الحكومة الليبية تعيد "الملك إدريس السنوسي" إلي عرش طرابلس

الأربعاء 12/أغسطس/2015 - 12:42 م
طباعة الحكومة الليبية تعيد
 
قررت الحكومة المؤقتة بقيادة عبدالله الثني، إعادة تسمية مطار طرابلس الدولي بـ "الملك إدريس السنوسي الدولي" كما كان يسمى قبل أن يلغيه نظام القذافي عام 1969م.
واعتبرت الحكومة في قرارها أن إعادة تسميته بمطار الملك إدريس هو عرفان منها بجهود الملك السنوسي الوطنية التي اقتضت توحيد الوطن واستقلاله.
واعتبرت الحكومة أن قرارها هو خطاب لكل الجهات الخدمية والحكومية لتفعيل القرار محليا ودوليا.
وأنشئ مطار  طرابلس الدولي عام 1952 ليطلق عليه اسم مطار الملك إدريس، وظل مرفقا هاما وحيويا طيلة فترة حكم القذافي.
الجدير بالذكر أن ميلشيات فجر ليبيا الموالية للحكومة الموازية المقيمة فى طرابلس قامت في أغسطس من العام الماضي بشن حرب على قوات الجيش حول المطار مما أدى إلى تدميره قبل أن تجهز المليشيات على بقيته بإضرام النيران فيه ليتوقف عن الخدمة.

حياته

حياته
محمد إدريس ابن المهدى ابن محمد بن على السنوسى معروف باسم الملك إدريس السنوسى ولد فى الجغبوب شرق ليبيا فى 12 من مارس عام ١٨٩٠ ونشأ فى كنف أبيه الذى كان قائما على أمر الدعوة السنوسية فى ليبيا.
التحق إدريس السنوسى بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية الكفرة، مركز الدعوة السنوسية، ثم رحل إلى برقة سنة ١٩٠٢ وهو العام الذى توفى فيه أبوه المهدى وتولى رئاسة الدعوة السنوسية من بعده أحمد الشريف السنوسى.

الحركة السنوسية

لم تكن الحركة السنوسية مثل كثير من الطرق الصوفية تقصر اهتمامها على شئون العبادة غير ناظرة إلى أحوال الناس وقضاياهم، بل كانت حركة دين ودولة، وعلم وعمل، وتربية وجهاد.
 وكانت الزوايا التي أنشأتها في ليبيا وأفريقيا الغربية دور عبادة وتعليم ومراكز حياة واجتماع، ومقر حكم وسلطان.
وقد ترك السنوسيون منذ أن تأسست طريقتهم في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري أثرا واضحا، جعل الدولة العثمانية صاحبة الأمر في ليبيا وقتذاك تعتمد على جهود السنوسيين في حكومة البلاد الداخلية، ثم في مكافحة الاستعمار الذي بدأ يتغلغل في أفريقية الغربية.
وحين أغار الطليان على ليبيا سنة 1329هـ 1911م حملت السنوسية راية الجهاد المقدس ضد العدو الغاصب أكثر من 30 عاما.
عرفت السنوسية منذ بدء الحركة حتى نهايتها أربعة زعماء وقادة مصلحين تولوا أمورها ونشروا تعليمها، وهم: محمد بن علي السنوسي مؤسس الحركة، وابنه المهدي، وأحمد الشريف، أما الرابع فهو إدريس السنوسي.

الغزو الإيطالي لليبيا

الغزو الإيطالي لليبيا
في أعقاب تعرض ليبيا للغزو لإيطالي سنة 1911م تحمل السنوسيون عبء الدفاع عن شرف البلاد ورد العدو الغاصب على الرغم من التباين الواضح في العدد والعتاد بين الغزاة الإيطاليين والسنوسيين. 
ولم تكن الحامية العثمانية المرابطة في ليبيا البالغ عددها نحو  2210 قادرة على مواجهة جيش يبلغ نحو 40 ألف جندي؛ وهو ما جعل مسئولية الدفاع تقع على عاتق أهالي البلاد.
منذ أن احتل الإيطاليون البلاد لم تنقطع أعمالهم الوحشية ضد أهالي البلاد، وتجرد سلوكهم سواء في أثناء عملياتهم العسكرية أو بعدها من كل شعور إنساني، فاقترنت أعمالهم بفظائع مخزية جعلت من احتلالهم صفحات سوداء ليس فقط في تاريخ إيطاليا بل في تاريخ الإنسانية.
كانت أبشع الجرائم التي ارتكبها الإيطاليون ما كان بعد سقوط مدينة طرابلس حيث ارتكبوا مذبحة وحشية في ناحية المنشية، وقتلوا من الأهالي عددا يتراوح بين 4 و7 آلاف نسمة، ومثلوا بالكثيرين، وهتكوا أعراض النساء، وأمعنوا في التنكيل فيمن نجا، فنفوا 900 وألقوا أعدادا عظيمة من الرجال والنساء في غياهب السجون.

