستتابة أمامهم؛ لأن الاستتابة تسقط عن المسلم الموحد بالله.
وحسب المصادر الإعلامية الليبية، فقد استهدف المسلحون الفرجاني أمام منزله فور عودته من صلاة المغرب، حيث أطلقوا عليه أعيرة نارية ما أدعى لمقتله على الفور، ليلوذوا بالفرار.
وتتوجه أصابع الاتهام نحو تنظيم داعش، الذي أكد مقربو الفرجاني ضلوعه في عملية الاغتيال، خاص بعد التهديدات التي تلقاها القتيل من طرف حسن الكرامي، أحد قيادي التنظيم، على خلفية رفض الفرجاني والجماعة السلفية بمسجد قرطبة تسليم منبر المسجد للتنظيم الإرهابي الذي فرض سيطرته معظم مساجد سرت قبل أسابيع.
بداية السيطرة على سرت

كان تنظيم داعش الإرهابي، سيطر على مدينة سرت بالكامل في الشهر الماضي، وعقب سيطرته، حيث توقع مراقبون أن تكون المدينة هي عاصمة التنظيم في ليبيا.
وأشاروا إلى أن هذا يعود إلى عدة أسباب أهمها، الانشقاقات من الجناح الجهادي المحلي لتنظيم "أنصار الشريعة في ليبيا"، والتسويات التي توصل إليها تنظيم داعش في ليبيا مع القبائل المحلية، وانضمام أنصار الرئيس السابق معمر القذافي من مسقط رأسه في سرت إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في ليبيا"، أو رضوخهم لاستيلائه على المنطقة، بطريقة مماثلة لما قام به البعثيون سابقا في العراق.
وفي دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حول مستقبل تنظيم داعش في ليبيا، بعد سيطرته الكاملة على مدينة سرت دون فصائل متمردة تنافسه على السلطة، بالرغم من خسارته في درنة منتصف يوليو الماضي، أوضحت الدراسة أن ذلك يؤهل سرت لأن تكون عاصمة التنظيم في ليبيا، مثل الرقة في سوريا، والموصل في العراق.
داعش وأنصار الشريعة

الباحث المختص بشئون الجماعات الجهادية في المعهد، هارون زيلين، أكد أن داعش ليبيا بنى نفسه من "أنصار الشريعة" الذي انتقل من بنغازي، بعد أن أقنعه بتقديم البيعة لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي في أواخر خريف 2014، مما مهد له البناء وتوظيف نفوذه في سرت، التي انتقل إليها بعد بنغازي من أواخر يونيو 2013.
كان "أنصار الشريعة" يستعد للانتقال إلى سرت، عبر إقامته علاقات مع فاعلين رئيسيين في المدينة إذ نظم مسابقة قرآنية خلال شهر رمضان في يوليو 2013، بالتعاون مع "مكتب الأوقاف المحلي، وإذاعة "راديو التوحيد"، و"شركة خدمات التنظيف"، و"جامعة سرت"، وبعد عام واحد، شارك "أنصار الشريعة في ليبيا" في رعاية مناسبة للـ "دعوة" في رمضان مع "مؤسسة البينة"، بحسب زيلين.
وحينذاك أصبحت سرت القاعدة الثانية لأنصار الشريعة في ليبيا من حيث كثافة الفعاليات، فقد شارك التنظيم بأنشطة مختلفة، حتى إن نشاطه امتد في بعض الأحيان إلى مناطق أخرى في خليج السدرة مثل النوفلية وبن جواد.
وأوضح زيلين أن التنظيم وفر دوريات أمنية في أحياء متعددة وفي "جامعة سرت"، وحل إشكالات بين القبائل، وأعاد سيارة مسروقة إلى مستشفى، ونظم السير، ونظف الطرقات، كما عمل على تنفيذ "التعزير" بنظام الحسبة، وصادر المخدرات والسجائر والكحول وأتلفها، ما يدل على أن تنظيم الدولة استفاد من وجود أنصار الشريعة القوي في سرت عند دخولها.
وكان داعش فرض سيطرته على مدينة درنة في أبريل 2014، تحت اسم "مجلس شورى شباب الإسلام"، إلا أنه بدأ يؤسس نفسه في سرت ومدن أخرى في المنطقة منها النوفلية وهراوة، تحت دعم المنشقين من "أنصار الشريعة في ليبيا" منذ أكتوبر 2014، دون أن ينشط هناك حتى أوائل يناير من قاعدته في مركز مؤتمرات واغادوغو، كما أعدم هناك الرهائن المصريين الأقباط في فبراير، والرهائن الإثيوبيين في منتصف أبريل.
وحصل التنظيم على أول قاعدة فعلية له في سرت بعد تأمين النوفلية، وتعيين علي القرقعي، أبو همام الليبي، زعيما للتنظيم هناك، إذ بدأ التركيز على أنشطته هناك، من خلال التواصل مع السكان وإتلاف السجائر والكحول و"مواد الشعوذة" وتوزيع منشورات الدعوة وتدريب المجندين، بحسب زيلين.
ومن النوفلية، بدأ التنظيم بالتوسع في سرت، باستيلائه على محطة الإذاعة، وأستوديو قناة "ليبيا الوطنية" التلفزيونية، ومركز الهجرة، و"مستشفى ابن سينا"، و"جامعة سرت"، والمباني الحكومية المحلية.
سرت عاصمة داعش

كان التنظيم قد سيطر على أكثر من نصف المدينة وعين قائدا محليا، هو أسامة كرامة، نسيب أحد ضباط المخابرات السابقين في نظام القذافي.
ودفع ذلك بـ "الكتيبة 166" التابعة لقوات "فجر ليبيا" المصراتية إلى إطلاق حملة مضادة تهدف إلى استعادة السيطرة على سرت، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل لأن الكثير من القادة في مصراتة كانوا يشككون في ذلك الوقت في تسلل تنظيم الدولة فعلا إلى سرت، وكانوا يرون أن الأولوية هي محاربة الفريق أول خليفة حفتر في الشرق.
منذ هزيمة التنظيم في يونيو بدرنة، وسع نشاطاته من الدعوة في سرت إلى بناء الدولة، للبث الرعب في نفوس العالم وسكان المنطقة بالأخص.
وأكدت معهد واشنطن أن "سرت" أصبحت أول عواصم التنظيم خارج سوريا والعراق، موضحة أن تركز تنظيم الدولة في سرت دفع أنصار الشريعة في بنغازي وأجدابيا ودرنة للتركيز على توفير الخدمات والعدالة والأمن، محذرا من اندلاع حرب بين التنظيميين الجهاديين، داعيا الولايات المتحدة للاهتمام بتمدد تنظيم الدولة في سرت، بالرغم من هزيمته في درنة.