"الإيكونوميست": كيف تهزم "داعش" في الحرب الدعائية؟

الثلاثاء 18/أغسطس/2015 - 12:05 م
طباعة الإيكونوميست: كيف
 
رصدت صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية الحرب الفكرية والدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ونجاحه القوي في السيطرة على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وتجنيد الآلاف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقدمت الصحيفة رؤية لكيفية هزيمة "داعش" عقب 14 ظهرًا من إعلان دولته المزعومة.

محارب مختلف

محارب مختلف
وبدأ تقرير الصحيفة عن الحرب الدعائية لتنظيم "داعش"، حول شكل المحارب المختلف للتنظيم والذي يعتبر شيئًا مثيرًا للمتلقي، وشيئًا مختلفًا تثيره داخله الإثارة والبحث عن طبيعة هذا المحارب.
وتقول الصحيفة: "رجل مقنع يقف وراء ضحية راكعة وهو يستعد لقطع حنجرته، أو تفجير رأسه برصاصة، أو قطعه بصاروخ تنظيم الدولة لم يخترع هذه المسرحيات الدموية، لكنه الآن- وبشكل مؤثر- يملك السيطرة عليها. القتل المصور- والذي يكون بالغالب جماعيًا- هو العلامة الفارقة للتنظيم في الوسط الجهادي. آخر ظهور لها بهذا المجال كان في 12 أغسطس، عندما نشرت صورًا مروعة لجثة الرهينة الكرواتي الذي قتلته في مصر. صور كهذه مرعبة، لكنها تصبح اعتيادية مع الوقت".

نجاح مربك

نجاح مربك
ورأت الصحيفة أن الأسلوب الدعائي للتنظيم هو أسلوب مختلف في الحرب النظامية وحرب العصابات؛ مما أدى إلى تحقيق نجاحات مربكة لخصومة من الحكومات العربية والدولية، وأيضًا الجماعات والتنظيمات الجهادية.
وتقول الصحيفة: "النجاح الذي قامت به "داعش" بكسب الأتباع برسائل كهذه يربك أعداءها الكثر، في وقت لا تملك به أصدقاء على الإطلاق؛ إذ إن الوقوف بوجهها هو الشيء الوحيد الذي يوحد الشيعة والسنة، السعودية وإيران، أمريكا وروسيا، تركيا ونظام الأسد في سوريا. داخل هذا التحالف المعقد هناك اعتقاد متزايد بأن معركة الأفكار والصور قد تكون بأهمية الحرب على الأرض؛ فبعد كل شيء، نجحت الحكومات بالانتصار على التنظيمات الإرهابية، لتجد مكانها تنظيمات أخرى، شبيهة بسابقتها وأسوأ، حلت مكانها.

الخطاب الديني

الخطاب الديني
الصحيفة رأت أن ظهور "داعش" وانتشاره بشكل سريع وسط الأوساط الشبابية، أدى إلى ردود فعل قاسية على السلطات الدينة في البلاد ذات الغالبية الإسلامية، ضد الجماعات والجمعيات والعلماء المتطرفين، أو الذين يحملون نهج التشدد؛ بما يؤدي إلى إصلاحات في الخطاب الديني.
وتقول الصحيفة: "فإن كل دولة ذات أكثرية مسلمة أخذت بعض الإجراءات الأيديولوجية المضادة لدعاية التنظيم، من الضغط على السلطات الدينية التقليدية، إلى عزل التنظيم، وإلى تشجيع الرسوم الساخرة منه".

الغرب والحرب الدعائية

الغرب والحرب الدعائية
رأت الصحيفة في تقرير لها، أن الحرب الدعائية والإجرائية لم تتوقف عند الحكومات العربية والإسلامية فقط، بل امتدت إلى الحكومات الغربية والأجنبية.
 وذكرت الصحيفة: "عدد متزايد من الدول الغربية، بما في ذلك بريطانيا وأمريكا، انضمت للحرب الدعائية كذلك؛ إذ عين بعضهم محررين إلكترونيين لتقويض دعاية التنظيم على الإنترنت، عبر إظهار تكفيرها للمسلمين الآخرين على سبيل المثال، في حين قام البعض الآخر بالضغط على شركات الإنترنت لمراقبة المحتوى، وإغلاق الحسابات المرتبطة بالتنظيم قدر الإمكان. وبالرغم من الحذر من الدخول في معارك عقدية؛ إلا أن بعض المسئولين الغربيين يفضلون نشر الإسلام "المعتدل" بشكل مفتوح".
قياس الأفكار المتصادمة أصعب من قياس الحرب العملية، ومن المحتمل أن مبادرات كهذه تؤدي لتراجع دعاية داعش؛ إلا أنه من الواضح أن التنظيم مستمر بإلهام الكثيرين. 

