سلطنة عمان " اللغز الوسيط " بين إيران والسنة

الأحد 16/أغسطس/2015 - 05:24 م
طباعة سلطنة عمان  اللغز
 
تمثل سلطنة عمان لغزًا محيرًا في الصراع الإيراني مع العالم السني، ففي الوقت الذي تتمسك فيه بواقعها الخليجي وعلاقاتها الجيدة مع دول المجلس التعاوني الخليجي، ولكنها ترفض في الوقت نفسه أي تحالف خليجي ضد إيران، وفي حال حدوثه فإنها ترفض المشاركة فيه، كما حدث في "عاصفة الحزم"، وتتمادى إيران في مواقفها المحيرة، من خلال الوساطة بين الدول الخليجية وإيران، بل وحتى حلفاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم النظام السوري الذي كشف موقع "فردا" الإيراني عن محادثات أمريكية- سورية، تجري بشكل سري برعاية سلطنة عمان في مسقط، وإن الغرب ما زال يفضل سلطنة عمان للعب دور في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلق بجميع الملفات العالقة.

سلطنة عمان  اللغز
ليؤكد على هذه الوساطة سعد الله زارعي الخبير الإيراني بشئون الشرق الأوسط، قائلا: "يبدو أن الدول العظمى ما زالت ترجح سلطنة عمان لتلعب دورًا رئيسًا في المفاوضات السرية والحساسة التي تجري الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا بوساطة عمانية، وأنه لا يمكن لسوريا أن ترفض من يريد أن يساعدها في محاربة الإرهاب، خصوصًا إذا كانت النوايا صادقة، وعلينا أن ننتظر ما تقوم به تركيا هذه الأيام وحربها ضد داعش، وكذلك موقف وتحرك الأمريكان من جانب آخر؛ لأن هذين البلدين يجب أن يثبتا صدق نواياهما في محاربة الإرهاب وتنظيم داعش في سوريا".
 وتابع: "الأمريكان غير راضين عن استمرار حكومة الأسد، لكنهم غير موافقين على إضعاف بشار الأسد لصالح تنظيم الدولة، وأن المفاوضات الجارية في سلطنة عمان بين الجانب السوري والأمريكي منفصلة تمامًا عن المبادرة الإيرانية لحل الأزمة في سوريا، ولكنّ كلا المبادرتين تجمعان على مواجهة تنظيم الدولة بشكل رئيس في أي حل سوف يطرح لإنهاء الأزمة في سوريا، ولكن هذه الوساطة يواجهها العداء السعودي ـ الإيراني الذي وصل إلى حد الذروة؛ بسبب التطورات الحساسة التي تشهدها المنطقة، وفي حال تم طرح الحل السياسي بجانب الدعم العسكري للنظام السوري لمواجهة تنظيم داعش في سوريا، فسوف توافق الحكومة السورية على هذا المشروع" .

سلطنة عمان  اللغز
المثير أيضًا في تنامي وساطة سلطنة عمان هو طلب طهران مساعدتها لوقف ضربات التحالف العربي في اليمن، وأن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان سلم السلطات العمانية رسالة من الرئيس حسن روحاني يطلب فيها المساعدة في وقف الهجمات على اليمن، ومنع امتداد الحرب إلى المنطقة، وتطلب التركيز على السبل السياسية لإنهاء الأزمة في اليمن، وهنا يطرح السؤال: لماذا سلطنة عمان؟ وهل تريد إيران إيصال رسالة إلى السعودية بأنها قادرة على إدارة مفاوضات في خاصرتها الشرقية لحل الأزمة السورية، بل واليمنية في حضور ومباركة من الجانب  الأمريكي؟ 
للإجابة على هذه الأسئلة يجب أن نعرف أسباب قدرة سلطنة عُمان على ممارسة هذه الوساطة سواء في الأزمة اليمنية بحكم الجوار والموقع والأزمة السورية، باعتبارها الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على مسافة متساوية مع جميع أطراف الصراع السوري، والتي تتمثل فيما يلي: 

