اليوم الأول لمؤتمر "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل"
الإثنين 17/أغسطس/2015 - 08:30 م
طباعة


بدأت اليوم الاثنين 17 اغسطس 2015، فعاليات المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية الذي يُعقد بمشاركة وفود من كبار المفتين من 50 دولة، ويستمر لمدة يومين تحت عنوان "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل"، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
وقد ألقى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الكلمة الرئيسية في المؤتمر، وقال الدكتور جلال مصطفي سعيد في الكلمة التي ألقاها نيابة عن المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، إن مصر تعرف قيمة العلم والعلماء وتعلو بقدرهم، موضحاً أن المؤتمر جاء بعد أيام قليلة من حفل افتتاح قناة السويس التي يعود نفعها ليس على المصريين فقط بل العالم، وهو المشروع الذى أكد قدرة المصريين. وأضاف محافظ القاهرة في الكلمة التي ألقاها نيابة عن رئيس الوزراء، أن مصر تشهد طفرة كبيرة سياسية واقتصادية نحو مستقبل أفضل، وأن هناك تحديات كبيرة وخطيرة لا تواجه مصر وحدها بل العالم بأسره تتمثل في وجود جماعات تتبنى الفكر المتطرف، مؤكدا أن الفكر لا يجابه إلا بالفكر ولذا تأتى أهمية المؤتمر للرد على هذه الأفكار الوافدة على مصر. وأكد أن مصر تستمد صلابتها من قوة مؤسساتها التي تأتى في مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، مضيفاً أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية تنشر العلم المستنير، وتابع: "دار الإفتاء حافظت لمصر على نشر الصورة الصحيحة للإسلام، خاصة مع تعاونها مع دور الإفتاء في العالم". وشدد على أن المؤتمر يهدف لنشر الوجه السمح للإسلام ولمواجهة الأفكار المتطرفة لتهديد السلم والأمن الإنساني.

وقد أعرب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس المؤتمر العالمي للإفتاء، في كلمته، عن الأمل في أن يكون هذا المؤتمرُ حدًّا فاصلًا بين عصرِ فوضَى الفتاوى التي تتسببُ في زعزعةِ استقرارِ المجتمعاتِ وتؤدي إلى انتشارِ التطرُّفِ، وبين عصرِ الفهمِ الدقيقِ لطبيعةِ الدورِ الإفتائي وما يكتنِفُه من ضوابطَ يمكنها مع التطبيقِ أن ترتقي به إلى أعلى مستوياتِه، وتُسهمَ في عجلةِ البناءِ والعمران وأن نخرجَ بنتيجةٍ إيجابيةٍ فعالةٍ من هذا العملِ والمجهود.
وأشار المفتي إلى التحديات الكبيرةٍ التي يعيشُها المسلمون في مختلفِ بلدانِ العالمِ، في ظلِّ انتشارِ موجاتِ التطرفِ والإرهابِ التي تشوِّهُ ديننَا الحنيفَ وفي ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلامَ النبويَّ من سياقه، ويحمِلونه على المعاني والمحامل التي لا يحتملها اللفظ النبوي وفق قواعد الاستنباط الصحيحة، ويخلعون عليه ما وَقَر في نفوسهم من غِلظةٍ وعُنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده.
وقال إننا نواجِه الأميَّةَ الدينيةَ من جهةٍ، وفتاوى أشباهِ العلماءِ من جهةٍ ثانية، ونواجه تشويهَ الدينِ الإسلاميِّ بيدِ مَن ينتسبونَ إليه من جهةٍ أخرى، ونحن أيضًا في لحظةٍ يحاولُ فيها بعضُ الأقزامِ أن يُهدِّدُوا سلامَ الأوطانِ، ويطمَحُ فيها أعوانُ الشيطانِ أن يؤجِّجُوا نيرانَ الفتنةِ بين أبناءِ البلدِ الواحدِ، معتمدينَ في ذلك على الشائعاتِ والأكاذيبِ والأراجيفِ تارةً، وعلى فهمهم السقيم للدين تارةً أخرى.
وأضاف المفتي، أن جماعةً من أعيانِ العلماءِ من مختلفِ بلدانِ العالمِ العربي والإسلامي وغير الإسلامي مشاركون بالمؤتمر في محفَلٍ علميٍّ؛ وسنضعَ النقاطَ على الحروفِ، ونقفَ معًا متضامنين، مترابطي الأيدي أمامَ هذه التحدياتِ التي تَطالُنا آثارُهَا السلبيةُ كمسلمين بشكلٍ خاصٍّ، وتمتدُّ إلى غيرنا بشكلٍ عامٍّ أفرادًا وجماعاتٍ، ودولًا ومجتمعاتٍ.