صراع الميدان

صراع الميدان
ورصد الصحيفة الحرب ضد "داعش"، من الحكومات العربية والأجنبية أو ما يعرف بالتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فقالت الصحيفة: "منذ سبتمبر، شن التحالف الذي تقوده أمريكا أكثر من 6000 غارة، وقتل، بحسب مصادر بالمخابرات الأمريكية؛ ما يصل إلى 15 ألف مقاتل، في حين يقدر البعض تزايد قوة التنظيم خلال هذه الفترة من 20-30 ألفًا تقريبًا، إلى ما يصل إلى 70 ألفًا، بينهم 15-20 ألف غربي".
دولية بمساحة بريطانيا
الصحيفة رأت أنه رغم الحرب المعلنة ضد "داعش" ميدانيًّا وسياسيًّا ودعائيًّا، إلا أن التنظيم يمتلك دولة في مساحة بريطانيا، قائله: "وبالرغم من بعض التراجعات الميدانية، إلا أن التنظيم لا زال يسيطر على مساحة بحجم بريطانيا، كما ظهر له عدد من الأتباع في ست بلدان أخرى، من أفغانستان إلى مصر ونيجيريا وتونس واليمن. حجمها، والأكثر أهمية، قدرتها التجنيدية تفوقت على قدرة "القاعدة"، التنظيم ذي خبرة العقدين في مجال الإرهاب. شكل الخلافة المعلن، سواء بالشكل، أو الخطاب، أو القسوة، هو ما يلهم أي شخص من الراغبين بالجهاد".

أسباب استمرار "داعش"

أسباب استمرار داعش
ورأت الصحيفة أنه، أحد الأسباب استمرار تنظيم الدولة الإسلامية منذ إعلان خلافته في يونيو الماضي، هو أن داعش منذ إعلانها الخلافة في العراق وسوريا العام الماضي، برزت عن التنظيمات السابقة في مستوى الدعاية. منتجاتها الإعلامية "متقدمة بجيل" عن التنظيمات الأخرى، بحسب كوري دوبر ومارك روبنسون، الخبيرين الإعلاميين في جامعة نورث كارولاينا. وفي ورقة بحثية نشراها مؤخرًا، حدد الباحثان عددًا من التقنيات المتقدمة التي يستخدمها التنظيم لإبراز قوة مرئياته، من الاهتمام باختيار الألوان المتفاوتة- زي أسود للجنود وبرتقالي للضحايا- لاستخدام الكاميرات المتعددة، والتركيز العالي، والزوايا "الدقيقة" والأصوات القريبة، لخلق تأثير "الشاهد" لدى المتابع

50 ألف حساب على تويتر

50 ألف حساب على تويتر
وتابعت الصحيفة: "وبالإضافة للتقدم في مهارات الإنتاج، فإن التنظيم نجح في الوصول للجماهير. ألبيرتو فيرنانديز، الذي أدار وحدة اتصالات مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية قبل الانضمام لمعهد أبحاث الشرق الأوسط الإعلامي (MEMRI)، يعتقد أن المتعاطفين مع داعش يملكون أكثر من 50 ألف حساب على تويتر. الكثير من هذه الحسابات يتم إدارتها من الشرق الأوسط؛ مما يعني أن كل رسالة يمكن إبرازها بشكل سهل. وفي دراسة لإنتاج أسبوع من الإنتاج الإعلامي لداعش على تويتر، قام به الباحث هارون زيلين، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وجد أن 123 منتجًا إعلاميًا أصدر بست لغات، 24 منهم عبارة عن مقاطع فيديو. الصور الوحشية التي تحتويها محسوبة لتصدم وتحصل على اهتمام الإعلام العادي"