سلطنة عمان  اللغز
1- ارتباطها بعلاقات متينة مع كافة دول عاصفة الحزم، ومع اليمن والحوثيين وإيران في نفس الوقت؛ مما يجعلها مؤهلة للعب دور باليمن.
2- اعتبارها أن المشكلة في اليمن حلها سلمي، وبالتالي لا بد أن تكون هناك نهاية لعاصفة الحزم، طالما الهدف منها ليس احتلال اليمن، بل هدفها إعادة الأمور إلى نصابها القانوني ووفق الشرعية ومن ثم ترتيب البيت اليمني من جديد بعد وقف الحرب التي أضرارها وخيمة على اليمن والمنطقة.
3- مساعدتها في علاج مئات الجرحى اليمنيين بمن فيهم الحوثيون، وإشادة عبد الملك الحوثي بالدور الإنساني الذي لعبته السلطنة، ومساعدتها في خروج الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور عبر عُمان، جميعها عوامل تجعلها مؤهلة للقيام بوساطة للوصول إلى حلول للنزاع، فهي قادرة على الدفع بالحوثيين نحو تقديم تنازلات.
4- مشاركتها في التحركات الدبلوماسية حول الوضع في سوريا، وآخرها الزيارة التي قام وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف إلى مسقط.
5- سلطنة عُمان مؤهلة للقيام بوساطة في الأزمة السورية باعتبارها غير متورطة في الصراع؛ مما يؤلها للوصول لحلول تُرضي كافة أطراف الصراع.

سلطنة عمان  اللغز
6- اهتمام المجتمع الدولي بالبحث عن آلية وأرضية يمكن فيها تطوير مبادرة تكون من الأمم المتحدة وبدعم من جميع الأطراف والدول المجاورة، إضافة للدول المهتمة بالشأن السوري، وهو ما يؤهل سلطنة عمان للقيام بذلك بعد الزيارة التي قام بها وفد حكومي سوري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وذلك في أول زيارة له إلى السلطنة منذ بدء الحرب في سوريا قبل أكثر من 4 سنوات. 
 وسبق لسلطنة عمان أن قامت بدور تصالحي بين العالم السني والشيعي من خلال قيامها بالوساطة لإطلاق سراح رهائن فرنسيين لدى تنظيم القاعدة باليمن، وثلاثة أمريكيين لدى إيران، كما استضافت محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران قبل سنوات قليلة، والتي ساعدت في إعادة إحياء المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني المتنازع عليه، قبل التوصل إلى اتفاق بشأنه الشهر الماضي.