وأوضح أنَّ الفتوى ما دامتْ وسطيةً وصادرةً عن أهلِها؛ فإنَّ لها دورًا في الحفاظِ على الهُويَّةِ؛ حيثُ أنها تُخبِرُ عن حُكمِ الدينِ في المسائلِ الخاصةِ، وكذلك في المسائلِ العامَّةِ، والدينُ منَ الخصائصِ المكوِّنَةِ للهُويَّةِ الخاصةِ للمصريينَ بشكلٍ خاصٍّ، وللعربِ بشكلٍ عام، وللمسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغارِبها بشكل أعم.
ولفت المفتي إلى أن المؤتمر يرسِّخ مبادِئَ الوسطيةِ في الفتوى؛ من نحو: النظرُ في المآلاتِ، وقصدُ تحقيقِ المصالحِ ودرء المفاسد، وتمييزُ الثابتِ من المتغيرِ، ومراعاةُ الضرورةِ والحاجةِ وعمومِ البلوى، ورفعُ الحرجِ ودفعُ المشقةِ، وإعمالُ الرُّخَصِ في محالِّها، والتعرفُ على مواطنِ الأخذِ بالعزائمِ، وتفعيلُ المقاصدِ، وأشار إلى محاور المؤتمر الرئيسية وهى الإفتاء وأثره في استقرار المجتمعات والفتاوى ومواجهة التطرف والتكفير والتعصب المذهبي، و"الوسطية في الإفتاء والتجديد في علوم الفتوى، والإفتاء والتنمية" وستكونُ محلَّ دراسةِ ونقاشِ من المفتين والعلماءِ والباحثين الكرامِ اليوم وغدًا.
وحذر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في كلمته، من تصيدِ الغرائب التي تَدْعم هذه الفتاوى من تراثنا مما أدى إلى ما نراه الآن من قتل واستحلال للدماء المعصومة باسم الكفر والخروج عن المِلة.

كما حذر من مسألة "العُرف"، وخطره البالغ على تكيف الفتوى وجنوحها إلى التَّشدد والتعسير، حيث إن مكمن الخطر هو أن قاعدَة تغير الفتوى بتغير العرف، أصبحت قاعدة شبه مهْمَلة أو هي نادرة التطبيق في الفتوى، وإن طبقت روعي فيها عرف خاص ببلدٍ مُعَيَّنٍ، يُرَاد له أنْ تُعَمَّم فتواه، كما هي، على بلد آخر لا يسود فيه هذا العرف، مما تسبب في حالة من الفوضى والارتباك عند الجماهير.
وانتقد شيخ الأزهر، في كلمته، مما أسماه "فتاوى مقولبة" وهى أحكام بنيت على أعراف ملائمة لبيئة وغير ملائمة لبيئة أخرى، أو على أعراف قديمة تبدلت وتغيرت عدة مرات، ولا زال ينقل ما بني عليها من فتاوى نقلًا حرفيًا مُسلّمًا، كأن التشريع توقف بحياة الناس عند تاريخ معين، وفي بيئة جغرافية معينة.. مشيرا إلى المسئولية الجسيمة على المفتيين لمواجهة كثير من آلام الناس ومشكلات الأسر والبيوت التي تهدمت وتفكَّكت بسبب تلك الفتاوى الغريبة على الزمان والمكان والتي لا تراعي التيسير في الفقه والإفتاء وأهمها تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
وأعرب الطيب، في نهاية كلمته، عن أمله في أن يكون المؤتمر اليوم فاتحة خير لعهد جديد من الإفتاء تُرتب فيه الأولويات، وتراعى فيه الأعراف والمقاصد حتى نتمكن من مجابهة الواقع وتحدياته ومستجداته بفتاوى تؤسس لمجتمعات تنعم بالأمن والسلام في ظل شريعة سمحة صالحة لكل زمان ومكان.
فيما قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن دار الإفتاء وفقت في اختيار الوقت المناسب لإقامة مؤتمرها ووفقت أيضا في اختيار الموضوع".
وطالب وكيل الأزهر الشريف، بإعادة النظَرِ في كثيرٍ من المسائل التي أفتى فيها علماء سابقون، استنادًا إلى أعرافٍ تغيَّرت بين الزمانين الماضي والحاضر.