استعادة المجد الإسلامي

استعادة المجد الإسلامي
ونقلت الصحيفة رأي تشارلي وينتر، من مؤسسة قوليام البحثية، ففي تحليل مفصل لدعايتها، قام بها، استطاع وينتر تحديد عدد من السمات، منها: الرحمة، الظهور كضحية، الانتماء، والمثالية الفاضلة، بالإضافة للحرب والقتل.
وتابع وينتر: أن أحلام الأخوية السنة، واستعادة المجد الإسلامي الضائع هي ما يلهم المتابعين، أكثر من قطع الرءوس.
وفي حين كانت السرديات الجهادية السابقة متمحورة حول "المقاومة" للأعداء المتخيلين، فإن داعش تبرز ما يسميه وينتر "دعاية المنتصر". بناء على المظلوميات المستخدمة مرارًا للإسلام السياسي، فإن داعش لا تتحدث فقط عن إنشاء خلافة، لكنها تفعل ذلك (إلى حد ما). هي لا تتحدث بشكل مجرد عن تحطيم الحدود الاستعمارية، لكنها تجرفها فعليًا، وهي لا تقوم بشكل مجرد بإعادة إنتاج "الشريعة الكاملة"، لكنها تفرضها بأكثر الأشكال تأويلًا وقسوة للقانون الإسلامي خلال قرون، إن لم يكن على الإطلاق.
في بحث زيلين عن المنتج الأسبوعي لدعاية داعش، أكثر من ثلث الرسائل المستخدمة لم تكن حول الحرب؛ بل كانت حول الخلافة ومزايا الإسلام، مظهرة افتتاح المستشفيات، وابتسام أطفال المدارس، والمواطنين متحمسين لأداء البيعة للخليفة. تشارلز ليستر، الباحث في مؤسسة بروكنجز البحثية، يقول: إن صورًا إيجابية كهذه توضح قوة بقاء داعش، قائلًا: "في كل من سوريا والعراق، تظهر داعش نفسها على أنها جيش ودولة بديلة لاستبدال الأنظمة السياسية الفاشلة والقمعية والدفاع عن السكان منها، والتي كانت مضادة للمسلمين السنة"، في مسعى سمح لداعش بتثبيت جذور لها قد تسمح لها بالبقاء لوقت طويل، بحسب قوله.

حرب عصابات

حرب عصابات
وفي سياق الدول المنهارة، في كلمات أخرى، فإن داعش تعمل كعصابة شوارع أو مافيا، حاكم قاس لكنه ضروري، ضمن سردياتها الخاصة للشرف. دون ويزلو، الكاتب حول عصابات مخدرات المكسيك، يصف خلطهم للعنف المفرط مع زخرفات الفضيلة المدنية بأنها "تواصل إرهابي"، قائلًا: إن العصابات دفعت الدولة المكسيكية للاستجابة بقسوة توازيها، ثم تبعت ذلك ببناء العيادات والكنائس والملاعب، وإقامة المهرجانات للأطفال وعيد الأم، عبر إعطائها لكل امرأة غسالة أو ثلاجة.
نهج العصابات الذي تقوم به داعش، سواء في العراق أو سوريا أو شبه جزيرة سيناء، أو سرت الليبية، حيث حصل التنظيم على أرض، هو جزئيًا ما يفسر مناعة أتباعها عن الاقتناع. الشخصيات الإسلامية الدينية التقليدية، وحتى العلماء الجهاديون الذين لا ينظر لهم على أنهم متطرفون كما يجب، لا يملكون سلطة على تنظيم يظن أن معظم المسلمين حادوا عن الصراط المستقيم. بخصوص ذلك يقول فرنانديز: إن داعش هي "منتج لديمقراطية المعرفة والمعلومات"؛ إذ إن نقاشهم الفكري مستقى من أشخاص لا يملكون قيمًا سوى القتال، وكونهم في الأرض وساحة العمل.

كيف تهزم "داعش"؟

كيف تهزم داعش؟
اختتم تقرير الصحيفة بتقديم رؤية حول كيفية تحقق الحكومات والدول الانتصار على "داعش"، ليس بانتهاج أسلوب دعائي، ولكن عبر إصلاح سياسي واقتصادي يكون له مردود اجتماعي على شعوب الدول التي ظهر فيها التنظيم.
وتقول الصحيفة: "كل هذا يدل على أن أفضل وسيلة لقتال دعاية داعش ليس بالمزيد من الدعاية، ولكن بالإجراءات المضادة؛ إذ يقول ليستر: إن "المفتاح لهزيمة داعش هو حل الفشل السياسي والاجتماعي في العراق وسوريا"، لكن هذا يتطلب وقتًا طويلًا لاستعادة دول تحطمت أو فشلت؛ إلا أن الحل الأنسب في الوقت الحالي هو قتال التنظيم؛ إذ يقول فيرنانديز: إن التنظيم "عبارة عن سمكة منتفخة، تنفخ نفسها أكثر من حجمها"، مشيرًا إلى أنه لا يوجد شيء أكثر تدميرًا لدعايتهم من هزيمتهم العسكرية على الأرض.

شارك