سلطنة عمان  اللغز
وهناك عدة أسباب للتقارب العماني الإيراني منها:
1- حرص السلطان قابوس بن سعيد الذي يحكم عمان منذ 1970 على اقامة علاقات جيدة مع إيران. 
2- إيران ساعدت السلطنة في مطلع سبعينيات القرن الماضي بإرسالها قوات شاركت في قمع تمرد الانفصاليين في إقليم ظفار.
3- غالبية العمانيين تتبع المذهب الإباضي؛ الأمر الذي يسمح لعمان بتخطي المسالة السنية الشيعية التي تؤثر في سياسة دول أخرى في المنطقة.
4- حجم التبادل التجاري يغذي العلاقات وخصوصًا في ظل ارتفاع حجمها في العامين الأخيرين من نحو 200 مليون دولار إلى أكثر من مليار.
5- اتفاق البلدان العام الماضي على تشييد خط أنابيب تحت المياه لنقل الغاز الإيراني إلى مدينة صحار العمانية؛ حيث سيتم تصدير غالبية الكميات باتجاه دول آسيوية.
6- تنوي إيران تشييد مستشفى وإدارته بسعة 400 سرير بقيمة 1,5 مليار دولار في بركاء قرب مسقط، وفقًا للسفير.
7- تشهد تجارة البضائع المهربة نموًّا مضطردًا مع زوارق سريعة تعبر بين ضفتي البلدين في مضيق هرمز.
سلطنة عمان  اللغز
موقع مجلة "فورين أفيرز" حاول الكشف عن حالة التوازن الذي تحاول من خلاله سلطنة عمان الحفاظ على علاقاتها مع إيران والسعودية في تقرير لكلا من سيغريد نيبور، الباحث غير المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، وأليكس فاتنكا من معهد الشرق الأوسط في واشنطن قائلة "أن عمان لديها مصلحة في نتائج الاتفاق؛ لأن المخاطر الاقتصادية والدبلوماسية عالية ويقال: إن السلطان قابوس بن سعيد كان في مقدمة جهود الوساطة بين واشنطن وطهران ولعبت وساطته دورًا في الاتفاق المرحلي عام 2013م، وجاءت مشاركته في الوساطة بسبب علاقة بلاده التاريخية مع إيران، حيث لعب شاه إيران دورًا في مواجهة التمرد في ظفار ما بين عام 1962-1976، لكل هذا، تنظر عمان وإيران لرفع العقوبات عن الأخيرة كمناسبة للحصول على المنافع الاقتصادية.
وتابع الموقع: "تلعب الطاقة دورًا مهما في العلاقة، فقد وقعت السلطنة مع إيران في مارس 2014 اتفاقية مدتها 25 عامًا وقيمتها 60 مليار دولار، تقوم بموجبها إيران بدءا من عام 2015 بتزويد عمان بـ 350 مليون قدم مكعبة من الغاز في العام، وذلك عبر أنابيب الغاز الممتدة على طول 420 ميلا تحت مياه الخليج وأعلنت إيران بشكل منفصل عن خطط لاستثمار 4 مليارات دولار لتطوير ميناء الدقم وعن مشاريع بنية تحتية أخرى وأن كل طرف يريد الاستفادة من التعاون، فإيران تريد أن تستخدم عمان كمنطلق للأسواق الإفريقية، فيما تطمح عمان لأن تصبح نقطة عبور تجارية لدول وسط آسيا التي ليست لديها معابر بحرية ولكن المصالح التجارية تظل جزءا من معادلة العلاقة بين البلدين. فجوهر السياسة الخارجية العمانية يقوم على منع أي من السعودية أو إيران من التفرد بالهيمنة على المنطقة ولأن عمان هي الصديق الوحيد لإيران في دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تحاول الحفاظ على توازن حساس.

سلطنة عمان  اللغز
واختتم الموقع بالقول: "هذا يفسر السبب الذي جعل عمان تتردد في دعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ولم يكن موقف عمان بلا تحديات خاصة في العلاقة مع السعودية التي بدت حذرة من العلاقة بينها وإيران ومعارضتها لتعاون أكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان كفيلا بأن يقوي من موقف السعودية الإقليمي وبناء عليه ستتبنى السلطة سياسة من ثلاثة محاور: التعاون الأمني مع الغرب واستخدام دورها المحايد كجسر بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ومواصلة تعاونها الاقتصادي مع طهران
مما سبق يتضح لنا ما يلي: 
1- تلعب سلطنة عمان دورًا فريدًا في منطقة الخليج العربية بعلاقات جيدة مع إيران وارتباط جغرافي ولوجستي مع دول الخليج وباقي الدول العربية. 
2- موقعها المتميز على مضيق هرمز، يسمح لها بالتوسط في الأزمة اليمنية بل وأزمات إيران الداخلية في عربستان.
3- تتميز السلطنة بعلاقات مميزة مع إيران تفتقد إليها باقي الدول العربية الخليجية التي تحكمها سلالات من الطائفة السنية، تعتبر على غرار السعودية، وجمهورية إيران الإسلامية الشيعية المذهب خصمها الرئيسي في المنطقة، وتخوض معها حرب نفوذ في سوريا والعراق امتدت أخيرًا إلى اليمن.
4- تحظى مسقط بثقة الولايات المتحدة التي ترتبط معها باتفاقات عسكرية؛ مما قد يؤدي إلى تحفيز الثقة بينها وبين دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة .

شارك