وأضاف وكيل الأزهر الشريف خلال كلمته بالجلسة الأولى، من مؤتمرَ دار الإفتاء حول (الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل)، أنه إذا كانت مُلاحَقةُ الفروع بالفتاوى من قِبَلِ المفتين من الأمور الشاقَّة، فإنَّ هناك من العواملِ الإضافيَّة ما يزيد من هذه المشقَّة ويجعلُها مشقَّات بعضها فوق بعض، حيث إنَّ غالبَ هذه الفُروع لا نصَّ على حُكمٍ يُلائم طبيعتَها من السابقين، ولا نظائرَ لها فيما خلَّفُوه لنا من تراثٍ فقهى عظيمٍ، فضلًا عن إقحامِ غيرِ المؤهَّلين أنفُسَهم في مجال الإفتاء، واعتبار التوجُّهات الشخصيَّة والانتماءات السياسيَّة والطائفيَّة عندَ النظَر في المسائل الفرعيَّة من قِبَلِهم، حتى أصبَحَ بالإمكان في كثيرٍ من الأحيان تحديد هُويَّة مُطلِق الفتوى من مَنطُوقها".
وأشار وكيل الأزهر، إلى أنَّ الواقعَ الذى تمرُّ به الأُمَّةُ الإسلاميَّةُ اليومَ وما تُجابهه من تحدِّيات يفرضُ على مَن قُدِّرَ عليهم تحمُّل مسئوليَّة الإفتاء بذلَ جهودٍ كبيرةٍ لإخراجِ الناسِ من حيرتِهم التي زادَ منها تضارُب ما يُعلن لهم على أنَّه من الفتاوى، وكثيرٌ منها ليس كذلك، وإنما هي مجرَّدُ أقوالٍ تحملُ وجهةَ نظرِ قائلها، ولا علاقة لها بالفتاوى الشرعية التي تُبنَى على أسسٍ عِلميَّة.
وقال "شومان": "نَظَرًا لاستحداثِ مجالاتٍ جديدةٍ تتَداخَلُ في كثيرٍ من الأحيان في موضوع الفتوى كالمجالات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والطبيَّة والعُلوم التطبيقيَّة وغيرِها ممَّا يَتعذَّرُ معه في كثيرٍ من الأحيان على المتخصِّص في علوم الشريعة فقط تكييفُ الواقعة تكييفًا فقهيًّا منضبطًا؛ لما هو معلومٌ من أنَّ الحُكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره، فإنَّنا في حاجة ماسَّة إلى الاجتهادِ الجماعي الذى يجلسُ فيه الحاذِقُون في هذه العلوم جنبًا إلى جنبٍ مع فقهاء الشريعة المعنيِّين باستنباط الحكمِ الشرعي في المسألة محلِّ الفتوى والنظَر قبل إطلاقِ الفتاوى المتعلِّقة بهذا النوعِ من المسائل الفرعيَّة.
وطالب وكيل الأزهر إصدار الدول الإسلامية للتشريعات اللازمة التي تُحدِّد جهات إصدار الفتاوى الشرعية العامَّة، وقصرها على المؤسَّسات الرسمية ذات الاختصاص في كلِّ دولةٍ، مع احتفاظ المؤهَّلين من العلماء بحقِّهم في الإفتاء في المسائل الخاصة المتعلِّقة بالأفراد، ومنع وتجريم تصدِّى غير المؤهَّلين للإفتاء العام أو الخاص.

بينما اشاد عبدالحي عزب رئيس جامعة الأزهر بالمؤتمر العالمي للإفتاء، واصفا اياه ببذرة الأمل لمواجهة الفتاوي الشاذة التي انتشرت الآونة الأخيرة في مصر والعالم الاسلامي.
وأشار عزب، خلال مشاركته في المؤتمر العالمي للإفتاء، أن الفتاوي المتطرفة تقوم على نوع من الجهل بمبادئ الشريعة الإسلامية، لافتا أنه يتم استخدامها وتوظيفها لمصالح خاصة من قبل بعض الجماعات الإرهابية الذي انكشفت حقيقتها أمام شعوب العالم.
وعن جامعة الازهر، أكد عزب أن الجامعة سوف تقوم الشهر القادم بفتح مستشفى تخصصي صرح طبي كبير بالإضافة إلى إنشاء مستشفي لعلاج طلاب الازهر في مدينة نصر، مبينا أن هذه تعد من الإنجازات الكبيرة التي ستحققها الجامعة والتي سوف تصب في صالح الطلاب.
ولفت عزب، أن هناك بعض الطلاب المنتمين لجماعة الاخوان يعملون على إشاعة الفتن والوقيعة واثارة الشائعات بين طلاب جامعة الازهر، موضحا أن الجامعة تعمل على تحديدهم والتعرف عليهم وذلك لإعطائهم العقوبات التي يستحقونها.