بداية الجهاد

بعد انسحاب القوات العثمانية من طرابلس تحمل الشريف السنوسي قيادة المجاهدين في ليبيا، ومواجهة المحتل الغاصب بكل ما يملك، وعلى الرغم من قلة عددهم وعتادهم فإنهم كانوا يوقعون في العدو خسائر هائلة، وكان المجاهدون قد عمدوا ألا يقاتلوا الإيطاليين في وقائع منظمة، واتجهوا إلى حرب العصابات الخاطفة، وكانت هذه الطريقة شديدة الفتك بالإيطاليين.
وفي أثناء هذه الفترة كان إدريس السنوسي قد بلغ السن التي تمكنه من تحمل أعباء الدعوة السنوسية، ورأى بعض القادة السنوسيين أن يتولى إدريس قيادة الدعوة لكنه رفض هذا الأمر احتراما لابن عمه وتقديرا له.
 بعد قيام الحرب العالمية الأولى سحبت إيطاليا كثيرا من قواتها بليبيا بسبب اشتراكها في هذا الحرب، وفي الوقت نفسه رأى السنوسيون أن يساعدوا الدولة العثمانية التي دخلت الحرب أيضا، فقام الشريف بحملة عسكرية على مصر، كان الغرض منها إرغام بريطانيا على القتال في حدود مصر الغربية، ومن ثم شغلها عن الحملة التركية الألمانية على قناة السويس، غير أن هذا الحملة فشلت، وعاد الشريف إلى بلاده منهزما، تاركا مهمة قيادة الدعوة السنوسية إلى إدريس السنوسي، فاستطاع أن يقبض على الأمور بيد قوية ويضرب على أيدي المفسدين، واتخذ من مدينة "إجدابيا" مقرا لإمارته الناشئة، وأخذ يشن الغارات على معسكرات الإيطاليين.

الهدنة بين إيطاليا وليبيا

الهدنة بين إيطاليا
عندما أوشكت الحرب العالمية الأولى على الانتهاء، ولم تكن المعارك بين الليبيين والإيطاليين حاسمة، لجأ الطرفان إلى مائدة المفاوضات، وعقدا هدنة في سنة 1917م يعلنان فيها أنهما راغبان في وقف القتال والامتناع عن الحرب. 
وتضمنت هذه الهدنة عدة بنود، منها أن يقف الإيطاليون عند النقط التي كانوا يحتلونها، وأن يبقى على المحاكم الشرعية، وأن تفتح المدارس العملية والمهنية في برقة، وأن تعيد إيطاليا الزوايا السنوسية والأراضي التابعة لها، وأن تعفى من الضرائب، وفي مقابل ذلك يتعهد السنوسيون بتسريح جنودهم وتجريد القبائل من السلاح.
غير أن بنود هذه الهدنة لم تجد من ينفذها، فعاود الطرفان المفاوضات من جديد وعقدا اتفاقا جديدا سنة 1920م عرف باتفاق "الرجمة" بموجبه قسمت برقة إلى قسمين: شمالي، وفيه السواحل وبعض الجبل الأخضر، ويخضع للسيادة الإيطالية، وجنوبي، ويشمل: الجغبوب، وأوجيلة، وجالوا، والكفرة، ويكون إدارة مستقلة هي الإمارة السنوسية، ويتمتع السيد محمد إدريس بلقب "أمير" مع حفظ حقه في التجول في جميع أنحاء برقة، ويتدخل في إدارة المنطقة الإيطالية متى شعر أن مصلحة أهالي البلاد تتطلب ذلك، وفي الوقت نفسه تعهد الأمير بأن يحل قواته العسكرية، على أن يحتفظ بألف جندي فقط يستخدمهم في شئون الإدارة وحفظ النظام.

مبايعته أميرًا للبلاد

مبايعته أميرًا للبلاد
جميع المفاوضات بين ليبيا وايطاليا باءت بالفشل، ولكن استطاع العقلاء من توحيد الصف لمواجهة الغازي المحتل فعقد مؤتمر في "غربان" حضره زعماء الحركة الوطنية، وذلك في نوفمبر 1920م، واتخذ فيه القرار التالي: "إن الحالة التي آلت إليها البلاد لا يمكن تحسينها إلا بإقامة حكومة قادرة ومؤسسة على ما يحقق الشرع الإسلامي من الأصول بزعامة رجل مسلم منتخب من الأمة، لا يعزل إلا بحجة شرعية وإقرار مجلس النواب، وتكون له السلطة الدينية والمدنية والعسكرية بأكملها بموجب دستور تقره الأمة بواسطة نوابها، وأن يشمل حكمه جميع البلاد بحدودها المعروفة، ما أدى إلي مبايعة إدريس السنوسي أميرا للقطرين طرابلس وبرقة عام 1922، وذلك من أجل توحيد العمل في الدفاع عن البلاد، والجهاد ضد المحتلين.

اشتعال حركة الجهاد

كانت إيطاليا لديها تخوفات من قبول السنوسي لهذه البيعة وتوحيد الجهود ، وأدرك السنوسي بقبوله هذا أنه صار هدفا، فرحل إلى مصر لمواصلة الجهاد من هناك، تاركا عمر المختار يقود حركة المقاومة فوق الأراضي الليبية، وكانت القضية الليبية تلقى تعاطفا من جانب المصريين.
وبعد أن استولى الفاشيون على الحكم في إيطاليا سنة 1922م اشتدت وطأة الاحتلال في ليبيا، وعادت المذابح البشرية تطل من جديد، واستولى المحتلون على الزوايا السنوسية وأعلنوا إلغاء جميع الاتفاقات التي عقدتها الحكومة الإيطالية مع السنوسيين، وكان من نتيجة ذلك أن اشتعلت حركة الجهاد.

السنوسي في مصر

السنوسي في مصر
استقر إدريس السنوسي في القاهرة، وأصبحت حركته محدودة بعد أن فرض عليه الاحتلال البريطاني في مصر عدم الاشتغال بالسياسة، وكان من حين إلى آخر يكتب في الصحف المصرية حول قضية بلاده.
لم اشتعلت الحرب العالمية الثانية نشط إدريس السنوسي وعقد اجتماعا في داره بالإسكندرية حضره ما يقرب من 40 شيخا من المهاجرين الليبيين، وذلك في 20 من أكتوبر 1939م وانتهى الحاضرون إلى تفويض الأمير في أن يقوم بمفاوضة الحكومة المصرية والحكومة البريطانية لتكوين جيش سنوسي، يشترك في استرجاع الوطن بمجرد دخول إيطاليا الحرب ضد الحلفاء.
بدأ السنوسي في إعداد الجيوش لمساندة الحلفاء في الحرب، وأقيم معسكر للتدريب في إمبابة بمصر بلغ المتطوعون فيه ما يزيد عن 4 آلاف ليبي، كانوا فيما بعد عونا كبيرا للحلفاء في حملاتهم ضد قوى "المحور" في شمال أفريقيا، وساهموا مساهمة فعلية في الحرب، بالإضافة إلى ما قدمه المدنيون في ليبيا من خدمات كبيرة للجيوش المحاربة ضد إيطاليا.

عودة إدريس إلى ليبيا

عودة إدريس إلى ليبيا
انتهت الحرب بهزيمة إيطاليا، وخروجها من ليبيا، عاد السنوسي إلى ليبيا في يوليو 1944م فاستقبله الشعب في برقة استقبالا حافلا.
استقر في برقة حتى أخذ يعد لنقل الإدارة إلى حكومته، فأصدر قرارا بتعيبن حكومة ليبية تتولى إدارة البلاد، وأصدر دستور برقة، وهو يعد وثيقة مهمة من وثائق التاريخ العربي الحديث، وقد تكفل هذا الدستور حرية العقيدة والفكر، والمساواة بين الأهالي وحرية الملكية، واعتبر اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، ونص الدستور على أن حكومة برقة حكومة دستورية قوامها مجلس نواب منتخب.
وفي عام 1946م اعترفت إيطاليا باستقلال ليبيا، وبحكم إدريس السنوسي لها، ولم تكن إمارته كاملة السيادة بسبب وجود قوات إنجليزية وفرنسية فوق الأراضي الليبية.

السنوسي يؤسس أول جمعية

السنوسي يؤسس أول
ظل الليبيون يطالبون بضرورة الاحتفاظ بوحدة الأقاليم الثلاثة "برقة- طرابلس- فزان" تحت زعامة الأمير إدريس أرسلت الأمم المتحدة مندوبها إلى ليبيا لاستطلاع الأمر، وأخذ رأي زعماء العشائر فيمن يتولى أمرهم، فاتجهت الآراء إلى قبول الأمير إدريس السنوسي حاكما على ليبيا، واتجه الأمير بعد أن توحدت البلاد تحت قيادته إلى تقوية دولته، فأسس أول جمعية وطنية تمثل جميع الولايات الليبية في 25 من نوفمبر 1950، وقد أخذت هذه الجمعية عدة قرارات في اتجاه قيام دولة ليبية دستورية، منها أن "تكون ليبيا دولة ديمقراطية اتحادية مستقلة ذات سيادة على أن تكون ملكية دستورية، وأن يكون سمو الأمير السيد محمد إدريس السنوسي أمير برقة ملك المملكة الليبية المتحدة"، كما انصرفت إلى وضع دستور للمملكة، وأصدرته في  7 من أكتوبر 1951م متضمنا 204 مواد دستورية.
وبعد أن أعلن السنوسي أن ليبيا أصبحت دولة ذات سيادة عقب إصدار الدستور انضمت إلى جامعة الدول العربية سنة 1953م وإلى هيئة الأمم المتحدة سنة  1955م.

وفاته

ظل السنوسي ملكا على ليبيا حتى قامت ثورة الفاتح 1 سبتمبر 1969م بزعامة معمر القذافي فأطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي، الذي انتقل إلى مصر لاجئا سياسيا، وظل بها مقيما حتى توفي في  25 من مايو 1983م.

شارك